أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - البيئة الاجتماعية والفكرية لنشاة الصهيونية وانتصاراتها الحلقة الأخيرة















المزيد.....


البيئة الاجتماعية والفكرية لنشاة الصهيونية وانتصاراتها الحلقة الأخيرة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7962 - 2024 / 4 / 29 - 17:56
المحور: القضية الفلسطينية
    


أعطاب ذاتية .. عوامل انتصار حروب إسرائيل
[ تصحيح خطأ : في الفقرة الأولى من المقال لأخير- الحلقة الثالثة وردت العبارة "الصهيونية.... وتنطوي على أهمية أعظم بكثير من رغبات وتحيزات سبعمائة عربي يقطنون هذه الأرض العتيقة". والصحيح سبعمائة الف عربي يقطنون هذه الأرض العتيقة". شهادة من صهيوني تكذب افتراءات الصهاينة تنكر وجود شعب فلسطيني سابق للاستيطان.]
ثم ننتقل الى الحلقة الرابعة و الأخيرة:
وجدت دول الغرب في 7 اكتوبر تمردا على نظام سيطرتها ينطوي على خطورة ؛ فانحازت علانية وبدون إبهام بجانب إسرائيل في التصدي بعنف لمحاولات قلب تظام السيطرة الصهيوني والعولمي. انبرى جوناثان كوك، صحفي التقصي الذي عاش في الناصرة بإسرائيل عشرين عاما ثم رحل الى بريطانيا لكشف دوافع دول الغرب وانحيازها المكشوف لحرب الإبادة الجماعية :
" قلق الغرب مبعثه تزايد صعوبة إبقاء بقية العالم، من خلال أفعال القسوة، على حالة الضعف والترويع والاستكانة.... والحقيقة ان هجمة حماس على إسرائيل – مهما كانت عواقبها مرعبة - قدمت إشارة لمستقبل مغايرللعديد ممن عاشوا عقودا تحت إبهام الولايات المتحدة ، او بالأغلب تحت نعلها ونعال حلفائها؛ فهم يرون ان بإمكانهم ، حتى وهم الطرف المضطهَد والضعيف والمظلوم ، ان يوجهوا لهيمنة القوة العولمية ركلات جانبية تدمي الأنف. العداء لقضية فلسطين ليس بريئا؛ فهو يدنس الكرامة الإنسانية، ويضعف نداء الضمير ويجرد الديمقراطية من اي قيمة. وهو يؤدي كذلك لمنع الأسئلة المزعجة حول دور دولة إسرائيل ، وعنف المستوطنين وقتل الأطفال".
حرب الإبادة الجماعية موضع استنكار شعوب الأرض وحركت جماهير غفيرة لاستنكار الجريمة الهمجية وألهبت ما قد يتطور الى ثورة طلاب الجامعات بالولايات المتحدة وغرب اوروب وكتدا وأستراليا، أي ما يعرف بالمعسكر الامبريالي . بات وقف العدون مِفصل التحدي لنهج الدولة الصهيونية المتواصل منذ نشأتها وكذلك لنظام الامبريلية الدولي. لم تكن الحروب المتواترة على الشعب الفلسطيني وغاياتها واضحة وجلية للعالم اجمع مثلما تكشفت عليه خلال اشهر الإبادة الجماعية وملابساتها . ظاهريا يستثنى من التضامن شطر كبير من مجتعات العرب لم تشهد تحركات شعبية.
فضيحة الأتظمة الأبوية
التضامن مع الشعب الفلسطيني اعتراف بعدالة قضيته وإعجاب بصمود مقاومته بوجه الهجمة الضارية ، وإدانة للطابع الهمجي لحرب إبادة البشر والتخريب المتعمد للبيئة السكنية والتعليمية والصحية والحضارية. اللامبالاة الظاهرية لجماهير أقطار عربية ظاهرة اجتماعية تجسدت نظرا لعوامل موضوعية، يجدر البحث عنها وكشفها بهدف تطوير التحدي العربي والدولي لعدوان الدولة الصهيونية المدعوم امبرياليا. فما يدور من اصطدامات دورية على أرض فلسطين ليس صراعا إنما هو عدوان متواصل طوال أزيد من قرن. الصراع يدور بين طرفين متقاربين من حيث الحق وتناسب القوى؛ وإسرائيل فشلت في إثبات حق لها في فلسطين. مع هذا تردد الحكومات في بريطانيا والولايات المتحدة التصريحات الروبوتية بحل الدولتين، وهي تزود إسرائيل بالدعم المادي والسياسي لمواصلة حربها، كما تزودها بالستار الدخاني، وهي تتعمد إلغاء احتمالية قيام كيان دولة للفلسطينيين، وتعزز تظام دولة الأبارتهايد.
