أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - مبادئ تصنيف الأديان 2















المزيد.....



مبادئ تصنيف الأديان 2


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 7945 - 2024 / 4 / 12 - 16:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مؤلف المقالة: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف*

ترجمة مالك ابوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم


- لا يُمكن تصنيف الأديان حسب مُحتوى المُعتقدات وموضوع العبادة
ما الذي ينبغي أن يكون أساس تصنيف الأديان؟ مُعظم التصنيفات في الأدبيات مبنية على معايير مثل مُحتوى المُعتقدات الدينية، أو بمعنى آخر، موضوع العبادة. وغنيٌّ عن القول أنه لا يُمكن تجاهل هذا العُنصر من الدين في أي مُحاولة لتحليل وتصنيف الظواهر الدينية. لكن اعتبار هذا المعيار أساسياً وحاسماً في تصنيف الدين، هو أمرٌ خاطئ للأسباب التالية.
في المقام الأول، يتكون مُحتوى المُعتقدات الدينية، في مُعظمه، من صور غامضة وعديمة الشكل، والتي يكون من الصعب في الغالب وصفها بدقة. ويُمكن الاستشهاد بعدد من الأمثلة على ذلك. وسأقتصر على بعض أكثرها أهميةً.
ما هي التشورينغا churinga المشهورة لدى قبيلة ارونتا Arunta من وسط استراليا؟ إنها كما وصفها بالدوين سبنسر Baldwin Spencer وفرانسيس غيلين Francis James Gillen، تجسيد للروح أو "الجزء الروحي" للشخص، وهي أيضاً مُرتبطة بأسلافه الطوطميين"(1).
من ناحيةٍ أُخرى، يقول المُبشر الألماني كارل ستريلو Carl Strehlow أن التشورينغا لا تشترك بأي شيء مع فكرة الروح، ولكنها وفقاً لمُعتقدات الارونتا، جسداً ثانياً خاصاً بالشخص، وفي نفس الوقت هي الجسد المُتحول للسلف الطوطمي(2). يُعتَبَر كُل من هؤلاء الكُتّاب باحثين عميقين وموثوقين للغاية. ولكنهم يطرحون، فيما يتعلق بهذه المسألة الهامة للغاية، إجابات مُتعارضة تماماً.
مثال آخر: مُعتقد المانا الذي يعتقد به الميلانيزيين والبولينيزيين. قامَ عددٌ من العُلماء بوصف وتفسير هذا التصور بطُرُقٍ مُتنوعة. البعض مثل روبرت كودرينغتون Robert Henry Codrington وروبرت ماريت Robert Ranulph Marett وإدوين هارتلاند Edwin Sidney Hartland وايرفينغ كينغ Irving King وكارل بيث Karl Beth وريتشارد كاروتز Richard Karutz وآخرين يعتبرون فكرة المانا مثالاً نموذجياً للتصور حول القوة الغامضة غير المُشَّخصة، وهو تصور لا يُشتق من الارواحية ولكن يسبقه. وعلى العكس من ذلك، اعتَبَرَ ارثر هوكارت Arthur Maurice Hocart وفيلهلم شميت Wilhelm Schmidt وليف شتيرنبرغ Lev Sternberg وآخرون فكرة المانا بمثابة تعديل ونِتاج للمُعتقدات الارواحية. فالمانا في نظرهم، هي قُوى تُميّز الأرواح(3).
مثال آخر: يذكر فلاديمير جوكيلسون Vladimir Ilyich Jochelson الذي دَرَسَ ديانة الكورياكيين Koriaks، يقول: "قبل بداية موسم الصيد في الربيع، كان الكورياك يُضحون بحيوان الرنّة على شاطئ البحر". سأل جوكيلسون الرجل الذي قدَّمَ ذلك القُربان: أٌتُقدمه الى البحر أم الى سيّد البحر؟ في البداية لم يستطع الكورياكي أن يفهم السؤال. "من الواضح أنه لم يُفكر قط في هذا الأمر، ومن المُحتمل أن كلا التصورين مُندمجين في ذهنه. ولكنه بعد فترة أجاب: لا أعرف. نقول البحر، وسيد البحر: انهما الشيء نفسه"(4).
دعوني أذكر مثالاً آخر من منطقةٍ ثقافيةٍ مُختلفةٍ تماماً. أفادَ بيتر بوغاتيريف Petr Bogatyrev، الذي أجرى دراسةً مُفصلةً عن طقوس ومُعتقدات الأوكرانيين في ترانسكارباثيا، أنه سمعَ من هؤلاء الناس وقرأ في الأدبيات ما لا يقل عن 7 تفسيرات مُختلفة لطقوس عيد الشتاء yuletide ritual السائدة جداً، وهي إحاطة الطاولة في كوخ الفلاحين بسلسلةٍ حديدية. كان بعض تلك التفسيرات سحرية صرف، وكان بعضها حول الأرواح(5).
دعونا نظرح مثالاً آخر لنُظهِر مدى سهولة أن يقع المرء في الخطأ في بعض الأحيان فيما يتعلق بطبيعة المُعتقدات المُرتبطة بطقوسٍ مُعينة. يصف روبرت راتري Robert Sutherland Rattray، أحد دراسي ديانة الأشانتي Ashanti، والخبير البارز في لُغة وأُسلوب حياة ذلك الشعب، الطقوس التي يُقدم فيها الكاهن قُرباناً عند الشجرة المُقدسة: إنه يُلطخ لحاء الشجرة بدم دجاجةٍ وبيضةٍ مكسورة. يُمكن تقييم هذه الطقوس إما إنها عبادة للشجرة نفسها، أو لروح تلك الشجرة.
ومن المؤكد أن أي مُراقب عشوائي كان سيفترض كلا التقييمين. لكنه كان سيكون مُخطئاً في كليهما. نَجَحَ راتري في إثبات أن القُربان لم يكن يُقدَّمُ للشجرة أو لروح الشجرة (هذه الأخيرة كانت موجودةً بين الأشانتي، ولكن لم تُقدَّم القرابين لهذه الروح)، بل لروحٍ أُخرى، مُقيمةٌ في هذه الشجرة، ولكن أصلها ليس مُرتبطٌ بها(6).
وهكذا، نرى أنه غالباً ما يكون من الصعب، بل ومن المُستحيل في بعض الأحيان، التمييز بين التصورات الارواحية والتصورات السحرية، أو بين التصورات الارواحية وما قبلها. ويجب أن نُضيف الى أن هذه الصعوبة ليست ذاتية، بل ذات طابع موضوعي. إن عدم القُدرة على التمييز بين التصورات الدينية، لا يوجد في رأس الباحث وحسب، بل في رأس المؤمنين كذلك. من الواضح أن نفس الاعتقاد الذي يعتنقه نفس الأشخاص، قد يتخذ طابعاً إرواحياً أو سحرياً، في حين أن بعض المُراقبين قد يعتبرون أنه ارواحي والآخرين قد يعتبرونه سحري، وفي عددٍ من الحلات لا يكون له طابع مُحدد بوضوح.
هذا يُقدِّم تفسيراً كاملاً للحقيقية المعروفة والمُلاحظة كثيراً، وهو أن الجانب الطقوسي للدين مُستقر في سياق التطور التاريخي، في حين أن تفسير طُقُسٍ مُعين قد يكون مُتغيراً. تظل بعض الطقوس ثابتةً بشكلٍ مُلفتٍ للانتباه منذ أبعد العصور الى أحدثها، ويُمكن رؤية تطابقها عند جميع شعوب الأرض تقريباً، من القبائل الأكثر تخلفاً في استراليا وأمريكا الجنوبية، الى شعوب أوروبا الرأسمالية المسيحية. لكن التصورات المُرتبطة بهذه الطقوس شديدة التنوع عند مُختلف الشعوب وفي مراحل مُختلفة. واسمحوا لي أن أذكر الأمثلة الأكثر وضوحاً.
إن طقوس استجلاب المطر موجودةٌ في جميع الأديان. تتمتع هذه الطقوس عند الاستراليين وغيرهم من الشعوب المُختلفة بطابع السحر المُحاكي في شكلٍ واضحٍ للغاية، وهي تتمثل في نثر الريش (يرمز الى غيوم المطر)، ورش الماء (قطرات المطر)، ونُطق التعويذات. هُنا لا يُمكن للمرء أن يفترض وجود تصورات حول الأرواح من أي نوع. هناك طقوس سحرية صرف، كانت تُمارسها ولا تزال، شعوب مُعينة حديثة ذات ثقافة مُتقدمة، على سبيل المثال الأستونيون والجافانيين في اندونيسيا والأحباش والروس، وما الى ذلك. ولكن في مُعظم حالات هذه المراحل العالية من التطور، يرتبط استجلاب المطر بتصوراتٍ مُعينة حول كائناتٍ خارقةٍ للطبيعة تُرسل المطر. قد يكونون أشخاصاً ميتين، كما هو الحال عند قبائل مانيبورا في الهند، أو الشركس والاوسيتيين في القوقاز، أو قد تكون أرواح وآلهة المطر عند العديد من الشعوب الافريقية، أو قديسين مسيحيين بين بعض الشعوب الأوروبية، أو كائن أعلى مثل الله الاسلامي. ان صلاة استجلاب المطر التي يؤديها في وقت الجفاف كاهن ارثذوكسي برش الماء المُقدس في الحقل، لا تختلف جوهرياً عن طقوس استجلاب المطر التي يؤديها مُشعوذ استرالي. فقط التصورات الدينية المُرتبطة بهذه الطقوس تختلف. وبالتالي، اذا كان للمرء أن يسترشد بهذه التصورات في تصنيف أشكال الدين، فلا بُد من تصنيف هذه الطقوس، المُتطابقة في مُحتواها، في قوائم بعيدة كُل البُعد عن بعضها البعض.
ويجب أن يُقال الشيء نفسه عن طقوس السحر العلاجي. إن اجراءات السحر العلاجي مُوحدة في جميع مراحل التطور، بدءاً من الحِيَل البسيطة التي يستخدمها نفس المُشعوذ الاسترالي الذي يضع حصاةٍ أو بلورةٍ سحرية على جسد مريضه، من أجل ازالة المرض منه، وصولاً الى "سر مسحة المرضى" sacrament of unction of the sick في الأرثذوكسية، حيث يُفتَرَض أن الزيت المُقدس سيشفي المرض. هُنا، مرةً أُخرى، يكمن الاختلاف فقط في التصورات المُصاحبة للطقوس. بالنسبة للاستراليين، هذه العملية ذات طابع سحري صرف، وهي الفعل المُباشر لقوة سحر التعاويذ والأشياء المادية المُستخدمة فيه، بينما بالنسبة للمسيحيين الأرثذوكس، فإن قوة الله هي التي تشتغل هُنا. في هذه الحالة أيضاً، اذا انطلقنا من مُحتوى المُعتقدات في تصنيف الظواهر المعنية، فإن هذه الطقوس تقع في فئتين مُختلفتين تماماً: السحر والتوحيد.
من الواضح أن هذا التصنيف للمواد مُصطنع للغاية، حيث يُفرق بين ظواهر مُتجانسة، ويجمع بين ظواهر مُتنوعة.
لا يُمكن للمرء أن يتجنب هذه الصعوبات من خلال مُحاولة تصنيف الظواهر الدينية، كما يحدث في كثيرٍ من الأحيان، عبر موضوعات العبادة الدينية: على الرغم من البساطة الظاهرة لهذه الطريقة في التصيف، الا أنها تؤدي أساساً الى نتائج ضعيفة. وفي الواقع، ليس من الصعب بالطبع تصنيف المواد المعبودة، مثل عبادة الشمس أو القمر أو السماء أو الرعد أو الجبال أو الصخور أو الأشجار أو الماء أو الدببة أو الآلهة أو الموتى وما الى ذلك. ولكن ما الذي سنُحرزه من هذا النوع من التصنيف؟ مجموعة تشكيلية من المُعتقدات والطقوس، في فئةٍ واحدة، مُتنوعة كثيراً في مُحتواها وشكلها وأهميتها الاجتماعية.
فلنأخذ الشمس على سبيل المثال، كموضوع للعبادة الدينية. يبدو هنا أن لدينا نُقطة مرجعية ثابتة يُمكننا الاعتماد عليها من أجل التصنيف: الشمس واحدة بالنسبة للجميع ويصعُب الخلط بينها وبين أي شيءٍ آخر. ولكن كم هي مُتنوعة التصورات والطقوس الدينية التي تربط الشعوب المُختلفة بالشمس! يعرف التاريخ أشكالاً مُتقدمة لعبادة الشمس باعتبارها ديناً للدولة. لنتذكر عبادة الشمس عند الإنكا، وعبادة آلهة الشمس أماتيراسو في اليابان Amaterasu، أو مُحاولة إقامة عبادة رسمية للشمس في مصر في عهد أخناتون.
أما عبادة إله الشمس في الديانات الشعبية للقبائل الزراعية فهي ذات طبيعة أُخرى. لدينا في هذه الفئة عبادة بالدر Balder الجرمانية، والعبادة السلافية القديمة لداجبوغ Dazh’bog وخورز Khors وغيرها الكثير. هُنا ترتبط عبادة إله الشمس ارتباطاً وثيقاً بطقوس الخصوبة وغالباً ما تندمج صورته بتجسيد روح النباتات (أوزيريس وتموز وياريلو Jarylo)، وكُل هذه المجموعة الكاملة من المُعتقدات والطقوس لها خصائص الدين الزراعي النموذجي.
ومن الصعب الى حدٍّ ما تفسير دور الشمس في ديانات الهنود الأمريكيين، وخاصةً قبائل السهول. هُنا، تحتل الشمس مكانةً بارزةً بين الظواهر الطبيعية العظيمة المُعتَبَرَة بأنها واكوندا wakonda (قوة غامضة). إنها تحتل المكان الأول في العبادة المُشتَرَكة بين جميع الهنود في السهول الكُبرى (رقصة الشمس). ومع ذلك، الى جانب هذا، تُعتَبَر الشمس بمثابة الحامي الشخصي لبعض الأفراد، والتي تتبدَّى لهؤلاء الأفراد في الرؤى خلال الفترة التي يذهب فيها كُل شاب، عند بلوغه مرحلة النُضج، للبحث عن إلهٍ شخصيٍ يحميه. الظاهرة الأكثر تميّزاً هُنا، هي دمج الشمس في نظام عبادة الحُماة الشخصيين Nagualism، وهي سمة تُميّز أديان القبائل الهندية في أمريكا الشمالية. نجد شيئاً مُختلفاً مرةً أُخرى بين هنود كاليفورنيا-الوينتون Wintun. الشمس هُنا، هي روحٌ حامية للمُعالِج، الى جانب أرواح الحماية المُعتادة الأُخرى، مثل الذئب والكلب والقيّوط والسَلمون وما الى ذلك(7).
وأخيراً، تأخذ عبادة الشمس طابعاً مُميزاً تماماً عند شعوبٍ مُعينة حيث تُهيمِنُ الطوطمية، وحيث تظهر الشمس كأحد الطواطم. وهكذا، وبالعودة مرةً أُخرى الى الاستراليين، هُناك عدد من القبائل التي تعتَبر الشمس طوطماً لها. هذا هو الحال بالنسبة لقبيلة ووتجوبالوك Wotjobaluk وقبلية كارييرا Kariera وآراندا Aranda وأونماتشيرا Unmachera(8). تُمارَس الطقوس الدينية بالعلاقة مع طوطم الشمس، وهي مُشابهة تماماً للطقوس الطوطمية المُتعلقة بالثٌعبان والنملة والكنغر والطواطم الأُخرى. بالاضافة الى ذلك، يوجد لدى العديد من القبائل الاسترالية، ان لم يكن جميعها، أساطير مُتعلقة بالشمس، والتي تتجسَّدُ عادةً على شكل امرأة(9). لكن هذه الأساطير ليس لها أي أهمية دينية تقريباً.
يُمكن أيضاً مُلاحظة دمج الشمس في النظام الطوطمي عند شعوبٍ مُعينة في مرحلةٍ أعلى من التطور الاجتماعي، مثل تلك الموجودة في جنوب الهند.وهُنا، يتشابك دور الشمس كطوطم لإحدى العشائر، مع عبادة الشمس باعتبارها راعيةً الخصوبة على مستوى القبيلة بأكملها. وهكذا، فإن لدى قلبيلة بيرهار Birhar طوطم شمسي عشائري، ولكن الشمس في ذات الوقت، هي موضوع عبادة لجميع أفراد القبيلة. وهذا ينطبق كذلك على قبيلة هاريا Haria. عند قبيلة الناغا Naga تُعبَد الشمس من قِبَل أفراد العشيرة الطوطمية الشمسية، ويُحرَق أفراد هذه العشيرة عند الموت، بينما تقوم جميع أفراد العشائر الأُخرى بدفن موتاهم(10).
وهكذا، يحق لنا أن تماماً، في مُواجهة هذه الظواهر المُتباينة الى حدٍّ كبير والتي لا تشترك سوى بشيءٍ واحد، وهو الموقف تجاه الشمس ككائنٍ خارقٍ للطبيعة- أن نطرَح السؤال التالي: ما هو المعنى من أن نجميع جميع هذه الظواهر المُتنوعة في فئةٍ واحدة تُسمى "عبادة الشمس"؟ هذا المُصطلَح مُفيد في بعض الحالات. ولكنه غير مناسب كفئةٍ يُصنَّفُ فيها مجموعة من المواد حول تاريخ الدين.
سوف يُواجهنا نفس هذا الوضع تماماً، إن سعينا الى تصنيف التصورات المُتعلقة بعبادة السماء والحيونات والحجر وما الى ذلك، على الرغم من أن هذه الأشياء هي في الغالِب مواضيع عبادة يَسهُل تحديدها. هذه التصورات، بطبيعة الحال، مشروعةً بحد ذاتها، ويُمكن استخدامها في الدراسة في ظروفٍ مُعينة. عند وصف مُعتقدات بعض الشعوب، يجوز تماماً تصنيفها حسب مواضيع العبادة الدينية. لكن لا يُمكن اعتبار مبدأ التصنيف هذا، بالنسبة للتصنيف العام للظواهر في تاريخ الدين ، مُناسباً، للأسباب المذكورة أعلاه(11).

