أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -عرب ويهود- و-سقوط الجولان-: عن كتابين من ماض يمضي ولا يمضي















المزيد.....

-عرب ويهود- و-سقوط الجولان-: عن كتابين من ماض يمضي ولا يمضي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 19:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أن يتكلم المرء في عجالة على كتابين صدرا في وقت واحد تقريباً، قبل نحو 55 عاماً، ليس بالأمر المألوف. لكن في أوضاع اليوم ما يدعو إلى قول شيء عن كتاب "عرب ويهود" لسامي الجندي (دار النهار، 1968)، و"سقوط الجولان" لخليل مصطفى، الذي عُرِّف على غلاف الكتاب بأنه "ضابط استخبارات الجولان قبل الحرب" (ليس معروفاً اسم الناشر ولا تاريخ النشر، لكن الكتاب صادر قطعاً قبل عام 1970).
الجندي من الرعيل البعثي الثاني، كان وزير إعلام، ثم سفيراً في فرنسا، وهو كاتب مثقف، لطيف الأسلوب نافذ النظرة. الرجل سجن لبضعة أشهر في دمشق عام صدور الكتاب، وخرج من سوريا بعدها، ولعله اقترب من النظام الأردني لبعض الوقت. إذ أن كاتب مقدمة الكتاب هو "الحسين بن طلال"، ملك الأردن وقتذاك ووالد الملك الحالي.
سامي الجندي وفيٌ لما ختم به مقدمة كتابه: "أني أرفض، مع ذلك، ورغم كل ما حدث [النكبة ثم النكسة]، أن أغمس ريشتي في محبرة الحقد. ومن هذا المنطلق سأعالج القضة الفلسطينية". هذا لا يعني بحال أنه كان محايداً في كتابه، فموقفه ثابت في نقض شرعية المشروع الصهيوني، لكنه يقوم بذلك بهدوء لافت ودون انفعال، كأنما لم يكن بعثياً يوماً.
مما يتكلم عليه الكتاب في صفحاته الأولى أصدقاء يهود دمشقيون للمؤلف اضطربت حياتهم وقت قيام إسرائيل، وتوزعت مواقفهم بين مقاتلة تحمل السلاح في صفوف جيش إسرائيل ضد الفلسطنيين، وبين منتحرة في دمشق، وبين من ذهب إلى فلسطين واعداً بأن يقطن قرية عربية، ولا يتكلم بالعبرية.
يوفر الجندي معلومات عن تاريخ اليهود في أوربا، وعن ظهور الحركة الصهونية تنمُّ على اطلاع مميز حتى بمقاييس اليوم. ويغطي الحرب العالمية الأولى والمعاهدات السرية بين البريطانيين والفرنسيين (والروس قبل ثورة أكتوبر 1917)، ووعود الأولين المتناقضة للعرب واليهود والفرنسين. كما يعرض لنضالات الفلسطينيين أثناء الانتداب البريطاني الذي كان أول مندوبيهم السامين، هربرت صموئيل من المسؤولين في الحركة الصهيونية. وبحس مرهف يقول الجندي أن العرب عانوا من "أزمة ضمير" وقت الحكم النازي واضطهاده لليهود، ورؤيتهم (العرب) بؤس من تمكنوا من اليهود من الهجرة إلى فلسطين. ومن جهة أخرى كان عرب فلسطين يخشون أن يطردهم هؤلاء القادمين من أرضهم. كان هذا "أكبر مأزق تعرض له العرب في تاريخهم". وينفي الكتاب الدعاية الصهيونية عن تعاطف العرب مع النازية، ممثلاً بالمفتى أمني الحسيني الذي يظهر في صفحاته رجلاً طموحاً ومغامراً في بداياته، ثم معادياً للمحتلين البريطانيين والصهيونيين العاملين في كنفهم. ويفسر الجندي الأمر بأن "العرب يحبون الألمان"، وهم يعانون في توحيد بلادهم مثلما عانى الألمان، كما كانوا ضحايا معاهدات الصلح، فرساي تحديداً، مثل العرب. "أما المظالم التي لحقت باليهود فلم يؤيدها عربي واحد، لا بالقول لا بالفعل"، والذين "زعموا مثل هذا الزعم لم يستطيعوا دعمه بدليل". أما "الحركات الثورية في فلسطين فلم تكن غير محاولة للتشبث بالأرض. ولو جاء البلاد شعب آخر غيراليهود لما اختلف موقفهم".
