أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل عبد الحسن - الكيد للكلاب















المزيد.....

الكيد للكلاب


فيصل عبد الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 04:23
المحور: الادب والفن
    


-1-
الموضوع كان في البداية بمنـتهى البساطة ، لكنه تعقد بعد ذلك كثيرا ، بدأ بكلب ضال ، ضخم الجثة ، كما لو كان أحد الكلاب المنتشرة عادة قريبا من محلات الجزارين ، كثير القروح ، يتبعه جمع من الأطفال والمراهقين يرمونه بالحجارة ، ويضربونه بالعصي ، ويطرقون قريبا من أذنيه المتوترتين بعلب الصفيح الفارغ ، وشاء الحظ العاثر في ذلك الصباح المشرق أن يكون باب دار جدي مفتوحا ، وكذلك باب غرفة الضيوف لم يكن مواربا تماما ، كأنما مؤامرة كانت تحاك خيوطها ضد أسرتنا ، المسالمة ، المحافظة على واجباتها الدينية بشكل صارم ويشعر أفرادها بالنجاسة إذا مست يد أحد أطفالها كلبا على سبيل المداعبة ! فتفرض عليه جدتي أن يغسل يديه سبع مرات ! ! والأدهى من كل ذلك أن في اللحظة التي دخل فيها الكلب المتوحش غرفة الضيوف كانت جدتي تستحم في تلك الغرفة بدلا من(حمام) البيت لئلا تقع عليها عيون نساء أولادها ، ويعرفن أن جدي ، الذي لا يمل عن مضايقتها قد اختلى بها في الليلة السابقة بعد طول تمنع من جانبها وإلحاح بغيض من جانبه ، فوقع الفأس في الرأس كما تشير الجدة في حكاياتها لأحفادها عن شيء مشابه يقع بين الرجل والمرأة اغتصابا ، ولم تشأ أن تستخدم (الحمام) فيفضحها صوت "بريمز" النفط وهو ينفخ لهيبه الأزرق تحت قدر الماء الضخم ، لقد كانت غرفة الضيوف هي المكان الذي لا يتخيله أحد ، ولا يتصور أن الجدة ستستخدمها كحمام ، لفترة قصيرة جدا ، وذلك كان غرضها ! !
-2-
لكم أن تتخيلوا المنظر : كلب مطارد ؛ ضخم الجثة ، يدخل على الجدة المهمومة ، المرتجفة من شدة البرد والخجل ، الحيية دائما ، التي تخاف منظر الكلاب والقطط وتعتقد أن الجن المؤذين قرائن لهذه الحيوانات ، يدخل عليها بذلك الشكل المفاجئ !وهي تستحم خلسة في غرفة الضيوف ؟! اعتقدت في البداية إنها تحلم بأسوأ كابوس ، وعندما رأى الكلب أن في الغرفة منافسا يخشى الضرر منه نبح نباحا عاليا ، وفتح شدقيه بشكل مخيف ، ولا تدري الجدة ماذا حصل لها بعد ذلك ! ! ويبدو إنها خطت خطوتها الأولى المرعوبة ، فدلقت وعاء الماء الساخن فتبلل ما في الغرفة من سجاد وأفرشة ، وما أن خطت خطوتها الثانية إلى خارج الطست ، الذي كانت تقف وسطه وتصب على شعرها الفضي الماء وفي فمها شتائم مرة لجدي ، الذي أوقعها في هذا الإحراج المهين ، فكادت أن تسقط على وجهها وينقصف عمرها ، مثلما كانت تدعو الله على نفسها كلما ضاقت بها السبل واشتدت عليها الأمراض أو تعثرت بالأبناء المسالك !وبسبب الظلام والخوف تناولت سيف جدي المعلق على الحائط ، الذي ورثناه عن أحد أجدادنا ، وكنا نعلقه في غرفة الضيوف للزينة ، لتدافع به عن نفسها أمام الكلب ، وبسبب تجارب الكلب المأساوية السابقة مع الأطفال ، وضربهم الشديد له بالعصي فقد تراجع طريق الجدة ، فاسحا لها طريق الهروب إلى خارجها ، فوجدت نفسها في باحة الحوش ، عارية وبيدها السيف ، مبللة ، ترتجف من الخوف والبرد والخجل ! ! وعيون نساء أولادها اللاتي حضرن إلى مكانها بذات اللحظة تنظر إليها مشدوهة وكانت في الأيام السابقة لا تجد أي واحدة منهن في البيت حين تطلبها في هذا الوقت ! !ورأت –ما اعتقدته- على وجوههن ضحكات شماتة وتشف ! ! وفي حقيقة الأمر أن منظر الجدة وهي عارية وبيدها سيف الحديد الثقيل جعلهن يعتقدن أن الجدة قد جنت أو أن الدنيا على وشك أن تنقلب ! ! الوحيدة من نساء الأبناء كانت أمي التي أسرعت إلى جدتي المسكينة لتغطيتها بعباءة سوداء لا يدري أحد من أين أتت بها ، وبهذه السرعة ! ! وقد كانت الجدة أثناء ذلك تشتم نساء أولادها جميعا معتقدة ، أن الأمر مدبر ، وإن إحداهن –بدافع الخبث- سهلت مرور الكلب إلى غرفة الضيوف لتفضحها ، وتفرج الخلق عليها ! ! وما أن رأت الجدة العباءة تستر جسدها ، وبسبب ما بذلته من جهد عصبي ، فقد تهاوت وسقطت مثل شجرة تم نطعها من الأسفل … واعتقدنا جميعا –نحن الذين حضرنا تلك الواقعة- أن الجدة قد ماتت ! ! ولكن في حقيقة الأمر إنها فقدت وعيها لهول ما مر بها وبعد أن اطمأننا على حياتها من صوت تنفسها وضربات قلبها ، صرخت إحدى النساء بعد أن استطلعت غرفة الضيوف لتعرف سبب رعب الجدة ، فعرفت بوجود الكلب وقد اعتقدته في البداية ذئبا ! ! فتزايد الصراخ في البيت وعمت الفوضى ، ولم نجد من يملك الجرأة لإخراج ذلك الحيوان المتوحش من غرفة الضيوف ! !

