|
ما هو الرّهان في فلسطين؟
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 7826 - 2023 / 12 / 15 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عِبَر من التاريخ طرح اللورد بالمرستون، رئيس وزراء بريطانيا (1859 - 1865)، إنشاء مستعمرة في المشرق العربي، على الأراضي التي كان يسيطر عليها العثمانيون، دولة استيطانية أوروبية عازلة عازلة، بفصل بين جناحَيْ الوطن العربي، وبعد حوالي نصف قرن، اتفق نواب حزب المحافظين وحزب الليبراليين (حزب العُمّال لاحقًا) سنة 1907، لما كان هنري كامبل بانرمان رئيسا للوزراء، على توسيع الإمبراطورية الاستعمارية وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات صغيرة لتيْسِير السيطرة عليها، وإقامة مستعمرة أوروبية داخلها، في فلسطين، "لإجهاض النهضة القومية العربية المحتملة بين الرباط في المغرب ومرسين في تركيا" وفق تقرير تقرير اللجنة المُشترَكَة بين الحزْبَيْن البريطانيّيْن، وأقرت اللجنة دعم "الصندوق القومي اليهودي" الذي تأسّس سنة 1901 لجمع الأموال بشكل مستمر من المانحين الأثرياء (الأنغلوسكسونيين اليهود وغير اليهود) من أجل الإستيلاء على الأراضي في فلسطين وتوطين المستوطنين اليهود هناك، واستخدام الأموال لِكَسْرِ مقاومة المزارعين الفلسطينيين وأصحاب الأراضي، وتزامن هذا النّشاط الإمبريالي والصّهيوني (وهما وَجْهان لعُمْلَة واحدة) مع اكتشاف النّفط في بلاد فارس ومنطقة بين النّهرَيْن وشبه الجزيرة العربية، وهيمنت الشركات البريطانية على استغلال النّفط قبل الحرب العالمية الأولى، قبل الإتفاق الفرنسي والبريطاني على تقاسم المستعمرات العربية للدّولة العثمانية (اتفاقية سايكس/بيكو - 16 أيار/مايو 1916)، وشَرْعَنَتْ عصبة الأمم (سَلَف الأمم المتحدة) هذه الإتفاقيات ومَنَحت فرنسا وبريطانيا تفويضًا لتقاسم الهيمنة على المشرق العربي وقامتا بقمع الثورات في العراق وسوريا وفلسطين ، وشكّلت الحركة الصهيونية وسيلة لِفَرْض هيمنة طويلة الأمد للإمبريالِيّتَيْن البريطانية والفرنسية، وتجسيم حلم ثيودور هرتزل، خلال المؤتمر الصهيوني الأول آب/أغسطس 1897، الهادف "خلق دولة في فلسطين تُشكّل قطعة من أوروبا وتكون بمثابة السور الواقي ضد آسيا، وبمثابة القلعة المتقدمة للحضارة ضد الهمجية"، وتعاونت بريطانيا وفرنسا على تفتيت وإضعاف المقاومة العربية، خدمة لأهدافهما التي التقت مع أهداف الحركة الصهيونية التي لم تتحرج عن توقيع "اتفاقية هافارا" أيار/مايو 1933 مع النّازِيِّين الذين فازوا بالإنتخابات العامة بألمانيا، وتَنُصُّ الإتفاقية على تنظيم هجرة اليهود ونقل أموال الرأسماليين اليهود إلى فلسطين شرط استيراد الآلات ووسائل النقل من ألمانيا، وفي نفس الوقت شكّل الإستعمار البريطاني سنة 1936 (سنة بداية الثورة 1936 – 1939) لجنة لمساعدة المستوطنين الصهاينة، كتجسيد لمنح فلسطين كاملة للمستوطنين الصهاينة، وأصدرت الإدارة الاستعمارية البريطانية القانون، المعروف بالقانون الخاص، الذي يجيز الاعتقال الإداري الذي لا يزال ساري المفعول في فلسطين المحتلة، ويُجيز اعتقال أي شخص لفترة غير محدودة بدون توجيه تهمة... أسفرت الحرب العالمية الثانية عن ظهور الإمبريالية الأمريكية كقوة إمبريالية مهيمنة وأدركت الحركة الصهيونية ذلك فنقلت مركز النشاط الصهيوني الدّولي إلى الولايات المتحدة وعقدت مؤتمرها في