اللامبالاة الظاهرية في المجتمعات العربية حيال محنة شعب شقيق تشكل فضيحة للأنظمة الأبوية في العالم العربي، انظمة لا تقبل المشاركة وتحتكر سلطة القرار واجهزتها تتميز بالولاء وليس بالكفاءة ؛ تريد لشعوبها ان ترسف بقيود التخلف والجهل والحرمان. وحيال دول الامبريالية تصمت وهي تشهد تناقضات القول مع الفعل وتهادن المفارقات؛ ترى الولايات المتحدة تدعم بشتى السبل و بلا تحفظ حرب الإبادة الجماعية، وتستقبل بترحاب رسلها تناقش معهم سبل تسوية!! تتقاطر بعثات دول الامبريالية الى المنطقة لتعرض بجسارة تهدئة الجبهات حتى تنفرد إسرائيل بغزة؛ وتقصر المشكلة في أسرى إسرائيليين وتغفل تماما اسرى فلسطينيين امضوا عشرات السنين في سجون يسامون العذاب والتجويع وإهمال العناية الصحية، ويصرع عشرات الأسرى تحت التعذيب او بنزوة تراود جنديا مسلحا . تغفل دول الغرب جميع هذه الفواجع وتقصر رحلاتها المكوكية على هدنة مؤقتة ريثما يطلق سراح الأسرى الإسرائيليين وتستانف حرب الإبادة !! يسمع قادة الأنظمة العربية هذه القباحات ويطنشون !
عرفت المجتمعات العربية نظم الحكم ولم تعرف الديمقراطية. فالديمقراطية قيمة حداثية. لم تلهمها خبرتها في الحياة ان صوتها وازن لصالح القضايا الوطتية والقومية، وأن من حقها المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بحياتها وبمصيرها الوطني. جماهير لم تعرف الديمقراطية ولم تفقدها كي تحن اليها. عطب في الوعي الاجتماعي يعود لأسباب تتعلق بالمسيرة التاريخية ولملابسات اجتماعية ونظام عالمي للسيطرة سياسية واقتصادية وثقافية عمقت العطب الثقافي. كان بمقدور فصائل التغيير الاجتماعي معالجة العطب عن طريق إشاعة حياة حزبية ديمقراطية داخل صفوفها، تلهم بقوة المثال الجماهير لتنتزع الديمقراطية من براثن الحكام؛ الوظيفة السياسية والثقافية للطلائع السياسية تتمثل في تدريب الجماهير على ديمقراطية إدارة الهيئات الاجتماعية والعامة وان ترفع أصواتها منددة بإهمال قضاياها الوطنية والمعيشية.
سادت المجتمعات العربية في العصر الوسيط أنظمة مستبدة هدرت إرادات الناس وتفكيرهم، اوصلت تدهور الحياة الاجتماعية الى حالة من التفكك الاجتماعي والتخلف المريع لدى الإطلالة على العصر الحديث.أدخلها التخلف في علاقات تبعية مع الامبريالية، حيث تعهد نظامها الكولنيالي برعاية تركة التخلف بما في ذلك نظم الحكم الأبوية والعلاقات الاجتماعية وعلاقات القهر والهدر وسائر قيم العصر الوسيط. ورثت الثقافة الشعبية من الماضي التعس أن من يحكم يطاع ، والإمام المعصوم ، والحق الإلهي في الحكم والمستبد العادل. لم تتطور في المجتمعات العربية برجوازية وطنية وطبقة عاملة ، فتطورت برجوازية صغيرة بنزعة تدين جبري .
نزلت النكبة الفلسطينية وإقامة الدولة الصهيونية كارثة تتناسل كوارث متلاحقة بالمجتمع الفلسطيني والمجتمعات المحيطة؛ دفع خطر العدوان مبرر الأنظمة لفرض انظمة الطوارئ والتركيز على التسلح رفض بن غوريون إبرام اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة خشية ان تعترض طموحاته في توسيع الدولة ؛ وعدل عن وضع دستور دائم يرسم حدود الدولة. انشغلت المنطقة بنزاعات بينية وبحروب الدولة الصهيونية لغايات ذاتية ، منها التوسع وإحكام السيطرة على المنطقة . كلما جاء موعد إقرار الموازنة العامة تفتعل الصدامات المسلحة مع دولة مجاورة كي تتم الموافقة على مطلب زيادة مخصصات الحرب بالموازنة العانة.
