عبد الحق سرار
مفكر جزائري مهتم بالواقع السياسي و الاجتماعي
(Abdelhak Serrar)
الحوار المتمدن-العدد: 7773 - 2023 / 10 / 23 - 18:24
المحور:
القضية الفلسطينية
سلطة الخطاب
اليوم العالم كله يشاهد كيف تقوم إسرائيل بقتل المدنيين الأبرياء و رغم ذلك يصر الإعلام العالمي على عدم تسمية هذا الفعل بالإرهابي، العالم كله يشاهد كيف أن أمريكا هي الراعي الرسمي لهذه المجازر، فقد وفرت غطاءا لإسرائيل حيث أحضرت حاملة طائراتها و هددت أي دولة أخرى إن حاولت التدخل، كما منعت قرار في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، هذا يجعل الولايات المتحدة رسميا مشاركة في هذه المجازر و رغم كل هذا الظلم يفرض على الناس حول العالم عدم التضامن مع فلسطين و هذا ما يحدث رسميا في دول كألمانيا و فرنسا و بدلا من ذلك يفرض التضامن مع إسرائيل دولة الاحتلال.
كل هذا لأن هناك شائعة أن حماس قتلت أطفالا، رغم أن هذه الشائعة لا دليل عليها، و رغم أن إسرائيل قتلت لحد اللحظة التي أكتب فيها 2055 طفلا فلسطينيا.
ورغم أن إسرائيل قتلت عشرات آلاف الأطفال منذ تأسيسها إلا أن هذا لا يجعل منها إرهابية في الرأي العام !
"نحارب حماس لأنه توجد شائعات أنها قتلت أطفالا، بينما نؤيد إسرائيل التي قتلت آلاف الأطفال"
هذا هو صوت العالم الغربي الذي يُفرض على الناس كحقيقة و يعاقب كل من يخالف هذه الحقيقة !.
أين المنطق هنا؟
المشكلة أنه يأتيك أحد العرب المهووسين بالغرب، لكي يخبرك أن الغرب أرض الأخلاق و المبادئ و القيم ! يأتيك أحد اللادينيين العرب المهووسين بمعادات كل ما هو عربي أو مسلم ،فيقول لك الغرب أهل أخلاق رغم إبادتهم للهنود الحمر و رغم قتلهم ملايين الأفارقة و الآسيويين و رغم كل جرائمهم و رغم إبادة مليون عراقي مؤخرا فقط إلا أنهم قوم محترمون متخلقون و العرب إرهابيون !
الغرب خاصة بعد نيتشة غرب لا يؤمن بالأخلاق و لا بالقيم، غرب مكيافيلي يفعل ما يريد و في النهاية هو نفسه من يحكم على أفعاله هل هي صواب أم لا
نيتشة علمهم أنه لا يوجد صواب و لا خطأ، أقتل ما تريد ثم برر أفعالك وهذا ما تفعله دولة الكيان الصهيوني، منذ احتلال فلسطين وهي ترتكب الجرائم تقتل الأطفال و النساء و المدنيين العزل ولا نجد من يرد عليها، والمشكل يتم اتهام من يتحدث عن جرائمها بأنه معاد للسامية، حتى أن أحدهم في الغرب قال "لا يجب استقبال المهاجرين الفلسطينيين (من سيبقون أحياءا بعد حملة الإبادة الصهيونية) لأنهم معادون للسامية "!
كيف يكون الفلسطيني معاد للسامية وهو سامي
أين المنطق هنا نتهم الشعب الذي يتعرض للإبادة أنه هو المجرم و نتهمه بمعادات السامية بينما هو شعب سامي و إسرائيل ذاتها ليست فعلا سامية كثير من سكانها أوروبيون من أصول سلافية أو جرمانية حتى أنه هناك من قال أن الفلسطينيين أكثر يهودية من الإسرائيليين لا نقول أكثر سامية فقط بل أكثر يهودية أيضا
هل يعقل أن يكون هذا هو المستوى الفكري في الغرب؟
الغرب الذي طالما قلنا عنه أنه غرب منطقي عقلاني علمنا التفكير بعقلانية؟
الجواب هو نعم هذا هو الغرب في عصر ما بعد الحداثة، حيث يتم تسخيف عقول الشعوب، ومن يعرف ما معنى مابعد الحداثة سيفهم كلامي جيدا، ومن لا يعرف أو أنه يعرف جزءا بسيطا فلن يستطيع أن يفهم كلامي.
الشعوب الغربية اليوم و منذ أكثر من خمسة عقود تتعرض لحملة تجهيل وتسخيف قادتها النخبة المتحكمة فيها تحت مسميات مابعد الحداثة و النسبية و العدمية.
لهذا يمكن للسلطات أن تبرر ما تقوم به من إجرام، و ستجد أن النخب موالية لها لأنه بكل بساطة في عصر مابعد الحداثة يمكن تبرير كل شيء مادام لا توجد حقائق و كل شيء نسبي
مابعد الحداثة تيار يستهدف النخب الموجودة في المجتمع و التي بدورها تتحكم في الحشود.
المثقفون الذين نشاهدهم في البلاطوهات والعوام الذين لديهم نصيب معتبر من المعرفة و الذين يطالعون و لديهم ملكة التفكير دون القدرة على التعمق، هؤلاء هم الذين تستهدفهم مابعد الحداثة و هؤلاء لديهم صفة تجمعهم أنهم سطحيون في مطالعتهم و تفكيرهم و أحكامهم فيسهل التحكم فيهم، وهؤلاء هم النخب البسيطة التي تتحكم في وعي الشعوب، لأنهم صناع الوعي الجمعي، هؤلاء يتصدرون المشهد الثقافي و يستمع إليهم من طرف عامة القطيع.
هنا وهناك تجد يساريا شعره كثيف و يضع وشاحا أحمرا و يتصف بكل الصفات المظهرية للصورة النمطية للمثقف، إلا أنه يفتقر إلى ملكة التفكير العقلاني، هذا السطحي سيُنَظِر للنسبية و لعدم وجود أي حقيقة في الكون و هو يظن أنه أكثر معرفة منك فقط لأنه طالع بعض الكتب التي كتبها نيتشة أو فوكو أو ديريدا
بعدما قامت الأنظمة الغربية بتسخيف شعوبها عن طريق هذا الفكر اللاعقلاني، صار بإمكانها أن تفعل ما تريد ترتكب الجريمة و تبررها، تؤيد الجرائم و تبرر تأييدها، تجيز بيع السلاح ما يتسبب في مجازر كل سنة و تبرر ذلك، تدخل العالم في دوامة من التيهان لا يعرف ما الرجل و ما المرأة و تبرر ذلك ببساطة هذه هي ما بعد الحداثة
الحكام صناع القرار ليسوا مابعد حداثيين هم منطقيون عقلانيون يبيعون السراب المابعد حداثي لشعوبهم حتى يسهل عليهم التحكم فيها، وهناك قطعان من الملاحدة السطحيين و التيارات التغريبية كالفرانكوبربريست و غيرهم ممن سيسهلون مهمتها في الدول العربية أو الناطقة بالعربية.
اليوم في فلسطين ترتكب أبشع الإبادات و رغم ذلك يفلح الإعلام الغربي في إقناع شعوبه بأن الحق مع إسرائيل، لو كانت هذه الشعوب عقلانية كما كانت في القرون السابقة ما أمكن ذلك لكن نيتشة غير كل شيء.
#عبد_الحق_سرار (هاشتاغ)
Abdelhak_Serrar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.