شعبان تحت القهر والاحتلال

كريم عبديان

الحوار المتمدن-العدد: 7817 - 2023 / 12 / 6 - 21:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

من المعروف بين شعوب العالم العربي أنه إلى جانب فلسطين هناك شعب عربي أخرى يقع تحت احتلال وتسلط دولة أخرى غير عربية، وهو الشعب العربي الاهوازي.

تقع الأهواز في جنوب غرب إيران، على الضفة الغربية لشط العرب، بجوار البصرة والكويت، وهي محتلة من قبل الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الفرس الشيعة في طهران. كان يطلق عليها اسم عربستان. لكن تم تغيير الاسم إلى خوزستان في عام 1935 كجزء من سياسة التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي التي تنتهجها النخبة الفارسية الشيعية الحاكمة في إيران.

إن احتلال الأهواز وفرض الهيمنة على الاقليم يمتد لفترة أطول قليلاً من فلسطين. فبينما بدأت النكبة الفلسطينية في عام 1948، حدثت النكبة الأولى للأهواز في عام 1848 بعد تعديل معاهدة أرضروم، وهي المعاهدة التي حددت لأول مرة الحدود بين الإمبراطورية العثمانية التركية والقاجار الفارسية تحت الاشراف المباشر لبريطانيا. وبناء على ذلك، كان من المقرر أن تكون عربستان محمية فارسية/إيرانية مع استمرار الحكم الذاتي المحلي. وكان هذا هو الحال بالفعل لعدة عقود حتى الغزو العسكري للشاه في أبريل 1925، والذي أعقبه اختطاف وقتل أول أمير للمحمرة، عاصمة عربستان، الشيخ خزعل بن جابر. وكانت تلك النكبة الثانية للاهواز. ومع ذلك، فإن معاهدة "أرضروم" لم تنكر أو تنفي حق العرب غير القابل للتفريط في تقرير المصير كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة1.

لقد كان الاهوازيون من أشد المؤيدين للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير منذ تقسيم فلسطين التاريخية وقيام إسرائيل. هناك أوجه شبه بين الشعبين المحتلين والمقهورين في فلسطين والاهواز. منذ النكبة الاهوازية الثانية، لم يتوقف المحتلون الفرس للأهواز أبدًا عن تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة، حيث حرصت طهران على إعادة توطين المستوطنين الفرس (تمامًا كما تفعل إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة) في اقليم الاهواز كوسيلة لتكريس الملكية الإيرانية؛ وكان الشاغل الرئيسي لهذه السياسات هو تأمين السيطرة الكاملة على الموارد المعدنية والثروات، حيث تضم الاهواز أكثر من 85 في المئة من احتياطيات النفط والغاز الإيرانية.

ومثلها كمثل فلسطين قبل التقسيم، كانت ايران - رغم أنها لم تكن مستعمرة رسمياً قط - تحت السيطرة البريطانية. فمنذ الإطاحة بالسلالة القاجارية الضعيفة والمعتلة التي حكمت إيران من عام 1770 إلى عام 1921، حرضت بريطانيا ودعمت انقلاباً عسكرياً في عام 1920 ونصبت رضا خان الأمي (الذي سمي لاحقا رضا شاه بهلوي) حاكماً جديداً تابعا لها. كان رضا شاه وأتباعه من الفرس الشيعة يؤمنون بتفوق العرق الفارسي الآري وبالنظريات العنصرية القومية.

أعقب حكم رضا شاه 38 عامًا من حكم ابنه محمد رضا شاه، و44 عامًا من حكم الجمهورية الإسلامية الحالية. رسم الحكام الجدد دولة تقوم على أيديولوجية قومية فارسية شيعية لإنشاء "أمة إيرانية" متجانسة من خلال طمس و إزالة التنوع العرقي وفرض الهوية العرقية الفارسية الشيعية على القوميات غير الفارسية - وكان الشعب العربي الاهوازي المستهدف الرئيسي لهذه السياسة .

بالرغم أن سكان إيران، حسب التقديرات، نصفهم او غالبيتهم هم من غير الفرس - وثلثهم من السنة، مع ذلك، فإن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية الوحيدة، ومذهب الشيعة الجعفرية هو المذهب المعتمد رسميًا – في حين يتم تجاهل كل الديانات والمذاهب الأخرى أو إنكارها أو في أفضل الأحوال تهميشها. وهذا ما جعل الشيعة الإيرانيين الفرس في وضع أفضل ومنحهم هيمنة كبيرة، كما هو الحال مع اليهودي الإسرائيلي - في إسرائيل العنصرية.

بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، شهد العالم بوضوح خلال الشهرين الماضيين الظروف المأساوية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني في غزة في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي على القطاع. لكن العالم لم تتح له الفرصة لمشاهدة الظروف المأساوية للأهواز في ظل حكم ولاية الفقيه الفارسي الشيعي الاستبدادي الرجعي.