تتبعت حنة أرندت، الفيلسوفة الألمانية يهودية الديانة، تطور السيطرة النازية على المجتمع الألماني وأفعالها الدموية؛ وفي كل جملة من بحثها كانت تتعمد إلقاء الضوء على مسيرة دولةالصهيونية في درب الأبارتهايد. كل ما أوردته إنما قصدت به التعريض بنهج إسرائيل، وهذا ما لاحظه أبراهام بورغ ، رئيس الكنيست الأسبق ورئيس الوكالة اليهودية الأسبق في كتابه "لنتحرر من هتلر"؛ فقرات من تحليلات حنة أرندت لعملية صعود النازية في المانيا ، يعثر عليها منعكسة في انشطة إسرائيل الدموية وداعمتها الرئيسة – الولايات المتحدة. مسيرة الدولة الصهيونية باعتماد نظام الأبارتهايد يفضي حتما الى ردود أفعال دموية على احتجاج الضحية ثم حرب الإبادة الجماعية . الأبارتهيد مهد لحرب الإبادة الجماعية.
بينت حنة ارندت كيف أقامت النازية درعا (يماثل الدرع المقام حول شعب إسرائيل) "يمنع الحقيقة والواقعية عن الشعب الألماني ، ويبث العظمة المدعاة والرسالة الخاصة .. نفس خداع الذات والأكاذيب والاستغفال"، بحيث فقد الصلة بالواقع وعجز الأفراد، من ثم ، عن التفكير الموضوعي .
كتبت أرندت في توصيف نشاط الدعاية الغوبلزية ، وهي تعني إسرائيل : "النظام الذي ينجح في تدمير ضحاياه لهو افضل بما لا يقاس من حيث الحفاظ على الشعوب في حالة العبودية". وهذا ما يواجهه الشعب الفلسطيني في غزة، حيث قوة محتلة تقوم بمجازر دموية ضد جماهير محشورة داخل قفص الاحتلال بلا دولة او حماية . وتضيف أرندت: بات قولا دارجا أن كسب معركة الميديا يرقى لأهمية كسب الحرب الحقيقية؛ تقوم فلسفة جهاز الدعاية على تسليط الأكاذيب والتشوهات لجعل الناس يحسون، باعتزاز زائف، انهم جزء من كيان ضخم ورائع. يتم ذلك جنبا لجنب الحط من شعب فلسطين، واعتبارهم مجرد مهاجرين من الأقطار العربية المجاورة، واحيانا ينكرون وجودهم أو يجري الحط من شانهم .
لدى تسلم اليندي الحكم في تشيلي ، إحدى جمهوريات أميركا اللاتينية، عبر انتخابات ديمقراطية ومساندة جبهة شعبية كان أضرابه في الأقطار العربية يصلون الحكم عبر الانقلابات العسكرية. اغتيل اليندي وانتشرت تجربته في انحاء القارة؛ بينما تواصل في المجتمعات العربية نظام الحكم من نمط العصر الوسيط. نزلت هزيمة حزيران او "حرب الأيام الستة" ضربة اطاحت بنهج التحرر والتنمية في المنطقة ، وثق تبعيتها لنهج الليبرالية الجديدة البازغة للتو . نظرا لأن الهزيمة العسكرية نزلت بنظام عبد الناصر المدعوم بقوى علمانية ، قومية ويسارية ويضطهد القوى السلفية فقد حُمِّل التيار العلماني مسئولية الهزيمة . وجاءت ردة السادات تحتضن التيار السلفي في مواجهة الناصريين واليساريين وتزامن ذلك مع الانفتاح على التحولات الليبرالية الجديدة وشيوع ثقافتها المدمرة لإنسانية البشر، الى جانب توسع الاستيطان على اراضي فلسطين المحتلة. انتقلت السيادة بالمنطقة لدول النفط والتيار السلفي اللذين سيطرا على الإنتاج الثقافي وترويج ثقافة مخدرة للوعي الاجتماعي ، دفعت الجماهير وفصائل اليسار الى بيات مديد.
