أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل مكين - عمر الخيّام..الشاعر الفيلسوف















المزيد.....

عمر الخيّام..الشاعر الفيلسوف


ميشيل مكين

الحوار المتمدن-العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


في ظل تركيز سيناريو مسلسل (الحشّاشين) على الوهج الطاغي لشخصية شيخ الجبل (حسن الصباح) ولا سيّما مع الآداء الاحترافي للفنان (كريم عبد العزيز)، كان من الطبيعي أن تظهر شخصية الشاعر والفلكي العبقري (عمر الخيّام) في أحداث المسلسل بصورة باهتة لا تعكس شيئاً مما تمتّعت به هذه الشخصية الاستثنائية من ثراء فكري وفلسفي وعلمي قلّما اجتمع في شخصية واحدة عبر التاريخ.

وبعيداً عن جدل الباحثين والمؤرخين بشأن تاريخية/عدم تاريخية القصّة التي تُروى بشأن علاقة الثلاثي (حسن الصباح - عمر الخيّام - نظام الملك الطوسي) وصداقتهم واختلاف أمزجتهم وما قطعوه من عهود فيما بينهم...إلخ، فما يعنينا هنا هو إلقاء بصيص من الضوء على فلسفة عمر الخيّام في الحياة من واقع رباعياته.

فمنذ أن قام الشاعر الإنجليزي (فيتزجيرالد) بنقل رباعيات الخيام من أصلها الفارسي إلى الإنجليزية عام ١٨٥٩ (بدأها ب ٧٥ رباعية في الطبعة الأولى حتى وصلت إلى ١٠١ رباعية في الطبعة الثالثة)، إلا وخَلَب لُبّ العالم الغربي بالرباعيات وبصاحبها وبما اشتملت عليه من فلسفة عميقة هي خلاصة حكمة الشرق...

ثم توالت الترجمات مع اكتشاف المزيد من الرباعيات المفقودة في بطون الكتب والمخطوطات، حتى بات من العسير على بعض الباحثين اليوم أن يجزموا بأيّها الصحيح وأيّها المنحول على الخيّام.

____________________________________________

في رباعيات الخيّام نستشف ملامح رحلة فكرية وتأمليّة عميقة مر بها شاعرنا متأمّلاً وباحثاً، ثم قانطاً ويائساً، ثم عابثاً ولاهياً، ثم راجياً ومؤمناً، على خلافٍ بشأن موضع كل من هذه الأطوار من حياته بسبب جهلنا بترتيب زمن تأليفه لرباعيات كل مرحلة منها.

في البداية يتأمل الخيّام في شئون البشر والحياة من حوله، فلا يجد سوى عشوائية وضربات قدر غير مفهومة، حتّى يتخيل البشر وحياتهم كبيادق في لعبة شطرنج كونية ضخمة تتعاقب فوق رقعتها الأجيال:

وإنَّما نحنُ رخاخ القضاء
ينقلنا في اللوحِ أنّى يشاء
وكلُّ مَن يفرغ مِن دورهِ
يُلقَى به في مستقّرِ الفناء

فيُخاطب قلبه ممنياً إيّاه بألّا يحزن، فكل ما يلقاه الإنسان في حياته هو قدر مكتوب لا فَكاك منه:

ويا فؤادي تلكَ دُنيا الخيال
فلا تنؤ تحتَ الهموم الثقال
وسلّم الأمر، فمَحوَ الَّذي
خطّت يدُ المقدار أمرٌ مُحال

ويتأمل الخيام فيما يصنعه الخزّاف في طينته عندما يوسِعها ضَرباً وعَجْنا، فلا يجد في ذلك سوى صورة لصنائع الأقدار مع البشر:

مررتُ بالخزّاف في ضحوةٍ
يصوغ كوب الخمر من طينة
أوسعها دَعّاً فقالت له:
هل أقفرَت نفسك من رحمةٍ ؟

ولا يستنكف الخيام أن يُناجي الخالق مستفسرا:

طبائع الأنفس ركّبتَها
فكيف تجزي أنفساً صغتَها ؟
و كيف تُفني كاملا أو تري
نقصاً بنفس أنت صوّرتها ؟

