التحكم في الحشود تسيير القطعان

عبد الحق سرار
مفكر جزائري مهتم بالواقع السياسي و الاجتماعي
(Abdelhak Serrar)

الحوار المتمدن-العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 02:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هل تعتقد أنك صاحب أفكارك؟

هل تعتقد فعلا أنك صاحب أفكارك؟ بمعنى هل توصلت إليها بكل حرية ودون تدخل من أي طرف أو جهة معينة؟
تلك الأفكار التي تنظر لها، وتستميت دفاعا عنها، وتشاجر وتخاصم من أجلها، وتصنف الناس حسبها، فمن يعتقد بها تجعله ذكيا وحاذقا لأنه قد توصل إليها، ومن لا يصدقها تعتقد أنه غبي لأنه قد غفل عنها، تلك الأفكار والأيديولوجيات التي ترى نفسك فيها، فأنت تعرف نفسك بها، تسمي نفسك "المعادي لعرق ما" أو المؤيد لفكر ما أو جهة ما.

كم أنت سعيد وأنت تعرف نفسك بها، فأنت تعتقد أنك قد توصل لزبدة الأفكار، لأنك ذكي ولكن ما لا تعرفه هو أنك مجرد ضحية مثل آلاف في بلدك والملايين حول العالم.
إن هذه الأفكار التي تؤمن بها وتدافع عنها باستماته ما هي إلا نتاج تحكم النخبة التي تسير الشعوب.

يمكنهم جعلك تكره شعبا ما وتظن أن كرهك لهم ناتج عن ذكائك وقدرتك على ملاحظة الأمور، فاستنتجت وحدك أن ذلك الشعب يستحق أن يُكره لأنه سيئ، ولكنك لا تدري أنك ضحية بروباغندا جعلتك تكره ذلك الشعب لأنه هناك من يريد ذلك وأنت مجرد فرد بين مئات الآلاف الذين تم خداعهم.
من أين تستقي معلوماتك؟ الإعلام، الكتب، وسائل الاتصال، الأغاني، الأفلام، المسرحيات؟ و تظن أن هذه الوسائل حرة و ما يصلك من معلومات هو الحقيقة، و كأن العالم بسيط جميل عالم متروك هكذا، من يريد أن يفعل أي شيء يفعله، عالم وردي حيث النشيد الوطني العالمي هو أنشودة سنان يا سنان.

لكن الحقيقة تختلف تماما كل تلك الوسائل متحكم فيها ولا يسمح فيها بالوصول للناس إلا لمن يخدمون أجندات النخبة، عن قصد أو عن غير قصد.

هل شاهدت الأفلام الأمريكية التي تتحدث عن اضطراب ما بعد الصدمة الذي يحدث للجنود بعد عودتهم من المجازر التي ارتكبوها في دول كالعراق والصومال وغيرها
أنت تعيش مع ذلك الجندي حتى أنك تشفق لحاله ومع مشاهدة كثير من الأفلام تكاد تحقد على الأطفال الذين قتلهم في الصومال والعراق وغيرها من الدول التي احتلتها امبراطورية الشر الأمريكية.

من كان يصدق أن الشعب السعودي يصل به الحال أن يكره الفلسطينيين و يعتقد أنهم شعب سيء و من لم يؤيد الاحتلال توقف عن مساندة الفلسطينيين ، إنه نتاج عمل دؤوب قامت به جهات هدفها تهيئة الظروف لجعل السعوديين يقبلون التطبيع ، و السعودي العادي يتلقى المعلومات من إعلامه و وسائط الاتصال و يسمع القصص من هنا وهناك ثم يصل لخلاصة أنه يكره الفلسطينيين ضنا منه أنه توصل إلى هذه الخلاصة بنفسه وهو لا يدري أنه دمية يتم التحكم فيها ممن يتحكمون في الشعوب ، يغيرون قناعات الشعوب إنه اللعب على الدوكسا

أمازيغي جزائري يكره الفلسطينيين كره العمى و يعتبرهم ألذ أعدائه وهم حتى لا يعلمون بوجوده لا يعرفون الفرق بين الشاوي و المزابي و يحبون الشعب الجزائري على عمومه ،فما السبب الذي يجعل قبائليا من تيزي وزو أو شاويا من باتنة أو ريفيا من الحسيمة يكره شعبا لم يفعل له أي شيء ؟
الجواب هو "الدوكسا" نعم هناك من يتحكم في دوكسا القطعان، مختلف القطعان، من يدعم المغنيين و الكتاب الذين يروجون للعنصرية ضد العرب و كره فلسطين هو الذي يتحكم في القطيع الفرنكوبربريستي و يجعله يكره العرب و يكره فلسطين كره العمى رغم أن الفلسطينيين لا يكرهون المغرب و لا الجزائر ولا تونس ولا ليبيا، حتى المغرب يحبون شعبها لأنهم يعرفون أنه ضد التطبيع فما السبب الذي يجعلك تكره شخصا لا يكرهك بل و يحبك؟
الجواب موجود فيما قلناه سابقا مئات آلاف الفرانكوبربريست الذين يكرهون فلسطين وبعضهم يتشفى فيما يحدث لهم، هم نتاج بروباغندا عنصرية صنعتها استخبارات معينة وهذا هو سبب كره هؤلاء لفلسطين
ذلك البربريست المتطرف الذي يشتم فلسطين صباح مساء هو لا يعلم أنه مجرد ضحية بروباغندا جعلته يكره فلسطين
وقس على ذلك فالشعوب يتم التحكم فيها عن طريق ما ذكرناه سابقا من وسائل، وغالبية الناس متبعة دون تفكير فالجموع لا تفكر بل تصدق ما يقال لها.

