أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - غيابُ الرحمة عن وجه العالم














المزيد.....

غيابُ الرحمة عن وجه العالم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7768 - 2023 / 10 / 18 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العالمُ ليس بخير. الرحمةُ غادرت؛ وحين تُغادرُ الرحمةُ لا تترك وراءها إلا الويل والخراب. دائمًا ما أسألُ نفسي: "تُرى، هل العقيدةُ هدفٌ، أم وسيلة؟" وأجيبُ سؤالي بما يرتاحُ له قلبي وعقلي: “أومنُ أن الدينَ وسيلةٌ للترقّي وبناءِ منظومة الأخلاق. فالُله تعالى وجلَّ غنّيٌّ عن عبادتنا أجمعين، إنما يريد منّا الرحمنُ: الصلاحَ والرحمة والجدّ والصدق والنظافة والسموّ والتحضر وإعمال العقل، فجاءت الشرائعُ لبناء وتكريس كلَّ ما سبق. ودون ما سبق لا قيمة لطقوس دينية نؤديها بأجسادنا لأن الله غنيٌّ عنّا وعن طقوسنا.” ذاك هو الدرسُ الذي تعلّمته مبكرًا من أبي رحمه الله، وسَيّر حياتي كلَّها منذ طفولتي وصباي وحتى اليوم، وسأظلُّ أؤمن به مهما كلفني من مشاكل جمّة وسوء فهم حادّ بيني وبين المتعصبين من كل مِلّة ودين وعقيدة ومعتقد. لهذا أحبُّ كثيرًا الحديث الشريف: “مَن لم تَنْهه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر، فلا صلاةَ له". والفواحشُ، في ميزاني الخاص، تبدأ من القسوة على نبتة صغيرة، أو ترويع طفل، أو إفزاع امرأة، قبل أن نصل إلى مراحل الفُحش القصوى من تقتيل العُزّل الآمنين من الأطفال والشيوخ والنساء. وربما يكون ذاك الدرسُ الصعبُ هو السبب في دخولي في معارك ومحن لا أول لها ولا آخر، ومازالت سببًا في تكدير حياتي من قِبل المتطرفين الذين لا يرون في الحياة إلا أنفسهم، ولا يريدون أن يحيا سواهم.
ذلك الدرسُ النفيس تعلّمته من أبي المتصوّف الجميل، وتأكد لي من حوار قيّم قرأتُه دار بين عالم لاهوت مسيحيّ برازيليّ اسمه: "ليوناردو بوف"، وبين "دلاي لاما" رقم ١٤: “تنزين جياتسو"، الراهب البوذي والقائد الدينيّ الأعلى لبوذية التِّبت. أقدم لكم الحوار القيم دون أن أفعل أكثر من ترجمة عن الإنجليزية، وفقط. ذاك إن في قراءته، وحسب، وتأمُّل دلالاته، تكمن الفكرة، ويُشرحُ الدرس الذي أرى فيه منجاةً للبشرية مما نعانيه اليوم من ويل ودمار وخراب.
يقول "بوف”: "في نقاش مائدة مستديرة جمعت بيني وبين دلاي لاما، حول العقيدة والأخلاق، سألتُ لاما، في اهتمام حقيقيّ:
- ’يا قداستك، أيُّ العقائدِ الأفضلُ؟‘
وظننتُ أنه سيقول: ’بوذية التِّبت‘، أو ’الديانات الشرقية التي هي أقدم كثيرًا من المسيحية‘. على إن دلاي لاما صمتَ قليلا، ثم ابتسم، ونظر إليّ في عيني مباشرة، وهو ما أدهشني إذ كنت أدركُ أن شيئًا المكر مخبأ في سؤالي. ثم قال:
- ’العقيدةُ الأفضلُ هي تلك التي تجعلك أقربَ إلى الله. هي تلك التي تجعلك شخصًا أفضلَ.‘
ولكي أخرج من حرجي، الذي سببته تلك الإجابةُ الحكيمة، سألُته:
- ’وما هي تلك العقيدة التي تجعلُ الإنسانَ أفضل؟‘ فأجاب:
- ’تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالاً. العقيدةُ التي تفعل معك كل هذا تكون هي الأفضل.‘
كنتُ صامتًا، مأخوذًا بأعجوبة تلك الإجابة وحكمتها التي لا تُدحَض. وأكمل لاما:
- ’لستُ مهتمًّا يا صديقي بعقيدتك، أو إذا ما كنتَ متديّنًا أم لا. الذي يعنيني حقًّا هو سلوكك أمام نفسك، أمام نظرائك، أمام أسرتك، أمام مجتمعك، وأمام العالم. تذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا. وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل لا يخصُّ علمَ الفيزياء وحسب؛ بل هو أيضًا قانونٌ يحكم علاقاتنا الإنسانية. إذا ما امتثلتُ للخير سأحصدُ الخيرَ، وإذا ما امتثلتُ للشرّ لن أحصد إلا شرًّا. ما علّمنا إياه أجدادُنا هو الحقيقةُ الصافية: سوف تجني دائمًا ما تتمناه للآخرين. فالسعادةُ ليست شيئًا يخصُّ القدر والقسمة والنصيب، بل هي اختيارٌ وقرار.‘
وفي الأخير قال دلاي لاما:
- "انتبه جيدًّا لأفكارك، لأنها سوف تتحول إلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك، لأنها سوف تتحول إلى أفعال. وانتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحول إلى عادات. وانتبه إلى عاداتك لأنها سوف تكوّن شخصيتك، وانتبه جيدًّا إلى شخصيتك لأنها سوف تصنع قدرك، وقدرُك سوف يصنع حياتك كلّها."