لم يكن هناك غير استراتيجية إبادة شعب فلسطين ما دعا الى الهجوم الليلي على قرية الخصاص يوم 18 كانون أول 1947 ، وهدم البيوت على رؤوس النيام. مضى أقل من شهر على قرار تقسيم فلسطين حين امر بن غوريون الميليشيات المسلحة والمدربة بفرض الحل العسكري وتوسيع حيز الدولة الصهيونية وتنقيتها من غير اليهود. قبل صدور قرار التقسيم سجل بن غوريون في مذكراته ان تهجير الفلسطينيين من مناطق الدولة الصهيونية لا يتم بدون القوة المتوحشة. الإبادة الجماعية هدف الميليشيات الصهيونية وجيش الاحتلال؛ كانت الإبادة ولم تزل طوال العقود الماضية استراتيجيا تنفذ على مراحل من خلال دورات عدوان مسلح .
هكذا إذن، فتكرار القول بأن إسرائيل فشلت في تحقيق أهداف العدوان في دورته الراهنة إنكار لتاريخ قريب؛ وهو أيضا إغفال لمآس نزلت بعشرات آلاف الأسر الفلسطينية واستهانة بمكابدات أنزلتها جرائم التحالف المعادي. وهو من جهة ثانية إغفال لإصرار إسرائيل وحماتها على استئناف حرب الإبادة بعد تسلم أسراهم. الإبادة الجماعية استدعت على الدوام أعتماد العنف المسلح لأغراض التوسع الاستيطاني وإنجاز الاستراتيجية الاقتلاعية. إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة ، والإبادة الجماعية هدفلاغير معلن. حقا عجزت إسرائيل حتى تاريخه عن تحقيق أهداف أساس؛والمقاومة الفلسطينية مع حركة التضامن الواسعة عاجزة عن وقف الإبادة الجامعية . مرحلة تثبيت مؤقتة تستدعدي المزيد من حشد وتعبئة القوى وتوحيدها.
العنف المسلح استدرج قوى فلسطينية الى العنف المضاد بغير إعداد او تنظيم؛ حيلة للتوسع وإبادة الحياة السياسية في المجتمع الفلسطيني. الحياة السياسية بحاجة الى إخراجها من الثلاجة وإنعاشها وتطوير كفاحيتها.
الاحتلال الأجنبي او الحكم المعادي للشعب لا يستدعيان تلقائيا حمل السلاح؛ فهذه الخطوة تنضج ظروفها بتصعيد الحراك الشعبي وتوسيعه ورفع منسوب المزاج الثوري لدى اوسع شرائح المجتمع. عشق النشاط المسلح استبدل الديمقراطية بالإدارة الأوامرية؛ عطل تنمية نشاط سياسي جماهيري يشيع مبدأ الاقتراع الحر وتربية الكوادر الشعبية الناشطة في أوساط الجماهير تكتسب ثقة الجماهير وتقوم بدور العصب يحرك الكتل الشعبية وقت الحاجة. الجماهير المدخرة للفزعات والمركونة كاحتياط عزوة لا تنطلق غب الطلب وبصورة تلقائية تخوض كفاحا مظفرا ضد قوات عدوان مدربة ومسلحة بأحدث التقاني. الكفاح المسلح، لكي ينجز مشروعه التحرري، لابد ان ينطلق حراكا شعبيا متصاعد ومتسع باضطراد يشحن المزاج الشعبي بالتمرد على الطغيان. أما العفوية وغياب التفكير الاستراتيجي والتنظيم والتدريب فيعتمد الفزعات الجماعية العفوية، وانتهاج سياسة رومنسية تغيب التربية السياسية والفكرية والتنظيمية للجماهير الواسعة عبر أنشطة سياسية سلمية. ولدى إلحاح الحاجة الى حاضنة شعبية للنضال المسلح ردا على العدوان المسلح لا تستجيب الجماهيروتتهم بالتقاعس والبلادة وخذلان المقاومة المسلحة . الشعب لا يلام ، فهو الضحية ، وكل تقاعس تبديه الجماهير هو مظهر فشل للطلائع الثورية او غيابها. بدون إعداد مسبق وإشراك وتدريب مقرون بالتوعية من خلال النضالات الشعبية السلمية وعبر تنظيمات اجتماعية ، نقابية او مهنية يتعذر رفد الكفاح المسلح بصورة مستدامة .