الإلحاد في العالم العربي نتاج عمل استخباراتي، ولست هنا أعتبر الإلحاد صحيح أم خاطئ فليست هذه هي النظرة
انظر إلى الأمر من جهة المصالح فقط، نفس الجهات التي روجت للسلفية والفكر المتطرف هي نفسها التي تروج للإلحاد اليوم في العالم العربي أو الناطق بالعربية.
حتى طريقة تفكير الملحد العربي يتم التحكم فيها، فالغالبية العظمى من الملحدين العرب لديهم صفات مشتركة مثل: العدمية، السفسطة، معاداة كل ما هو مسلم أو له علاقة بالإسلام، تأييد كل الجرائم التي يكون فيها الضحية مسلما كبورما والأويغور وفلسطين كم من ملحد شاهدتموه يسخر من شعار "حلب تحترق" لأن الضحايا مسلمون رغم أن القاتل شيعي علوي محسوب على الإسلام بشكل ما، كيف يعقل أن غالبية الملحدين العرب تفكر هكذا؟
أتواصوا به؟

لا لم يتواصوا به بل تم التحكم فيهم كما يتم التحكم في كل القطعان سواءا القطعان الفكرية أو القطعان العرقية أو الدينية
يمكن لهم جعلك ملحدا لكن ملحد غير عقلاني هذا هو هدفهم
النخبة تكره الملحد العقلاني لهذا تجد أن أغلب الملحدين العرب أو الناطقين بالعربية يشتركون في نفس الأفكار
حق الانتحار، الزواج مشروع فاشل، الدولة فكرة ميتافيزيقية لا معنى لها، لا توجد اخلاق لأن الانسان هو من وضعها ولا يوجد خير وشر ،لا توجد حقيقة وكل شيء نسبي ،أكبر الجرائم عبر التاريخ قام بها العرب والمسلمون ،الاستعمار الأوروبي جلب الحضارة لنا ،المقاومة ضد المستعمر إرهاب، مصلحتي أهم من مصلحة البلاد فأنا لا تهمني الدولة ،أنا من يحدد ما هو الفعل الصائب وليس القانون فأنا لا أعترف بقانون لم أضعه أنا، المساكنة والعلاقات الرضائية أفضل من الزواج ،لماذا يجب علي أن أربي الأطفال يمكن لدار الايتام القيام بذلك، عندما يقتل الغرب والشعوب الأخرى فهذه طبيعة البشر عادي ،لا نحتاج دينا كي نعرف الخير من الشر (رغم أنه لا يوجد خير وشر! ).


لا نحتاج إلى دليل على أن هذه الأفكار هدامة للمجتمع، يكفي أن تفكر قليلا لتستنتج أن من روج لهذه الأفكار لا يريد خيرا لهذه البلدان، من الذي وضع أول المدونات الإلحادية في النت العربي من روج لأفكار كأفكار مصري ملحد؟ من قبيل نحن ضد أي عنف سياسي مثل جريمة بني قريظة لكننا مع مجزرة رابعة في مصر لا للعنف ونعم للعنف والاجرام والإبادة وقتل الأبرياء إن كانوا مسلمين، من روج لهذا الفكر بين الملحدين العرب؟
إن من يضع الأفكار الأولى عند بداية أي قطيع فكري جديد يحدد طريقة تفكير هذا القطيع لعقود قادمة

عندما يقوم ملحد عربي بالترويج للفكر العقلاني المنطقي يتعرض لهجوم شديد من طرف ملحدين وليس مسلمين لأنه خرج على الخط المرسوم، هكذا يتم إنشاء القطعان الفكرية والتحكم فيها وحتى محاربتها فاليوم تتم محاربة الفكر السلفي في السعودية من نفس الجهات التي قامت بالترويج له وتحاربه اليوم وتروج للإلحاد.

كما تقوم نفس الجهات بالترويج لفكر آخر هو الجامية و المدخلية فكر قائم على العبودية التامة للحاكم حتى و إن أمر بقتل ربع سكان الدولة فله ذلك كما قال بعضهم، الناس دمى تحركها جهات نافذة متحكمة في الإعلام و الاقتصاد و المال و الفكر
يظن الكثير من الناس أنهم أحرار في تفكيرهم لكنهم لا يعدون مجرد كونهم دمى تخط طريقها في المسار الذي رسمته لها النخبة المتحكمة.

#عبد_الحق_سرار (هاشتاغ)       Abdelhak_Serrar#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات