أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن - مهدي كاكه يي - الجذور التأريخية لثقافة رفض الحوار و عدم الإعتراف بالآخر في المجتمعات العربية و الإسلامية















المزيد.....

الجذور التأريخية لثقافة رفض الحوار و عدم الإعتراف بالآخر في المجتمعات العربية و الإسلامية


مهدي كاكه يي

الحوار المتمدن-العدد: 1759 - 2006 / 12 / 9 - 07:41
المحور: ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن
    


إن الثقافة الشمولية عند المجتمعات الإسلامية بشكل عام و العربية بشكل خاص تلغي الآخر و بذلك لا تدع وجوداً للآخر للتحاور معه، هي نتاج تراكمات تأريخية تجمعت خلال حقبة طويلة من الزمن و التى أنتجت الثقافة العربية التي نراها اليوم و المبنية على الكراهية و العنف و الإرهاب و روح الثأر و الإنتقام و الفكر الإقصائي و الإلغائي. عند الحديث عن موضوع الثقافة العربية، يجب الإشارة الى العوامل التي خلقت تلك الثقافة و البيئة التى ترعرعت فيها المجتمعات العربية و الإسلامية و التى ساهمت في خلق الشخصية العربية و الإسلامية الحالية.

يمكن أن نبدأ من الفترة الزمنية التي سبقت ظهور الدين الإسلامي. هنا أركز على المجتمعات العربية التي كانت تقطن الجزيرة العربية لأن ثقافة المجتمعات العربية، و الى حد ما، ثقافة المجتمعات الإسلامية السائدة في الوقت الحاضر هي ثقافة مجتمعات الجزيرة العربية التي إنتقلت الى المجتمعات العربية الأخرى و الإسلامية خلال الإحتلال الإسلامي العربي لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و أجزاء عديدة أخرى من مناطق العالم عن طريق نشر الدين الإسلامي في تلك البقاع. كانت المجتمعات في الجزيرة العربية قبل الدعوة الإسلامية، هي مجتمعات بدوية بدائية تعيش على تربية الحيوانات و على التجارة. الطبيعة القاسية لحياة الصحراء هناك، حيث شحة المياه و الكلأ و شدة إرتفاع درجات حرارة الجو و قسوة الطبيعة الصحراوية، حيث العواصف الرملية و الجفاف و الكفاح من أجل توفير مستلزمات إدامة الحياة من غذاء و مأكل و ملبس و حماية النفس من الأعداء الكثيرين، حيث كان الصراع قائماً من أجل البقاء، أنتجت مجتمعات قاسية جافة. كما أن قلة المياه والمراعي لتربية الحيوانات خلقت منافسة شديدة بين القبائل البدوية للإستحواذ على مصادر الحياة و التي تسببت في إكتساب تلك المجتمعات لروح الثأر و الإنتقام و الغزوات و النهب و القتل. هذا النضال المرير ضد قساوة الطبيعة و الحياة و كون الرجل هو الأقوى عضلياً و الذي جعل المرأة معتمدة في تدبير عيشها عليه، أدت الى (إقتناء) الرجل لأكثر من زوجة للإستمتاع بمباهج الحياة و توليد أكبر عدد ممكن من الأطفال، و خاصة من الذكور، لمعاونته في كفاحه من أجل إعالة نفسه و عائلته.