مصالح مشتركة مع الامبريالية الأميركية
انتهت الحرب الباردة وانفردت الولايات المتحدة بالسيطرة والهيمنة العالميتين. صدر عام 1992 بيان القرن الأميركي ، من إعداد ديك تشيني واعوانه. دخل ميدان الثقافة والإعلام ثقافة الليبرالية الجديدة تشيع الكراهية العرقية والقسوة . جرى تقليص موازنات الخدمات الاجتماعية؛ حولت خدمات التعليم والصحة الى القطاع الخاص، والغيت برامج تعويض البطالة. اعتمد نظام اقتصاد الكازينو ، حيث يعتبر فاقد العمل فاشلا في ميادان المنافسة وشنت حملات ضارية ضد التكافل الاجتماعي والتضامن مع المضطهدين والمظلومين.
هنا نجد مفاهيم " الحرية" و" الديمقراطية " و" الثقافة" تكتسب مضامين غير دلالاتها اللغوية. عشرات ، بل مئات المفاهيم زيفت مضامينها وتناقض العمل بها مع دلالاتها اللغوية ، وحيث ان سلامة اللغة شرط لسلامة المنطق وللنزاهة الفكرية فإن تأثير البروباغاندا هو التلاعب بالعقول ونشر الوعي الزائف، وتشويه إنسانية البشر.
بحوزة الدولة الصهيونية وثيقة قدمتها إدارة الرئيس الأميركي فورد أوائل سبعينات القرن الماضي، بجهود كيسنغر، تحمل تعهد الولايات المتحدة أخذ موافقة إسرائيل على كل ما تقترحه في مفاوضات او مشاريع حلول. التزم بالوثيقة ومضمونها رؤساء الولايات المتحدة بالتتابع؛ تلك هي طبيعة العلاقة العضوية بين الصهيونية والامبريالية الأميركية.
بات الطلبة الجامعيون، إحدى شرائح المجتمع الغربي ،على يقين بأن جيلهم لأول مرة تنقصه فرص العمل المتاحة للآباء والأجيال السابقة ؛ تحولت الجامعات للاعتماد على معونات الشركات الكبرى ، وهي مشروطة بالتحكم في نتائج الأبحاث العلمية وفي مناهج الدراسة بالكليات؛ الكثير من أبحاث الجامعات مكرس للمجهود الحربي بطلب من وزارتي الحرب الأميركية و الإسرائيلية. المساعدات المالية للمعوزين استبدلت بديون واجبة السداد؛ ونظرا لتقليص موازنات الجامعات، بينما تقدم بسخاء المعونات لإسرائيل بمليارات عديدة وتتضخم موازنة الحرب. تأجير البحث الأكاديمي يقعده عن الارتفاع لمستوى منهجية العلم، ويغدو التعليم الجامعي مقتصرا على الإعداد لمهنة تخدم الرأسمال، بينما يتم إغفال متعمد لقضايا الحريات العامة وخدمة المجتمع وتربية الديمقراطية .
في هذه الفترة تنشط الحركات الفاشية واليمين المتطرف وراحت توجه سهامها نحو نظام التعليم الجامعي. نشطت التوجهات الفاشية للحزب الجمهوري، خاصة الحكام الجمهوريين للولايات الى جانب أصحاب الاحتكارات بالولايات المتحدة ؛ يتزامن التحدي للهجوم مع تصاعد الاحتجاجات على حرب الإبادة في غزة . قارب الموضوعين الأكاديمي هنري غيروكس، الذي يعود بين الفينة والأخرى للمرافعة ضد تخريب للتعليم والثقافة بالولايات المتحدة بأيدي فاشية الليبرالية الجديدة . كتب تحت عنوان "تسميم العقل الأميركي":
"في الوقت الحاضر، عاد بقوة، مقرونا بشهوة الانتقام، شكل من المكارثية أشد خطورة ؛ تسارعت انعطافة الاستبداد في التعليم العالي بسبب القمع المتزايد للمعارضة ، منتقدي الحرب الإسرائيلية في غزة. لم تعد إسرائيل معفاة من جرائمها على قاعدة البراءة الوجودية والضحية الدائمة، ... ويذهب فيديريك لوردون إلى القول أن الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل للانتقام من غزة ودعوتها لمنع قيام دولة فلسطينية تمثل احد أشكال ’لانتحار الأخلاقي‘. وأضاف: ’لم يسبق أن حدث مثل هذا التبديد الهائل لرأس المال الرمزي الذي كان يُعتقَد انه منيع، إذ شيد إثر المحرقة‘."