- الصنمية(أ) والارواحية والسحر لا يُمكن أن تكون أساساً للتصنيف
اذا كان ذلك هو الوضع فيما يخص موضوعات العبادة التي هي بحد ذاتها مرئية ومادية ولا يوجد هُناك ما هو غير واضحٌ بشأنها، فمن المؤكَّد أن القيمة التصنيفية تقِل، فيما يتعلق بالتصورات التي تُشير الى فئات غير مُحددة لموضوعات العبادة. ومع ذلك، فهي تَظهَر في كثيرٍ من الأحيان كفئاتٍ تُستَخدَم لأغراض التصنيف في دراسة تاريخ الدين. إن مفهوم الصنمية أو الفيتيشية هو أشهر هذه المفاهيم.
يَظهَر في أدبيات تاريخ الدين، عدم وضوح مُصطلح الفيتيشية، والذي يُعطيه المؤلفون معانٍ مُختلفة. في الواقع، في حين أن بعض العُلماء (رينهارد شولز Reinhard Schulze) يُصنفون الفيتيشية على أنها عبادة أي شيء مادي (بما في ذلك الأجرام السماوية والبشر والحيوانات)، فإن آخرين (شتيرنبرغ، توي) يميلون الى الحد من نطاق هذا المفهوم، مَضمنين إياه عبادة الجمادات الأرضية فقط. يستخدم بعض الكُتّاب في هذا السياق مُصطلح الصنمية للإشارة الى الشيء المعبود (تشارلز دي بروس Charles de Brosses)، بينما يُطبّق آخرون هذا المُصطلح ليس على الشيء نفسه ولكن على الروح الموجودة فيه (تايلور، سبنسر شورتز). لا يزال البعض الآخر يعتَبر أن السمة المُميزة للفيتيشية هي عدم انفصال الشيء عن الروح الذي تسكنه (ويتز، خاروزين، زيلينين). بالاضافة الى ذلك، على الرُغم من أن مُعظم الكُتّاب يستخدمون مُصطلح الفيتيشية للإشارة الى الشيء المادي الذي يُعبَد، الا أن هُناك عُلماء يميلون الى توسيع هذا المفهوم الى الحد الذي يُغطي مواضيع العبادة ومُلحقات العبادة المادية (مثل الأدوات والملابس الدينية) التي لا تُعبَد بحد ذاتها (يوري فرانتسوف Yuri Pvlovich frantsov). أخيراً، لا يزال هُناك باحثون آخرون-لابوك على سبيل المثال-والذين لا يُشير مُصطلح الفيتيشية بالنسبة لهم الى موضوع عبادةٍ مُعيّن، بل الى موقفٍ مُحددٍ من جانب الانسان تجاه العالَم الخارق للطبيعة: الموقف الذي يؤمن فيه الانسان بقُدراته لإجبار القُوى الخارقة على خدمته(12).
ومن الواضح أنه في ضوء عدم تحدد مفهوم الصنمية وتعدد معانيه، فضَّلَ عدد من الباحثين عدم استخدام هذا المُصطلح على الاطلاق. وقد اتخذ هذا الموقف، على سبيل المثال، ماكس موللر Max Muller وويليام جيفونز William Stanley Jevons دانييل برينتون Daniel Brinton وريتشارد كاروتز وفيرا نيكولايفنا خاروزينا Vera Nikolaevna Kharuzina وآرنولد فان غينيب Arnold van Gennep وغيرهم. كَتَبَ دانييل برينتون منذ عام 1897، بحق، أن الصنمية لا يُمكن اعتبارها شكلاً من أشكال العبادة، بقدر ما أنها "تُرافق كُل مرحلة من مراحل الدين الموضوعي"، وأن المسيحي، الذي يعتقد أنه قابلٌ للشفاء بعظمة قديس أو بحمل الكتاب المُقدس، هو صنميّ بقدر ما أن الافريقي البدائي كذلك(13).
توصَّلَت خاروزينا، في مقالٍ مُفصَّلٍ وواضح للغاية بعنوان (تعليقات على استخدام كلمة صنمية)، الى استنتاج يُفيد أن مُصطلح "الصنمية" يشتمل على مُعتقدات وعادات شديدة التنوّع، وهو يخدم بمثابة تشويش لها(14).
ومع ذلك، فإن هذه الشكوك ليس لها ما يُبررها. يبدو لي أن مُصطلح "الصنمية" قابل للاستخدام في العِلم(15). اذا عيّنا له معنىً مُحدداً، وإن كان اعتباطياً، يُمكننا أن نفهم من خلاله عبادة المواضيع المادية الجامدة التي تُنسَب اليها خصائص خارقة للطبيعة. لقد أعاد فرانتسيف مفهوم الفيتيشية، بشكلٍ مُقنعٍ تماماً، الى مكانه المُلائم، وأظهَرَ في كتابيه (الصنمية ومسألة أصل الدين) عام 1940، و(مصادر الدين والفِكر الحُر) عام 1959، مدى عالمية الظواهر الفيتيشية في ديانات الشعوب الأكثر تنوعاً في جميع مراحل التطور.
والحقيقة، هي أنه يكفي أن نُلقي نظرةً عامةً فقط على تاريخ أديان جميع الشعوب لنقتَنِعَ بأن التصورات الفيتيشية تُشكل جُزءاً لا يتجزأ من أي دين. بالكاد يُمكن للمرء أن يجد ديناً لا تحتل فيه التصورات الفيتيشية مكاناً ذو أهميةٍ ما (لن أتحدث هُنا عن الطوائف المسيحية النقية بوصفها استثناءات إشكالية). وبما أن الحال كذلك، من الصعب القول أن الفيتيشية كانت أكثر وضوحاً خلال المراحل الأُولى من تاريخ الدين. المسألة أن الفيتيشية موجودة عند أديان كثيرة في مراحل تطور تاريخية مُتعددة، مثل الاستراليين والتشورينغا خاصتهم، وصولاً الى الكاثوليكية الرومانية بأيقوناتها وقديسيها وصُلبانها. دون الخوص هُنا في دراسةٍ خاصةٍ للتصورات الفيتيشية المُتنوعة، ودون طرح مسألة أُصولها، سأقتصر هُنا على مُلاحظةٍ عامةٍ واحدة: توجد الفيتشية في جميع الأديان. إنها ظاهرةٌ عالمية في تاريخ المُعتقدات الدينية(16).
ومن بين المفاهيم الأُخرى المُستخدمة في وصف المُعتقدات والطقوس الدينية، يُعَد مفهومي الارواحية(ب) والسحر الأوسع نطاقاً بينها. لقد دَخَلَ كلا هذين المفهومين في الاستخدام الأكاديمي بقوة، الى جانب الفيتيشية، ويُمكننا أن نجدهما في أي عملٍ مُخصصٍ لتاريخ الدين. ومن الواضح من هذا وحده، أن مُصطلحي "الارواحية" و"السحر" يُعبّران بنجاح كبير عن خصائص هامَّة للدين. ومع ذلك، ولأغراض تصنيف الأديان، فإن هذين المفهومين، مثل مفهوم الفيتيشية، لا يُمكن استخدامهما بسبب اتساع عموميتهما ونطاقهما المُفرِط.
والحقيقة، هي أن الارواحية تُفهَم على أنها الايمان بـ"الكائنات الروحية" (تايلور)،، أي الأرواح والشياطين والجن والآلهة بمُختلف أنواعها، وحتى الايمان بأرواح الكائنات البشرية الحية والميتة. لكن هذا الاعتقاد، هو، بشكلٍ أو بآخر، سمةٌ من سمات جميع الأديان، من الأكثر بدائيةً الى أكثرها تطوراً. صحيح أن مُستوى الاعتقاد بالأرواح يختلف باختلاف أشكال الدين وفي مرحل مُختلفةٍ من تطورها. ولكن، هُناك سببٌ للاعتقاد بأن التصورات الارواحية، في المراحل الأُولى من تطور الدين على وجه التحديد، كانت غير موجودة، أو على الأقل، على عكس مفاهيم أنصار "النظرية الارواحية"، غامضة للغاية وغير مُتشكلة. ومن ناحيةٍ أُخرى، لا تصل التصورات الإرواحية الى أعظم تطوّرٍ لها سوى في المراحل المُتأخرة من تطور الدين، في أكثر أشكاله تعقيداً. على سبيل المثال، يُعبَّرُ عن الايمان بالروح الانسانية غير المادية والملائكة والأرواح الشريرة، بشكلٍ واضحٍ في المسيحية، وخاصةً في اللاهوت الكُنسي وليس في النسخة الشعبية للمسيحية.
وبالتالي، لا يُوجد أي دينٍ مُتقدّمٍ على الاطلاق يفتقر الى التصورات الارواحية(17). وبما أن هذا هو الحال، فمِن الواضح أنه من المُستحيل نسب تسمية "الارواحية" الى أي شكلٍ أو مرحلةٍ مُعينةٍ من تطور الدين، سواءاً في زمنٍ باكر أو مُتأخر.
ويجب إضافة اعتبار أكثر أهميةً الى هذا. يُغطي مُصطلح "الارواحية" مجموعةً شديدة التنوع من التصورات الدينيةـ، ليست مُتنوعة فقط في الشكل والمضمون الايديولوجي، ولكن الأهم من ذللك، مُتنوعةً في أصلها. التصورات الارواحية هي تجسيدات. ولكن الخيال البشري قادر على تخيّل أي شيءٍ مهما كان.
إن تركنا جانباً هُنا، التخيلات الشعرية الصَرف (صور شِعر القِصص الخيالية، وما الى ذلك)، والتي ليس لها علاقة مُباشرة بالدين، فإننا نجد، من بين التجسيدات الدينية الأصيلة أو التصورات الارواحية، صوراً تنشأ من جوانب مُتنوعة تماماً من النشاط المادي. نجد تجسيداً لقُوى وظواهر الطبيعة: أرواح الغابات والجبال والأنهار والصحاري، وأرواح الرعد والعواصف والرياح، وبشكل رئيسي تلك الظواهر الطبيعية التي تُهدد الانسان. نجد أيضاً تجسيداً روحياً للأمراض، على سبيل المثال، في المُعتقدات الشعبية الروسية. هُناك تجسيدٌ روحيٌّ للخوف من الموتى، مثل صُور مصاصي الدماء وأرواح الموتى. نجد أيضاً تجسيدات روحية لقوى الخصوبة الزراعية (على سبيل المثال، هُناك ذئب الجاودر وعذراء الحُبوب وأُم الحُبوب في المُعتقدات الشعبية الألمانية). وأخيراً، هُناك أرواح المُعالجين، وهي تجسيدات روحية لقُدرات الشامانات.
يتضح مما سَبَق أن مفهوم "الارواحية" عامٌّ جداً، وواسعٌ في نطاقه، وفقير في مُحتواه، بحيث لا يُمكن أن تكون له قيمة في تصنيف المُعتقدات الدينية. وحتى أنه لا يُمكنه أن يُساعدنا في تحقيق هدفنا المُتمثل بتصنيف المُعتقدات، مما يقودنا الى فهم جُذورها. لذلك، في حين أننا لا نتخلى عن استخدام مُصطلح "الارواحية"،، لا يُمكننا استخدامه كوسيلةٍ لتصنيف لظواهر الدينية.
عملياً، يجب أن يُقال نفس الشيء عن مفهوم "السحر". هُنا يزداد الوضع تعقيداً بسبب حقيقة أن هذا المُصطلح أقل تحديداً في معناه. هُناك تعريفات عديدة ومُتنوعة للسحر، وغالباً ما تتعارض مع بعضها البعض. ليس هُناك حاجة لكي نستعرضها هُنا. تُوجد هُنا أيضاً وجهات نظر مُختلفة فيما يتعلق بالعلاقة بين السحر والارواحية. في رأي البعض، يرتبط السحر عضوياً بالارواحية، وهو (أي السحر) تطبيقٌ عملي للثاني، ويرى آخرون أن السحر قد يكون له علاقة بالارواحية، ولكنه قد لا يكون مُرتبطاً بها أيضاً. وترى مجموعة ثالثة أن السحر هو عكس الارواحية، وأن أحدهما يستثني الآخر.
وبطبيعة الحال، فإن استخدام هذه المفاهيم، كما هو الحال مع جميع المفاهيم الأُخرى، يكون دائماً تعسفياً. لذلك، فإن كيفية فِهم السحر، وكيفية تفسير علاقته بالارواحية، أمرٌ متروكٌ لنا تماماً. ومع ذلك، فإننا على علمٍ بأن هُناك طُقوسٌ مُنتشرةٌ جداً، الفكرة من وراءها هي قيام الانسان بأفعال، من خلال الكلمات أو الحركات والطقوس، تهدُفُ الى استجلاب تأثيرٍ خارقٍ للطبيعة، أو التأثير على الأشياء المادية من خلال كائنٍ خارقٍ للطبيعة.
بعض هذه الطقوس لا تكشف عن أي تصوراتٍ ارواحية. يسعى فيها الانسان الى تحقيق هدفٍ مُعيّنٍ بنفسه، دون اللجوء الى أرواحٍ أياً كانت. هذه الطقوس، غير المُرتبطة بالمُعتقدات الارواحية، تُهمنا كثيراً، وهي التي سنُطلِقُ عليها مصطلح "السحر"، وهو بذا يحمل المعنى الذي يُضمنه إياه جيمس فرازر والفريد فيركانت Alfred Vierkandt. ولكن، مع أن السحر الى حدٍّ ما نقيضٌ للارواحية، الا أنه عادةً ما يسير معه جنباً الى جنب. ليست الطقوس السحرية أقل انتشاراً من التصورات الاحيائية. وبعبارةٍ أُخرى، فإن نطاق السحر يكاد يكون واسعاً مثل نطاق التصورات الارواحية. السحر مُتأصلٌ في جميع الأديان تقريباً، مع استثناءاتٍ قليلةٍ مُحتملة.
وهُناك شيءٌ آخر لا يقل أهميةً. لا يمكن اختزال الطقوس السحرية والمُعتقدات السحرية الى مصدرٍ واحد. إن لها جذورٌ مُتنوعة تتعلق بجوانب مُختلفةٍ من النشاط الانساني. يرتبط سحر الشفاء ارتباطاً وثيقاً بالطب الشعبي، ومصدره نابعٌ من السحر الضار المُتجذر في الخلاف والعداء بين القبائل. سحر الحُب له جذورٌ في المُغازلة الغريزية. وسحر الصيد له جذورٌ في تكنيكات الصيد. سيكون من العبث البحث عن جذرٍ واحدٍ لكل هذه الأشكال من السحر.
يتضح مما سبق، أن مُصطلح السحر، مثل الارواحية، لا يُمكن استخدامه للدلالة عل أي شكلٍ مُعيّنٍ من أشكال الدين. وهو غير مُناسب كذلك للتصنيف العلمي للأديان(جـ).

