أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل عبد الحسن - امرأة لم تخلق للحزن















المزيد.....

امرأة لم تخلق للحزن


فيصل عبد الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 1546 - 2006 / 5 / 10 - 07:26
المحور: الادب والفن
    


عاد زوجها في ساعة متأخرة من الليل يترنح كعادته بعد جلسة مع أصدقائه، وهي العادة الذميمة التي دأب في تكرارها في الأيام الأخيرة، و بعد أن فتح باب الشقة بمفتاحه الخاص وسار متعثرا في طريقه إلى غرفة النوم سقط مثل قتيل قربها على الفراش، وأخذ غطيطه يعلو بعد وقت قصير، فاكتفت- كما اعتادت أن تفعل في الأيام الأخيرة- بنزع حذائه، وفتح أزرار سترته، وتوسيع حلقة ربطة عنقه، وفي أول عودة مخمورة له قبل أيام أخبرها، أن حياتهما دمرت وأن لا أمل لهما في الوقت الحالي في الأقل، وأنه استلم نتيجة الفحص الطبي السلبية، وان أملهما في الإنجاب محدود، وقد اخبره صديقه الطبيب بعد أن قرأ التقرير الطبي أن من الممكن أن يلج البعير من سم الإبرة بهذه النتائج من أن تحمل زوجته بهذه الحيامن الضعيفة التي يملكها و حالما تخرج للحياة حتى تموت متحللة إلى عناصرها الأولية، ولأن زوجها يعتقد أن نصف حياة المرأة في لسانها والنصف الآخر في دموعها فقد رأى من الأصوب له كما أخبرها أن يغرق وحده في بحر الأحزان، وحتى تستمر الحياة فعليه أن يبدد جزءا من هذه الأحزان مع شلة الأنس من أصدقاء السوء في المساء..
وكثيرا ما حاولت أن ترتب أفكارها لتستوعب ما سمعته لكنها كانت ترى أشياء الغرفة تتدهور كما حياتها، الدمية الصغيرة التي وضعتها على الرف، وملابس الدمية التي تحتفظ بها في دولاب الملابس رأتها تتطاير في الغرفة مثل خفافيش سود، ومثل دخان يختفي متبددا من كوى الغرفة وأعلى زجاج النافذة المحطم، الذي لم يتم تبديله منذ كسر برمية كرة من كرات أطفال الحي العشوائية..سمعته يقول لها أو أنها ظنت أنها سمعته يقول من بين أسنانه بغضب وحقد غريبين: لو كنت أنت السبب فسأجد مائة امرأة أخرى غيرك لتعطيني الولد الذي أريد..
فكرت أن الزواج مشكلة حقيقية اختارها الإنسان وفرضها المجتمع، ولن تنسى الفيلم الذي عرضه التلفزيون قبل أيام عن أشكال العلاقات الإنسانية قبل فرض الزواج حسب قوانين الأرض والسماء على الناس، كانوا سعداء ! هل كانوا سعداء قبل اكتشاف خطة الزواج ؟ لا تدري ولكن ما الذي جعل الناس يوافقون على جعل الزواج الأساس و العقدة التي تربط كل أجزاء البيت ولولاه لأنهار كل شيء، أمن أجل فراش واحد يجمع الرجل والمرأة أو مائدة واحدة أو مصير واحد لا يتغير حتى لو كتب على واحد منهما أن يكون تعيسا، فعلى الآخر أن يشاركه مائدة التعاسة بإرادته أو من دونها ؟
تتذكر في أيام الزواج الأولى غيرة زوجها المجنونة عليها فهو لا يطيق أن تقع عينا رجل عليها وكثيرا ما ردد أمامها قولا لا تدري من أين سمعه: لا توجد امرأة تستطيع أن تقاوم رجلا يطيل النظر إليها..
وقالت له أن هذا القول سخيف ولا يعني شيئا والمرأة أكثر حكمة من أن تفعل بها نظرة رجل ما لا تريده هي في داخلها، وأن تلك المرأة ساقطة حتى من دون أن يطيل أي رجل النظر إليها، ولكنه كان يستمع إليها من دون أن يفقه ما تقول فقد أنغر ست تلك المقولة في ضميره وصارت جزءا من قناعاته التي لا تتزحزح مهما قالت ومهما انتقدت، وكان يبدو أن عقله مثل بيته فهو الذي يؤثثه وعلى ذوقه حين تكون امرأته لا رأي لها ولا أرادة، وكم كافحت أيمانه العميق بمقولة، أن المرأة إذا سنحت لها الفرصة لا تقول لا للرجل أبدا، وأنها تقولها فقط في حالة واحدة حين لا تكون الظروف مؤاتية لها.. ولكن بلا فائدة.... فتركته لما يؤمن به ونفذت كل ماطلب منها لتحافظ على زواجها وزوجها من المواقف الصعبة وتلك التي تسبب لهما الأزمة من دون مبرر.
