أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم زاروبي - مأساة غزة واليسار العالمي















المزيد.....

مأساة غزة واليسار العالمي


سليم زاروبي
عالم فلك فلسطيني متخصص في دراسة فيزياء الكون

(Saleem Zaroubi)


الحوار المتمدن-العدد: 7969 - 2024 / 5 / 6 - 19:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


"أنا على وشك الشروع في عمل احتجاجي متطرف، ولكن بالمقارنة مع ما يعانيه الناس في فلسطين على أيدي مستعمريهم، فهو ليس متطرفًا على الإطلاق. وهذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أنه سيكون طبيعيًا". هذه كانت رسالة الجندي الأمريكي آرون بوشنيل، ابن الـ 25 عاما، الذي أحرق نفسه في شهر شباط احتجاجًا على ممارسات حكومته ودعمها غير المشروط لإسرائيل في قمعها العنيف للشعب الفلسطيني.

ما فعله آرون بوشنيل، على الرغم من طبيعة فعله القصوى ونهايته الحزينة، لم يكن العمل الاحتجاجي الوحيد. بل تتوالى هذه الاحتجاجات ويزداد زخمها منذ بدأت الهجمة الإجرامية على غزة. تقودها في الأساس التنظيمات اليسارية في الدول الغربية، وعلى رأسها التنظيمات الطلابية الأمريكية.

ما يميز هذه التنظيمات طابعها الإنساني الأممي الحقيقي، الذي تشترك به تنظيمات عربية وفلسطينية أمريكية، تنظيمات يهودية يسارية، تنظيمات من الأمريكيين من أصول أفريقية، حركات حماية البيئة، وغيرها من التنظيمات التي تشكل بمجموعها تحالف حقيقي واسع، متعدد الثقافات، والأعراق، والأديان، ترشده مبادئه الإنسانية. قادت هذه التنظيمات الاحتجاجات منذ اليوم الأول تقريبًا ضد هذه المذبحة، التي تتواطأ معها، بل وتشترك بها، حكومات دولهم.

هذه الاحتجاجات التي انفجرت وأدت إلى موجة الاعتقالات المحمومة هذا الأسبوع تبرهن مجددًا على حدة الشرخ بين النخب السياسية والمالية في الغرب، التي ما زالت تدعم إسرائيل بكل عنف وشراسة، وبين المجتمعات العادية في هذه الدول، التي تنظر إلى ما يحدث في غزة برعب.

لم أذكر النخب الأكاديمية في هذا السياق، لأني أعتقد أنها في غالبيتها العظمى لا تقف مع النخب السياسية والمالية الحاكمة. هذا ما نراه في أغلب الجامعات في العالم الغربي، على الرغم أن عدد قليل من هؤلاء الأكاديميين يتبوؤون دورا قياديا في هذا الحراك.

نحن نعيش لحظة نادرة ومحورة في تاريخنا، تحولت فيها القضية الفلسطينية من قضية محلية إلى قضية تحتل موقع الصدارة في أجندة السلام والعدل الدولية. فقد أصبحت قضيتنا رمزا للظلم في العالم، وأوضح مثال على نفاق الدول الغربية ومعاييرها المزدوجة، بل ومشاركتها بوضوح في جرائم لا تغتفر.

كل من يراقب ما يحدث في اليسار العالمي، وبالذات اليسار في الولايات المتحدة، في العقدين الأخيرين يعرف أن هناك تحولا عميقًا فيه فيمَا يتعلق بالقضية الفلسطينية. هذا التحول لا يقتصر فقط على التعاطف مع الفلسطينيين ومعاناتهم. كما لا ينظر إلى القضية الفلسطينية على أنها صراع بين شعبين فقط، كما تصر على فهمه أغلب قيادتنا السياسية. بل يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ويراها قضية استعمارية كلاسيكية، أسوة بالاستعمار الأبيض لجنوب أفريقيا وأمريكا واستراليا وتاريخه الدموي الإجرامي.

أريد أن أشدد على هذه النقطة مرة أخرى، ما نراه يحدث هو أعمق بكثير من مجرد احتجاج على سياسة إسرائيل نحو الفلسطينيين، أو على شراسة المذبحة الهائلة التي تقوم بها في غزة. هذه القطاعات الشعبية الكبيرة، أصبحت تشك في القصة الإسرائيليّة للتاريخ مذ نشأت، وتتعامل مع الفكر الصهيوني من أساسه بصفته فكر عنصري استعماري غير شرعي.

من يصل إلى هذه الاستنتاجات لن يعود القهقرى، ولن ينظر مرة أخرى إلى إسرائيل إلّا من منظار تاريخها الاستعماري الدموي الحقيقي. مشكلة إسرائيل مع هذه القطاعات الواسعة من الناس أنهم ابتدؤوا يرون حقيقتها كما هي، من دون الأقنعة التي لبستها أمامهم طوال تاريخها. هذه هو مدى أزمة إسرائيل في المجتمعات الغربية. ولن تحلها اعتقالات الطلاب، ولا إسكات أصوات المحتجين، ولا طرد أساتذة الجامعات لمجرد أنهم عبّروا عن رأيهم، ولا حتى وقف الحرب الآن. هذه مرحلة الـ "لا عودة" فيمَا يتعلق بتعامل هذه التنظيمات، والجيل الشاب الذي يتبعها بغالبيته، ورؤيتها لإسرائيل وتاريخها وسياساتها.

تحدث هذه التغييرات في أغرب الظروف وأعجبها. ففي العقود الأخيرة تُركت القضية الفلسطينية بلا قيادة حقيقية ومن دون رؤية واضحة للمستقبل، بالذات بعد انهيار اتفاقية أوسلو. كذلك بعد هذا الانهيار، فقدت قضيتنا بُعدها العربي، الذي طالمَا كان مهمّا للقضية الفلسطينية، وأصبحت معظم الدول العربية تتسابق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في تعارض تام مع رغبات شعوبها. كذلك تحولت القيادة الفلسطينية الكلاسيكية من قيادة مناضلة ذات مسلّمات واضحة، إلى قيادة سلطة فاسدة وخانعة، تخدم إسرائيل ومشاريعها. كذلك تحولت قيادتنا نحن، فلسطينيي الداخل، من قيادة مناضلة مناهضة للصهيونية بشكل حقيقي وعميق، إلى قيادات تتسابق على كيف تشترك أو "تؤثر" في السلطة. على الرغم من هذا تأبى "عنقاء رماد" الحق الفلسطيني إلا أن تقوم من بين الأنقاض لترفع صوتها من جديد.

هذه المتغيّرات تدلنا أننا على عتبة حقبة جديدة وحاسمة بالنسبة لقضيتنا، لا نعرف كيف سوف تنتهي. مأساتنا في غزة هي أكبر دليل على شراسة المرحلة وخطورتها. مراحل الانتقال والتغيير العميق مليئة بالإمكانات، لكنها أيضا محفوفة بأشد المخاطر وأقساها. ما يحدث في العالم الغربي لن يغيّر سياسات هذه الدول بين ليلة وضحاها، فقد يأخذ هذا عقودا طويلة، مع أنها حتما سوف تتغير في مرحلة ما. كذلك ما نراه في المجتمع الإسرائيلي نفسه وانزلاقه التام إلى أحضان أحزاب اليمين الديني الفاشي والمتطرف، لا يبشر بالخير في المستقبل القريب. فقد تحاول إسرائيل أن تفعل مع الفلسطينيين في الضفة، حتى مع فلسطينيي الداخل، ما تحاول تحقيقه في غزة. نرى البوادر لهذا بشكل واضح!

ما نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو رؤية سياسية ترشدنا نحو حل سياسي مستقبلي معقول، يعتمد على أسس المساواة والعدل والإنسانية والتعامل الواضح مع التاريخ. أي ما نحتاج هو قيادة حقيقية تطرح مشروعًا جريئًا مبني على الأسس الإنسانية التي تستطيع أن توحّد من ورائها جميع الناس، مع تعدد انتماءاتهم، ومعتقداتهم، وآرائهم. هكذا فقط نستطيع أن نستمر في تعزيز وتكثيف التعاطف الشعبي الدُّوَليّ غير المسبوق مع قضيتنا، بل وفي تحويله إلى ذخر سياسي ملموس وعملي يؤدي إلى تغيير واقعنا السياسي جميعا ويدفعنا إلى مستقبل أفضل. هذا لم يعد حلما، بل حقيقة تتكون أمام أعيننا، لنا دور حاسم بها.



#سليم_زاروبي (هاشتاغ)       Saleem_Zaroubi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشهد صباحي من باريس
- الحياة على الأرض بين الانقراض والانبعاث
- إعادة تشغيل شريط الحياة
- دور العلم في حياتنا
- مشروع -الشمس الاصطناعية- الصيني والاندماج النووي
- من دروس الغربة
- بين الفوقيّة والدونيّة
- فاخورة مسمار
- عام على الكورونا: استنتاجات أولية
- نيوتن: عملاق الثورة العلمية
- بطل من ذلك الزّمان -- من وحي كتاب -المتفائل: سيرة حياة اجتما ...
- بين الحقيقة والنظرية: البابليون، خسوف القمر والكورونا
- أسامينا!
- هزاع المنصوري : الأرض كروية وقد رأيتها بأم عيني!
- كنه النظريات العلمية
- جاليليو و الثورة العلمية
- خمسينية الشتاء (فترة السعود)
- الخيار واضح: إما الإنسانية وإما الصهيونية!
- الفاشية هنا!
- المرأة هي المستقبل


المزيد.....




- مصر: القضاء يؤيد حكما بالسجن عاما بحق المعارض البارز أحمد ال ...
- -حزب الله- يبث لقطات من استهدافه لثكنة -زرعيت- العسكرية الإس ...
- روسيا والعراق توقعان اتفاق تعاون في مجال القضاء
- صور.. كارثة بابوا غينيا الجديدة التي دفنت -ألفي شخص- أحياء
- الجيش المصري يصدر بيانا بعد إطلاق النار في رفح ويعلن مقتل أح ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: إطلاق أكثر من 50 صاروخا من جنوب لبنان ...
- مخيم رفح.. دمار جراء القصف الإسرائيلي
- الجيش المصري يفتح تحقيقا في مقتل أحد جنوده في تبادل إطلاق نا ...
- متحف -وان- التركي.. رحلة تاريخية في ملتقى حضارات العالم
- مراسلون بلا حدود تشكو إسرائيل أمام الجنائية الدولية بشأن مقت ...


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم زاروبي - مأساة غزة واليسار العالمي