أساس تصنيف الدين
وهكذا، نرى أن المُعتقدات الدينية بحد ذاتها، لا يُمكنها أن تكون معياراً رئيسياً لتصنيف الأديان. المُعتقدات الدينية لا تخلق أي شكلٍ مُحددٍ من أشكال الدين. بالاضافة الى ذلك، يَصعُبُ في كثيرٍ من الأحيان مُراقبتها وتحليلها. ولكن، لا يترتب على ذلك أن مُحتوى المُعتقدات الدينية لا ينبغي أن يلعب دوراً في تصنيف الأديان. على العكس من ذلك، انها سمة مُمهة في هذا التصنيف، ولكنها سمة مُشتقة وليس أساسية. اذاً، ما الذي ينبغي اعتباره المعيار الرئيسي للتصنيف؟
إن التصنيف الصحيح والعلمي الماركسي للأديان حسب أشكالها يجب أن يُلبي المُتطلبات التالية:
1- يجب أن يُبنى التصنيف على أساس عوامل هامة بالنسبة للدين
2- يجب أن تكون معايير التصنيف الرئيسية واضحةً جداً وسهلة المراقبة وخاضعةً للتحليل الموضوعي.
3- يجب أن يكون تصنيف الأديان مُقارباً للدين كظاهرة اجتماعية.
4-يجب أن يكون تصنيف الأديان تاريخياً، أي يجب أن يُظهر العلاقة بين أشكال الدين ليس بشكل ستاتيكي بل ديناميكي، في تطورها وترابطها التاريخي.
5-يجب أن لا يكون التصنيف شكلياً بحتاً. يجب عليه أن يقود الباحث الى مسألة نشوء أشكال الدين المُتنوعة واشتراطاتها المادية.
عد ذلك سيكون أي تصنيفٍ للدين سكولائياً جافاً.
الدين ظاهرة اجتماعية. لا تقتصر المُعتقدات الدينية على مجال المشاعر والأفعال الفردية. دائماً ما يُعبَّر عن تلك المشاعر والأفعال بطريقةٍ إجتماعية. الدين، هو علاقة الانسان بعالمٍ خارقٍ مُتخيَّل. لكن الانسان هُنا، لا يُواجه العالَم الخارق كفردٍ مُنعزل. الدين، بما هو شكل من أشكال الايديولوجيا، لا ينحَل بأي حال الى مُجرد عمليات تفكير تجري في رأس الانسان. إنه يشمل نشاطاً انسانياً بهذا الاتساع أو ذاك. إنه يعكس، أشكالاً مُحددة من العلاقات الاجتماعية، ويؤثر عليها.
لذلك يصعُب على المرء أن يتفق مع يوسف آرونوفيتش كريفيليف، الذي يختزل المعيار الرئيسي للدين باعتباره ايديولوجيا، الى مجموعةٍ من "النظرات والمفاهيم والمُعتقدات المُحددة"، وبالقول بأن "جميع العناصر الأُخرى للدين-المشاعر والكنيسة والأخلاقيات والطقوس-هي مُشتقات"(18). من ناحيةٍ أُخرى، يبدو لي أن يوري بافلوفيتش فرانتسوف Yuri Pavlovich Frantsov على حق تماماً، عندما يُدين مؤرخي الدين الذين يتخذون موقفاً مثالياً، والذين "يميلون الى تجاهل الجانب الحسي للدين، وينسون بشأن العبادة، ويفصلون المُعتقدات الدينية عن الطقوس"(19).
ونذكر كذلك، أن تعريف الدين الذي طَرَحَهُ بليخانوف يبدو غير مُرضٍ: "يُمكن تعريف الدين بأنه النظام الناظِم للمفاهيم والعواطف والأفعال"(20). بصرف النظر عن حقيقة أنه يَصعُبُ وصف الدين بأنه "نظام"، وحتى "ناظِم"، لأن أي دين يحتوي على قدر من التشوش والضبابية، الا أن العيب الرئيسي في تعريف بليخانوف يكمن في حقيقة أنه يتجاهل الوضع الأكثر أهميةً للدين على الاطلاق: الدين كظاهرة اجتماعية (وليس فردية). في حين يَصعُبُ للماركسي أن يغفر هذا التغافل.
في المراحل المُتأخرة من التطور التاريخي، يُصبح تنظيم الكنيسة وأشكال دين الدولة والطوائف المُختلفة والمُجتمعات الصغيرة المُتدينة والمُجمعات الدينية، علاقاتٍ اجتماعيةٍ تجد فيها الحياة الدينية للمجموعة الاجتماعية تعبيراً خارجياً عنها. يتجلى الجانب الاجتماعي، في المراحل المُبكرة من تطور الدين، في المُعالجين المُتخصصين والشامانات والسحرة والعرّافين، وما الى ذلك، وتنشأ علاقةٌ مُحددةٌ بينهم وبين المشاعية. بالاضافة الى ذلك، توجد في هذه القائمة أيضاً أشكال تنظيم الجماعة، والتي هي حامِل وذوات المُعتقدات الدينية والعبادة. وهُنا نجد المشاعة أو العشيرة أو القبيلة البدائية التي تُمارَسُ داخلها أنشطة العبادة. أخيراً، لدينا في هذه القائمة، العلاقات بين القبائل والعشائر والطوائف، والتي تجد أيضاً تعبيرأ عنها في مُعتقدات وطقوس دينية مُعينة.
يبدو لي أن الجانب الاجتماعي للدين، هو العُنصر الأكثر أهميةً الذي ينبغي أن يكون أساس تصنيف الأديان. إن الجانب الاجتماعي للدين، هو ذلك المعيار الأساسي الذي يُعطي شكلاً مُحدداً للمعتقدات الغامضة التي تنشأ في رأس الانسان, بالاضافة الى ذلك، يُمكن التأكيد، أن كُل شكل من أشكال الدين يؤدي الى ظهور أفكار وطقوس دينية مُمَيِّزة له. وهذه الأفكار والطقوس مُستمدة بالطبع من أفكار مرحلة التطور السابق، وقد تكون مُستعارة من الشعوب المُجاورة، أو قد تنشأ أفكار جديدة. لكن في كُل هذه الحالات تأخذ هذه الأفكار شكلاً ايديولوجياً خاصاً فقط نتيجةً للتوسط الاجتماعي واندماجها في أُطر اجتماعية مُعينة.
من الواضح تماماً بالنسبة للباحث الماركسي، أنه على عكس الرأي السائد، فإن الشكل الاجتماعي للدين لا ينشأ بحد ذاته من خلال الأفكار والطقوس الدينية. سيكون خطأً فادحاً الاعتقاد بأن مجموعة مُعينة من الناس تُمارس وظائف دينية بسبب وجود مُعتقدات وأفكار مُرتبطة بهذه الوظائف. على سبيل المثال، ظَهَرَ الشامانات ليكونوا بمثابة وسطاء بين الناس والأرواح، بعبارةٍ أُخرى، القول بأن الشامانات وأنشطتهم هي نتيجة لنشوء الايمان بالروح، وأن الكهنوت قد ظَهَرَ بسبب ظهور التصورات عن الآلهة والحاجة الى خدمتها، وأن تنظيم الكنيسة تشكَّلَ نتيجة ولادة الايمان بإلهٍ واحدٍ مُخلّص بعيداً عن الآلهة القَبَلية والقومية والقديمة، وما الى ذلك. غالباً ما نعثُرُ على مثل هذه الآراء والصِيَغ في الأبحاث الخاصة والكُتيبات العامة. ولكن هذه الأراء مثالية في الأساس. وبطبيعة الحال، يوجد ارتباط دياليكتيكي بين الشكل الاجتماعي للدين ومُحتوى الدين الفكري، في حين يؤثر الأخير على الأول، ولكن الأول هو الذي يظل العامل الأساسي في هذا التفاعل.
ليس من الصعب أن نقتنع أن الشكل الاجتماعي للدين، هو انعكاس لشكل مُعين من تنظيم المُجتمع. في المراحل المُبكرة من التطور التاريخي للبشرية، في المُجتمع العشائري، تجلَّى التجانس النسبي للبيئة الاجتماعية، في غياب الأشخاص المُحترفين الذين يؤدين الوظائف الدينية والمُنفصلين عن المُجتمع. يوجد مُعالجين وسَحَرة وغيرهم، ولكنهم ليسوا مُنفصلين بعد عن المشاعة. إنهم يُشكلون جُزءاً عضوياً منه، مثل كبار العشائر وقادة المُجتمع. ان الجماعة التي هي حاملة العبادة الدينية وذاتها، أي الجماعة الدينية البدائية، ليست سوى المشاعة أو العشيرة البدائية نفسها(21). في فترة انحلال النظام المشاعي العشائري، تبرُز التناقضات الاجتماعية التي ظَهَرَت الى الوجود في مجال العبادة نفسه. وتتشكل مجموعة اجتماعية متمايزة، تتألف من الكهنة والشامانات، يحتكرون أداء الوظائف الدينية. يظهر، شيئاً فشيئاً، كهنوت وراثي، تعكس بُنيته النظام الاجتماعي في العصر الذي يتشكَّلُ فيه المُجتمع الطبقي. في مجتمعات العبيد في العصور القديمة، كانت أشكال العبادة، وتنظيم الددولة والمُدن بما فيها من مؤسسات كهنوتية، نتاجاً عضوياً للنظام الاجتماعي الكلاسيكي. في العصور الوسطى وأوروبا الرأسمالية، كانت الكنيسة المسيحية، ولا تزال فلذَة كبِد النظام الرأسمالي. إن صراع السُلطة الدينية ضد السُلطة العلمانية، وهي ظاهرة تاريخية لا تقتصر على البُلدان الأُوروبية وحدها، ليسَ بأي حال دليلاً على استقلال الأُولى عن الثانية. كان هذا الصراع مُجرّد تمظهرٍ لهذه الاستقلالية النسبية، التي لا يُمكن انكار وجودها.
ان الشكل التاريخي للدين، هو بالضبط مجموعة المُعتقدات والطقوس والأمزجة والمؤسسات التي تتشكَّل في مُجتمعٍ ما في عصرٍ تاريخيٍ مُعيّن.
أن مفاهيم الطوطمية والشعوذة والشامانية والجمعيات السرية وعبادة أسلاف العشيرة والزُعماء، ترتبط كُلٌّ منها بشكلٍ مُعينٍ من أشكال العلاقات الاجتماعية. وفي الممارسات السائدة في مجال البحث في تاريخ الدين، أصبحت هذه المفاهيم السائدة تُستَخدَمُ بشكلٍ اعتباطي دون أن تخضع للتحليل النظري. لذلك، غالباً ما تتواجد مع المفاهيم الأُخرى التي يقترح العلماء أيضاً أنها تُشير الى أشكالٍ مُعينة من الدين، ولكن في الواقع لا يُمكن اعتبار أنها كذلك: مفاهيم التجسّد والارواحية والفيتيشية والسحر والتابوهات.
إن كُل شكل من أشكال تنظيم المُجتمع، وكل تشكيلة اقتصادية-اجتماعية، لها أشكال دينية تُميزها(22). ولكن، سيكون من الخطأ أن نتوقع أن يكون هُناك تطابقٌ تام بين تاريخ الأنظمة الاجتماعية-الاقتصادية وتاريخ تطور أشكال الدين. العلاقة بين الجانبين مُعقَّدٌ الى حدٍّ كبير. أولاً، غالباً ما يحدث أن شكلاً من أشكال الدين الذي تبلور وازدَهَرَ في ظل ظروفٍ اجتماعية مُعينة، أن يظل قائماً، ويحتفظ باستقراريةٍ ما في ظروفٍ تاريخيةٍ مُختلفةٍ عن تلك التي ولَّدته. ونتيجةً لذلك، يُمكننا،أن نجد، في كُل مُجتمع، الى جانب الشكل السائد للدين، أشكالاً أُخرى مُختزلة موجودة كبقايا من فتراتٍ سابقة. قد تُوجد هذه البقايا الدينية بشكلٍ مُنفصلٍ عن الشكل الديني السائد ودون الامتزاج به. ولكنها قد تتشابكُ أيضاً مع ذلك الشكل المُهيمن والسائد، مُمدةً اياه بعناصرها القديمة، سواءاً في مُجملها أو في تفاصيلها.
ثانياً، إن كُل شكل من أشكال المُجتمع، وكُل مُجتمعٍ خاص، يتألف دائماً من تشكيلةٍ مُعقدةٍ من التناقضات الأساسية والمُشتقة، ومجموعة مُتنوعة من العلاقات الداخلية والخارجية. هذه التناقضات المُتنوعة، وهذه الأشكال المُتنوعة من العلائق بين البشر ومواقفهم تجاه الطبيعة في كُل مُجتمعٍ ملموس، تجد انعكاساً لها عادةً في أشكالٍ مُختلفةٍ من الدين، ولكلٍ منها جذوره الخاصة، حتى لو كان ذلك في نفس الوسط الاجتماعي ونفس العصر. وهكذا، فإن أشكالاً مُتنوعة من الدين، مُتشابكة مع بعضها جُزئياً، ومُتمايزة جُزئياً، قد تنشأ وتُوجد في زمنٍ واحدٍ من التطور الاجتماعي وعند نفس الشعب.

