أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صائب خليل - إنتقم من الخطأ














المزيد.....

إنتقم من الخطأ


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 09:16
المحور: المجتمع المدني
    


في نهاية مقالي السابق تساءلت: ؟ هل من امكانية لتوجيه عقلاني حضاري انساني لكل طاقة الغضب والإنتقام المتفجرة في داخل نفوسنا لتعصف بالإتجاه الصحيح لتخدم اسمى امانينا؟ وهنا احاول ان اقترح جواباً لهذا السؤال الذي اعتبرت اختيار الجواب عليه خطير الأهمية لمستقبل العراق في هذا الوضع شديد الغليان. قد يبدو الجواب مثالياً طوباوياً للبعض من القراء, وقد يبدوا ممكنا للبعض الآخر. ولكن حتى المثالية والطوباوية تملك دوراً مؤشراً مرشداً في حياة الإنسان والشعوب. دوراً موجهاً الى هدف يفاد من الإتجاه اليه والإقتراب منه حتى ان كان الوصول اليه صعباً او مستحيلاً ضمن المستقبل القريب.

على اية حال, فان ما ادعو اليه ليس خيالاً صرفاً, بل امر واقع يومي في حياة الشعوب التي لم تبتل بما ابتلت به شعوب مثل شعب العراق وغيره به من دكتاتورية واحتلال وارهاب. واقع اقرأه كل يوم في الصحف واشاهده كل يوم على شاشة التلفزيون.

أقرأ في الصحيفة امامي عن امرأة هولندية فقدت طفلتها حين كانت تمر امام مقهى يدور فيها شجار "لامعنى له" فاصابة الطفلة رصاصة طائشة قتلتها. أسست الأم مع بعض المتعاطفين معها جمعية ضد "العنف الذي لامعنى له". حين تستمع اليها لا تجد في كلامها اثر للغضب على الرجل الذي سحب الزناد فأصاب طفلتها! انها توجه كل غضبها الى المخدرات والمبالغة في تناول الكحول وحياة الليل في شوارع امستردام فيقود الناس كالسائرين في منامهم الى الجريمة.
أية قدرة بشرية هذه لإعادة توجيه الغضب وقيادته الى المجرم الحقيقي الذي لا شكل له, الذي اختطف منها طفلتها "بلا معنى", وهل هناك اكثر وحشية من القتل "بلا معنى"؟
أية قدرة انسانية هذه التي تتمكن من رفض ما يوحي به الهيجان والحزن ويختاره كعدو, لتستمع الى صوت العقل وهو يشير بسبابته الى المجرم الحقيقي – الخطأ - الذي تلبس القاتل وحرك اصبعه ليرسل الموت الى قلب ابنتها؟

يمكننا ان نروح عن انفسنا, حين نعرف وجه القاتل فنوجه خيالنا الغاضب اليه ونقول لأنفسنا"لو وقع في قبضتنا" وكيف سنذيقه العذاب على ما فعل وكيف نمزق وجهه ونتلذذ بعذابه. نفعل ذلك فنرتاح قليلاً...فكيف يا ترى تريح هذه المرأة نفسها وقد وضعت امامها عدواً لا وجه له لتحطمه في خيالها ولا جسم له لتمزقه بسكينها الخيالية فتشفي غليلها؟

وذاك الرجل الذي اصيب بالإيدز فقرر ان ينتقم من المرض وليس من المرأة التي اوصلته اليه, فراح يدور في البلاد ينصح الناس كيف يمكنهم ان يمنعوا هذا الداء من الحياة. وامرأة قتل السرطان زوجها فراحت تدور بلا كلل في كل مكان تجمع المال لمركز بحوث لمحاربة هذا المرض الفتاك....

آخر ما شاهدته من امثلة كان في البرنامج الإخباري "نت ورك" في الأسبوع الماضي حيث ظهر رجل كان ابنه وزوجة ابنه قد قتلا في حادث سير وكان السائق القاتل مخموراً. كان الرجل يجهد من اجل اقناع الوزير المعني بتغيير القانون لتشديد عقوبة من يسوق مخموراً لأكثر من مرة. لم يفلح كثيراً مع الوزير فكتب الى البرلمان وحصل على مقابلة مع نائبين برلمانيين احدهما في حزب رئيسي, وهاهو في البرنامج يحاول ان يصل الى الناس لإقناعهم بما يريد. كان مصراً على حقده, ليس على السائق الذي قتل ولده وزوجته, ولكن على الخطأ الذي اودى بحياتهما الشابة.