صارت المعلومات عن بنية وعدد وعدة القوات الصهوينية معروفة على نطاق واسع اليوم، لكن لعلها لم تكن كذلك قبل أكثر من نصف قرن. الجندي يعرض معرفة طيبة في هذا الشأن، وفي شأن نشاط الصهونيين في الغرب. يقول إن الصهيونية صورت نفسها للأميركيين كحركة تحرر "شبيهة بحركة التحرر الأميركية من انكلترا". كان تسلح العرب بالمقابل ضعيفاً ومحدوداً. الجيش السوري مثلاً كان كامل عديده 8460 جندياً.
ويعيد الجندي إلى النكبة ومفاعيلها الصادمة تدخل العسكريين في السياسة، واتهام السياسيين بالمسؤولية عن الهزيمة، والحضور الكبير لكلمة العار في "نفسية كل عربي". وينفي المؤلف الرواية الرسمية الإسرائيلية التي كانت مقبولة في الغرب بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم بأوامر من القاداة العرب، وهي السردية التي سيفندها المؤرخون الإسرائيليون الجدد لاحقاً.
يورد الجندي معلومة لا تبدو معلومة في ما يكتب عن الصراع العرب الإسرائيل، وهي أن أميركا وبريطانيا وفرنسا قد ضمنت حدود إسرائيل (وهي ليست حدود قرار التقسيم عام 1947) في اتفاق ثلاثي عام 1951. هذه الدول الثلاث أعربت عن استعدادها لبيع السلاح للطرفين، العرب والإسرائيليين، على ألا يستخدم ضد أحد الطرفين.
وعن اتفاقية التعويضات الألمانية لإسرائيل عام 1953، يقول الجندي كلاماً لا يزال سديداً: "التكفير عن الجريمة لا يكون بجريمة أخرى، ولا يجب أن يحل محل معسكر اعتقال في الأرض الألمانية معسكر لاجئين على الأرض العربية، وبحجة التفكر عن الخطايا".
صباح 5 حزيران 1967، قابل الجندي الذي كان سفيراً لسورية في فرنسا وزير الخارجية الفرنسي، وسأله: " من بدأ بإطلاق النار؟" أجاب الوزير: "يزعم كل من الخصمين أن الأول هو البادئ." قبل أن يضيف: "لماذا سحب عبد الناصر قوات الأمم المتحدة؟" ما يشبه هذا "البرنامج" المراوغ جرى تشغيله في الشهور الأخيرة التالية لـ"طوفان الأقصى".
وبلغة مألوفة من جيله يقول الجندي: "المعركة في الحقيقة بين التطور وعدمه"، لكنه يضيف: "بين الشعب العربي المستيقظ حديثاً وبين نخبة منتقاة من العالم أجمع". في النهاية، "القتال هو دائماً قتال الغد".
على عكس كتاب الجندي، كتب خليل مصطفى مكتوب بغضب وبلغة اتهامية حادة. وخلاصة ما يريد المؤلف قوله هو أن "القوات الإسرائيلية قد دخلت الأرض السورية حسب مخطط تآمري أعد مسبقاً ووضعت مقدماته ونتائجه بعض السفارات، وأتم إكمال ملامحه وجوانبه في العواصم الغربية". مصطفى لا يقدم برهاناً مقنعاً على ما يقول، يستدل عليه من أشياء قالها بعبارات مرسلة: تسريح الجيش وإبداله بجيش غير اختصاصي، تدمير الاقتصاد في البلاد، عدن إعلان التعبئة العامة، تصنيف سكان البلاد إلى مواطنين من فئات متدرجة، سن الحرب الضارية وبكل الوسائل القذرة على عقيدة الأمة وإيمانها، خنق الحريات وملاحقة رجال الفكر، إشاعة الفوضى والانحلال في الأخلاق وتشجيع السفلة في الاجتراء عل مقدسات الشعب ومعتقداته (يحيل هنا إلى مقالة إبراهيم خلاص في مجلة "جيش الشعب" قبل أسابيع من حرب حزيران، ويرد فيه ضرورة إحالة الله والدين إلى متحف التاريخ). المتهم في سردية مصطفى هو حزب البعث وفريق الشباطيين الحاكم وقتها: نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وابرهيم ماخوس ويوسف زعين وحافظ الأسد وأخوه رفعت وسليم حاطوم وأحمد المير وأحمد سويداني وعبد الكريم الجندي... من باب ذكر أسماء ترد في كتابه.
