|
في معنى رجال الأعراف قرآنيا
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 8051 - 2024 / 7 / 27 - 15:41
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رجال الأعراف من نص الآية التالية ينحصر أهل الأعراف بفئة الرجال فقط، هذا التحديد هو مدار تساؤلات عديدة من المسلمين وغير المسلمين، لماذا رجال فقط؟ هل ذلك متعلق بتكوين الرجال أم هناك تبرير شرعي أخر؟ وقبل أن ندخل في معمعة الأسئلة التي لا تنتهب علينا أن نعرف أولا ما هي الأعراف، هل هو مكان؟ حال وضع طريقة؟ أي شيء يكون هذا الأعراف أو تكون هذه الأعراف، ذكر في الروايات القديمة أن الأعراف هو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما، وروى جرير عن حذيفة أنه سُئل عن أصحاب الأعراف فقال هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم. الرد من القرأن على هذا القول بأنهم قوم أو أقوام وبالتالي القوم ليسوا رجالا فقط ففيهم النساء والأطفال والنص يقول تحديدا رجال { وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ}، إذا هو ليسوا أقواما ينتظرون، الرد الثاني أهم ليسوا ممن تساوت حسناتهم وسيئاتهم ينتظروا أمر الله، أولا يوم الحساب يحسم الله الأمر { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ}، فلا يمكن أن ينتهي يوم الجمع وقد ذهب كل فريق للمأوى وفريق ثالث ينتظر، ثم النص لا يوحي إلى هذا النوع من الرجال فهم يعرفون كلا الفريقين بأسمائهم وسيماهم معاتبين أهل النار { مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ}، إذا هم شهود أو على الأقل لديهم علم وحكم وقدرة على التشخيص، كما نادوا أصحاب الجنة بذات النداء {ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ}، من النص ننفي قطعا ما ورد في الرواية عن أصحاب الأعراف. هناك رأي أخر في أهل الأعراف (يرى مجاهد أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ صالحون، وأنّهم من الفقهاء والعلماء، ذهب المهداوي ومعه الشوكاني والقشيري وشرحبيل بن سعد أنّ أصحاب الأعراف هم الشُّهداء من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ويرى شرحبيل بن سعد أنّ أصحاب الأعراف هم الذين استشهدوا في سبيل الله والذين خرجوا للجهاد عاصين لآبائهم)، وهذا القول مردود لأن الشهداء ليسوا فقط رجال بل نساء وأطفال وهم ليسوا بقوم قطعا رجال فقط، وبذلك يكون هذا القول مردود لا يبنى عليه بناء. عندما نعود للقرآن هناك فئة من الناس يكون القاسم المشترك بينهم أنهم رجال فقط {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ}، أيضا النص التالي يعزز النص الأول {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وهناك نص نوعي يعزز وجود هذه الفئة من النس على أنهم رجال فقط {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، هؤلاء الطائفة من الناس وحدهم من الرجال وهم مؤمنين وهم يعرفون الناس بسيماهم، هذا ما يعزز رأي الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء (إن أصحاب الأعراف الوارد في النص التالي {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي يعرفون بعلاماتهم، وأن أصحاب الأعراف هؤلاء هم الأنبياء والرسل، لأن الله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم يعرفون كل بسيماهم، فلأنهم يعرفون كل بسيماهم، هؤلاء من أصحاب النار، هؤلاء من أصحاب الجنة، هؤلاء في الدرجة العالية، هؤلاء في الدرجة التي بعدها، كل ذلك يعرفه أصحاب الأعراف {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ} إذًا فهم أصحاب معرفة، ولهم شأن عظيم عند الله)، ومع أن الإشارة في التفسير كانت ضعيفة وغير مقنعة لكنها تصبح أقوى من خلال إشارة كلمة الرجال المحصورة بالأنبياء والرسل فقط. أما معنى الأعراف فهي لا جبل ولا سور ولا حاجز كما يقول الكثيرون من أهل التفسير والروايات وإن ذكر أن بين الفريقين حجاب، ولكنه لي الأعراف حتما، فالنص رغم قصره يتكلم عن موضوعين منفصلين، الأول هو الحجاب بين الجنة والنار وهذا أمر طبيعي وعقلي بدليل أن هؤلاء يخاطبون هؤلاء من وراء مانع، ثانيا تكلم على الأعراف ولم يقل على الحجاب