العلاقة بين أشكال الأديان
تُظهِرُ أشكال الدين التي تتعايش في مُجتمعٍ واحد أو عند شعبٍ واحد علاقاتٍ مُتباينة ببعضها البعض، وهذا يعتمد على الظروف التاريخية الملموسة. في بعض الأحيان تختلط وتتشابك مع بعضها البعض، في حين أنها تندمج، لدرجة تكون معها الأُمور بحاجة الى دراسة اثنوغرافية مُقارنة عميقة لفك هذا التشابك وتحليل الدين الملموس جُزءاً جُزءاً. ومن جهةٍ أُخرى، يحتفظ كُل شكلٍ من أشكال الدين بتميّزه، ويُمكننا أن نرى الخلاف والعداء المُتبادل بينه وبين الأشكال الأُخرى في مُجتمعٍ مُعين. وهكذا، في أجزاء مُعينة من غرب افريقيا، فإن الشكل التقليدي للدين هو عبادة أسلاف العشيرة، ولكن تطوَّرَت الى جانب هذا، عبادة فيتيشية غير مُوافَق عليها من قِبَل أنصار الدين القديم. لوحِظَ عند الغيلياك Giliak في منطقة نهر آمور السُفلي وسخالين، قدَرٌ معينٌ من الخلاف بين عبادة الدب والشامانية.
وينطبق الشيء نفسه على الأديان الطبقية. في الصين، تعايشت لعدة قرون الطاوية والكوفوشيوسية، وهما ديانتان قوميتان راسختان. وفي زمنٍ لاحق، أُتت البوذية. وعلى الرغم من أن هذه الديانات الثلاث أثرت على بعضها البعض، الا أنه كان من المُمكن رؤية العداء المُتبادل والتناقضات بينها والتي تجلَّت من وقتٍ الى آخر بأشكالٍ حادة. في اليابان، كانت العلاقة بين الشنتوية الأصلية، والبوذية المُستوردة من الخارج، مُسالمةً في بعض الأحيان، وتناحريةً في أحيانٍ أُخرى. يُمكننا أن نرى كيف استوعبَت المسيحية كميةً كبيرةً من بقايا الأشكال الباكرة من الدين، وكانت في نفس الوقت مُعاديةً للأشكال الأُخرى الباكرة أيضاً، والتي لم تندمج بمُعتقداتها.
يجب على مؤرخ الدين أن يعتبر نفسه محظوظاً للغاية عندما يجد أن هُناك أشكالاً فردية للأديان غير مُتشابكة ببعضها البعض، ولكن تظهر في أكثر أشكالها نمذوجيةً، في ظروفٍ تاريخيةٍ أُخرى. بالنسبة لنا، تلك الظواهر الملموسة في تاريخ الدين والتي نتمكن فيها من مُلاحظة أشكال مُحددة من الدين، وخاصةً الأشكال الباكرة في جوانبها النموذجية النقية الى حدٍّ ما، هي التي تُشكل نقاطاً لانطلاقنا في حل المهمة.

