سميره الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 8060 - 2024 / 8 / 5 - 22:58
المحور:
الادب والفن
المشهد الأول
(المكان: غرفة بسيطة في منزل قديم. الأثاث متواضع. الأم، سلوى، تبدو متعبة وقلقة. البنت، نور، تبدو متحمسة ومتحيرة في آن واحد)
سلوى: لا أستطيع إلا أن أشعر بالحيرة والقلق. الأمور ليست بسيطة كما تبدو.
نور: أعلم أماه. لكن ما الحل؟ نحن عالقون في هذا الوضع منذ زمن طويل.
سلوى: كلما فكرت في الأمر أشعر بالضياع. ماذا نفعل؟ كيف نقرر؟
نور: لا أعرف. أحياناً أرى أن علينا المخاطرة، والخوف يمنعني.
سلوى: وأنا كذلك. الأمور معقدة وكل قرار له عواقب.
نور: هل نظل هنا في هذا الوضع إلى الأبد؟ ألا يجب أن نحاول تغيير حياتنا؟
سلوى: نعم يا ابنتي لكن بأي ثمن؟ لا أريد أن نندم لاحقاً.
نور: إذا لم نجرب لن نعرف أبداً.
سلوى: وإذا أخطأنا، تكون العواقب وخيمة.
نور: كيف نعرف ما هو الصواب؟
سلوى: هذا هو السؤال الصعب.
نور: علينا أن نتبع إحساسنا.
سلوى: لكن إحساسي يقلقني. لا أريد أن نفقد كل شيء بسبب قرار خاطئ.
نور: وأنا أشعر أننا بحاجة إلى فرصة.
سلوى: نحن في متاهة لا نجد مخرجاً.
نور: أليس هذا من حقنا أن نتطلع الى حياة أفضل؟
سلوى: بالطبع من حقنا. لكن كيف نصل إليه دون أن نخسر أنفسنا؟
نور: سنأخذ المخاطرة. هناك ضوء في نهاية هذا النفق.
سلوى: أو ربما يكون هناك ظلام أكبر.
نور: الاحتمالات مفتوحة!
(تتوقفان عن الكلام ينظران إلى بعضهما البعض في صمت وكأنهما تبحثان عن إجابة في مكان ما)
المشهد الثاني
(المكان نفسه. الجو متوتر بعض الشيء)
سلوى: إنه رجل غني.
نور: نعم أماه هذه حسنته.
سلوى: لكنّ الحياة مليئة بالذئاب البشرية، خاصة بين الاغنياء.
نور: وحتى بين الفقراء. كل رجل وحش مقنّع!
سلوى: هل يمكنك الثقة به؟
نور: كل ما نعرفه عن الناس نعرفه من الخارج. لكن ربما يكون هذا الرجل فرصتي الوحيدة.
سلوى: علينا الحذر من سوء الاختيار.
نور: وما البديل؟
سلوى: كنتِ دائما تحدثينني عن زميلك في الجامعة.
نور: مشاعر رومانسية لا مكان لها في هذا العالم.
سلوى: لأنه فقير؟
نور: حتى لو كان حبّاً حقيقياً ستذهب المشاعر مع أول عاصفة في الحياة وسنندم ونكره بعضنا.
سلوى: لا بأس يا حبيبتي لا بأس!
نور: من أجل هدفي لن أنظر الى الماضي مهما كان عزيزاً على القلب.
سلوى: ماذا لو كان هذا الرجل مثل الباقين؟ وحش في زيّ إنسان؟
نور: انظري بإيجابية يا أمي!
سلوى: أنتِ كل ما أملك في هذه الحياة. لا أستطيع أن أتحمل أن أفقدك.
نور: أفهم خوفك يا حبيبتي. لكن فاز باللّذات من كان جسورا.
سلوى: والعواقب؟
نور: أتوجد عواقب أكثر من أننا لا نملك غداءنا، وإن امتلكناه، لا نملك العشاء؟
سلوى: وهل يدعونا ذلك الى رمي انفسنا في التهلكة؟
نور: لن أرميها.
سلوى: سأكون دائماً بجانبك مهما كان قرارك.
(يتعانقان. ويغزو الظلام المكان)
المشهد الثالث
(المكان نفسه مع حلول الليل)
سلوى: لا أستطيع أن أنسى ما حدث لوالدك. قتلتهُ جهة مجهولة لأسباب مجهولة. هذا الرجل الذي سيأتي لخطبتك ينتمي إلى نفس الفئة.
نور: أعلم أماه. لكن ألا تعتقدين أن علينا أن نحاول تجاوز الماضي؟
سلوى: هو سياسي انتهازي ولص كما يقولون، كيف يمكننا أن نثق بشخص مثله؟
نور: يمكننا استخدام نفوذه لحمايتنا.
