أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - المخيلة منجم الابداع البشري















المزيد.....

المخيلة منجم الابداع البشري


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7867 - 2024 / 1 / 25 - 22:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عبد الجبار الرفاعي

يتنوع الخيالُ بتنوع موضوعه، فهناك الخيالُ العلمي، والخيالُ الأدبي، والخيالُ الشعري، والخيالُ الفني، والخيالُ الجمالي، والخيالُ الديني، والخيالُ الفلسفي، والخيالُ الصوفي، والخيالُ التاريخي، والخيالُ الأسطوري، والخيالُ السياسي، والخيالُ العسكري، والخيالُ المستقبلي... وغيره.كلُّ واحدٍ من هذه الموضوعات يتخذه الخيالُ حقلًا ينتج الصورَ في فضائه، ويعكس تمثلاتِه وكيفيةَ تشكله في الذهن، وآثارَه المختلفة في المعرفة والثقافة والأدب والفن والدين والواقع.
الخيال والمخيال والتخيّل والمتخيَّلُ مصطلحاتٌ تُشتَقّ لفظيًا من كلمةٍ واحدة، إلا أنها تدل على معانٍ غير متطابقة، تتنوع معانيها وتتعدّد بتعدّد حقل المعرفة وزاوية النظر، بل تتنوع وتتعدّد على وفق زوايا النظر المتنوعة بتنوع المدارس والاتجاهات والتيارات والنظريات والرؤى للعالم في داخل الحقل المعرفي ذاته. ففي الفلسفة تُبحث في سياقٍ فلسفي ودلالتُها فلسفية، وفي الميتافيزيقا تُبحث في سياقٍ ميتافيزيقي ودلالتُها ميتافيزيقية، وفي التصوف تُبحث في سياقٍ صوفي ودلالتُها صوفية، وفي علم النفس تُبحث في سياقٍ سيكولوجي ودلالتُها سيكولوجية، وفي علم الاجتماع تُبحث في سياقٍ سوسيولوجي ودلالتُها سوسيولوجية، وفي الأنثربولوجيا تُبحث في سياقٍ أنثروبولوجي ودلالتُها أنثروبولوجية، وفي الألسنيات تُبحث في سياقٍ ألسني ودلالتُها ألسنية. وهكذا في كلِّ حقلٍ معرفي تُبحث هذه المعاني بنحوٍ يتناغم ونوعَ المعرفة وزاويةَ النظر.
الخيالُ ضرورة التربية والتعليم العلمية السليمة، لذلك يختبر نجاحُها بالقدرةِ على بناءِ وإثراءِ مخيّلة التلميذ وتوسيعِها على الدوام، وتدريبِه على التخيّل في العلوم والمعارف والآداب والفنون والمهارات العملية المختلفة. المهمة الأساسية للعملية التربوية والتعليمية هي غرسُ واستنباتُ القدرة على التساؤل والإبداع والابتكار في ذهن التلميذ، وتنميةُ وترسيخُ مخيّلته بممارساتٍ تحفّزه على التخيّل والابتكار، فبدلًا من أن يُلقِّن المعلّمُ التلميذَ كيفيةَ رسم خارطةٍ لأقصر وأسهل طريقة يسلكها مثلًا لحلّ مشكلةٍ معينة ويحثّه على حفظها، عليه أن يطلب منه رسمَ ما يتصوره ويقترحه هو لطريقة يتخيّلها ويراها الأسهلَ لبلوغ الهدف المنشود. على المعلّم الحذرُ من ‏التلقين الذي ينتجُ ببغاوات، وتحفيزُ ذهن التلميذ وحثُّه على استعمالِ خياله، والاعتمادِ على وعيه، وممارسةِ تفكيره الشخصي، وتدريبِ ذهنه على التريث والتأمل طويلًا، وتخيّلِ كلِّ ما يمكنه من مقترحات وفرضيات واحتمالات ترد في ذهنه في أية مسألة. وينبغي ألا يوبخه على أيّ مقترح أو فرضية أو احتمال يقدّمه بصور متنوعة عدة مرات، وإن كان خاطئًا، بل يحثّه على المزيد مما يمكنه تخيّله من تصورات إضافية. المهم هو تنميةُ مساحة الخيال في الذهن وتعزيزُها، وتغذيتُها بما يجعلها رحبةً شاسعةً تتسع بما يثريها من صور باستمرار.
