|
موقع سورية في احتمالات عقد مؤتمر إقليمي شرق أوسطي
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 8023 - 2024 / 6 / 29 - 00:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتواتر الحديث عن اليوم التالي لحرب غزة، ليس على صعيد القضية الفلسطينية فقط، وإنما للشرق الأوسط كله، على ضوء الاستفادة من المحاولات السابقة للعمل من أجل قيام نظام أمن إقليمي لا يكون موجهاً ضد أي دولة من دول الإقليم، بل يلبي اهتمامات ومصالح كافة الأطراف. إلا أنّ ثمة تحديات كثيرة سوف تعترض هذا التوجه، خاصة إدراك دول وازنة في الإقليم أنّ أمن إسرائيل هو الهدف الأساسي للاستراتيجية الأميركية، تحت غطاء مشروع حل الدولتين. إذ بعد الصراعات التي شهدها الشرق الأوسط، على مدى عقود، أدركت الدول الغربية الكبرى أهمية البحث عن استقرار مستدام، خاصة بعد تهديد أمن طرق التجارة وتعثّر الاقتصاد العالمي. إذ إنّ المنطقة تشهد منذ سنوات تنافس بين القوى الإقليمية الرئيسية، إسرائيل وإيران وتركيا والسعودية، في حين أُخرجت دول مشرقية، مصر والعراق وسورية، من التأثير الفاعل في مستقبل المنطقة. ونعتقد أنّ هذا الطموح لا يمكن أن يتحقق دون شموله لكل دول المنطقة، إذ أدت تداعيات حرب غزة إلى أنّ المنطقة مقبلة على تحولات تضبطها توازنات إقليمية وشروط القوى الدولية الكبرى. مع العلم أنّ الشرق الأوسط متعدد التحالفات، ولكنه "ليس متعدد الأقطاب: فالولايات المتحدة تظل، إلى حد بعيد، الراعي الأمني الأساسي للشرق الأوسط، ويبدو من المستبعد أن يتعرض هذا الموقع لأي خطر في المستقبل المنظور" (1). ويقوم المشروع أساساً على الاقتصاد والأمن، أي ما يسمى "السلام على أساس النمو"، من خلال إقامة سوق اقتصادية كبرى "جسر القارات"، الذي ينطوي على دور لكل من الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، يمكن أن تجعل المنطقة أكثر ارتباطاً ومصالح مشتركة، من خلال تعزيز البنية التحتية خاصة تسهيل التواصل عبر الطرق والقطارات وزيادة التجارة. أي يبدو أنّ ثمة توجهاً للتوزيع الوظيفي لبلدان الشرق الأوسط، بهدف ترسيخ الاعتماد المتبادل بينها، لتجاوز مرحلة الصراع على طريق التنمية المشتركة، كما حصل في نظم إقليمية أخرى في أوروبا وآسيا. وباعتبار أنّ موقع سورية على هذا الجسر، وهي تحتاج إلى إعادة إعمار بعد الخراب الذي حلَّ بها خلال ثلاثة عشر عاماً من الصراع، وباعتبار أنّ الجسر لم يُغلق بعد، يمكن لها أن تكون جزءاً من المشروع، خاصة إذا تمَّ العمل الجدي على إعادتها إلى مكانتها في الإقليم من خلال إطلاق عملية انتقال سياسي. إذ من المرجح أن تتحدث إدارة بايدن، قبيل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر، عن الدعوة إلى مؤتمر سلام الشرق الأوسط، كي تستخدمه في معركة الانتخابات، خاصة بعد حراك شباب الجامعات الأميركية الذي طالب بالتوقف عن دعم إسرائيل في حربها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، على طريق إعادة نظر أميركية في افتراضاتها الأساسية وصياغة رؤية حول المنطقة، وتجديد التزامها تجاه الشرق الأوسط. ليس ذلك فحسب، وإنما إعادة تشكيل العلاقات في المنطقة، ومن مؤشرات ذلك الاتفاق الأميركي – السعودي الذي تأمل الإدارة أن يغيّر الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهذا ما أكده الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز "ويلسون" في واشنطن ديفيد أوتاواي، الذي اعتبر "أنّ الاتفاق يمثل انتصاراً للرئيس الأميركي الذي يريد أن يكون الرئيس الأميركي الذي صنع السلام، أخيراً، بين إسرائيل والسعودية، وهو الهدف الأساس طويل الأمد لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لأنّ ذلك من شأنه أن يجعل قيام تحالف عسكري وسياسي أميركي أوسع مع عديد من دول المنطقة بما فيها السعودية والإمارات وإسرائيل أمراً ممكناً لاحتواء إيران وإنشاء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط، وهو اتفاق سيسمح للولايات المتحدة بتخصيص مزيد من وقتها وطاقتها للتعامل مع روسيا والصين، المنافسين الرئيسين لها على النفوذ والقوة العالميين" (2). ويبدو أنّ إعادة تشكيل الشرق الأوسط منوطة بتحولات السياق الدولي والإقليمي، وليس فقط بالإرادة الأميركية، خاصة على ضوء الأدوار الجديدة للقوى الإقليمية، التي كانت سابقاً تحت السيطرة الأميركية المطلقة. وفي الواقع تتلاقى مصالح مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي حول قضايا الأمن والتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط، إذ تحفّز مصالحهما المشتركة العمل من أجل منظومة أمن وتنمية في الشرق الأوسط. كما يبدو أنّ ثمة ترتيبات فعلية لبناء نظام إقليمي يدمج إسرائيل في المنطقة، ويطلق مشاريع اقتصادية وأمنية طموحة، وفي سياق هذه المساعي سيكون للملكة العربية السعودية الدور الأهم بين الدول العربية. وفي سياقه، سوف تسعى إيران إلى استباقه بإيحائها بتقليص نفوذها الإقليمي، بما يساعد على الحدِّ من الاحتقان في المنطقة، وتتجسد مصداقية هذا المنحى في سياق التفاهمات حول مستقبل سورية، من خلال احترام إرادة السوريين بإيجاد مخرج واقعي عادل لهم، ومصداقية هذا التوجه يكمن في إعادة قوات الحرس الثوري وميليشياتها إلى حدود دولتها، إضافة إلى ضرورة التفاهم مع إسرائيل وتركيا. أما بالنسبة للروس، فعليهم القبول بمخارج واقعية في سورية، تراعي بعض تطلعاتهم، وفق الموازين الجديدة، بما فيها إمكانية المقايضات بعد تقدمها في أوكرانيا. وفي المقلب الآخر للسرديات المتداولة حول الشرق الأوسط الجديد، والمساومات التي تتم بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة، يبدو اليوم التالي لحرب غزة ينطوي على إمكانية استعادة للحظة رسم جديد لأدوار دول المنطقة، تأخذ بعين الاعتبار الأوزان الحقيقية للقوى الإقليمية والدولية في المنطقة، وأيضًا المقايضات المحتملة بين هذه القوى. ونحاول هنا أن نحيط بموقع سورية في هذا المسعى إذا ما تمَّ انطلاق أعماله، إذ يبدو أنها ستكون أحد أوجه التغيير في الأدوار. خاصة على ضوء ديمومة كارثتها التي، في جانب من جوانبها، أدت إلى أزمات داخلية في العديد من الدول التي استقبلت موجات اللاجئين السوريين. إضافة إلى تحوّل سورية إلى بؤرة للتطرف، وتفكك مجتمعها، وتقاسم جغرافيتها بين أربع قوى أمر واقع. ومن هنا ليس واضحاً مكانة سورية في الترتيبات الإقليمية الجديدة المتوقعة، فهل تكون مكافأة النظام على عدم انخراطه في حرب غزة أن يشغل موقعاً ما في هذه الترتيبات، خاصة مع غياب طرف معارض وازن؟ يبدو أنّ الأمر منوط بمدى استجابته للشروط الأميركية، أي السكوت عن وجودها في سورية، وترسيم الحدود مع إسرائيل ولبنان، كخطوة دالة على انخراطه في عملية السلام، التي تمهد للنظام الإقليمي الجديد. وفي كل الأحوال، تشير الاتجاهات التي تتفاعل في المنطقة، خاصة الدعوة الأوروبية إلى مؤتمر دولي للسلام في المنطقة بعد حرب غزة، إلى انبثاق مسارات جديدة، نجهل مساراتها ونهاياتها.
الهوامش: 1 - جينيفر كافانا (جينيفر كافانا باحثة رفيعة المستوى في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) وفريدريك ويري (باحث رفيع المستوى في مشروع الشرق الأوسط في كارنيغي للسلام الدولي): الشرق الأوسط المتعدد التحالفات (مترجم عن فورين أفيرز، تموز/يوليو 2023) – صحيفة "الإندبندت عربية" 9 آب/أغسطس 2023. 2 - أورده طارق الشامي: الاتفاق السعودي الأميركي المرتقب يغير الجغرافيا السياسية بالمنطقة – صحيفة "الإندبندت العربية" - 2 أيار/مايو 2024.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (2 - 2)
-
أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (1 - 2)
-
بعد سبع وخمسين عاماً هل استخلصنا دروس هزيمتنا الكبرى؟
-
حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (3 - 3)
-
حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه
-
حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (1 - 3)
-
سورية إلى أين؟
-
أهم تحديات الواقع السوري
-
عن الثورة السورية المغدورة
-
عن السيرورة التاريخية لربيع الثورات العربية
-
في ضرورة التكيّف العربي مع معطيات العالم المعاصر
-
مضامين الاستقلال السوري الثاني اليوم
-
نحو توسيع أساليب التفكير الحديث
-
نحو عقد اجتماعي جديد في العالم العربي
-
نحو إصلاح عربي جوهري
-
في الحاجة إلى تجاوز التأخر التاريخي العربي
-
مرتكزات العيش المشترك بين المكوّنات السورية
-
مخاطر لعبة الأمم على الجغرافيا السورية
-
العالم العربي يفتقد الدولة الأنموذج
-
تحديات الخطاب السياسي العربي
المزيد.....
-
-صمام أمان-.. أنور قرقاش يؤكد أهمية تعاون و-حكمة- محمد بن سل
...
-
السعودية.. انطلاق مناورات -طويق 4- الجوية (صور+ فيديو)
-
الولايات المتحدة.. الكشف عن اختلاس أكثر من ربع تريليون دولار
...
-
علامات شيخوخة البشرة.. تعرف على ما يمكن أن تواجهه في المستقب
...
-
أحداث لبنان وغزة وسوريا والسودان حاضرة على -مأدبة عمدة اللور
...
-
أعراض ورم الدماغ
-
علماء: سبب النفوق الجماعي للفيلة في بوتسوانا يعود إلى ظاهرة
...
-
ماكرون وبن سلمان يبحثان أزمة الرئاسة في لبنان واستدامة الهدن
...
-
هل يولد المجرمون أشرارا؟
-
4 علامات مبكرة للخرف تظهر عند المشي
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|