عبد الزهرة شذر
الحوار المتمدن-العدد: 1743 - 2006 / 11 / 23 - 06:35
المحور:
الصحافة والاعلام
عادة ما ينتظر كبار السن الاخبار على الراديو من محطات محددة اقترنت بأحداث تاريخية رافقت ظهورها، كصوت المانيا واذاعة لندن واذاعة مونت كارلو واذاعات اخرى كإذاعة موسكو. وغالبا ما يخفي العراقيون انصاتهم الى الاذاعة التي يستمعون اليها ،وخصوصا بعد سيطرة حزب البعث ، لما عرف عن الاذاعة من اخبار كاذبة لايعرف الخبر منها إلا بعد ايام ،
إذ يضطر محررو الاخبار من اخذ الاذن بنشر اي نبأ بعد ازالة الاشياء التي لا يرغب الدكتاتور سماعها .. وغالبا ما يعاقب مقدمو الاخبار إذا ما أخطأوا أو تلعثموا باسم القيادة الفاشستية .. نفاجأ احيانا بظهور المذيع ( وهو مميز هذه المرة ) خارج الوقت المعتاد ليتوعدنا بخروج ( الرئيس الطاغية ) بعد وقت قصير ليلقي خطابا تاريخيا هاما عن اجتماع القيادة البعثية والذي سيريح الناس ويتفضل عليهم ويقدم لهم مكرمة جديدة ..
وبهذا المضمون العائم يستمر المذيع بالظهور من الصباح حتى المساء وهو يوعد بالظهور المرتقب وهكذا يعتقدون ان الأمر سيكتسب اهمية كلما طال الوقت وان لعبة التشويق والتهديد ستصل ذورتها كلما طال الزمن واعيد النبأ وتعداد القنوات التي يتوقف بثها، اذاعة بغداد، اذاعة صوت الجماهير، اذاعة القرآن الكريم الى آخر ما موجود وما يمكن ان يوجد ، ولو كان هنالك (ستلايت) فيه كل هذا العدد العديد من القنوات لكان حجم الكارثة لا يوصف.. وهكذا سيعاد بثه فترات لاحقة وسيظهر الشارحون والمعلقون على مضامينه التقليدية والاستثنائية وكيف سيغير الخارطة العالمية ويقلب المحاور الدولية ... في اجهزة التحقيق الامنية يسال المعتقلون عن الاذاعة التي يستمعون اليها لانهم يدركون ان لا صحف تصدر سوى صحف النظام الفاشستي، ورغم الدعم الذي يدفعه لبعض الاذاعات ببث اخبار مزيفة عن الوضع في الداخلي وتجميل الصورة بكل ما تستطيع وعمل رجال الامن والمخابرات كمراسلين لهذه المحطات ، ولكن ذلك لايجدي كثيرا امام فداحة الواقع ومأساويته .. كان تعلق النظام بالاذاعة وبنشرة الاخبار شيء جنوني فكانت خططه لمنع الاستماع الى الاذاعات الخارجية هو جلب محطات تشويش على اغلب الاذاعات وكانت موزعة على جميع انحاء العراق بالرغم من كلفتها العالية فلا احد يتحدث بهذه الامور لانها تجري بسرية تامة والعلني فيها هو انك لا تستلم من جهاز الراديو سوى ماهو مسموح به او نصف مسموح والباقي هو صوت مزعج يطنطن ليل نهار.. ومن الخطط الاخرى التي كانت مهمة جدا بالنسبة للنظام هي اعداد الاذاعات المتنقلة والتي كان يراهن عليها كثيرا ، فبعد سقوط النظام في عام 1991 استثمر وجودها في لملمة اشتاته واراد إعادة الكرة في 9/4 / 2003 فبقيت هنالك محطة بصوت خافت تظهر يوم ونصف يوم ولا تنبئ سوى بشبح يمني بعض الفاشتيين ببصيص النهاية ، وكان لعامة الناس روايتهم بوصفه اداة للرعب يجب ان تزال من الذاكرة..