يستطرد غيروكس :"في نظر حركة إ MAGA [حركة إعادة أميركا عظيمة من جديد - يتزعمها ترامب] ، يعتبر العنف الذي يشنه التمرد[ يقصد الهجوم على الكونغرس بمسوغ التلاعب بالانتخابات] أمرًا مشروعًا؛ أما الطلبة المحتجون على المذبحة التي يتعرض لها الفلسطينيون فيشكلون خطرا يهدد الدولة. تتجلى هنا مفارقة دعاة الحرب الذين يدعون إلى العنف ضد الطلاب المطالبين "الحكومة الأمريكية بوقف إرسال المساعدات العسكرية إلى إسرائيل" و"أن تتوقف الجامعات عن الاستثمار في مصانع الأسلحة... الذين يستفيدون من الغزو الإسرائيلي لغزة"؛ نفاق يخدم العنف يتوافق تمامًا مع وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للطلاب المتظاهرين في حرم الجامعات الأمريكية بأنهم ’رعاع معادون للسامية‘ يجب إيقافهم" . أضاف غيروكس: "انتقد السيناتور بيرني ساندرز بحق تصريحات نتنياهو المهينة باعتبارها حيلة لاستخدام معاداة السامية وسيلة ’لصرف انتباهنا عن سياسات الحرب غير الأخلاقية وغير القانونية التي تنتهجها حكومتك المتطرفة والعنصرية‘"؛ يضيف ساندرز : ’لا يا سيد نتنياهو. ليس معاداة السامية أو مناصرة حماس الإشارة إلى أنه خلال ما يزيد قليلاً عن ستة أشهر، قتلت حكومتك المتطرفة 34 ألف فلسطيني وأصابت أكثر من 77 ألفًا، 70% منهم من النساء والأطفال؛ ليس من معاداة السامية الإشارة إلى أن قصفكم قد دمر بالكامل أكثر من 221,000 وحدة سكنية في غزة، وترك أكثر من مليون شخص بلا مأوى - أي ما يقرب من نصف السكان‘".
تتبع نوعام تشومسكي، المناضل والمثقف الكوني البارز، أصول وقواعد الليبرالية الجديدة في حملاتها الإعلامية. عثر على نص كتبه جورج كينان، أحد أبرز أيديولوجيي الحرب الباردة الأميركيين: "إيجاد نمط من العلاقات يتيح لنا (أي الاحتكارات الأميركية)الحفاظ على وضعية اللاتكافؤ ... وعلى العالم الثالث الخضوع للاستغلال..." ومن اجل ذلك- رصد تشومسكي – ملاحظة رواد ثقافة الحرب الباردة . ومن دلائل نجاح حملات الحرب الباردة الثقافية –يشير تشومسكي- ان مثقفين كبارا في أميركا اطلعوا على الوثائق [ الأميركية المخفية لعقود خلت وأفرج عنها مع التقادم] دون ان يلفت انتباههم تعمد التلفيق والكذب والتلاعب بالوقائع. ينقل تشومسكي عن وولتر ليبمان ، أحد المنظرين لنشاط الميديا في أوائل القرن الماضي، واحد الملهمين لثقافة الحرب الباردة. وجد ليبمان الحل في تحكم نخبة ذكية في صنع القرار وتشكيل "رأي عام سديد" بذريعة ان الأغلبية جهلة وفضوليون، مهمتهم مراقبة الأحداث وليس المشاركة في صنعها. وتدرج الديبلوماسية الغربية شعوب آسيا وإفريقيا واميركا اللاتينية ضمن مفهوم العوام الفضوليين. تكتيك الدعاية بالتكثيف والتركيز يوهم المتلقي أن جميع مصادر الإعلام تجمع على رأي المؤسسة(الدولة العميقة)، فيتخلى عن قناعته إن جاءت مخالفة ويسلم وعيه للمصادر المهيمنة. الجمهور ، في نظر ليبمان، قطيع حائر مذهول يتلقى رسالة المؤسسة بغير نقد.