خلقتني يا ربْ ماءً وطين
وصغتني ما شئتَ عزاً وهون
فما احتيالي والَّذي قَد جرى
كتبتهُ يا ربْ فوقَ الجبين ؟

كان الذي صورني يعلم
في الغيب ما أجني وما آثم
فكيف يجزيني على أنني
أجرمت، والجرم قضاء مبرم ؟

يا دهر أكثرت البلى والخراب
وسُمتَ كل الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيك من جوهر
يبين لو يُنبشُ هذا التراب

بل هو يرى في حياته كلها قَدْراً غير يَسيرْ من العبثية:

لبستُ ثوبَ العيش لم اُسْتَشَرْ
وحِرتُ فيه بين شتى الفِكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم
أَدْرِ: لماذا جِئْتُ ؟، أين المفرّ ؟

ثم يمضي الخيّام في تأملاته في الحياة والموت فلا يجد تبايناً في المصائر، فكل بشر -عظيماً كان أو حقيراً- مآله إلى الموت:

الدهر لا يعطي الذي نأمل
وفي سبيل اليأس ما نعمل
ونحن في الدنيا على همّها
يسوقنا حادي الردىَ المعجل

والموت رحلة مجهولة لم يعد منها أحد ليخبرنا بما رآه:

كم آلم الدهرُ فؤاداً طعين
وأسلم الروحَ ظعينٌ حزين
وليس ممن فاتنا عائدٌ
أسأله عن حالةِ الراحلين

ثم يواصل الخيام تأملاته في الموت، فيرى في تراب الأرض والعُشب الذي يخطو فوقه بقايا عيون الحسناوات الراحلات وأجساد العاشقين التي أبلاها الزمن، بل يرى في طين الخزّاف خليطاً عبثيا من جماجم الملوك وبقايا عظام الفقراء:

فَكَم توالى الليلُ بعد النّهار
وطال بالأنجُم هذا المدار
فامْشِ الهويني إنّ هذا الثرى
من أعْيُنٍ ساحرة الاحورار

وإنْ توافِ العُشب عند الغدير
وقد كسا الأرض بساطاً نضير
فامش الهوينا فوقه إنّه
غذّته أوصال حبيبٍ طرير

رأيتُ خزّافاً رَحاه تدور
يَجِدُّ في صَوغِ دِنان الخُمور
كأنه يخلط في طينِها
جمجمة الشاه بساق الفقير

ولذلك فخير ما يفعله المرء هو ألا يشغل باله سوى بالاستمتاع بالحياة، فما بعدها مجهول، ولسنا كالأشجار التي تحيا من مواتها:

سارع إلى اللذّات قبل المَنون
فالعمر يطويه مرور السنين ولستَ كالأشجار إن قُلّمت
فروعها عادت رِطاب الغُصون

لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذّاته
فليس في طبع الليالي الأمان

غَدٌ بِظَهْرِ الغيب واليومُ لي
وكمْ يَخيبُ الظَنُ في المُقْبِلِ
ولَسْتُ بالغافل حتى أرى
جَمال دُنيايَ ولا أجتلي

[وهنا نجد صدى الفلسفة الوجودية التي سبقه إليها الشاعر المصري القديم في "أنشودة العازف على الچنك" قبل عصر الخيّام بأكثر من ٣٠٠٠ سنة، والتي يتردد صداها في ملحمة جلجامش العراقية ثم في سفر الجامعة في التناخ وفي فلسفة العبقري الآخر "أبو العلاء المعرّي" وسواهم]

ولذلك فخير متعة ينشدها فيلسوف مثله هي التمتع بالحب:

أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِقا
وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَقا
ما أضْيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي
من غير أن أهْوى وأن أعْشَقا

ولا ينسى الخيام هنا أن يناجي الخالق مجدداً بشأن حكمته في تحريم إشباع غريزة هو من خلقها في البشر:

القلبُ قد أضْناه عِشْق الجَمال
والصَدرُ قد ضاقَ بما لا يُقال
يا ربِ هل يُرْضيكَ هذا الظَمأ
والماءُ يَنْسابُ أمامي زلال ؟

