أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فيصل عبد الحسن - الطوفان* لمحمدعبد حسن وعثرات الكتاب الأول..















المزيد.....

الطوفان* لمحمدعبد حسن وعثرات الكتاب الأول..


فيصل عبد الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 07:59
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


وصلتني من الصديق القاص البصري محمد عبد حسن مجموعة قصصية عنوانها الطوفان عن منشورات دار أزمنة ، والقاص مهندس يعمل في ليبيا وبالتحديد في منطقة أجدابيا ،البصرة مسقط رأس القاص كانت وما زالت موئل الكثير من المواهب الأدبية التي أثرت الأدب العراقي والعربي بنماذج قصصية راقية أضافت لهذا الفن الكثير ، نتذكر منهم محمود عبد الوهاب ومهدي عيسى الصقر ومحمد خضير وكاظم الأحمدي ويعرب السعيدي وسلمان كاصد ورياض الأسدي وكاظم الحجاج وعبد الحسين الغراوي ووراد بدر السالم وجمال حسين علي ولؤي حمزة عباس وضياء الجبيلي وغيرهم كثير ،والمدينة كما هي فيما يبدو تلد الأجيال تلو الأجيال من الكتاب وكل منهم يكمل مسيرة من سبقه بالرغم مما حدث لهذه المدينة الباسلة من صنوف العذاب في عهودها المختلفة ، فهي ارض احتضن ثراها الأحرار، وعاش بين جنباتها كل من حفظ أسئلة الكون الفلسفية ، لماذا وكيف ومتى وأين ؟
فكانت المدينة دائما في صفوف المعارضة، وهي لذلك مكروهة من الحكومات المتعاقبة التي حكمت بغداد لا يفكر مسؤول بتطوير حياة أهلها أو تقديم الخدمات لهم ويكتفي بتقديم الكفاف لأهلها بل وحتى هذا الكفاف البائس المذل تردى في العقدين الأخيرين فصار الكفاف السابق نعمة حنت له المدينة وأهلها وعطشت المدينة وهي التي فيها شط العرب وملتقى دجلة والفرات وجاعت وهي الميناء الوحيد للعراق وثلثا نفط العراق المباع ينبع من تحت أرضها وتردت حياة الناس فصار أهلها في بعض الأوقات يتمنون أنهم لو لم يولدوا ولم يكونوا شيئا مذكورا ، وفي خضم الكوارث التي واجهتها المدينة غادر معظم أبنائها ترابها يجولون في أصقاع المعمورة باحثين عن ملجأ يعصمهم مما أصابهم وأصاب بلدهم ومدينتهم من بلاء ونوازل فحمل كل منهم تأريخ مدينته وبلده معه أينما حل ، لقد كتب قاصنا محمد عبد حسن في مجموعته الطوفان تأريخ مدينة البصرة في سبعة عشر نصا قصصيا ، وبالرغم من سيادة ألتأريخي في نصوصه إلا أن التقنية القصصية المستخدمة وعين الكاميرا التي يلتقط بها أمكنته وحرصه على استخدام المنللوج والدايلوج لتعميق رؤاه مكناه من تقديم نص قصصي لا يسقط في المباشرة التاريخية بل يصير التاريخ مؤثثا للمشهد القصصي وعمقا له ، وهذا ما نجده في نصوص كموت ابيض ، الحرب ، الطوفان ، مملكة بعيدة ، وحتى القصص التي تميزت بكونها تقترب من الذات لتفصح عن معاناة حادة امتزجت برموز تاريخية ومرموزات
أسطورية وعقائدية دينية : في نص القصر نقرأ وصفا يحيلنا إلى القلاع القرووسطية ، في ص 11 :
- هذا هو القصر .تريد ان تراه ؟ أعرف ذلك .أعرفه . كثيرون قبلك جاءوا ليروه .قدتهم إلى غرفه ، ممراته . حتى القبو ساجعلك تراه ، سنبدأ به أولا . وفي موت أزرق يتزايد عدد الجثث في المجموعة القصصية كلما توغلنا إلى داخلها : ميتات غرائبية وفجائع يصعب وصفها يصف القاص كيف يتم حمل جثة من الجثث الكثيرة المبثوثة في المتن القصصي : ص 17 عربة تقترب .أيد أربع أخفت جميع العلب في جيوب بدلاتها الزرق المتسخة _ العلب هنا كما يشير القاص في مفتتح نصه علب سجائر مفتوحة – حملت الجثة من الكتفين والقدمين ملقية بها إلى جوف العربة المسود ..المختنق ببقايا قاذورات جعلت روائحها المقززة وجه الجثة يتحرك مبتسما باتجاه السماء . ويصف القاص في نصه البئر المقبرة بقوله ص 24 : يسحرني الهدوء هناك .كنت احتفظ بالكتاب بكيس ورقي تحت أبطي ، أتجول بين القبور . أوراقه صفر متهرئة .أقرأ الشواهد .تثير الفضول .أتأمل رحلة عمر : هنا يرقد ...لذلك أخفيه بكيس ورقي سميك .أجثم عند شاهدة أخرى . إداري سره. يا قارئا كتابي .وسري معه . الفاتحة. أقرأها وأنهض . هذا القبر بدون شاهدة : مجرد صفين من طابوق متآكل منخور . مخسوف. ونلاحظ هنا أن الوصف لا ينتهي بالطابوق المنخور بل يضيف إلى ذلك أن القبر برمته مخسوف لزيادة إشاعة مفهوم التلاشي الأبدي على موتاه وقبورهم .
ونجد القاص في بعض نصوصه القصيرة يسبر أغوار شخصياته الميتة ، وهنا أستدرك حول هذا الموت المعنوي لهذه الشخصيات فهي بالرغم من أنها تبدو لنا حية من خلال حركتها إلا أنها في حقيقة الأمر ميتة لا روح فيها ولا دفء ولا رأي لها بما يحدث لها ، فما معنى أن يرسل أحدهم الزوج لأداء الواجب والزوج على يقين أن من يبعثه لأداء الواجب سيخونه مع زوجته لنقرأ : ص 35
- في الساعة الثانية .
ومضى مبتعدا
مد يده وأسكت منبه الساعة .قبل أن يبتعد أضيئت غرفة نومه .رأى زوجته ، كما رآها أمس الأول ، تنضو عنها ثوبها ، استبدلته بآخر أكثر عريا . سرحت شعرها .طلت شفتيها .فتحت زجاجة عطر ، دلقت قليلا منه في كفها ، مسحت رقبتها ..أبطيها .وبقيت تنتظر .
تنهد بحسرة وابتلعه الظلام.
هنا الذي تحسر هو الزوج الذاهب لأداء الواجب ليحل محله في فراش الزوجية من بعثه لأداء الواجب فهل هناك موت أكثر من موت هذا الزوج المتحسر ؟
أن القاص محمد عبد حسن بالرغم من أن المجموعة القصصية هي أولى مجموعاته المنشورة إلا أن القارئ يشعر أنه أمام قاص فنان أستطاع أن يتجاوز عثرات الكتاب الأول وقد قال عن ذلك أرنست همنغواي في نصيحته للكتاب الجدد مزقوا كتابكم الأول وأوصى الكاتب الايطالي المعروف أيتالو كالفينو الكتاب الجدد بقوله أكتبوا ما عشتموه وامسحوا من ذاكرتكم كل ما قرأتموه عن الكتاب الآخرين أكتبوه بكلمات بسيطة وتواضع ، ولن ننسى أيضا ما أشار إليه غوستاف فلوبير حين قاضته الكنيسة عام 1857لأنه يشيع الفاحشة بين الناس بروايته مدام بوفاري فقال لهم أن مدام بوفاري أنا ، والكاتب الحقيقي لا يكتب إلا نسيجا من نفسه يضعه على الورق ليكون كاتبا قريبا من الناس .
أن القاص محمد عبد حسن في مجموعته الطوفان استطاع أن يقدم مدينة البصرة في فجيعتها واضطراب أحوالها واستطاع أن ينقل لنا أفراحها الصغيرة ومباهجها السرية عبر سرد موفق ولغة قصصية مؤدية أتسمت بتقنيات قصصية حديثة أغنت مضامين نصوصه وجعلت قارئه يتأمل تجربته بالكثير من الدهشة والأعجاب.
* الطوفان وقصص أخرى / الأردن /دار أزمنة / 2005 عدد الصفحات 82 قطع متوسط.