وهاهي "سندي شيهان" يقتل ابنها في حرب العراق التي لاتراها ذات معنى لأميركا إلا تحقيق لمصالح المال, فلا تحقد على العراقيين الذين قتلوه بل على الخطأ الذي تسبب في مقتله, فتجمع اهالي الضحايا وتسبب لمشعلي الحرب, والحريصين على ادارتها بشكل مدمر للعراق وللجنود الأمريكيين, الكثير من الإحراج والقلق, وتبدو مصرة على الإستمرار في مسعاها لوقف هذه الحرب ولوقف التدخل الأمريكي حتى النهاية, فتسكن في الخيمة امام البيت الأبيض, ثم امام منتجع الرئيس وتكتب في الصحف وتنظم المسيرات الإحتجاجية وتحاضر في الندوات فتجبر ادارة الرئيس والصحافة ان تعترف بوجودها وتثير مشكلتها وتضعها في دائرة الضوء. لاشك انها عانت ما عانت, ولاشك انها احست احياناً باليأس وفكرت بالعودة الى منزلها لتلعق احزانها, لكن صورة ابنها كانت تطاردها وتجبرها على ان تستمر في حربها مع السبب الذي اودى بحياته, حتى تنتصر عليه.
كيف تمكن كل من هؤلاء من جمع كل هذا الغضب والألم في رؤوسهم, قبل اطلاقه موجهاً الى قلب الهدف, وليس الى الأشباح التي يلبسها فتتراقص حوله؟ كيف لعقلهم ان يصر على تحديد عدوه بنفسه غاضاً بصره عما يأمره به قلبه وهو يفور اهتياجاً؟
ان شعباً يزدهر فيه امثال هؤلاء قادر بلا شك على ان يتجاوز اية ازمة تحل به!

وإذا كان البعض هنا قد تمكن من الإمتناع عن الإنتقام ممن تلبسهم الشر فأصابوه بالآلم, فلم يعجز الناس في بلادي الجريحة عن الإمتناع عن الإنتقام من الأبرياء حينما لايجدون امامهم غير هؤلاء هدفاً لغيضهم وثورتهم؟ السنا ندين بدين مليء بالحث على السيطرة على النفس والغضب وتبين الأمر كي لايصيب غضبنا الأبرياء فنقعد نادمين بعدما لاينفع ندم؟ إن كان امساك المجرمين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما جنت ايديهم, علامة قوة وجرأة ورجولة فأن قتل الأبرياء من الناس والإنتقام من الأبرياء ليس إلا ضعف مقزز.

اقول: أما تسببت اخطاؤنا وضعفنا بما يكفينا من آلام لنوجه اليها انتقامنا بدلاً ممن تتلبسم من اشخاص تستبدلهم في كل مرة لتزيح انتباهنا عنها. الم يحن الوقت لنوجه انتقامنا الى من يستحقه فعلاً, والى من يكون ذلك الإنتقام منه مؤثراً فعالاً؟ ايمكننا ان نقنع انفسنابالإنتقام من الخطأ نفسه بدلاً من ملابسه؟ أم ان تلك مثالية عسرة المنال بالنسبة لنا؟



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن وردة سعدون وارض الخوف وميلاد المقاومات الثلاثة
- قتل الأمل
- الإنتخابات الهولندية: عواصف شديدة فوق الأراضي المنخفضة
- خطة طوارئ للدراسة الجامعية في زمن الإرهاب
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة ...
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا الضجيج؟
- الحكم على صدام, فرحة نصر وتفاؤل حذر
- الحكم على صدام, وتفاؤل حذر
- أمسك خصمك متلبساً بقول الحق وامتدحه!
- كيف عادت -صدام حسين يلوك النه-؟
- نظرية بابل*
- أحداث العراق الجسيمة: غزلان وتماسيح
- غيلان: تعويذتنا الواقية من الإنهيار
- برلمانيوا العراق كقدوة حسنة
- اللصوص تشكر حماتها علناً
- إنه يبكي، ذلك القاضي الذي اسعدكم!
- أبي يجد جواباً لحيرته: بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العر ...
- وجيهة الحويدر إمرأة تخاف ظلها
- أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في ا ...
- العراق المترنح بين فدراليتي الإبتزاز والجبن


المزيد.....




- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صائب خليل - إنتقم من الخطأ