أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - برهان غليون - سورية والولايات المتحدة الأمريكية















المزيد.....

سورية والولايات المتحدة الأمريكية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 517 - 2003 / 6 / 13 - 06:25
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

 

صدف أن كنت في سورية عندما بدأت الحملة الأمريكية على دمشق مع سلسلة التهديدات التي تذكر بتلك التي أدّت في الأشهر الماضية إلى شن الحرب اللاشرعية على العراق واحتلاله.

ورغم أن العديد من قطاعات الرأي العام السوري والعربي التي وقفت ضد احتلال العراق ولا تزال تقف ضد أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في الشئون العربية قد عبرت عن شجبها لهذه التهديدات؛ فإن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من فهم تداعياتها الوطنية والإقليمية.

ومن هذه التداعيات ما ظهر على اصطفاف النظام السياسي نفسه وإعادة موضعته لنفسه وتحديد خياراته وموقعه في الخريطة الشرق أوسطية الجديدة التي تعمل الولايات المتحدة على فرضها من جديد على المنطقة للسنوات أو العقود القادمة. ومنها ما مس الرأي العام السوري أو قطاعات واسعة منه. ومنها ما أثر على تماسك النخبة الحاكمة بفئاتها وتشكيلاتها المختلفة.

فليس هناك شك في أن الضغوط الأمريكية التي عبرت عنها هذه التهديدات قد نجحت في إجبار سورية على التراجع عن سياساتها الإقليمية والانكفاء على نفسها متخلية في الوقت نفسه عن طموحاتها للعب دور في عراق ما بعد صدام من خلال ما تحتفظ به من صلات مع بعض أوساط المعارضة السابقة وما يربطها ببعض أطراف النظام البعثي السابق من وشائج قربى. فقد قبلت سورية بإغلاق حدودها مع بغداد ومنع العراقيين من الدخول أو الخروج من سورية إلى العراق. كما اضطرت سورية وسوف تضطر إلى التخلي عن جميع طموحاتها التقليدية للعب دور في القضية الفلسطينية عن طريق استمرار دعمها لبعض منظمات المعارضة الفلسطينية، وقبلت أو ستقبل بإغلاق مكاتب هذه المنظمات في دمشق. وحسب تصريح وزير الخارجية السوري سوف تقبل سورية ما يقبل به الفلسطينيون. ورغم أن مسألة الوجود السوري في لبنان لم تُطرح بعد فلن يتأخر الوقت قبل أن تضطر سورية تحت ضغط الولايات المتحدة إلى القبول بتجميد النشاط العسكري لحزب الله وتخفيف حضورها في لبنان. وترجمة ذلك كله هو أن دمشق تجد نفسها مضطرة بعد سقوط بغداد إلى تقليص نفوذها الإقليمي بل ربما التخلي كلياً عن هذا الدور لصالح الولايات المتحدة نفسها التي تريد أن تكون المنسق الوحيد لشئون المنطقة وسياساتها الإقليمية. وهذا هو شرط تأكيد نفوذها وسيطرتها الشاملة والعالمية.

لكن ربما كان الأهم من ذلك هو تداعيات هذه التهديدات وما سبقها من احتلال العراق على الرأي العام السوري نفسه. وفي هذا المجال ليست الأمور واضحة بالصورة نفسها التي تبدو فيها التداعيات الجيواستراتيجية. وتؤكد الملاحظة والمناقشات الدائرة بين المثقفين والناس العاديين أن التهديدات الأمريكية قد أثارت في أوساط الرأي العام المختلفة من الآمال بقدر ما أثارت من المخاوف. فالعديد من الأوساط الأهلية التي فقدت الأمل في أي تغيير داخلي سواء أجاء بمبادرة من السلطات الوطنية نفسها أم من خلال ضغوط المعارضة الضعيفة رأت في الضغوط الخارجية التي تمارسها اليوم واشنطن على الحكومة السورية بداية الطريق لإزالة حكم حزب البعث الذي ينفرد بتقرير مصير البلاد منذ أربعين عاماً من دون أن يفتح ولو نافذة واحدة على التعديل والتغيير. ومما لا شك فيه ان مثل هذه المراهنة على التدخل الأجنبي التي تذكرنا بمراهنة قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي على التدخل الخارجي نفسه تعكس أزمة الوطنية السورية وارتباكها في ظل التغييب الطويل لمفهوم المواطنة والمسئوليات الجماعية واحتكار السلطة بل استملاكها من قبل فئة صغيرة ألحقت بها الدولة والشعب معاً، بمثل ما تعبر عما أصاب الوضع الاستراتيجي السوري عموماً من اهتزاز وضعضعة نتيجة نجاح القوات الأمريكية في إسقاط النظام العراقي البعثي وفرض وجودها العسكري في العراق.

لكن كما كان عليه الحال في عراق ما بعد صدام حسين، لا تلغي هذه المراهنة الضمنية، والتي غالباً ما أصبح يعبر عنها علناً على التدخل الخارجي لدفع النظام إلى القيام بتنازلات لا يزال يرفض القيام بها، سواء أكان ذلك في ميدان فتح النظام وتوسيع قاعدته السياسية والاجتماعية أو احترام الحريات الفردية والحقوق الأساسية للمواطنين؛ أقول لا تلغي هذه المراهنة التشكيك العميق بالأجنبي ورفض التعامل معه. فالولايات المتحدة ليست مسئولة في نظر الرأي العام السوري بأجمعه عن تدعيم واستمرار أنظمة الطغيان التي تعاملت ولا تزال تتعامل معها لخدمة مصالحها فحسب؛ ولكنها تمثل بالنسبة إليهم أيضاً، من خلال دعمها لسياسات التوسع الإسرائيلية، العدو الرئيسي للعرب دون منازع والسبب الأول في هزيمتهم وانهيار مواقعهم. باختصار يبدو الرأي العام السوري اليوم أمام التهديدات الأمريكية لبلده كما لو أنه استعاد الأمل في التغيير في الوقت الذي زادت فيه مخاوفه من السيطرة الأمريكية.

هذه هي المفارقة التي لا يمكن للمحلل السياسي أن لا يلحظها والتي تجلت بشكل واضح في العراق حيث ما كاد الجمهور الذي وقف على الحياد خلال أيام الحرب يتأكد من سقوط النظام العراقي حتى بدأ بتنظيم نفسه لمواجهة قوات الاحتلال والدفاع عن سيادة العراق واستقلاله. وربما عكس هذا الموقف المفارق الشعور العميق الذي يخالج المواطن العربي العادي بأنه لا حول ولا قوة له في مواجهة الأوضاع القائمة وإدراكه أنه لا خيار له، في ظروف تجريده من أي وسيلة وقدرة على المبادرة والفعل، إلا التسليم الكريه لقوى خارجية في حسم النزاعات الداخلية المستمرة منذ عقود والتي ما كان من الممكن لنظام الحزب الواحد، الذي يتميز بشكل خاص بضيق النظر وانعدام الأفق وبطء التفكير والذي صيغ لإبقاء السيطرة غير المبررة وغير المشروعة لفئة واحدة على المجتمع ككل، في ايجاد المخرج الطبيعي منها.

ولا يختلف رد فعل المثقفين والناشطين السياسيين عن ذلك. فرغم الإدانة التي وجهوها لهذه التهديدات ورفضهم لها جملة وتفصيلاً، يعتقد الكثير منهم أنها ربما تشكل الضغوط الوحيدة القادرة على دفع النظام إلى إعادة النظر في سياساته الوطنية والتخلي عن منطق احتكار السلطة والاعتماد على القمع الأمني في ضمان الاستقرار.

بل ليس من المؤكد أن مثل هذا الموقف المفارق لا يمكن ملاحظته داخل صفوف السلطة نفسها. فالكثير من دعاة الإصلاح الذين أغلق المحافظون عليهم كل الأبواب وأجهضوا محاولاتهم العديدة للخروج من نفق الحزب الواحد يعتقدون أن مثل هذه التهديدات قد تكون مفيدة لدفع خصومهم إلى القبول بالتنازلات التي رفضوا القبول بها من قبل وانها ربما تتيح الفرصة لإعادة تحديد دور حزب البعث الحاكم في البلاد وبالتالي التخلص من دكتاتورية الحرس القديم الذي لا يفكر بشيء آخر سوى الدفاع عن مصالحه وامتيازاته.

وتتردد الأوساط الرسمية التي تعاني من ارتباك واضح بين التشاؤم الناجم عن الاعتقاد يعتقد بأن الغاية من الحملة الأمريكية هي الإطاحة بآخر الأنظمة القومية التي لا تزال ترفع شعار المقاومة ضد السيطرة الخارجية والتفاؤل بإمكانية التفاهم مع الولايات المتحدة والاتفاق معها وبالتالي إنقاذ النظام.

ويستند هذا الجناح في تفاؤله بإمكانية الحفاظ على النظام في وجه العاصفة الأمريكية على عمق التعاون الذي حصل حتى الآن في مجال الحرب المشتركة على الإرهاب والذي نوهت به واشنطن في مرات عديدة سابقة.

ولا يمكن الجزم بالاتجاه الذي يمكن أن تتخذه الأحداث من دون معرفة ماذا ترمي الولايات المتحدة اليوم بالضبط من وراء تهديداتها المستمرة لسورية. هل ترمي بالفعل إلى إسقاط النظام السوري كما يعتقد البعض؟ أم أن كل ما تريده هو الضغط على النظام القائم من أجل إخضاعه واستخدامه لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الإقليمية؟ أم أنها تريد، وهذا هو ما أعتقده اليوم، تعديل النظام السوري وتطويره وتحديثه بما يجعله صالحاً للتفاعل الإيجابي مع متطلبات السيطرة الأمريكية في المنطقة؟

لكن مهما كان الحال، لا يمكن للنظام السوري أن يعزز قدرته على مقاومة إرادة السيطرة الأمريكية النازعة إلى إخضاع جميع دول المشرق العربي لاستراتيجيتها العالمية، كما لا تستطيع أن توازن حرمانها من هامش مبادرتها الإقليمية إلا بتوسيع هامش مبادرتها الداخلية وتحرير النظام من الخوف الأمني الذي يبعده عن المجتمع ويحرمه من أي قدرة على المناورة الخارجية. وليس هناك وسيلة لذلك إلا في العمل السريع على قبول التغيير من الداخل وبإرادة محلية بدل الاضطرار للقيام بهذا التغيير تحت الضغط ومن منطلق خدمة المصالح الأجنبية. وفي مقدمة ما يستدعي التغيير: تغيير المناخ السياسي السائد الناجم عن احتكار الحزب الواحد للسلطة والقرار، وفسح المجال أمام جميع المواطنين لتحمل مسئولياتهم الوطنية وممارسة دورهم والمشاركة في الدفاع عن وطنهم وفي تقرير مصيرهم. وفي السياق نفسه يتطلب تعزيز الثقة بين الحكومة والشعب التخلي عن سياسات القمع السابقة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المنفيين وطي صفحة الاعتقال السياسي.

إن قطع الطريق على الابتزاز الخارجي الذي سيستمر طالما شعرت واشنطن بهشاشة الموقف السوري الداخلي يتطلب الإصلاح السريع للعلاقة بين المجتمع والسلطة والمبادرة بإلغاء جميع التدابير والقوانين التي تمنع قيام دولة القانون وتكرّس التمييز بين المواطنين، مهما كان نوع هذا التمييز، وبكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الحياة السياسية، وإطلاق الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان. وكل ذلك على طريق الإعداد لمؤتمر وطني شامل تشارك فيه جميع القوى الحية في البلاد السياسية والنقابية والثقافية والاقتصادية من أجل معالجة مشكلات الإصلاح والتغيير وإعادة البناء بما يمكّن البلاد من توحيد كلمتها ومن الوقوف بقوة في مواجهة التهديدات والرد بنجاح على التحديات الراهنة والمقبلة.

إن الديمقراطية هي الرد الحقيقي الوحيد على الاستعمار وقطع الطريق على كل أشكال الابتزاز.

 

 



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحاجة إلى عقد وطني يؤسس لاجتماعنا السياسي والمدني
- في ضرورة تجاوز القطيعة بين أصحاب الرأي وأصحاب القرار
- نحو جبهة عالمية لمواجهة طغيان القوة الأميركية
- الأزمة العربية الأمريكية: على نفسها وغيرها جنت براقش
- هل انتهى ربيع دمشق؟
- القوة وحدها لا تكفي لبناء المجتمعات
- الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة
- تحرير الإنسان هو الأصل
- أصل العنف في مجتمعاتنا ... والسياسات الدولية غير العادلة ذرا ...


المزيد.....




- فعل فاضح لطباخ بأطباق الطعام يثير صدمة بأمريكا.. وهاتفه يكشف ...
- كلفته 35 مليار دولار.. حاكم دبي يكشف عن تصميم مبنى المسافرين ...
- السعودية.. 6 وزراء عرب يبحثون في الرياض -الحرب الإسرائيلية ف ...
- هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في ...
- السودان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الاثنين لبحث -عدوان ...
- شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين ...
- عباس: أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية لترحيل ...
- بيسكوف: الذعر ينتاب الجيش الأوكراني وعلينا المواصلة بنفس الو ...
- تركيا.. إصابة شخص بشجار مسلح في مركز تجاري
- وزير الخارجية البحريني يزور دمشق اليوم للمرة الأولى منذ اندل ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - برهان غليون - سورية والولايات المتحدة الأمريكية