أو في الحجاب أو من الحجاب بل قال وعلى الأعراف {وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَال}، فالأعراف باللغة ليس جمع عرف كمل يزعن الكثيرون والعرف هو المرتفع من الشيء وضربوا مثلا بعرف الديك، العرف هو العلم بالشيء وأستخدامه دون الحاجة لسؤال ( أو إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار، ويقال: فلان يعرف الله ولا يقال: يعلم الله متعديا إلى مفعول واحد، لما كان معرفة البشر لله هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال الله يعلم كذا، ولا يقال يعرف كذا، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر، وأصله من عرفت أي أصبت عرفه أي رائحته، أو من أصبت عرفه أي خده، يقال عرفت كذا قال تعالى ﴿فلما جاءهم ما عرفوا﴾ [البقرة/89]، ﴿فعرفهم وهم له منكرون﴾ [يوسف/58]، ﴿فلعرفتهم بسيماهم﴾ [محمد/30]، ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾ [البقرة/146].)، فرجال الأعراف هم الرجال الذين يدخلهم الله الجنة غرفا لهم وعرفانا لما عرفوا حق الله وعرفوا الناس به فهم أهل الأعراف أي أهل معرفة الله، والدليل قوله تعالى {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}، فعلى الأعراف كقولنا على شروطها أي وفق شروطها وليس على بمعنى الفوق، وعلى الأعراف أي وفق ما عرفوا من قول خاطي هؤلاء الرجال أهل الجنة وأهل النار ليذكروهم بما كانوا يقولون لهم { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. {وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ (44) ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ كَٰفِرُونَ (45) وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ (46) ۞وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (47) وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٗا يَعۡرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمۡ قَالُواْ مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ (48) أَهَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمۡتُمۡ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحۡمَةٍۚ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ (49) وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (50) ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ (51)
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خمريات... وتريات ... أوهام وأحلام
-
نون والقلم وما يسطرون... من وحي المعنى...
-
فلسفة العقاب في القرآن
-
البيعة في الإسلام... بين المفهوم والممارسة.ح2
-
البيعة في الإسلام... بين المفهوم والممارسة.ح1
-
إشكالية العدل والعدالة في الخطاب الديني الإسلامي.
-
مختارات فيس بوكيه مما كتبت.... 2
-
مختارات فيس بوكيه مما كتبت....
-
الدين والإنسان وحقيقة تأريخ الإيمان 2
-
الدين والإنسان وحقيقة تأريخ الإيمان
-
- نحن إلى أين؟... ما هو مستقبل العقل البشري؟- 2
-
- نحن إلى أين؟... ما هو مستقبل العقل البشري؟-
-
تاريخ الخرافة ح 34 والاخير
-
تاريخ الخرافة ح 33
-
مذكرات ما قبل إعلان الجنون
-
تاريخ الخرافة ح 32
-
تاريخ الخرافة ح 31
-
تاريخ الخرافة ح 30
-
تاريخ الخرافة ح 29
-
تاريخ الخرافة ح 28
المزيد.....
-
فيضانات قاتلة تجتاح البوسنة والهرسك.. ونشر الجيش في المناطق
...
-
-طيران الإمارات- تحظر أجهزة -البيجر والووكي توكي- على متن طا
...
-
فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص
...
-
الصحة اللبنانية تعلن مقتل 25 شخصا وجرح 127 جراء الغارات الإس
...
-
-كأنما ضُربت بقنبلة ذرية-، شهادة جرّاح بريطاني تطوّع للعمل ف
...
-
مراسل RT: معظم الأسلحة المضبوطة في أوغليدار مصنوعة في الولاي
...
-
فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص
...
-
مشاهد خاصة بـRT لقصف إسرائيلي طال برج البراجنة في ضاحية بيرو
...
-
مياه الأمطار تدمر سدا في إقليم ألتاي الروسي
-
العلم الروسي يرفرف على أسطح مباني مدينة أوغليدار المحررة
المزيد.....
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
المزيد.....
|