الأول من أيار/مايو 1942 في بلتيمور، برئاسة ديفيد بن غوريون حيث ظهرت المُطالبة بدولة يهودية في فلسطين، وتم اتخاذ قرار تشكيل قوة عسكرية صهيونية تحارب إلى جانب الحلفاء تحت إشراف الولايات المتحدة التي أدركت بدورها إن الدولة الصهيونية المستقبلية سوف تكون قاعدة متقدمة للإمبريالية وأعلن ديفيد بن غوريون سنة 1945: "إذا وافق البريطانيون على إقامة دولة يهودية في جزء من فلسطين، فإننا مستعدون للتعاون معهم ضد روسيا" وأعلن ناحوم غولدمان (رئيس المؤتمر الصهيوني) يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945: "يتعهد الصهاينة بإعطاء الحقوق الكاملة للبريطانيين في إنشاء قواعد عسكرية بحرية وجوية في فلسطين مقابل موافقتهم لإقامة دولة يهودية على 65% من الأراضي الفلسطينية، ونقترح كذلك إقامة قواعد أميركية"، وهو ما أغرى القادة الأمريكيين على توقيع اتفاقية سرية مع القادة السعوديين الذين أعلنوا قُبُول إقامة دولة يهودية في فلسطين، وتنص اتفاقية شباط/فبراير 1945 على حماية الولايات المتحدة لنظام آل سعود (مع إقامة قاعدة عسكرية في المملكة) مقابل الحصول على النفط السعودي، وبذلك تمكّنت الإمبريالية الأمريكية من الحصول على موقع استراتيجي في المنطقة وأصبح الداعم الرئيسي للدولة الصهيونية المستقبلية التي أقرّتها الأمم المتحدة - بدعم من الإتحاد السوفييتي والقوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية – يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 (القرار رقم 181)، وضغطت الولايات المتحدة على "مَحْمِيّاتها" لكي تُصوّت لصالح قرار التّقسيم ( الفلبين وهايتي وليبيريا)، وامتنعت الصين ويوغوسلافيا ودول أمريكا الجنوبية، وخَصَّصَ قرار التقسيم 55% من أراضي فلسطين للكيان الصهيوني النّاشئ، فيما كان اليهود يمثلون 35% فقط من العدد الإجمالي للسكان ولا يملكون سوى 6% من الأراضي، وساعد الإستعمارُ البريطانيُّ الحركةَ الصهيونيَّةَ (قبل مغادرة فلسطين يوم 14 أيار/مايو 1948) للسيطرة على مجالس البلديات والشرطة والقضاء والإدارة المحلية ومُخطّطات التهيئة العمرانية وسِجِلّ الأراضي ، وما إلى ذلك ما سمح للصهاينة بإقرار "خطة دالت" وتتمثل في تنفيذ أعمال إرهابية لطرد الفلسطينيين من كافة المُدُن الساحلية ومن 531 قرية تم تدميرها وتجاوز قرار الأمم المتحدة والإستيلاء بقوة السلاح (بما في ذلك الطيران ) على أجزاء إضافية من الأراضي، بعد تنفيذ ما لا يقل عن 252 مجزرة، سجّلت وثائق الحركة والمليشيات الإرهابية الصهيونية ((شتيرن والإرغون والهاغاناه وغيرها) وقائع 72 منها تم تنفيذها بدعم ما لا يقل عن 3600 من المرتزقة "الغربيين" ( الميشالينك" ) معظمهم من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وجنوب أفريقيا والمستعمرات الفرنسية بشمال إفريقيا، وأتاح هذا الدّعم بالعتاد والسلاح والمرتزقة والدّعم السياسي والمالي سيطرة الكيان الصهيوني، سنة 1949 على 78% من أرض فلسطين... خاتمة نَشَأ الكيان الصهيوني بدَعم من الإمبريالية البريطانية والفرنسية ثم الأمريكية، وأصبحت الولايات المتحدة الدّاعم الرّئيسي منذ عدوان 1967، إلى حرب الإبادة الحالية (الرّبع الأخير من سنة 2023) ومُباركة القمع والإعتقال والسجن والإستيلاء على الأراضي واستخدام الأسلحة الفتاكة، بل منحت الولايات المتحدة أسلحة الدّمار الشامل للكيان