انتهى الحوارُ بين الرجلين، وأقول فيه إن القسوة على خلق الله ونكران حق أي إنسان في الحياة لا تدل إلا على فقر عنيف في الإيمان. العقائد قوية وصامدة ليس بالسيف والنسف والعنف والترويع، إنما بديمومة تحضرها وتحضّر معتنقيها ونظافة أرواحهم ومدى استقرار الرحمة داخل قلوبهم. كونوا سفراء جيدين لعقائدكم تضمنوا بقاءها، بدلا من أن تحملوا سيوفًا تذودون بها عن مقدساتكم كأنها هزيلة تحتاج إلى من يسندها. لا تكونوا عكازات لعقائدكم، بل كونوا مرايا طيبة تعكس نصاعة إيمانكم وطهارة عقائدكم وسموّ أفكاركم. العالمُ بأسره بحاجة إلى وقفة جماعية ننظرُ فيها إلى وجه الله الرحمن الرحيم.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأةُ وصولجانُها الذهبيّ ... في عهد الرئيس السيسي
- نصفُ قرن على نصرٍ… صنعه عظماءُ
- الهيروغليفية في المناهج… شكرًا د. حجازي!
- المولد النبوي الشريف … دون سكر
- ألا أكرهُ بالفعل … حتى مَن آذاني؟!
- الكراهية رصاصة مرتدة
- إلى عمر بقلم الشاعر
- وجهُ أمي!
- رأسُ السنة المصرية 6265 … عيدٌ قومي
- 100 سنة غنا ... التأريخ للفن المصري
- علي الحجار ... ١٠٠ سنة غنا | ١
- نذكرُ العظماءَ …. وننسى قاتليهم
- ذوي الأنوفِ الطِوالِ… تنمَّروا على المجرمين!
- عمر خيرت ... يعزفُ صمتًا
- مدينة الأحلام … لأبناء طيف التوحد
- محمد نوح ... مدد مدد
- هذا أبي ...
- زينب هانم لطفي … وداعًا
- مصرُ تحتفلُ بمئوية البابا الذهبي
- (سوسن أحمد) على خُطى (سميرة موسى)


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - غيابُ الرحمة عن وجه العالم