#فيصل_عبد_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة لم تخلق للحزن
- ردني إلى بلادي
- الكيد للكلاب
- أيها الشاعر.. خذ قصائدك واستراتيجيتك وابتعد نادما


المزيد.....




- تابعة لإسبانيا..نظرة على وجهة استثنائية تقع وسط شمال إفريقيا ...
- خبير مصري يعلق على قبول -حماس- وقف إطلاق النار ورد الفعل الإ ...
- نحل الخلافات -خلف الأبواب المغلقة-.. الجيش الإسرائيلي يتحدث ...
- هجوم روسي واسع على منشآت الطاقة في أوكرانيا
- رسمياً.. جزر البهاما تعترف بدولة فلسطين
- بيستوريوس من نيويورك: لا ينبغي لبوتين أن يفلت بحربه العدواني ...
- قصة غامضة.. -آية- من البحر الأحمر تنقل جاك كوستو من أعماق ال ...
- رئيس الصين يهنئ فلاديمير بوتين بتوليه منصب رئيس روسيا
- مسبار Chang-e 6 الصيني يصل مدار القمر
- زيلينسكي يكشف عن محاور القتال -الأكثر سخونة-


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فيصل عبد الحسن - الطوفان* لمحمدعبد حسن وعثرات الكتاب الأول..