في المخيال يولد الشعرُ والإبداع الأدبي والفني، والعلوم والمعارف والتكنولوجيا. وتولد الأديانُ في المخيال ولادةً ثانية بموازاة ولادتها الأولى على يد المؤسّسين. يتغذّى المتخيَّلُ من شبكةِ الصور الراقدة في اللاوعي الجمعي، المترسّبة مما تنتجه سردياتُ الجماعة، وتأويل الجماعة لكلِّ شيء يتصل بنشأتها وتحولاتها ووقائع تاريخها الديني والدنيوي المختلفة. يتوالد المتخيَّلُ ويتغذّى وينمو ويتجذّر، ويتشعّب كنسيجٍ متشابِكٍ يتراكمُ ويتكثّف على الدوام.
يرسم المخيالُ صورةً للتاريخ في ضوء أفق أحلام وتمنيات الجماعات، لا كما عاشه الناسُ وحدثت الوقائع. تنتج الواقعةُ التاريخية متخيَّلًا بموازاتها، هذا المتخيَّل يعبّر عن تمثلاتٍ للواقعة يرسمها وعيُها ولاوعيُها الجمعي، وأفقُ انتظارها، ورؤيتُها للعالم. يسرد المتخيَّلُ روايتَه للتاريخ، ويرسم صورتَه المُفارِقة للواقع والعابرةَ لحدود الزمان والمكان التاريخي، ويُعاد في هذه الصورة رسمُ ملامح المعتقدات والوقائع والشخصيات والجماعات في فضاء المتخيَّل. طالما انتهى ذلك أخيراً إلى ضياعِ صورة الواقعة كما حدثتْ في الواقع، وإهدارِ معنى التاريخ. هنا يأتي دورُ المؤرِّخ الخبير في علم التاريخ ليمحّص المدونات بحثًا عن وثائق الواقعة وأرشيفِها وآثارِها، فيحاول أن يرسم ملامحَ صورةِ الواقعة كما حدثت، وليس كما تحلم بصورتِها مخيَّلةُ الجماعة.
الهوياتُ المغلقة للجماعات تتلاعب بالذاكرة التاريخية، فتعمل على إعادةِ خلق ذاكرةٍ موازية في ضوء إصطفائها لذاتها، لذلك تعمد لحذف كلِّ خسارات الماضي وإخفاقاته، ولا تتوقف عند ذلك بل تسعى لتشويهِ ماضي الجماعات المنافسة لها، والتكتمِ على مكاسبِها ومنجزاتِها عبر التاريخ. في الهوية المغلقة يعيد متخيَّلُ الجماعة كتابةَ تاريخها، في أفقٍ يتحول فيه الماضي إلى سرديةٍ رومانسية فاتنة، ويصبح العجزُ عن بناءِ الحاضر استعادةً مهووسة بالأمجاد العتيقة، ويجري ضخُّ الذاكرة الجمعية بتاريخٍ يضمحلّ فيه حضورُ وقائع التاريخ الدنيوي، وتُخلَع على شخصياته ورموزه وأحداثه وكلِّ ما يحفل به هالةً أسطورية عابرةً للزمان والمكان ووقائع التاريخ الأرضي.
كما يكون الخيالُ منبعًا للإلهام والعلوم والمعارف والآداب والفنون والطموح والأحلام، وخافضا للقلق الوجودي والملل والسأم والضجر، فإنه منبعٌ للخرافات، وللخوف والقلق، وتقديسِ غير المقدّس، وكلِّ ما يعطّل العقلَ ويعبثُ بالحياة. لا يضع المتخيَّلَ في حدوده إلا يقظةُ العقل ومرجعيتُه في النفي والإثبات والغربلة والتمحيص. مَن يمتلك المنابعَ المغذّية للمتخيَّل الجمعي يتحكم بنظام إنتاج المعنى في حياة الجماعة، ويتحكم بتوجيه حاضرها ومستقبلها.
الأيديولوجي يبرع في تحويل التاريخ إلى أسطورة، ثم يعيد إدراجَ الأسطورة بالتاريخ ويوحّدهما، إلى درجة طمس الحدود الفاصلة بينهما. يخلط الأيديولوجي بأسلوٍب أخّاذ بين التاريخ والأسطورة، فيقوم بترحيل الحياة الواقعية لشخصيات سياسية وعسكرية وأدبية وفنية ودينية عاشتْ في زمان ومكان وبيئة ومحيط تاريخي، وواقع اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي وديني، كما يعيشها أيُّ إنسان آخر ينتمي إلى ذلك الواقع، ويعيش نمطَ العيش في ذلك العصر، يرحّلها إلى المخيال، ثم يقتبس صورةَ هذه الشخصيات من المخيال المتضخّم عبر العصور، ويعيد توطينَها في التاريخ الأرضي، ويتحدث عنها وكأن هذه الصورة المتخيَّلة كانت متحقّقةً في الواقع بالفعل. لم يتنبه الأيديولوجي إلى أن الهويات والأحلام والأوهام والنرجسيات الجمعية والمطامح الدينية والسياسية والعسكرية تعمل على الدوام على توليد المخيال وتغذيته وتمديده وتوسيعه أفقيًا وعموديًا، وإعادةِ إنتاج صور الشخصيات التاريخية فيه إلى درجةٍ تبتعد فيها كثيرًا عن واقعها، بل تصير بالتدريج مفارقةً لذلك الواقع التاريخي، وربما تتضخمُ هذه الشخصيةُ في المتخيَّل فتنقلب إلى الضدّ منها، بعد توالدِ صورٍ زائفة لمعتقداتها وأفكارها ومواقفها وسلوكها وطريقة عيشها وحياتها.
جيفارا الأسطوري صنعه المتخيَّلُ الشيوعي بوصفه كان ضرورةً لإلهام اليسار الثوري، وهكذا صنع المتخيَّلُ الصوفي الحلاجَ الأسطوري بوصفه كان ضرورةً لإلهام الحياة الروحية في الإسلام، وشخصيات الشاهنامة الأسطورية كان ضرورةً لتجذير الهوية الإيرانية فابتكرها المتخيَّلُ الفارسي. هكذا يصنع المتخيَّلُ الشخصياتِ الأسطوريةَ في الامبراطوريات والدول والمجتمعات والثقافات والأديان والمعتقدات والأيديولوجيات. تنشط المخيِّلةُ وتتضخّم صورُها لحظةَ تخوض في عالَم المجردات، وتتدفق وتنبعث فاعليتُها لحظةَ تغوص في الوقائع التاريخية القديمة، وتحاول أن تتمثّل أحداثَ قصصٍ تنتمي إلى ماضٍ اندثرتْ معالمُه الأثرية، ومُحي أرشيفُه، واختفى مكانُه وزمانُه وواقعُه عن الأنظار.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ينفرد الإنسان بالعقل وبملكة الخيال
- الوجه نافذة الدخول إلى قلب الإنسان
- الكراهية ليست طارئة
- نمط وجودنا في الإنترنت ووسائل التواصل
- وسائل التواصل ليست شرًا مطلقًا
- لا علمَ بلا فلسفة
- مفارقات وأضداد في توظيف الدين والتراث
- علي الوردي وفهم المجتمع في أفق رؤية ابن خلدون
- علي الوردي ومركزية الشعر في الثقافة العراقية
- القيم الكونية نسبية في تطبيقاتها لا في ذاتها
- مسرات القراءة ومخاض الكتابة
- قراءة فرديد لهيدغر في أفق فهم كوربن
- ‏ متعة تسوّق الكتب
- غواية اللغة: أحمد فرديد وطه عبد الرحمن
- كلما احترقت مكتبة انطفأ شيءٌ من نور العالَم
- مكتباتنا أرشيف ذكرياتنا
- الكتابة الأيديولوجية
- الكتابة في عصر الإنترنت
- الكتابة بوصفها سلطة
- محطات القراءة المبكرة


المزيد.....




- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 
- تونس تحصل على 1.2 مليار دولار قرضاً من المؤسسة الدولية الإسل ...
- مين مستعد للضحك واللعب.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 20 ...
- «استقبلها وفرح ولادك»…تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ك ...
- لوموند تتابع رحلة متطرفين يهود يحلمون بإعادة استيطان غزة
- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - المخيلة منجم الابداع البشري