-3-
وما أن فرت جدتي ، وخلا المكان للكلب في الغرفة حتى استأسد ، وأخذ ينبح نباحا وحشيا كلما شعر باقتراب أحد من باب الغرفة ، كأنما يؤكد للجميع إنه بلغ مأمنه ؛ وإنه سيموت دونه وذلك أرحم من الموت في الشارع اغتيالا وتمثيلا بجثته بأيدي الصبية المراهقين ! ! الذين نزعت الرحمة من قلوبهم ، وأيديهم طوال الصباح الباكر كانت تلوح له بكل وسائل الموت وأدواته ؛ من قضيب الحديد إلى الفأس ، والحبال المربوطة على هيئة إنشوطات شنق ، والحجارة وزجاجات الكوكا الفارغة ! ! جدي كان يشتري شيئا من الدكان القريب عندما انتبه لمجموعة المراهقين ، وهم يطرقون الصفائح ببعضها ، ويصيحون على أهل داره مطالبين بضرورة إخراج الكلب ، الذي دخل إلى دارهم سهوا ! !
كان يوما مربكا للجميع ، فجدي يؤمن بنجاسة الكلب ، والكلب لشدة ما عاناه من المراهقين بدا بمنتهى الرعب ولشدة خوفه أخذ يتبول هنا وهناك في أرجاء غرفة الضيوف ! ! كان يوما لا ينسى بصخبه وعنفه وكثرة الحيل التي استخدمت لإخراج الكلب من غرفة الضيوف وإعادته إلى الشارع الذي جاء منه. كان يوما من تلك الأيام التي تؤرخ بها جدتي للأحداث المصاحبة كالولادات والوفيات والأسفار بل سيكون أسم ذلك العام عند جدتي عام الكلب ! !
ازداد صراخ النساء فيه ، ومعه تزايد عدد الرجال والشباب الوافدين من أنحاء المحلة وقد وصلتهم إشاعة تقول أن ذئبا ضخما دخل أحد البيوت وافترس طفلا ، ويوشك على افتراس باقي أفراد العائلة ! ! فحضروا وبأيديهم العصي والخناجر ، وعندما وصلوا وعرفوا بقصة الكلب المتوحش فعلوا ما بوسعهم لإخراج الكلب من مكمنه ؛ ضربوه بالعصي فاختبأ بين الكنبات وأخذ يهاجمهم بشراسة كلما اقتربوا منه ، ثم اقترح أحد الرجال وكنا جميعا نطلق عليه لقب "الداهية" لما عرف عنه من السياسة والمكر ومعالجة الأمور بالحيلة ، وكان الشباب من أهل الحي يطلقون عليه أسم الممثل المصري المعروف (عادل أدهم) الذي مثل في تلك الفترة الكثير من أدوار الكيد ، وكذلك للشبه الكبير بينهما ونصحنا أن نقدم له لحما لاستدراجه إلى خارج الغرفة ، وتكمن له مجموعة من الشباب وبأيديهم العصي ويترك باب الدار مفتوحا لتسهيل فراره إلى الخارج بلا عائق ، فأخرجت أمي كل اللحم الذي تدخره في مجمدة الثلاجة من أجل الضيوف ! ! فنحن عائلة تقتر على نفسها ، لكنها كريمة مع الضيوف وتقدم كل ما تملك لضيوفها لئلا يقال عنها ما يقلل من شأنها وسط الجيران… لكن كل تلك الإجراءات باءت بالفشل ، وبدا وكأن الكلب فطن للحيلة ، فاكتفى بشم اللحم وابتعد عنه عائدا إلى مكمنه ، فقال "داهية الحي" :
"أنياب الكلب توشك على السقوط من كثرة الضرب ! ! وأنتم تقدمون له لحما مثلجا ! ! اشتروا له لحما طريا لا يزال الدم يقطر منه ، وسترون النتيجة ! !".