ثم تتوالى الرباعيات التي تتغنى بالخمر وعذوبتها وتأثيرها:

سمعتُ صوتًا هاتفًا في السحر
نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المُنى قبل أن
تملأ كأسَ العمر كفُ الَقَدر

هلْ في مجالِ السكونِ شيءٌ بديعْ
أحلى من الكأسِ و زهرُ الربيعْ ؟
عجبتُ للخمَّارِ هل يشتري
بمالهِ أحسنْ مما يبيعْ ؟!

حتى أن الخيّام يوصي أصحابه بأن يشربوا فوق قبره بعد رحيله، وأن يسكبوا الخمر فوق قبره لعل عظامه تنتعش:

إذا سقاني الموتُ كأس الحِمام
وضَمَّكُم بعدي مجال المُدام
فأفردوا لي موضعي واشربوا
في ذِكر من أضحى رهينَ الرجام

بل يرجو الخزّاف أن يخلط بقايا جسده -التي عادت إلى صورتها الأولى كطين- ببعض الخمر وأن يصوغ منها أواني الخمر لعلها تعود إلى الحياة:

إن تُقتلع من أصلها سرحتي
وتصبح الأغصان قد جفّت
فصِغ وعاء الخمر من طينتي
واملأه تَسرِ الروح في جُثّتي

ولا ينسى الخيام -وهو الموسيقي الموهوب- أن يشير إلى الموسيقى وحفلات الطرب كإحدى ملذات البشر:

أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَحَر
نادى دَعِ النومَ وناغِ الوَتَر
فما أطالَ النومُ عُمرا ولا
قَصَرَ في الأعمارَ طولُ السَهَر

ويبدو أن شاعرنا -مع دنو الأجل- لم يجد شبعه في ملذات الدنيا، فنجده يناجي الخالق مجدداً مساءلاً إيّاه عن رحمته التي يُفترض بها أن تَجُبّ كل معاصي مخلوقاته:

عبدُك عاصٍ، أين منك الرضاء ؟
وقلبه داجٍ، فأين العطاء ؟
إن كانت الجنّة مقصورة
على المطيعين، فأين العطاء؟

يا من يِحارُ الفَهمُ في قُدرَتِك
وتطلبُ النفسُ حِمى طاعتك
أسْكَرَني الإثم ولكنّني
صَحَوْتُ بالآمال في رَحمَتِك

إن لم أَكُنْ أَخلصتُ في طاعتِك
فإنني أطمَعُ في رَحْمَتِك
وإنما يَشْفعُ لي أنني
قد عِشْتُ لا أُشرِكُ في وَحْدَتِك

وبانسياب رقراق، تتوالى الرباعيات التي تُناجي الخالق وبدائع خليقته:

تُخفي عن الناس سنا طَلعتِك
وكل ما في الكونِ من صَنْعَتِك
فأنت مَجْلاهُ وأنت الذي
ترى بَديعَ الصُنْعِ في آيَتِك

إن تُفْصَلُ القَطرةُ من بَحْرِها
ففي مَداهُ مُنْتَهى أَمرِها
تَقارَبَتْ يا رَبُ ما بيننا
مَسافةُ البُعْدِ على قَدرِها

يا عالمَ الأسرار عِلمَ اليَقين
يا كاشِفَ الضُرِّ عن البائسين
يا قابل الأعذار عُدْنا إلى
ظِلِّكَ فاقْبَلْ تَوبَةَ التائبين

وما بين رحلة حيرة وشك، ثم وجوديّة وعدميّة، ثم إيمان ويقين، لا ينسى الخيام أن يترك لنا وصية ذهبية بشأن فنّ اختيار الرفاق:

صاحِب من النّاس كِبار العقول
واترك الجُهّال أهل الفضول
واشرب نقيعَ السُمِّ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول



#ميشيل_مكين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمر الخيّام..الشاعر الفيلسوف


المزيد.....




- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل مكين - عمر الخيّام..الشاعر الفيلسوف