مما تقدم تم رصد عاملين ]ضعفان المقاومة الفلسطيني يتوج التخلص منهما :
اولا ، تغييب الحراك الشعبي السلمي شكّل آفة المقاومة الفلسطينية؛ بقدرما يدور على منابر الإعلام من حوارات ونقاشات ويعتليها خطباء ونجوم يندر ان يفطن أحد لهذه الآفة. لا يتناول نجوم المنابر الإعلامية ظاهرة تغييب الجماهير وسيلة أنظمة التخلف و التبعية لإطالة أمد سيطرتها السياسية وهيمنتها الثقافية. ولا يقارب احد من دعاة التغيير التقدمي ضرورة النزول الى المحتشدات يقيمون الصلات ويحركون الجماهير الى النشاط السياسي ، ينقلون اليهم خبرات معرفية وتنظيمية وإدارية، باستيعابها تتسيد الجماهير المجتمع وق وتقوده بالإرادة الواعية وفق مصالحهم.
وثانيا أفة الارتباط المصلحي مع الامبريالية ، خاصة قيادات المقاومة. للولايات المتحدة الأميركية مصلحة في إسرائيل قوية صاحبة نفوذ بالمنطقة ؛ ومن السذاجة السياسية التوهم بأن تنحاز الدبلوماسية الأميركية او أي من أجهزة السلة في الولايات المتحدة ضد المصالح القومية العليا. لا تتورع الدبلوماسية الأميركية عن خداع شركائها لمصلحة إسرائيل . على سبيل المثال، أبلغت الخارجية الأميركية، كذبا، ان قرارات مجلس الأمن غير ملزمة ، والحقيقة انها ملزمة. تنص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة ان قرار مجلس الأمن ملزم ان اتخذ بموجب الفصل 7 او الفصل 6. ويعمل في المنظمة الدولية قانون "الاتحاد من أجل السلام" يمنح الجمعية العامة الصلاحية ، أو البنية لمحاسبة إسرائيل او الأمر بفصلها من عضوية الجمعية العامة ومن هيئات الاختصاص التابعة للأمم المتحدة .
بدون التخلص من الآفتين تظل المشكلة الفلسطينية تدور في متاهة .



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيئة الاجتماعية والفكرية لنشاة الصهيونية -3
- البيئة الاجتماعية والفكرية لنشأة الصهيونية-2
- البيئة الاجتماعية والفكرية لولادة الصهيونية
- فكرة قِدم الصهيونية في بطن التاريخ عصفت بها في لجج ازمة مستع ...
- عنصرية الغرب الامبريالية تجذرت بفلسطين
- تطور منظومات المعتقدات الموروثة إلى ثقافة معطوبة
- ما الذي أرعب الطبقة الحاكمة البريطانية؟
- يوم لأرض بفلسطين وتوفيق زياد
- سخرية من العدالة البريطانية
- كيف مهدت ميديا الغرب للإبادة الجماعية (1من2)
- ألأسرلة العسكرية تدعم الإبادة ائلجماعية
- آرون بوشنيل... مات وهو يهتف :فلسطين حرة
- ألامبريالية والصهيونية وجهان لعملة واحدة
- جورج غالاوي يدخل البرلمان البريطاني بورقة غزة
- أي عالم متوحش
- الفريضة المغيبة في المقاومة الفلسطينية (الحلقة الثانية)
- الفريضة المغيبة في المقاومة الفلسطينية
- تأملات اكاديمي أميركي..رائحة الدمار والموت والبؤس التي لا دا ...
- الإذاعة البريطانية، شأن أمبريالية الميديا، صوت آخر لإسرائيل
- المخابرات المركزية الأميركية للتجسس والتخريب


المزيد.....




- مسؤول أمريكي لـCNN: -رصيف المساعدات- تحرك من ميناء أشدود إلى ...
- الخبير الهولندي الشهير يحذر من زلازل -عنيفة- ويحدد موعدها
- -رويترز-: بريطانيا ستفرج عن بعض المجرمين بسبب اكتظاظ السجون ...
- القوات الإسرائيلية تشن حملة واسعة على محال الصرافة بالضفة ال ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /16.05.2024/ ...
- ??مباشر: هجوم رفح أمام العدل الدولية ومفاوضات وقف إطلاق النا ...
- إثر سيطرة الطلاب عليه.. الشرطة تستعيد مبنى بجامعة كاليفورنيا ...
- فيديو لبوتين يتحدث عن -تعزيز العلاقات- بين موسكو وصنعاء.. حق ...
- الحوثيون يحذرون: لدينا خيارات حاسمة وجريئة وصعبة في حال استم ...
- أعراض غير واضحة لالتهاب الزائدة الدودية


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - البيئة الاجتماعية والفكرية لنشاة الصهيونية وانتصاراتها الحلقة الأخيرة