مصطفى يعطي الانطباع بأن جذر الهزيمة هو الخيانة، ضلوع من يحكمون البلاد في مؤامرة لمصلحة العدو. لكن في واقع الأمر هناك جذر مستمر للهزيمة هو ما حولها من حدث مضى وانقضى إلى بنية مستمرة: الغباء والركاكة وقلة الكفاءة والسطحية الفكرية والنفسية مما كان طابع الحكم البعثي وقتها واليوم، ومما هو استعداد قوي في مجتمعنا، رسخ منه التقييد السياسي المديد. بشار الأسد ليس عميلاً لإسرائيل. أنه أسوأ من ذلك بكثير: تافه وضحل وعديم الحس بالمسؤولية. حين ننظر اليوم، بعد 55 عاماً من كتاب مصطفى إلى من يديرون منطقة الشمال السوري، نقتنع أكثر أن الركاكة والرثاثة والتفاهة هي المشكلة، وليس بحال العمالة للعدو.
ومن المحزن أن مصطفى يحيل إلى "بروتوكولات حكماء صهيون" في قائمة مراجع كتابه. ليست المشكلة أنه لا يعرف أن هذا كتاب منحول ألفه ضابط في البوليس الروسي القيصري في مطلع القرن العشرين، المشكلة أن "الشبيه يجذب الشبيه"، وأن منزع "ضابط استخبارات الجولان" الاتهامي والمؤمن بالمؤامرات يضعف أي تبصر نقدي عنده، فيجد في كتاب ضابط الشرطة القيصرية سنداً لأفكاره. لكن هذا نزع الصدقية عن كتابه بقدر كبير. وما يسوغ الاهتمام بهذه النقطة هو أن ما يشبه هذا التكوين الفكري النفسي، الغاضب والاتهامي والمشتبه بعملاء في كل مكان، لا يزال منتشراً في بيئات اجتماعية سورية تشبه تماماً تلك التي ينحدر منها مصطفى، ولا تزال مثله تشتبه في خيانة الجميع وتعجز عن مساءلة نفسها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بشأننا؟ لماذا ليس بيننا عادلون عاقلون؟
- غزة وعالم الامتيازات والحل الفاشي
- الطائفية والديني السياسي
- ما يقع هو المستحيل، ماذا حدث للممكن؟
- في شأن مفهوم الجينوسايد ومشكلاته
- اشتراكية: تمرين في الخيال السياسي
- تاريخ: مفاصل زمنية وسجلّات ثقافية وسياسية
- في وداع رياض الترك
- سورية وفلسطين وما وراء نموذج الإبادة السياسية
- عودة إلى السجن
- ما يحدث في غزة يحدث في العالم
- عشر سنوات… القصة من جديد
- حقوق الإنسان، الحق في الحقوق، وسورية
- ضد القبَليّة، ومن أجل فلسطين عالمية
- عن الآيخمانية في ازدهارها الراهن
- الحرب الوظيفية، حرب تشرين 1973 وبنية الحكم الأسدي
- في بعض الجذور الانفعالية لتوحشنا
- عن -انتفاضة العشائر- العاثرة
- نظام التمييز جذراً للتطرف والانقسام السوري
- موجة احتجاجات جديدة في سوريا


المزيد.....




- الدفاع المدني: ارتفاع حصيلة القتلى إلى 21 بعد غارة إسرائيلية ...
- غارات إسرائيلية -عنيفة- على الضاحية الجنوبية، وحزب الله يعلن ...
- ستوكهولم: مجموعة مرايا فعالية منوعة مع محاضرة (توعية عن أور ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان 25 قرية جنوب لبنان بضرورة الإخلاء ...
- أمين عام مجلس التعاون الخليجي يدعو لوقف العدوان على غزة
- الدفاع الروسية: إصابة قاعدة وقود في جنوب أوكرانيا ومطار عسكر ...
- عشية ذكرى 7 أكتوبر.. الجيش الإسرائيلي ينشر تعزيزات في منطقة ...
- إعلام عبري: مصر تتوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله ...
- روسيا تختبر منظومة محمولة جديدة لقمع الدرونات
- اليابان.. تطوير طريقة جديدة لإيصال الدواء إلى مركز الذاكرة ف ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -عرب ويهود- و-سقوط الجولان-: عن كتابين من ماض يمضي ولا يمضي