الصهيوني، وأظْهَر حق النقض (الفيتو) الأمريكي ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة 8 كانون الأول/ديسمبر 2023 إن الكيان الصهيوني مَحْمِيٌّ من القوة الإمبريالية الرئيسية ولا يمكنه البقاء بدون الدعم المالي والعسكري والدّبلوماسي للولايات المتحدة والدّول الإمبريالية الأخرى التي لا تهتم بضحايا الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الجرائم الصّهيونية... يتميز الإستعمار الإستيطاني الصهيوني عن جنوب إفريقيا وعن الإستعمار الفرنسي للجزائر أو البريطاني لإيرلندا بأنه ينفّذ عملية استبدال السكان الفلسطينيين الأصليين بمستوطنين هاجروا من أوروبا ليس بسبب الفَقْر وبُغية البحث عن عمل وإنما بُغية دعم الدّولة الصهيونية وافتكاك أرض ووَطَن الشّعب الفلسطيني، ومسالك العبور المائية بين آسيا وإفريقيا وأوروبا (البحر الأحمر وقنة السويس والبحر الأبيض المتوسط) وغاز السّاحل الفلسطيني ونفط الخليج تحت إشراف الشركات العابرة للقارات ذات المنشأ الأمريكي... لكن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولا يزال يُقاوم الإحتلال، ولذلك فهو لم ينهزم، بل سوف ينهض من كبواته إلى غاية تحرير فلسطين...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحياة مقاومة والمقاومة تُقرّب ساعة الإنتصار
-
بإيجاز : فرنسا – أي معنى للعلمانية؟
-
تونس – النهضة من الإفلاس السياسي إلى الإفلاس المالي؟
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التّاسع والأربعون، بتاريخ التّ
...
-
الإستثمار في مجال الرياضة، نموذج السّعودية
-
انتخابات هولندا – انتصار صهيوني
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثامن والأربعون، بتاريخ الثان
...
-
تونس ومعضلة الديون الخارجية
-
فلسطين حالة استعمار استيطاني اقتلاعي
-
معاقل الرأسمالية: لندن جَنّة الأثرياء وجحيم الفُقراء
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والأربعون، بتاريخ الخا
...
-
عرض كتاب
-
اقتصاد تونس – آفاق 2024
-
نضالات عُمّالية - بعض دروس موجة الإضرابات بالولايات المتحدة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والأربعون، بتاريخ الثّ
...
-
أي إطار للقضية الفلسطينية؟
-
إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي
-
اليسار والقضية الفلسطينية
-
من نضالات الشعوب والطبقة العاملة في العالم - بنغلادش – إضراب
...
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والأربعون، بتاريخ الحاد
...
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN تقييم أمريكا بشأن الرد الإسرائيلي المحتمل عل
...
-
كيف فاجأ مقاتلو حزب الله نخبة الجيش الإسرائيلي؟
-
بوشيلين: حوالي 115 مدنيا في أوغليدار يتلقون المساعدة من الجي
...
-
الكونغو.. وفاة ما لا يقل عن 78 شخصا في انقلاب قارب ببحيرة شر
...
-
إطلاق النار في المكسيك يسفر عن مصرع مصريين
-
مستشار أوكرني سابق: القوات الروسية -سحقت- اللواء 72 الأوكران
...
-
فيديو.. غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
-
إعلام عبري: هاشم صفي الدين هو المستهدف من الهجوم على بيروت
-
تحرك أفريقي وأميركي لتسريع احتواء الأزمة السودانية
-
صحافة عالمية: حزب الله قادر على جعل العملية البرية محفوفة با
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|