بعد ظهور الدعوة الإسلامية، قام هؤلاء العرب البدو بنشر الدين الإسلامي، بإشهار سيوفهم بوجوه الشعوب الأخرى و القيام بغزو بلدانها و نهبها و فرض الدين الجديد على شعوب تلك الدول أو فرض الجزية عليها و سبي نسائها. نجاح قبائل الجزيرة العربية في الإستيلاء على تلك البلدان و إحتلالها و حكمها، أمكنها من فرض سيادتها و ثقافتها البدوية على شعوب تلك البلدان. هكذا سادت الثقافة البدوية بين المجتمعات العربية و الإسلامية و إختفت الثقافات المدنية التي كانت سائدة فيها، حيث كانت لهذه الشعوب حضارات عريقة متطورة خدمت الإنسانية جمعاء. الحضارات السومرية و البابلية و الآشورية و العيلامية و الميدية و الفرعونية و الفارسية و غيرها حققت إنجازات عظيمة، حيث إكتشفت النار و الزراعة و الكتابة و الأرقام و المدنية. لو قُدّر لهذه الشعوب أن لا تتعرض للإحتلال البدوي أو لو ظهر الدين الإسلامي في منطقة أخرى غير الصحراء، في منطقة مثل وادي الرافدين أو وادي النيل، لكانت الشعوب العربية و الإسلامية قد تمكنت من إكتساب ثقافة متحضرة، قائمة على الإنفتاح و الحوار و قبول الآخر و إحترام الرأي الآخر. كما أنه لو سلك التأريخ طريقه السوي و تُركت هذه الشعوب تعيش حرة، تقرر مصيرها بنفسها، بعيدة عن الإحتلال البدوي، لَكانت هذه البلدان اليوم من البلدان المتقدمة علمياً و حضارياً و مدنياً، قد تكون أكثر تقدماً من الدول الغربية الحالية و لكانت شعوبها تعيش في سلام و وئام مع نفسها و مع جيرانها و مع شعوب العالم كلها. نعم، أن الإحتلال البدوي دمّر الإنسان و الحياة و خرّب البلدان التي وصل إليها و آثار هذا الخراب الثقافي و الإجتماعي متجذرة في نفوسنا و كامنة في عقولنا، نحتاج الى أجيال عديدة للتخلص من هذا الوباء، فيما لو نجحنا في العثور على الوسائل التي تساعدنا في إزالة الثقافة البدوية من عقولنا و نفوسنا بشكل تدريجي.

إن ذوبان ثقافات الشعوب العربية و الإسلامية القديمة في الثقافة البدوية خلق أزمة هوية عند هذه الشعوب و إكتسبت ثقافة البدو التي تسود فيها القبلية و الطائفية و الغزو و الإستيلاء على أرض الغير و على ممتلكاتهم و المتشبعة بروح الكراهية و حب السيطرة و سيادة المجتمع الرجولي.

المأساة هي أن الثقافة البدوية تجذرت في نفوس الإنسان العربي و المسلم، حيث إستمر الحكم البدوي لفترة طويلة و التي ساهمت في سيادة ثقافتها المتخلفة في البقاع التي إحتلها البدو. بعد الخلافة الإسلامية، إستمر الحكم البدوي الصحراوي في المنطقة، حيث بدأ الحكم الأموي و من ثم الحكم العباسي اللذان كان الحكام فيهما من بدو الصحراء أيضاً. بعد العباسيين، إستمر الحكم البدوي من خلال الحكم التركي العثماني الذي كان يحمل الثقافة البدوية التي جاءته من الجزيرة العربية. هكذا عاشت هذه الثقافة البدائية و ما زالت تعيش في وجداننا و الى اليوم يدافع الحكام العرب و المسلمون و شعوبهم عن الثقافة البدوية التي إكتسبوها و يقومون بالتمسك بها و فرض إستمراريتها. الحكام يستغلون الدين الإسلامي من أجل إدامة حكمهم و شهرتهم و نهب المزيد من ثروات شعوبهم. نرى أن المسيحيين و اليهود إستطاعوا، بعد نضال شاق و طويل و تضحيات جسيمة من تحرير أنفسهم من عبودية الكنيسة و المعبد و أن يوقفوا رجال الدين عند حدّهم و منعهم من إستغلال الدين لمصالحهم الشخصية، فقاموا بفصل الدين عن السياسة و تركوا الدين ليكون عبارة عن و شائج روحية بين الخالق و المخلوق. سيكون النضال المطلوب لتخليص المسلمين من وصاية رجال الدين و إرهابهم و تحكمهم بحياة المسلمين و تدخلهم في حياتهم الشخصية، أصعب بكثير من النضال الذي خاضه المسيحيون و اليهود الى أن حققوا أهدافهم في حياة حرة كريمة. صعوبة الأمر تعود الى أن الديانتين المسيحية و اليهودية ظهرتا في منطقة مدنية ذات حضارة عريقة، حيث كانت ثقافة شعوب تلك المنطقة ثقافة مدنية منفتحة و مسالمة، بينما الثقافة الصحراوية الآتية من الجزيرة العربية هي ثقافة قبلية قاسية و متزمتة، مبنية على الإرهاب و العنف و فرض كل شيئ بالإرهاب و القوة و العنف. من هنا ندرك أن عملاً كبيراً و صعباً ينتظرنا لكي نفلح في إزاحة الثقافة البدوية من عقولنا و إيجاد ثقافة عصرية مؤمنة بعلو قيمة الإنسان و حقه في إختياره لنمط حياته كما يشاء دون أي تدخل من الآخرين، بشرط أن لا يضر أو يؤذي ذلك الإختيار الآخرين و أن لا يتقاطع مع مصالحهم.