كان ذلك الدبوس الذي وخز قلبها وجعلها تنزف، صمتت ولم تنبس بحرف لمدة يوم كامل لكنها في حقيقة الأمر بقيت تنزف وتلوث كل الأشياء التي تمسكها، وتطلعت إليه طويلا وهو يقاسمها السرير، ويحدثها في لحظات صفوه القليلة عن أسعار السوق ومصاعبه في العمل ويلقي عليها نكاته الباردة، واستمرت في تطلعها صوب وجهه وحين علا غطيطه، ورأت شعرات شاربه ترتجف بين مقطع وآخر من الشخير، حدقت بأشياء غرفة نومهما: كانت مخلوعة النوافذ والباب والستائر ممزقة، بشعة، والأغطية اللمعة مركونة في فوضى تامة، والأشياء الصغيرة التي اشترتها لتزين بها غرفة نومها رأتها عديمة المعنى، أشياء غبية، مرمية في الزوايا بعد أن حطمتها يد قاسية لا تشعر بهشاشة الأشياء الرقيقة، أنها تكاد أن ترى دماء قلبها النازفة التي تلوث كل الأشياء التي تمسها.. بحثت تلك الليلة في حقيبة يدها عن بطاقة صغيرة كتبتها لها موظفة من زميلاتها في الدائرة التي تعمل فيها وتذكرت كل حرف قالته لها: أذهبي إلى هذا العنوان، فهو مجرب وليس كالآخرين
سيعطيك شيئا تستحمين به وستكونين أما بعد عشرة شهور في أبعد تقدير !
ثم غمزت لها صديقتها بعينها الكحيلة، وهي لا تتوقف عن نفخ العلكة بين أسنانها، وحين أحدثت العلكة صوتا قالت صديقتها: ستكونين أما يا عزيزتي ويحبك زوجك حتى آخر يوم من حياته.
وفكرت أن الانجراف في هذا الطريق يعني الأيمان بالسحر والخرافات والوقوع تحت تأثير من يدعون القدرة على علاج الأمراض النفسية بالأحجية والبخور والتنويم المغناطيسي، وهي لا مرض لديها ولا مشكلة المشكلة في زوجها فكيف يمكن أن يعالجوا زوجها من خلا لها هذا لا يصدقه عقل، ولن تقبل به حتى لو ضحت بزواجها وبقيت طول العمر بلا زوج وأخذت تتذكر ما كان يقوله لها زوجها في الشهر الثاني من زواجهما، أنه لم يكن يحتمل كلمة واحدة من أحد، فليس لأحد له عليه هذا الحق فكيف لها أن تحدثه هكذا وتطلب منه أن يخرج ومعه وعاء الزبالة عندما يخرج ذاهبا إلى عمله ليكبه في وعاء مزبلة الشارع ؟ لم يكن أحد من أهله يجرؤ ليطلب منه هذا ! ولو تلميحا فكيف فعلت هي معه ما لم يفعله أحد قبلها ! ثم حدثها في يوم آخر كيف أنه رآها بهذا الجمال الذي اعتقده وكيف ظن أنها قادرة على فعل الأعاجيب وأولى أعاجيبها أنها جعلته يلهث وراءها طالبا يدها من أهلها وثاني أعاجيبها أنها جعلته ينام معها في سرير واحد وهو الذي لا يطيق أن ينام معه أحد في غرفته الخاصة وليس في فراشه، وكان كلما يتخيل عدد الناس الذين ينامون معه في البيت نفسه من الأهل أخذه الأرق وهرب من عينيه النوم ! وكلما تذكرت شيئا عن زوجها كلما نأت بنفسها عن فكرة الذهاب إلى المشعوذين وأهل السحر، تذكرت عصبيته كلما ضغط عليه العمل، وكثيرا ما تدور بينهما مناقشة روتينية لا إثارة فيها كما هي العادة في حوار زوجين متفاهمين على كل شيء ثم بسرعة تتحول المناقشة إلى معركة حقيقية وتشابك بالأيدي، وشتائم ترش حتى جدها التاسع عشر !
تتذكر الآن كيف أنها اعتادت الحياة مع زوجها بالرغم من عيوبه الكثيرة، والفضل في كل ذلك يعود إلى عملها فلو لم تكن موظفة في مؤسسة إنتاجية لما صبرت على هذا الزواج البائس فقد اعتادت أن تعمل على مكائن يتم تغييرها بين فترة وأخرى أرضاء لأذواق الجمهور ومتابعة أشكال الموديلات الجديدة التي تنزل إلى السوق وكان عليها أن تنسجم مع الماكينة الجديدة وان تتعرف على صفاتها وعيوبها وأن تحول تلك العيوب من خلال إضافات من الماكينة القديمة إلى الجديدة إلى مزايا وقد اعتادت أن تلصق صور الممثلين عند واجهة الآلة المقابلة للجدار، وعلقت على الجدار مرآة صغيرة، هي في حقيقة الأمر قطعة مجتزأة من مرآة كبيرة تالفة وجدتها مع مخلفات الأثاث في زاوية المخزن، وكانت نهاية كل يوم عمل تتمرأى أمامها، وتبحث في شعرها عن شعرات شائبة، فتحرص على التقاطها بأصابعها النحيلة، وكل مرة ترى جانب الآلة الأيسر بمقابضه النافرة، المنقطة بالزيت منعكسا داخل المرآة، كانت تتضايق وتحجب ذلك الجزء بظهرها، ثم شيئا فشيئا تعتاد الآلة الجيدة المنتصبة في مرآة زينتها. تمس بدن الآلة في الصيف فتشعر برودة ورطوبة فتمرر أصابعها على بطنها، وفي الشتاء تشعر برودة يقشعر لها بدنها.. في بداية زواجها كانت تنتابها الأفكار عينها وهي تمس جسد زوجها الذي يشاطرها السرير، في البداية كانت حركة أصابعها عفوية، وأخذت تشعر بألفة لهذا الجسد الذي تمسه، ودون أن يشعر زوجها بما تفعل وقد علا غطيطه ثم أخذت بعد ذلك تعبث كل ليلة تقريبا بعد أن ينام بشعرات صدره وذراعيه، وتملأها حركة الشعر المرتد إلى الوراء حركة نابضية سعادة لا توصف تجعلها تفكر بأجمل اللحظات التي عاشتها مع زوجها وتسترجعها صورة لصق صورة أخرى، وتتأوه بين الحين و الآخر.
في وقت الفراغ والآلة تدور دون إنتاج تمس معدنها بأصابعها وتقرأ بطاقة الآلة المثبتة المكتوبة بعربية ركيكة ثم تزحف أصابعها على المعدن الصقل وتملأ صدرها برائحة الزيت وقصاصات الإنتاج التي سخنت أثناء القطع وتمتلىء عيناها بدقة الصواميل والأربطة والأذرع الفضية الماسكة وفجوات قبض المواد الأولية وتحلم بالمطر يبلل شعرها وتسيح قطراته على وجهها وصدرها ويمتلىء جسدها بقشعريرة باردة وتشعر برجفة في عمودها الفقري وحين تذكرت زوجها ومشاكله الصحية أغمضت عينيها.. الجسد الضخم يشاطرها السرير وشخيره الدائم كلما أغمض عينيه وبحثه الدائم عن وصفات دواء لزيادة رجولته واحتفاظه الدائم بأعشاب لها رائحة غريبة وقواقع بحرية وأجزاء متفسخة من حيوانات وقوارض لا تعرف أسمائها ويتمسك بتلك الأشياء التي تمقتها ويعتقد أن فيها من القوى السحرية التي ستمكنه في ليلة من الليالي على مليء رحمها بشيء صغير يحفظ له أسمه من الفناء في عالم النسيان تشعر بألأم في رأسها كلما تذكرت ما تقوله عائلته وعائلتها في كل مناسبة حين يحاولان قضاء وقت فراغيهما الممل في زيارة من زياراتهما المتكررة لعائلتيهما لسنوات طويلة وهي تلوك أحزانها ولكنها قررت أخيرا أن تضع حدا لكل هذا الملل وهذا البؤس، أخيرا ستطلب منه أن يعطيها حريتها فمن الهوان أن يكون نصيب المرأة زوجا لا تعرف عيوبه..
وأنها غير مضطرة للحزن دائما، فهي امرأة لم تخلق للحزن ولها حياتها التي ينبغي أن تعيشها كأسعد ما تكون.



#فيصل_عبد_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردني إلى بلادي
- الكيد للكلاب
- أيها الشاعر.. خذ قصائدك واستراتيجيتك وابتعد نادما


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل عبد الحسن - امرأة لم تخلق للحزن