سلوى: بأي ثمن؟ هل نستبدل قيمنا ومبادئنا مقابل المال والأمان؟
نور: يجب علينا أن نفكر في مصلحتنا. الزمن تغير وعلينا أن نتغير معه.
سلوى: لا أستطيع أن أتخلى عن مبادئي. تربيت عليها ولن أتجاوزها من أجل المال.
نور: القيم لا تطعمنا ولا تحمينا. نحن بحاجة إلى شيء ملموس.
سلوى: وهل يمكن أن يكون هذا الشيء سبباً في دمارنا؟
نور: الفرص هذه الايام كلها محفوفة بالمخاطر يا أمي ولا يوجد طبق من ذهب.
سلوى: انت على حق!
نور: ثم إن عمري يجري وأنا على أعتاب الثلاثين.
سلوى: ما زال ألق عينيك يُذيب القلوب.
نور: لا أشعر بهذا الألق. أظنّ أنه اختفى.
سلوى: انظري في المرآة وستعلمين أنه موجود.
نور: وإن كان موجوداً اليوم فسيختفي غداً.
سلوى: مثل ألقي الذي اختفى حين جلبوا والدك جثة في تابوت.
نور: يرحمك الله يا أبي العزيز.
سلوى: له الرحمة!
(ببطء يزحف الظلام على المكان)
المشهد الرابع
سلوى: سمعتُ أن هذا الرجل لص وسكير!
نور: اشاعات!
سلوى: طلّق زوجته بعد ان دخلت المستشفى بسبب ضربه المبرح لها.
نور: قد يكون تشويهاً للسمعة من خصومه السياسيين!
سلوى: مظاهر التقوى واضحة عليه، لكنها قد تكون مجرد مظاهر!
نور: وقد تكون تقوى حقيقية. من يعرف؟
سلوى: وازني عيوبه مع حسناته.
نور: نفوذه وممتلكاته افضل حسناته.
سلوى: هل يمكننا حقاً أن نعيش مع شخص مثل هذا؟ مجرد جواري؟!
نور: إذا وافقنا عليه نحمي أنفسنا من خطر أكبر.
سلوى: هذا ما يخيفني. حينما رفض والدك ان يكون مرتشياً مثلهم قتلوه. لا أريد أن نواجه نفس المصير.
نور: ابي رجل قوي ولم يستطع، تتوقعين نحن النساء نستطيع؟
سلوى: علينا اذن أن نغض الطرف عن سماجته وكبر سنه حتى يمكن العيش معه.
نور: لا نملك الخيار المثالي.
سلوى: اذا كنا لا نعرف السباحة نتجنب النهر، ونمشي الى الجسر ولو كان بعيداً.
نور: حكمة العجائز لا تنفع. نحن في وسط النهر.
سلوى: أحياناً أشعر بأن المال والأمان يغلبان على كل شيء آخر، وأحيانا احتقر نفسي حين أفكر بهذه الطريقة.
نور: وأنا مثلك يا أماه. ربما علينا أن نقبل بالواقع ونحاول التأقلم.
سلوى: أرجوكِ فكري جيداً قبل أن تقرري.
(ببطء يزحف الظلام عليهما)
المشهد الخامس
(المكان نفسه. سلوى ونور متعبتان ومحتارتان)
سلوى: لقد تحدثنا كثيراً وفكرنا كثيراً لكن لم نصل إلى حل.
نور: كلما فكرنا أكثر تصبح الأمور ضبابية أكثر. لا أعرف ماذا نفعل!
سلوى: التفكير العميق أحياناً يجعلنا نغرق في بحر من الاحتمالات والمخاوف.
نور: آلاف الاحتمالات تقول هو الأمان الذي نبحث عنه وآلاف الاحتمالات تقول إنه قبر لقلبي!
سلوى: كل خيار يبدو مغرياً ومخيفاً في آن واحد.
نور: لا أريد أن أتخذ قراراً خاطئاً يلاحقني طوال حياتي ولا أريد أيضاً أن أضيع فرصة قد تكون الوحيدة.
سلوى: أحس بالشلل!
نور: ربما علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث. أحياناً القرار الصحيح يظهر لنا عندما نكون في قلب الموقف.
سلوى: نعم لكن الوقت يمضي ولن ينتظرنا إلى الأبد.
(طرق على الباب. صمت)
سلوى: الطرقات على الباب هي الحل وهي المشكلة!
نور: سنتقبل ما سيأتي مهما كان.
(الطرق على الباب مستمر)
سلوى: هل نحن جاهزتان لمواجهة المجهول؟
نور: ليكن ما يكون!
(يستمر صوت الطرقات على الباب. تنظر الأم وابنتها في عيني بعضهما البعض. لا يتحركان من مكانهما)
نور: أماه الباب!
سلوى: نعم إنه الباب!
انتهت
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