ونظر أفراد عائلتنا إلى اللحم الذي شمه الكلب وعلى وجوه الجميع تعبير واحد ينم عن الحرمان والشعور بالخسارة ، فقد حرم علينا وسيرمى في سلة النفايات ! ! وجدتي كانت تتابع الأحداث بعد أن أفاقت من إغمائها ، كانت مشوشة التفكير وسمت الكلب ذئبا ، واشترينا لحما طازجا من الجزار المجاور ، وقد استغل ورطتنا فباعنا اللحم بسعر أعلى معتبرا أن لحم جزارته الطازج سيحل المشكلة ، ودفعنا المبلغ المطلوب بالرغم من ضخامته وأخذ ابن عمي لفافة اللحم وركض بها إلى الدار فابتعد الناس عن طريقه كما يفعلون مع رجل المطافئ حين يسرع لإطفاء حريق في أحد المنازل ، ووضع اللحم بيد داهية الحي ، فأخذه وطلب سكينا فأعطاه أحد الحاضرين خنجرا ، فأخذ يقسم قطعة اللحم إلى أجزاء صغيرة ووضح لأحد الشباب طريقة وضع القطع لاستدراج الكلب إلى خارج الغرفة ، وتعالى نباح الكلب عندما شعر بدخول الشاب الغرفة وأن شيئا يدبر له في الخفاء ! وبعدما أكمل الشاب عمله ، انتظرنا أن تحدث المعجزة ، وطال الانتظار من دون فائدة ولم يغادر الكلب المتوحش مكمنه هذه المرة ، وجربنا بعد ذلك كل الخطط المعروفة لمضايقة الكلب بما في ذلك استخدام الماء المغلي معه ، ولكن بلا فائدة ، وفكر الجار الداهية قليلا ، وقال لجدي :
"لم يبق لنا غير حل واحد !"
فسأله جدي بفمه الأدرد الخالي من الأسنــان :
"وما الحـــــل ؟!"
نظر إلينا الجار بذات نظرة الممثل "عادل أدهم" حين كان يخطط في أحد الأفلام لتهريب كمية من المخدرات لئلا تقع بأيدي رجال الشرطــة :
"يدخل عليه شاب شجاع ويحمله بين يديه ويلقي به إلى خارج البيت ! !"
كان الشباب يسمعون ، ما قاله داهية الحي ، وبما هو معروف من اندفاع الشباب ومحاولة الكثيرين منهم إثبات جدارتهم وشجاعتهم وهم يرون عيون الحسناوات من أهل البيت والجيران مصوبة باتجاههم ، فقد تطـوع العديد من الشباب لهذه المهمة ، التي بدت شبه مستحيلة !لمعرفة الجميع بردود أفعال الحيوان حين تمسكه الأيدي وترفعه عن الأرض وتلقي به إلى خارج الغرفة ، وكم عدد العضات التي سيعض بها حامله أثناء ذلك وخرمشته لصدره وذراعيه ، وقبل أن يدخل المتطوعون ، أخبرهم الجار ساخرا من اندفاعهم ، إنهم إذا دخلوا على الكلب المتوحش وهم عراة فسيفترسهم قبل أن يحملوه ! وطلب من جدي عددا من البطانيات ، وطلب من المنفذين أن يلفوا البطانيات حول أيديهم وصدورهم ورقابهم كان منظر الشباب بعد أن حصنوا أجسادهم بالبطانيات يذكرنا بمحاربي القرون الوسطى ! ! وغمز الرجل الداهية لجدي وهمس له أن يأمر النساء بالزغردة للشباب لبعث النخوة في صدورهم وتشجيعهم ، ووسط الزغاريد تقدم الشباب ودخلوا الغرفة ! ! والغريب أن الكلب المتوحش أمام إصرار الشباب على حمله استسلم من دون مقاومة لأيديهم ، فحملوه إلى خارج الغرفة وهرب الجمع المنتظر في الخارج ، وصدرت عن الكلب نهنهة منخفضة عندما وضعه الشباب على الأرض أمام باب الدار ، وتبع جمهور الهاربين وذنبه بين قائمتيه الخلفيتين وكان يلتفت إلى الخلف بين الحين والآخر غير مصدق بالنجاة ، فعلق الرجل الداهية على ذلك ضاحكا : "هذا الكلب مثل طالب أحمق أراد أن يهرب من المدرسة فدخل غرفة مدير المدرسة ! !" وقهقه بصوت عال مثلما يفعل "عادل أدهم" عندما ينتصر في إحدى معاركه ! ! وصاح هذا هو الكيد للكلاب…



#فيصل_عبد_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها الشاعر.. خذ قصائدك واستراتيجيتك وابتعد نادما


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل عبد الحسن - الكيد للكلاب