إذن، العامل الرئيس و الأساس لفقدان لغة الحوار و المناقشة في المجتمعات العربية و الإسلامية هو فرض الثقافة البدوية على هذه المجتمعات و التي إكتسبت هذه الثقافة مع مرور الزمن نتيجة إستمرار وقوعها تحت هيمنة هذه الثقافة و لفترة تمتد أكثر من أربعة عشر قرناً. هناك أسباب أخرى لطغيان الثقافة الشمولية على فكر هذه المجتمعات، إلا أنها متأتية كنتائج لتجذر الثقافة البدوية في نفوس الإنسان العربي و المسلم. من هذه الإسباب هي الحروب التي تعرضت لها هذه الشعوب و حالة القلق و الهلع التي يعيشها المواطن في مثل هذه الظروف و وقوع هذه المجتمعات تحت رحمة حكومات دكتاتورية تقوم بمسخ الشخصية العربية و المسلمة و حرمانها من التعليم و الصحة و من التفاعل مع الحضارات العالمية. الظروف الإقتصادية السيئة التي يعيش الإنسان في هذه المجتمعات في ظلها، تؤدي الى أن يسود الفقر و المرض و زرع اليأس و الكراهية في قلوب الإنسان. تقوم الحكومات الشمولية بتخصيص مبالغ ضخمة على أبواقها الدعائية من خلال الإذاعة و التفلزيون و الصحافة الورقية و الإلكترونية و الكتب و غيرها لتوجيه المواطن و التأثير عليه و خير مثال على ذلك هو سيطرة حكام آل سعود على الإعلام العربي، حيث يصرفون أموالاً ضخمة من موارد البترول السعودي الكبيرة على تلميع صورهم و نشر فكر المذهب الوهابي المتزمت الداعي للعنف و الإرهاب.

الثقافة البدوية المتجذرة في نفوس الشعوب العربية و المسلمة، جعلتها تدافع عن إستمرار عبوديتها و تخلفها. إنها كارثة إنسانية أن ترغب الشعوب في االمحافظة على قيودها و تقف ضد مَن يحاول تحريرها من تلك القيود و أن تدافع عن سجّانيها و جلّاديها. نعم، يجب أن لا نستغرب من ذلك لأن هذه الشعوب أسيرة ثقافتها البدائية. نحن جميعاً و بدون إستثناء، نعاني من الثقافة البدوية التي تربينا في كنفها. صحيح أن الكثير منا يدّعي بمحاربة هذه الثقافة المتخلفة و إستئصالها من عقولنا و نفوسنا، إلا أنها تعيش في دواخلنا و في عقلنا الباطن. نقول شيئاً يخالف هذه الثقافة، إلا أننا نتبعها و نطيعها و نعمل ضمن حدودها في حياتنا اليومية العملية. الى الآن، بمثقفينا و كُتّابنا، نحب سماع الإطراء و كلمات التملق و لا نقبل النقد و الرأي المخالف و في الوقت نفسه نملأ الدنيا ضجيجاً حول مدى تقدميتنا و ليبراليتنا و إنسانيتنا. نحتاج الى عمل جبار و مضنٍ و الى كثير من الوقت الذي قد يمتد عدة أجيال، لكي نتخلص من ثقافتنا البدوية و نصبح أناس سويين و عصريين. في مناسبة أخرى سأعود الى موضوع كيفية التخلص من ثقافتنا المريضة و الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف.



#مهدي_كاكه_يي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيليون: أصالة و عَراقة و هموم و آمال -1
- اللغة الكوردية الموحدة -2/2
- اللغة الكوردية الموحدة 1/2
- نظرة متأنية لمشروع دستور إقليم كوردستان
- تأريخ إنتاج و إستخدام الأسلحة الكيميائية - القسم الثاني
- تأريخ إنتاج و إستخدام الأسلحة الكيميائية - القسم الأول
- المرأة والنظام العالمي الجديد
- تشكيل الحكومة العراقية و المعادلات المعقدة التي تتحكم به
- خارطة المواقف العراقية و الإقليمية و الأمريكية تجاه القضية ا ...
- الكونفيدرالية تفرض نفسها على الواقع العراقي


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن - مهدي كاكه يي - الجذور التأريخية لثقافة رفض الحوار و عدم الإعتراف بالآخر في المجتمعات العربية و الإسلامية