|
أهم ما يميز المانوية
إلياس شتواني
الحوار المتمدن-العدد: 7941 - 2024 / 4 / 8 - 04:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ولد ماني سنة 216 للميلاد؛ عصر تربّع الساسانيون فيه على عرش الدولة الفارسية كوريث للأخمينيين ولثقافتهم العريقة. شهدت تلك الفترة التاريخية تنافسا شديدا بين بلاد الفارس وروما على المستويين السياسي والثقافي، وعرفت المناطق الحدودية بين الدولتين نشاطا دينيا واسعا، حيث انتشرت فيها تجمعات الزرادشتية واليهودية والصابئة المندائية والبعثات المسيحية التبشيرية.
ماني، الرسول الشكور المبعوث من أرض بابل، نشأ في جنوبي بلاد بابل في وسط مندائي-غنطوسي، وهناك تلقى بشكل جلي تلقينا فكريا كان مؤثرا وحاسما بالنسبة لمشروعه الديني. لما بلغ ماني اثنتا عشر سنة أتاه الوحي للمرة الأولى، حيث قام كائن نوراني بنقل الوحي اليه، وهو كائن تسميه الترجمة العربية ب«التوم»؛ كلمة مأخوذة من اللغة السريانية «توما» والتي يقصد بها التوأم. تتماهى هذه الكلمة مع كلمة (Sais) القبطية الواردة في المدونات المانوية المصرية، حيث تحتوي رسالة الرسول السماوي لماني الآتي: "اعتزل هذه الملة، فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة، وترك الشهوات، ولم يئن لك أن تظهر لحداثة سنك." (جيو وايدنغرين، "ماني والمانوية"، ص 43)
عاش ماني في ظل مناخ مندائي وفي عزلة كلية عن العامة، حيث درس الآداب المقدسة وتعلم المبادئ الغنطوسية. وأخيرا في سنة 240-241م وصل التفويض المنتظر لبدء الدعوة. بدأ ماني نشاطه الدعوي في بلاد الهند وانتقل بعد ذلك الى اقليم «آشورستان» أي بلاد بابل، وجال بعدها بلاد ميديا وفرثيا، ونجح خلال اقامته في طيسفون في اقامة علاقة طيبة مع الملك شابور (والذي هداه ماني الى دينه)، حيث تم استقباله من طرف هذا الأخير وحظي معه بعدة لقاءات ومحادثات.
المانوية هي دين توفيقي (Syncretic) يجمع بين عناصر من العقيدة المسيحية والعقيدة الزروانية القديمة وفق رؤية غنطوسية شاملة. ولهذا السبب كان للمانوية وضع مقبول أكثر من أي دين آخر في بلاد فارس. تغلغلت بعثات ماني التبشيرية في عمق الامبراطورية الرومانية (وهذا في حياته) لدرجة أنها وصلت الى مدينة الاسكندرية. في سنة 273م، توفي الملك شابور وخلفه على العرش ابنه هرمز الأول. لم يحكم هذا الأخير سوى عام، فقد توفي في الوقت الذي كان فيه ماني منشغلا بنشر عقيدته في بابل، ليخلفه على العرش أخوه بهرام الأول الذي حكم الى غاية سنة 277م. اتخذ بهرام موقفا معاديا بشأن ماني ودينه، وأضحى ممتعضا وناقما على ماني كون الرسالة لم تنزل على ملك عظيم مثله. تشير الوثائق التاريخية الى محادثة بين الاثنين تنتهي بتذكير ماني الملك برهام بأعمال الاحسان والرعاية التي حظي بها من الملكين شابور وهرمز، وختم مقالته قائلا: "افعل بي ما تراه." أمر الملك بتقييد ماني وأخذه الى السجن. لم يتحمل ماني، الذي كان في الستين من عمره، أعباء السجن فانهار سريعا ومات متأثرا بشدة الجوع (اذ أنه كان يصوم) وحدة الأصفاد والأغلال. أمر الملك بعد ذلك باحراق جسد ماني، ثم مزقت جثته، وقطع رأسه.
يتجلى اسهام ماني الملحوظ في أنه قد ثار على الزرادشتية التقليدية بتقديمه لقراءة جديدة لمفهوم "التوائم السماوية"، حيث أنكر بشدة القول القائل أن قوتي الخير والشر كانتا أختين. «زروان»، المخلوق السماوي البدائي، لم يخلق الشر (المتمثل في أهرمن في التقليد الزرادشتي)، لكنه، في نظر المانوية المجددة، قد استدعى «أم الحياة»، واستدعت هذه الأخيرة بدورها الانسان الأول المعروف باللغة السريانية «نشاقدامايا»، وهو مصطلح يقصد به «الانسان القديم» (المتمثل في اهرمزد)، أي ابن الرب الأول «زروان». تنظر المانوية اذن الى الوجود من منظور ثالوثي، وتؤكد على أهمية دور المخلِّص في صراع الحياة الحقيقي؛ صراع الفداء والخلاص.
#إلياس_شتواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهم ما يميز الزرادشتية
-
عيد ميلاد الحسناء
-
المكيافيلية: كيف نفهم عقلية الديكتاتور
-
لقد ارتددت أخيرا..
-
ما ضاع من القرآن
-
-الإسراء- من حبكة بني أمية
-
نحن جيل اليوم
-
بيان جمع القرآن
-
فأتوا بسورة من مثله: كيف نردّ على التحدّي
-
على يسار الرّب..
-
فاوست الثائر
-
الإله التمثال
-
عن الرأسمالية وثروة الأمم
-
قريبا..
-
دقات الساعة
-
شهر رمضان بين المانوية والصابئة المندائية
-
ستفقد كل شيء
-
هيلينا الجميلة
-
وجدة المنسيّة
-
شهداء الفكر في التاريخ الإسلامي (3): الحلاج
المزيد.....
-
“نزلها مباشر” تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: مجلس الخبراء مظهر من مظاهر الديمقراطي
...
-
روسيا.. محكمة في بيلغورود تقرر طرد كاميروني متورط في دعم جما
...
-
من هم خلفاء المرشد الأعلى المتوقعون بعد وفاة رئيسي؟
-
انتخابات 2024 ودعم إسرائيل.. لمن سيصوت اليهود الأميركيون؟
-
أمين عام حزب الله اللبناني يبرق إلى المرشد الأعلى الإيراني م
...
-
أمين عام حزب الله اللبناني يبرق إلى المرشد الأعلى الإيراني م
...
-
فرحة الأولاد كلها مع قناة طيور الجنة! استقبل التردد الجديد ع
...
-
القوى الوطنية والإسلامية تدعو إلى تضافر الجهود لوقف جرائم ال
...
-
-فرنسا، تحبها ولكنك ترحل عنها-... لماذا يختار مسلمون ذوو كفا
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|