التتابع التاريخي لأشكال الدين
المسألة الأخيرة التي من الضروري التعامل معها هُنا، هي مسألة الارتباط التاريخي بين أشكال الدين المُختلفة أو تسلسلها. لا يُمكن للمرء أن يتوقع نجاحاً لجهودٍ مبذولة لترتيب أشكال الدين في تسلسلٍ صارم، حيث يتطور كُل شكلٍ على ما يبدو من آثار الشكل السابق، ويُعتَبَر أحد المُعتقدات بمثابة تطور منطقي لمُعتقدٍ آخر. هذه الأنماط الصارمة لتطور الدين رَسَمها مؤلفون كُثر، من فولني وصولاً الى هيغل وحتى لابوك. لاحقاً، استُبدِلَت أنماط التطور الديني الى تطورٍ مُتعدد الخطوط، أو على شكل مروحة (تايلور فوندت وآخرين)، حيث يبدأ التطور في هذا النمط بمُعتقدٍ جنيني-أي الايمان بروح الانسان، ومن ثم تتطور المُعتقدات الدينية شيئاً فشيئاً في اتجاهاتٍ مُختلفة. وعلى الرغم من أن هذا النمط قد تغلَّبَ على نقاط الضعف في النمط الخطي التبسيطي، الا أنه لم يتغلب على العيب الرئيسي، الا وهو فكرة التطور العفوي للدين، حيث تُعتَبَر كُل مرحلة وكأنها تتطور منطقياً من مرحلةٍ سابقة، وكُلها، في نهاية التحليل مُستمدة من مُعتقد أولي أساسي، وهو الايمان بروح بشرية.
مثل هذا المُخططات التطورية، أُحادية الخط أو مُتعددة الخطوط، تُشبه الخُدَعة التي يقوم بها الساحر أمام جمهوره، حيث يمد شريطاً ورقياً طويلاً من فمه، حتى يتسائل الجمهور، أين قد يكون مُخفياً كُل هذا الشريط.
هُناك تشبيهٌ أقل فُكاهة، ولكنه ليس أقل أهمية بخصوص هذا النوع من التطوري الخطي، وهو نُمو شجرة بلوط من ثمرة بلوط. قد يَقبل أنصار فكرة أن جميع الأديان تطورت من مُعتقدٍ أساسي واحد، قد يقبلون مثل هذا التشبيه. لكن هذا النمط غير صحيح من وجهة النظر الماركسية. أولاً، إن اجراء مُقارنات وتشبيهات بين قوانين التاريخ وقوانين تطور الكائنات الحية يؤدي الى فهم مُبتذل للعملية التاريخية. وثانياً، حتى لو قبلنا وجود تشابه مُعين (اعتباطي للغاية) بين نمو الكائن الحي والتطور التاريخي، فلا يجب أن ننسى أن النبات الذي ينمو من البذرة، يأخذ المادة التي ينمو على أساسها من البيئة وليس من البذرة. يتكون جذع الشجرة من الكربون الذي تلتقطه الشجرة من الهواء، ومن الرماد الموجود في التربة. وبالمثل-وهُنا هذا التشبيه مُناسب- تشتمل مادة مُعتقدات الناس الدينية، في كُل مرحلة من مراحل تطورها، على اعادة صياغة وانتاج لتلك الظروف المادية في حياة الناس التي تنمو فيها هذه المُعتقدات وتنتشر.
لكن هذا التشبيه اعتباطي للغاية، وضعيف. في حين أنه سيكون من العبث البحث في جوهر شجرة البلوط أو جذورها أو جذعها أو أوراقها عن آثار جوزة البلوط التي نمت منها الشجرة ذات يوم، فإنه ليس من الصعب الكشف عن بقايا التصورات الدينية البدائية في دينٍ مُعقد.
وهكذا، من البديهي، لدن رفضنا لنظرية التطور الخطي للدين، أننا لا نُنكر على الاطلاق وجود علاقة نشوئية بين المُعتقدات. ونحن نعلم جيداً مدى إمكانية بقاءها حيةً طوال قرون. إن الفكرة الدينية حول التكفير عن الخطيئة وقدوم مُخلص عالمي، والتي انتشرت انتشاراً واسعاً بين جماهير شعوب الامبراطورية الرومانية الذين كانوا من أصولٍ قَبَلية مُتنوعة، لم تكن فكرةً جديدة. لقد كانت إعادة تفسيرٌ للمُعتقد اليهودي القديم عن مُخلّصٍ ما، والذي كان قومياً صرفاً في الأصل.
ونجد الشيء نفسه في عالم المُعتقدات القَبَلية البدائية. وكقاعدة عامة، انها هي أيضاً مُرتبطة بالتسلسل النشوئي، وتتبع ها هو أحد المهام التي تُواجهها المعرفة. لكن هذا لا يمنع أن كل شكل من أشكال الدين ما قبل الطبقي ينمو من جذوره الخاصة ويكون انعكاساً لظروفٍ مُعينة في الحياة المادية للناس. وهكذا، فإن العبادة السرية للجماعيات البدائية مُرتبطٌ نشوئياً بطقوس المرور والتنشئة القَبَلية القديمة، وتخدم بمثابة استمرار تاريخي لها. ومع ذلك، فهي تنشأ من ظروف اجتماعية مُختلفة عن تلك التي تُنتِج طقوس المرور في ظروف المُجتمع المشاعي المُنحل، عندما تنشأ نُخبة نُهيمن على أعضاء المشاعة. إن عبادة الأرواح الحامية الشخصية لها جُذورها في الطوطمية القديمة، لكن الأساس المادي لكلا الشكلين من الدين ليس مُتطابقاً بأي حال.
كان انجلز على حق تماماً عندما كَتَب: "وهكذا نرى، أنه بمجرد ظهوره، يحتفظ الدين بمخزونٍ مُعينٍ من التصورات الموروثة من العصور السابقة، بقدر ما تُمثل التقاليد قوةً مُحافظةٍ كبيرة في جميع مجالات الايديولوجيا. لكن التغيرات التي تحدث في هذا المخزون من التصورات، تُحددها الطبقة، وبالتالي العلاقات الاقتصادية بين الأشخاص الذين يقومون بهذه التغيرات"(23). إن المهمة الأولى والأكثر أهميةً في الدراسة الماركسية لتاريخ الدين، هي الكشف عن هذا الأساس المادي لكل شكلٍ من أشكال الدين وايجاد جذوره الحقيقية. عندها يُمكن للمرء أن يبدأ في البحث عن روابط نشوئيةٍ بين أشكال الدين المُتنوعة.
على الرغم من أن الأشكال الفردية للدين لا يُمكن وضعها في تسلسلٍ خطي، ولا يجب اعتبارها مراحل تعقب احدها الأُخرى، فليس هُناك شك في حقيقة أن بعض الأديان أكثر تطوراً وبعضها الآخر أقل تطوراً. إن قِدَمها ودرجة تطورها لا يعتمدان على الدين نفسه، بل على التربة الاجتماعية التي تتطور فيها. إن العصر التاريخي لهذا الشكل أو ذاك من حياة المُجتمع هو الذي يمنحنا الامكانية لتحديد العصر التاريخي لأشكال الدين التي تُولّدها. وبهذا يتم تحديد تسلسل تطور المُعتقدات الدينية بشكلٍ غير مُباشر.
يبدو أنه يُمكننا أن نضع بين أقدم أشكال الدين ما يلي: 1- الطوطمية، 2- الشعوذة، 3- سحر العلاج، 4- الطقوس الايروتيكية، 5- العبادة الجنائزية. انها مُتجذرة في ظروف حياة الانسان البدائي، وهي ظروف كانت موجودة بلا شك منذ نشأة الانسان نفسها. يُمكن اعتبار ما يلي أشكالاً لاحقة من الدين، تعكس عمليات انحلال المُجتمع المشاعي البدائي: "6- العبادة القَبَلية الباكرة (طقوس المرور)، 7- عبادة الصيد، 8- العبادة العشائرية والعائلية للحُماة والأشياء المُقدسة، 9- عبادة الأسلاف في عشيرة العائلة الأبوية، 10- الشامانية، 11- النغوالية Negualism (عبادة الأرواح الحامية الشخصية)، 12- عبادات المُجتمعات السرية، 13- عبادة القادة، 14- عبادة الإله القَبَلي، 15- العبادات الزراعية.

* سيرجي الكساندروفيتش توكاريف 1899-1985 باحث ماركسي في الاثنوغرافيا والتاريخ والمعتقدات الدينية، ودكتور في العلوم التاريخية.
دخل جامعة موسكو بعد ثورة اكتوبر مباشرةً، ودرّس اللغة الروسية واللاتينية في المدارس المحلية في مقاطعته تولا التي وُلدَ فيها، لمدة 4 سنوات، وعاد ليدرس في جامعة موسكو عام 1922. حصل على منحة دراسية من الدولة واستكمل عمله بالتدريس. بعدما تخرج من الجامعة عام 1925، استكمل دراسته في معهد الدراسات العليا في الجامعة وقدم اطروحته حول (المُجتمع الطوطمي)، ودرس في قسم الاثنوغرافيا في المعهد. قدم تقاريراً عن الطوطمية الاسترالية والديانات الميلانزية وعن العادات الاقتصادية الانجليزية في القرون الثالث عشر وحتى الخامس عشر، وتخرّج رسمياً من الجامعة عام 1930. عمل في المتحف المركزي للاثنولوجيا عام 1927. درّس في جامعة موسكو وقدّم دورةً حول تاريخ البُنى الاجتماعية في جامعة صن يات صن للعمال الشيوعيين في الصين. درس توكاريف تاريخ شعوب ياقوتيا وسيبيريا وقام برحلة ميدانية بحثية الى تركمانستان عام 1928، وقام برحلات متعددة الى التس وياقوتيا عام 1934. عمل توكاريف في قسم (الاقطاعية) في أكاديمية الدولة لتاريخ الثقافة المادية، وانتسب الى المتحف باعتباره عالماً اثنوغرافياً عام 1938. كان باحثاً مُساعداً في المتحف المركزي المُعادي للدين حتى عام 1941. تم تعيين توكاريف عام 1939 استاذاً في قسم الاثنوغرافيا في معهد التاريخ في جامعة موسكو الحكومية وظل كذلك حتى عام 1973. دافع توكاريف عن اطروحة الدكتوراة بعنوان (النظام الاجتماعي للياقوت في القرنين السابع عشر والثامن عشر). وفي عام 1943 عمل كرئيس قسم لمعهد الاثنوغرافيا التايع لأكاديمية العلوم السوفييتية.
كان توكاريف في أعوام 1951-1952 أول عالم اثنوغرافي سوفييتي يقوم بالتدريس في جامعتي برلين ولايبزغ في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
ترأس توكاريف قسم الاثنيات الأوروبية غير السوفييتية عام 1961 في أكاديمية العلوم. وكان منذ عام 1956-1973 مسؤولاً عن قسم الاثنوغرافيا في معهد التاريخ في جامعة موسكو. حصل على ميدالية العمل مرتين وجائزة الصداقة بين الشعوب، وميدالية العمل المدني في الحرب الوطنية العظمى وميدالية الدولة السوفييتية. وله عشرات من الكتب والمقالات العلمية في مجاله.

1- B. Spencer and Fr. Gillen, The Arunta, Vol. 2, London, 1927, pp. 585-586
2- C. Strehlow, Die Aranda und LoritjaStamme in Zentral-Australien, Vol. 2, Frankfurt, 1907, pp. 75-77
3- Fr. Lehmann, Mana, Leipzig, 1922 L. Ia. Shternberg, “Sovremennaia etnologiia,” Etnografiia, 1926, Nos. 1-2, p. 33
4- W. Jochelson, “The Koryak,” Jesup North Pacific Expedition, Vol. VII, Leyden and New York, 1905, p. 30
5- P. Bogatyrev, Actes magiques, rites et croyances en Russie Subcarpatique, Paris, 1929, pp. 4-5
كُل هذه الأمثلة، تُقنعنا بمدى صعوبة ما يتعامل الباحث معه، حتى عندما يكون على إحاطةٍ جيدةٍ بلُغة ومُعتقدات شعبٍ معيّن.
6- R. S. Rattray, Religion and Art in Ashanti, Oxford, 1927, pp. 3-5
7- A. Kroeber, Handbook of the Indians of California, Washington, 1925, p. 361
8- A. Howitt, The Native Tribes of South-East Australia, London, 1904, p. 121 B. Spencer and Fr. Gillen, The Northern Tribes of Central Australia, London, 1904, pp. 182, 773 A. R. Brown, “Three Tribes of Western Australia,” Journal of [The Royal] Anthropological Institute, Vol. 13, 1913, pp. 161-165.
9- B. Spencer and Fr. Gillen, The Arunta, Vol. 11, p. 496 A. Van Gennep, Mythes et lbgendes d’ Australie, Paris, 1905, pp. 29-34.
10- J. Frazer, The Worship of Nature, Vol.1 ,London, 1926, pp. 616-624
11- However, this is precisely the organization employed by, for example, Mircea Eliade, in his large work, Trattato di storia delle religioni (1954) - certainly its first part, where the chapters are in the following sequence: skyworship, sun-worship, moon-worship, waterworship, rock-worship, etc. But in other chapters he departs from this principle
أ- الصنمية Fetishism وهي عبادة الجمادات التي تُنسَبُ الهيا خصائص خارقةٌ للطبيعة. إن الصنمية، هي أحد عناصر الصورة الدينية للعالَم، وهي إحدى مُكونات جميع أشكال الدين الباكرة تقريباً، وكذلك هي مُكوّنٌ من مكونات الأنظمة الدينية المُتطورة. الفيتيشيات أو الأصنام قد تشمل الحجارة والعِصي والأشجار أو أي نوعٍ آخر من الأشياء. يُمكن أن تكون الأشياء طبيعية أو من صنع الانسان. وتتتنوع أيضاً الأشكال التي تتخذها عبادة هذه الأشياء: من تقديم قرابين لها الى غرس المسامير فيها من أجل التسبب في ألم الروح واجبارها على تنفيذ طلبٍ موجّهٍ الهيا. تُمارَس الصنمية أيضاً على نطاقٍ واسعٍ في الديانات الحديثة (على سبيل المثال، يتمسَّح المُسلمون بالحجر الأسود في مكة، وتُبَجّل stupa reliquary في البوذية، وتُوجد العديد من الايقونات الاعجازية في المسيحية).
12- J. Lubbock, Nachalo tsivilizatsii, St. Petersburg, 1876, p. 150
13- D. Brinton, Religions of Primitive Peoples, 4th Impression, New York and London, 1897, p. 134
14- V. N. Kharuzina, “Zametki PO povodu upotrebleniia slova ‘fetishizm,’” Etnograficheskoe obozrenie, 1908, Nos. 1-2, p. 117
15- لن أتناوَلَ هُنا مسألة استخدام مُصطلح الصنمية بالمعنى المجازي للدلالة على ظواهر لا تتعلق بتاريخ الدين "الصنمية السِلَعية" و"الفيتيشية الجنسية"، الخ.
16- For West African fetishism, the “classical” form of fetishism, see Chap. 11
ب- الارواحية Animism. الايمان بالأرواح هو عُنصر أساسي في أي دين. إن الأرواح هي أرواح الأسلاف الموتى والأحياء والقُوى الطبيعية. إن الأرواح من عالَم الطبيعة عديدة ومُتنوعة للغاية. يُمكن أن تكون الأرواح خيِّرة، ويُمكن أن تُهدد حياة البشر. ولهذا السبب كانت تُقدَّمُ لها قرابين صغيرة عندما يكون ذلك ضرورياً. مع تطور الايمان بالأرواح ظَهَرَت تصورات عامة تخص الخصائص الخارقة للطبيعة المنسوبة الى الأشياء أو الأشخاص، مثل المانا، والبَرَكة في المسيحية والاسلام. لا تزال عناصر الإرواحية موجودةً في الأديان العالمية اليوم.
17- لذلك كان جورجي بليخانوف على حق تماماً عندما أكد أن "العُنصر الارواحي... كان له دائماً مكانةً ما في كُل دين"، وأن "الأديان التي لا تحوز على تصوراتٍ إرواحية ليست موجودةً بعد". ومع ذلك، فإن بليخانوف، الذي وَقَعَ في تناقضٍ واضح، رأى أنه كانت هُناك "فترة إرواحية" مُتميزة، وهي الارواحية البدائية.
G. V. Plekhanov, o religii i tserkvi, Izd-vo AN SSSR, 1957, pp. 177, 290, 294
جـ نعم. أتفق مع توكاريف بأن استخدام مفاهيم "الفيتيشية" و"الارواحية" و"السحر" غير مناسبة لتصنيف الأديان. بالرغم من أنني لست مُتخصصاً في تاريخ الأديان، ولا أستطيع أن أطرَحَ وجهة نظري الخاصة في هذا الأمر هُنا، الا أن توكاريف لم يكن مُقنعاً بالنسبة لي عندما حاوَلَ أن يُقلل من شأن هذه المفاهيم لمُجرّد أن هُناك اختلافاً كبيراً بين العُلماء على تفسيرها. هل الاختلاف الكبير بين عُلماء النفس والتربية اليوم، على الطُرق الأنجح والأفضل لوضع المناهج المدرسية، يعني أنه يَصعُبُ أن نضع منهاجاً مدرسياً علمياً موثوقاً، يخضع للتغيير والتطوير اللاحقين مع تطور الدراسات التجريبية في المدارس؟ بالطبع لا. يعود الاختلاف بين عُلماء التربية والسيكولوجيين حول كيفية وضع منهاج التدريس، الى عدَّة عوامل، منها، الانحياز الطبقي البرجوازي، والمنهجية البرجوازية في دراسة نفسية الطفل. ينطبق هذا الأمر تماماً على تفسير الفيتيشية عند الشعوب المُختلفة، وطقوس السحر في مراحل مُختلفة من التطور الاجتماعي. الأمر اذاً يعود الى منهجية دراسة هذه الظواهر. قد يكون رد توكاريف على هذه المُحاججة (رد ينبُع من مقالته هذه ومقالاته السابقة)، بقوله أنه حتى العُلماء الماركسيين، ومنهم الماركسيون السوفييت غيرمُتفقون في تفسير مُعتقداتٍ سحرية أو ارواحية لشعبٍ واحد. وهذا صحيح. ولكن-وإن كان سؤالاً بسيطاً- هل ينتُجُ من هذا أنه يَصعُب علينا أن نعتمد على هذه المفاهيم، وأن نجدَ تفسيراً مُلائماً-أقرب للحقيقية- لهذا المُعتقد أو ذاك باستخدامها؟
هناك جانبٌ آخر لمُحاججات رفيقنا. بعيداً عن موضوع تصنيف الأديان، فأنا أُلاحظ أن المؤلف في هذه المقالة، والجزء الأول منها، يطمس الفارق بين المُعتقدات الفيتيشية والارواحية والسحرية في المُجتمعات البدائية من جهة، والمُجتمعات الطبقية من جهةٍ أُخرى. ومرةً أُخرى، سؤالٌ يطرحه شخصٌ ماركسيٌّ غير مُدرب أكاديمياً، ويعتمد على التثقيف الذاتي، وغير مُتخصص في هذا الميدان: هل من المعقول، أنه لا يُوجد فرقٌ بين المُعتقدات الفيتيشية في المُجتمعات البدائية من جهة، والمُعتقدات الفيتيشية في أديان المُجتمعات الطبقية من جهةٍ أُخرى؟ الأ يوجد هُناك فرقٌ نوعيٌّ بين المٌعتقدين، باعتبار أن الأول موجود في سياق عجز شديد أمام قُوى الطبيعة، والثاني يسير في سياقات دينية مُختلفة لمُجتمعات طبقية؟ على سبيل المثال، هل يُمكن اعتبار الارواحية في المُجتمعات البدائية، عندما كان الانسان البدائي غير قادرٍ تماماً على فصل ذاته عن الوسط المُحيط، الطبيعي والاجتماعي، ولم تكن عناصر الانتشار المنطقي ووحدة عناصر التفكير البدائي قد انفصلت بَعد بصورةٍ واضحة، وكانت النتيجة التي ترتبت على ذلك هي اضفاء صفة الأرواح على الوسط الطبيعي وأنسنته، أقول، هل يُمكن اعتبار ذلك، مُشابهاً للارواحية في الدين الاسلامي، حيث لا يُمكن اعتبار أن المسلمون في هذه المرحلة التاريخية يُضفون صفة الانسانية على الظواهر الطبيعية، ولا يتخيلون أن للرعد روحاً؟ اليست الارواحية في المُجتمعات المشاعية البدائية، أي في الفترة الأقرب لنشوئها الأول، مُختلفةً عن تلك الموجودة في الأديان الحديثة؟
كان الانسان القديم، يعرف بالتجربة، أن مسألة الصيد لا ترتبط بشجاعته وحدها. فقد كانت هُناك أيامٌ من النجاح يعقبها أيامٌ من الجوع والانتظار، كما كان السمك يختفي "فجأةً" من المُستجمعات المائية (ينتقل الى أماكن أُخرى للتزاوج). و"فجأة"، تتغير الأحوال فتتوفر الطرائد والأسماك. ولكن الانسان البدائي لم يكن يُدرِك مغزى هذه التغيرات، فصار يعتقد بأن قوةً خارقة تؤثر على الطبيعة وتؤثر على حياته وتُعيد الأسماك الى مُستجمعاتها. وهُنا، هل ممارسة الانسان للسحر بُغية عودة تلك الأسماك، هي نفسها الممارسات السحرية الموجودة في الأديان الحديثة بوصفها ممارسات تتم في سياقٍ وعصرٍ مُختلف؟ اليست أسئلتي مُبررة الى حدٍ ما؟
18- I. A. Kryvelev, “Ob osnovnom opredeliaiushchem priznake religii, ” in symposium Voprosy istorii religii i ateizma, No. IV, Izd-vo AN SSSR, 1956, p. 42
19- Iu. P. Frantsev, U istokov religii i svobodomysliia, Izd-vo AN SSSR, 1959, p. 303
20- المؤلفات الفلسفية-المُجلد الثالث، بليخانوف، ترجمة هشام الدجاني، دار دمشق 1983، ص280
21- لقد فَهِمَ اميل دوركهايم هذا الجانب من المسألة، والذي ربما كان أول من افترَضَ في الأدب الاثنوغرافي أن الطوطمية هي انعكاس مُباشر للتنظيم العشائري للمُجتمع، باعتبارها دين العشيرة البدائية، والشكل الذي يتخذه وعيهُ الذاتي. إن خطأ دوركهايم، المُرتبط بخطأ مفهومه برمته، يكمنُ في شيءٍ آخر: في فهمه المثالي الصرف لـ"المُجتمع" (بما في ذلك العشيرة البدائية) بوصفها مجموعة من الروابط والعلاقات الذهنية.
22- إن أمبروجو دونيني الذي ذكرناه آنفاً، مُحقٌ بهذا الصدد. ولكنه يطرح هذه الفكرة بطريقة مُبسَّطة ومُخلِّة.
23- Karl Marx and Friedrich Engels, Sochineniia, Vol. 21, pp. 315-316

ترجمة لمقالة:
S. A. Tokarev (1966) Principles of the Morphological Classification of Religions (Part II), Soviet Anthropology and Archeology, 5:1, 11-25



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسألة أصل ثقافة العصر البرونزي الباكر في جنوب تركمانستان
- مبادئ تصنيف الأديان 1
- تاريخ انتاج المعادن عند القبائل الزراعية في جنوب تركمانستان
- ردّاً على نُقادي فيما يخص مقالة -حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية ...
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
- بصدد الفهم الماركسي للدين
- حول جوهر الدين
- حول مفهوم -الشرق القديم-
- حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية (أفكار عالِم إثنوغرافيا)
- في ذكرى سيرجي الكساندروفيتش توكاريف
- فريدريك انجلز حول نشأة المسيحية
- اليسار الجديد: الأفكار المواقف
- تاريخ البشرية القديم
- صور الدببة في فن العصر الحجري الحديث في شمال آسيا
- الاتجاهات الفلسفية كموضوع بحث: مسألة قوانين تاريخ الفلسفة
- دور الترجمة في تاريخ الُلغات الأدبية
- فلاديمير نابوكوف في المقام الثاني والمقام الأول
- عصرٌ جديدٌ للبشرية
- نظرية التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية وتاريخ العالم
- لويس مورغان والماركسية والاثنوغرافيا المُعاصرة


المزيد.....




- حاكم تكساس يهدد المتظاهرين في جامعة الولاية بالاعتقال
- حزب النهج الديمقراطي العمالي: بيان فاتح ماي 2024
- تفريق متظاهرين في -السوربون- أرادوا نصب خيام احتجاجاً على حر ...
- بيان مشترك: الاحزاب والمنظمات تؤكد فخرها بنضالات الحركة الطل ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...
- إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - مبادئ تصنيف الأديان 2