من بين القوميات الايرانية المستبعدة اجتماعيا واقتصاديا، القومية العربية الاهوازية هي من بين أكثر الفئات المضطهدة في ايران، بالرغم من الاهوازيين يشكلون حوالي 10٪ من السكان. قام النظام بتغيير الاسم العربي للمحافظة إلى الاسم الفارسي "خوزستان" لإنكار هويتهم العربية. ولا تسمح إيران للأهوازيين باختيار أسماء عربية لمواليدهم الجدد. تمثل الأراضي التاريخية لعرب الاهواز 85% من الناتج المحلي الإجمالي النفطي لإيران، ومع ذلك فإنهم يعيشون في فقر مدقع. بعد مرور 44 عامًا على قيام لجمهورية الإسلامية وتحقيق عائدات نفطية بقيمة 100 مليار دولار من أراضي الاهواز، لا تزال آلاف القرى العربية الاهوازية تفتقر إلى مياه الشرب وأبسط مستلزمات المعيشة الاساسية.

إن المعاملة التي يلقاها الاهوازيون تتناقض مع شعار دفاع النظام الايراني المعلن مع الفلسطينيين والفقراء والمحرومين. تتدنى مؤشرات التنمية البشرية بين عرب الاهواز الى مستوى كبير يقل بكثير عن المتوسط الوطني الإيراني. معدل الأمية بين عرب الاهواز هو اضعاف ما هو عليه بين الإيرانيين الفرس. بينما يبلغ معدل البطالة بين العرب حوالي 4 أضعاف المعدل الوطني في إيران. ولا يُسمح للعربي الاهوازي بالعمل في صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات الضخمة في أرضه. تمت مصادرة ملايين الهكتارات من الأراضي المملوكة للمزارعين العرب الاهوازيين منذ ثورة 1979 وتم تحويلها للمستوطنين الفرس.

لقد تعرض عرب الاهواز في إيران لمحو هويتهم الوطنية وثقافتهم ولغتهم وعاداتهم؛ ويواجهون الاندماج القسري وفرض اللغة والثقافة الفارسية عليهم. ويحرم أطفالهم من استخدام ودراسة لغتهم. غالبا ما توصف أي مطالب مشروعة للأهوازيين والأقليات الأخرى بأنها "انفصالية" وينعت مواطني الاقليات غير الفارسية بانهم "عملاء للاجنبي" أو "خطر على الأمن القومي. ان محافظ "خوزستان" (الاهواز)، وجميع القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين في الاقليم، والضباط، ورؤساء البلديات وجميع المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى والمتوسط الآخرين، كانوا دائمًا من غير السكان العرب الأصليين ومن خارج الاقليم.

بسبب أوجه التشابه هذه، كان عرب الاهواز من أشد المؤيدين للنضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة. بالإضافة إلى ذلك، وعلى نطاق أوسع، تلقت العديد من جماعات المعارضة خلال حربها ضد دكتاتورية الشاه تدريبًا ودعما من حركة التحرير الفلسطينية، وفي كثير من الحالات بمساعدة النشطاء والمقاتلين العرب الاهوازيين الذين كانت لهم علاقات وثيقة مع الجماعات الفدائية الفلسطينية. ومن هنا فإن العديد من الإيرانيين وخاصة من قوى اليسار الثورية، ومن بينهم آلاف السجناء السياسيين، يدعمون القضية الفلسطينية ويعارضون الاحتلال الاسرائيلي، ويطالبون بوقف فوري لإطلاق النار لإنهاء إراقة الدماء ومعاناة المدنيين في غزة. ومن اللافت أن حكام الجمهورية الإسلامية لا يسمحون بمظاهرات كبيرة في طهران أو أي مدن أو اقاليم إيرانية أخرى دعماً لفلسطين – وقد تم رفض طلب الاهوازيين لإظهار الدعم الشعبي باستمرار.

لقد عملتُ لسنوات عديدة كمتطوع في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك في مانهاتن عندما كنت طالبًا جامعيًا في مدينة نيويورك في أوائل السبعينيات. وكنت حاضرا، وساعدت في تسهيل وتوفير الأمن لياسر عرفات خلال زيارته في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974 وحضوره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبهذا نعلن أن دعمنا المتواصل لفلسطين من اجل التحرير وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي راسخ ولا يتزعزع.

صحيح أن ممثلي الاهواز في الشتات عارضوا إقامة حماس علاقات مع الحرس الثوري الإيراني في عام 2006. في الواقع، تم تحذير السيد إسماعيل هنية، زعيم حماس، والوفد المرافق له قبل زيارتهم لطهران في هذا الشأن، وذلك لفهمنا وقناعتنا أن الدعم الإيراني لحماس والجهاد الإسلامي هو دعم أيديولوجي وجيوستراتيجي يهدف إلى هيمنة إيران على العالم العربي والإسلامي. لقد التقيت ببعض القادة الفلسطينيين ولدي علاقة شخصية معهم – وكنت دائما أنقل الدعم الاهوازي وأذكّرهم مرارًا وتكرارًا بنوايا إيران الشريرة.

أنا لا أتفق مع تصنيف جميع فصائل المقاومة الفلسطينية والوكلاء الإيرانيين غير الفلسطينيين، أو ما يسمى بجماعات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، والتي أنشأتها ايران، كمجموعة واحدة. هذا الافتراض/الاعتقاد غير دقيق وغير صحيح.

هناك فرق بين حماس والجهاد الإسلامي والجماعات التابعة لإيران مثل حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي. وبينما تحصر حماس والجهاد الإسلامي نضالهما من أجل التحرير وحق تقرير المصير في فلسطين، فإن حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي والزينبيون والفاطميون هم في الحقيقة ادوات تابعة لنظام الملالي و طابور خامس في العالم العربي، ومنبر لنشر الايديولوجية الاسلامية للنظام وأداة للسياسة التوسعية الايرانية كما شهدنا ذلك في سوريا من خلال دعم "حزب الله" لنظام الاسد والاقلية الشيعية العلوية الحاكمة.

إن هدف السياسة الخارجية الإيرانية هو تصدير ثورتها الإسلامية وبسط نفوذها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة. كما تم الكشف والعثور مؤخرا (وجرى عرضه على شاشات التلفزيون) على مواد دعائية إيرانية بكميات كبيرة في الانفاق في مناطق مختلفة من غزة.

وهذا يؤكد أن إيران تسعى الى استغلال حماس والقضية الفلسطينية لتصدير مفاهيمها الاسلامية الشيعية وافكارها المتطرفة الخطيرة إلى فلسطين والعالم العربي والإسلامي. – اللافت للنظر أنه لحد الان لم يشارك "محور المقاومة" وعلى رأسه ايران الراعية له في الحرب الى جانب حماس والمقاومة الفلسطينية ضد العدوان الاسرائيلي، كما وعدوا وتوعدوا طوال العقود الاخيرة!

تجدر الإشارة إلى أن الحكام القوميين الإيرانيين الشيعة الفرس يمنعون عرب الاهواز من الدراسة بلغتهم الأم، اللغة العربية، لغة القرآن، أو ارتداء الزي العربي في الدوائر والمؤسسات الحكومية. ويُستبعد كذلك اهل السنة الإيرانيون مثل الأكراد والبلوش والتركمان تمامًا من البرلمان الإيراني (المجلس) ومن إدارة الدولة.

نريد أن نذكّر العالم العربي بأن الجمهورية الإسلامية ليست عدوا لشعبها فحسب، بل عدوا للفلسطينيين وشعوب المنطقة وضد السلام والأمن والاستقرار في العالم.

على عكس بعض الأفراد الاهوازيين المُضَلَلين والانتهازيين الذين يزعمون أن 20% من جميع الإيرانيين و40% من الاهوازيين هم من أنصار ملالي إيران، لا يوجد أي دعم بين الاهوازيين للنظام الشوفيني الذي يحتل اراضيهم ويمارس شتى انواع القهر والقمع والتنكيل ضدهم على مدى زمن طويل.

فهذه مجرد أكاذيب صارخة مختلقة، نابعة إما عن جهل أو تهدف إلى تخفيف الضغوط والضربات التي يتعرض لها النظام وإضفاء الشرعية على الدعم الشعبي المفترض للنظام - وكذلك لتثبيط عزائم النشطاء في تشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني اللازمة في الاهواز وباقي أنحاء إيران لتحدي النظام.

على الرغم من الدمار والقتل الجماعي في غزة، فإن النتيجة الوحيدة المؤكدة هو التواطؤ بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، بصمت الاخيرة المخيف واكتفائها بالشعارات الفارغة بل اعلانها رسميا عدم نيتها ورغبتها في الدخول في الحرب الى جانب المقاومة الفلسطينية.

ايران في الحقيقة تعارض حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. إن استراتيجية إيران وسياستها في المنطقة، بما في ذلك فلسطين، كانت ولا تزال تتمثل في الحفاظ على الوضع الراهن من عدم الاستقرار والصراعات الدائمة، لأن هذا يخدم أجندتها السياسية وسياساتها التوسعية على أفضل وجه.

نحن عرب الاهواز الذين نعاني تحت احتلال نظام ولاية الفقيه نتشاطر نفس احلام وتطلعات إخواننا وأخواتنا في فلسطين. نحن كما هم نسعى جاهدين من أجل الحرية وحق تقرير المصير والحياة الحرة الكريمة.

إن دعمنا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ثابت ومطلق. إن مقاومة وعزيمة وشجاعة وصمود الشعب الفلسطيني في غزة وإصراره على التشبث بأرضه - رغم ما يزيد عن 15000 شهيد وتدميرهائل وغير مسبوق للقطاع على ايدي جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم - هو مصدر إلهام كبير لنا نحن الاهوازيين لمقاومة الاحتلال الفارسي ومواصلة نضالنا العادل من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

د. كريم عبديان – ناشط حقوقي وكاتب مختص بالشؤون الايرانية

#كريم_عبديان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات