أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - الجيش والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(2-4)















المزيد.....

الجيش والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(2-4)


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 7809 - 2023 / 11 / 28 - 00:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


قدمنا في الجزء الأول من هذا المقال المقدمة خلفية للنزاع بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع وكيف أنه انحصر فقط في الصراع على السلطة السياسية بغرض الإبقاء على التوجه والسياسات المحافظة التي ظلت تنتهجها حكومات الفترة الوطنية عقب استقلال البلاد عن السيطرة البريطانية في 1956. وبما أن الهدف من المقال الاقتصار على عرض ملامح المقومات الأساسية في الساحة السياسية التي تستوجب الاعتبار للقيام بالتقويم الصحيح للحرب وتبعاتها، ننتقل في هذا الجزء من المقال بالعودة الى الوراء لإلقاء عرض لطبيعة الجيش السوداني والدور الذى ظل يلعبه في السياسة السودانية وعلى الأخص بالتركيز على الدينامية السياسية التي جعلته يحتكر السلطة السياسية طوال الفترة الوطنية ويقاتل في سبيل الاحتفاظ بها، كما يشمل العرض حقيقة مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) وعلاقتها بالجيش.

بداية، إن التعريف الليبرالي الدارج للجيش، وسط إنتلجنسيا البورجوازية الصغيرة، ينظر للجيش على أنه مؤسسة قومية للدولة منوط بها التصدي للاعتداءات الخارجية التي يتعرض لها الوطن وحماية مقدراته (ثمة من ينسب، على نحو خاطئ تماما، التعريف للماركسية). لكن هذا تبسيط مفرط لمفهوم الجيش، اذ أن الجيش هو عبارة عن تشكيلات مسلحة في يد القوى الاجتماعية الحاكمة لتثبيت سلطتها والزام المحكومين بأفكارها وسياساتها وقمع المعارضين لها اذا ما اقتضت الضرورة ذلك. ولديناميات سياسية معينة، ينتقل للجيش القرار السياسي بواسطة القوى الاجتماعية المتنفذة سياسيا، وهى ظاهرة شائعة في حالة الدول المتخلفة.

وهكذا، فإن التجريد الذى يتحدث عن سلطة عسكرية مطلقة والتغاضي عن طبيعتها الطبقية، يخفى حقيقة نهجها في إدارة الاقتصاد وموقفها من الديمقراطية، أي عن مصالح أي من القوى الاجتماعية يعبر عنها الخطاب السياسي للعسكر. كما أن تجاهل طبيعة حكم الجيش الطبقية يحجب حقيقة توجهه فيما يتعلق بالعلاقات الدولية. وجدير أن نفس الشيء ينسحب على ما يسمى بالدولة المدنية عندما يجردها مروجيها من محتواها الطبقي.

إن انتقال القرار السياسي للجيش لا ينفى خصوصية الجيش كجيش- الجيش لا تنتفى صفته كجيش اذا ما صعد للسلطة السياسية؛ فان الجيش كيان موجود وقائم على ركائز عسكرية ثابتة، ونظام تراتبي (hierarchical command system) قائم على الامتثال للأوامر، وهذه الخصوصية هي ما يجعل حكم الجيش يأخذ الشكل الأوتوقراطي. (ومن الجدير بالذكر أن التراتبية العسكرية عادة ما تؤدى الى التناقض بين السلطة العسكرية وبين الكيانات المدنية التي تتحالف معها.)

ومن خلال السيطرة الواسعة على النشاط الاقتصادي يصبح كبار جنرالات الجيش جزءا من الطبقة الحاكمة، بينما يظل صغار الضباط وضباط الصف والمجندين والجنود ينتمون للطبقات الكادحة.

ننتقل للسودان، ونجد أن قيادة الجيش ( قوة دفاع السودان) تمت سودنتها في أغسطس 1954. ومنذ السودنة خلال (69 عاما)، حكم الجيش البلاد لمدة 56 عاما ( بالأخذ في الاعتبار السيطرة الكاملة للجيش على الدولة بعد الإطاحة بنظام الإسلاميين في 2019 وحتى الآن). وكان انتقال الفرار السياسي للجيش بإيعاز ومباركة القوى الاجتماعية التقليدية المتنفذة سياسيا ممثلة في احزابها، رغبة منها نشدان سلطة مركزية حازمة وقوية لكبح جماح الحركة الشعبية بديلا عن الأحزاب الناشئة في آخر سنوات فترة السيطرة الاستعمارية المنتهية في 1956. فالأحزاب التقليدية السودانية كانت على قدر كبير من الضعف، كما انتشر التشاكس المستحكم بينها وبالتالي لم تكن تمتلك القوة لمواجهة الحركة الشعبية والنقابية المطلبية التي ظهرت قوتها منذ من الأشهر القليلة لبداية المرحلة الوطنية كحركة قوية وصعبة المراس بعد أن تصلبت خلال معارك ضارية لها خلال مرحلة الاستعمار الإنجليزي المباشر. كذللك، فان الدينامية السياسية الداخلية تميزت بالسيادة السياسية للقوى الاجتماعية التقليدية التي تقودها طبقة مرتبطة برأس المال العالمي (كمبرادور) -كما ذكرنا في الجزء الأول من المقال- الأمر الذى تسبب في تبعية وثيقة للخارج. وقد أسفرت هذه التبعية عن صعود الجيش للسلطة السياسية لقهر الشعب الرافض بقوة رهن القرار السياسي والاقتصادي للخارج الذى أدى لإجراءات اضرت كثيرا بمصالحه.

خلال حكم الحكومات العسكرية السودانية الممتد لعقود طويلة، فان سيادة البلاد هُتكت بوضع البلاد في طريق الاتكال على القروض الخارجية (المشروطة) والمعونات الشيء الذى قلل من تعزيز الاعتماد على الذات بتفجير الطاقات المحلية لتحقيق النهضة الاقتصادية. كما اهدرت الحكومات العسكرية، بشكل سافر، الحقوق الأساسية للمواطنين السودانيين؛ فقد جرى تدمير الحياة السياسية من خلال القسوة والتنكيل بالمعارضين السياسيين ومحاربة المثقفين والمفكرين وإلغاء دور منظمات الحركة الجماهيرية الخاصة بنقابات العمال وتنظيمات المزارعين واتحادات المهنيين باحتوائها وتدجينها.

كما لجأ الجيش السوداني، خلال قيادته لنظام الإنقاذ الزائل، لحسم النزاع بين جنوب البلاد وبين شمالها عسكريا وعدم السعي للبحث عن الحلول السياسية؛ وفى هذه الفترة بلغ خيار الحل العسكري ذروته بتحويل حكم الإنقاذ للحرب بجنوب السودان الى حرب جهادية ضد سكان الجنوب، الذين يشكل الوثنيون والمسيحيون أغلبيتهم، سقط من جرائها مئات الآلاف في هذه الفترة. كما أسست السلطة العسكرية لنظام الإنقاذ قوات ”الدفاع الشعبي“ لقتال المواطنين الذين انتفضوا في انحاء البلاد ضد نير الظلم وتسلط النظام؛ وتفاقمت وتيرة الحرب ضد المواطنين بتأسيس نظام مليشيا (الجنجويد) كقوات تابعة للجيش والزج بها في الحرب للقتال بالصورة التي تمنع المسؤولية الدولية الجيش من القيام بها. كما سمحت الحكومة للجنجويد التنقيب بشكل غير قانوني عن الذهب والمعادن الأخرى الامر الذي مكنها من تكوين ثروات مالية ضخمة.

نختتم بتأكيد أن الحكومات العسكرية السودانية جاء تشكيلها ليس نتيجة مغامرات جامحة لبعض الجنرالات الحمقى، بل هي ضرورة املتها ظروف موضوعية تتعلق بواقع البلاد السياسي والاقتصادي. ونواصل في الجزء التالي (الثالث) الفاء مزيد من الضوء على طبيعة الجيش ومليشيا الدعم السريع وكيف أن احتكار الجيش للقرار السياسي ظل يمثل العائق الذي يقف أمام نضال الشعب لتحرير سيادة البلاد الوطنية وتحقيق طموحاته المتعلقة بالتحول الديمقراطي الحقيقي الذى يتعدى الدعوات البائسة التي تعلق التغيير على الأوهام الطوباوية المتعلقة بالدعوة الى الديمقراطية الليبرالية.
(يتبع)



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيش السودانى والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(1-4)
- الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي من منظور الماركسيين السودانيين
- اصطياد مصر بشبكة صندوق النقد الدولي
- المبادرتان المصرية والاثيوبية ودعم التدخل الخارجي في السودان
- الاطماع المصرية رافعة استعمار السودان
- السودان: البشير وضعف المنطق والادعاء الكاذب
- الرئيس السيسي ودراسات الجدوى
- مصر: التاريخ يعيد نفسه مأساة
- هل الأولوية للدستور أم البرنامج السياسي!؟ 2-2
- هل الأولوية للدستور أم البرنامج السياسي!؟ 1-2
- الشعب يريد اسقاط الانقلاب وبيرتس يبحث مع البرهان عن مخرج
- السودان: فولكر بيرتس يلقى احاطة -قحت- أمام مجلس الامن
- فولكر بيرتس يقدم احاطة -قحت- لمجلس الامن
- إبراهيم البدوي: أفكار مفلسة وفساد
- مصر ودوامة الاقتراض
- قيمة الجنيه السوداني والتفسير التوتولوجى
- فولكر بيرتس: يريد ادخال -الحضارة- للسودان
- السودان: في الذكرى 66 لانتفاضة جودة 1956 ومسألة -الدولة المد ...
- فولكر بيرتس: الأَبْلَه والأحمق
- السودان: مبادرة الهيبك (HIPC) وسياسة استدامة الدَيْن


المزيد.....




- فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لم ...
- المظاهرات في جورجيا.. لا للتبعية لموسكو وواشنطن لن تكون البد ...
- طلاب محتجون في جامعة جونز هوبكنز الأميركية ينفون إجراء مفاوض ...
- عشرات الالاف من المتظاهرين الاسرائيليين يطالبون بإسقاط قاتل ...
- م.م.ن.ص// استمرار النكبة
- أضواء على حراك التعليم المجيد
- استنتاجات تجربة نقابية مديدة بقطاع التعليم: مقابلة مع الرفيق ...
- حراك شغيلة التعليم 2023: تقييم ودروس للمستقبل
- اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بانجاز اتف ...
- معركة الأجور.. وفرص المقاومة العمالية


المزيد.....

- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - الجيش والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(2-4)