ولاهمية الاذاعة دوما لدى الحكومة الظالمة لما تنطوي عليه من تدليس وايهام لعامة الناس ، ولبس الحق بالباطل ،ولان الصوت الاعلى سيبقى مسيطرا ولو كان يشتغل على البطارية ! عمد النظام البعثي في اول اطلالة له الى مقتل الزعيم عبدالكريم قاسم بعد جلبه الى مقر الاذاعة الكائن في الصالحية وبث مشهد صورته وهو مقتول لوضع حد لاي تمرد يمكن ان يحصل لاحقا .. هكذا ارتبطت فترة الاخبار والاذاعة والاغنية السياسية والتعليق السياسي بحلقة محكمة يتمتع كل فرد فيها بأهمية لان ما سيقوله يمثل الفصل الذي لا ارتداد فيه وحجة على غيره ، فلا احد يستطيع ان يزحزح النشيد عن موقعه ولا قارئ النشرة الخبرية عن موعده ، ولا احد يتسطيع ان يخطئ التعليق السياسي نحويا او ستراتيجيا بل دائما هو محط اعجاب وأعجاز لغوي وفقهي وكوزموبوليتكي لايصدر إلا عن جمجمة تنفذ ولا تستنفذ ولا تأتي إلا بالجامع المانع … فصار الاهم للرئيس سوى الظهور لمناسبة او لغير مناسبة ، والحديث الذي يعني شيئا ام لايعني .. لانه اقتنع قناعة لا مرد لها ان دوام سلطته مرتبط اساسا بنشرة الاخبار .. بعد احداث آذار / 1991 اقتنع النظام القمعي ان لا احد ينصت الى الاذاعة الرسمية وشبه الرسمية بعد ان ضعفت محطات التشويش وان العراقيين لا هم لهم سوى اجهزة الراديو (الزينه) التي تتملص من محطات التشويش والتي ظهرت حولها النكات الشعبية الكثيرة.. فتجرأ الفتى الاحمق عدي ابن الطاغية في جريدته بابل واخرج حقلا سماه (على ذمة الوكالات) في محاولة لاقناع الناس ان لاداعي للبحث عن الاخبار، فنحن الذين سنزودكم بها.. ولكن هناك اشياء اخرى لايمكن ان تعوض.. فالاخبار التي ستحذف منها جملة او كلمة ستبقى فاقدة للشيء الكثير، والاصوات التي تتردد في نشرات الاخبار هي غيرها على مساحة صغيرة في صحيفة .... بقيت نشرات الاخبار مصدر قلق ورعب للناس .. حيث الكارثة ستحدث وهي موجودة بأستمرار ... والحرب موجودة لان الموت مستمر فمن حرب ثمانية اعوام الى حرب الكويت الى قمع الانتفاضة الى الحصار الى حرب 9/4 .. والقرارات لا تعني سوى الضحايا الذين يساقون افواجا الى المحرقة .. ولكن السلطة ينقلب لديها المعنى فالاخبار تعني قدرتها على البقاء والاستمرار والتخوف الدائم من سيطرة الى مجموعة تخطط لانقلاب عسكري وتسيطر على الاذاعة لتبث منها البيان رقم / 1 الذائع الصيت والذي سيعني كل شيء للانقلابيين ونهاية كل شيء للسلطة وهذا ما كشف في كل محاولة انقلابية فاشلة وبأول سيارة اسعاف فجرت في مقر الاذاعة عام 1981 تم على اثرها اتخاذ احتياطات كبيرة ومنها تطهير الاذاعة من العناصر غير الموالية، فنيا وثقافيا وعرقيا وطائفيا حتى اصبحت معقمة تماما.. في نظرة متثائبة ما زلنا نتساءل عن المفهوم الذي حكم الانظمة السابقة والذي ظل يصر على الاستيلاء اولا على دار الاذاعة بعد حدوث اي انقلاب عسكري.. وهل ان نشرة الاخبار انشطرت بكل الاتجاهات إلا ما كنا نتمنى.. وهل ان ثورة القائد الضرورة لم تزل نلمح ظلالها في اشباح يمتطون جياد القرون الوسطى ستلمع سيوفهم عبر الاقمار الصناعية
#عبد_الزهرة_شذر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