يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13 - 09:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
على الرغم من وجود صحافة معارضة وضجيج سياسي هنا وهناك , لكن الديمقراطية بالتأكيد غائبة , نتيجة العجز عن تحقيق التغيير وتحسين احوال الشعب ووقف اهدار المال وانتشار الفساد بهذه الدرجة المرعبة .
إن واقع الحال ينفي التأثير الديمقراطي على الرغم من وجود البرلمان والأحزاب والصحافة المستقلة , لأن الحقيقة الواضحة هي الفشل في تغيير منهج الحكومة عبر الانتخابات وإحلال أخرى بديلة لها تعبر عن الشعب وآماله في حياة أفضل وتنمية أسلم .
إن الدول الديمقراطية تستطيع الدفاع عن مصالح شعوبها عبر قدرة الناخب على اسقاط الحكومة التي لا تفعل ذلك . كما أن هذا الناخب نفسه يستطيع دفع حكومة بديلة إلى السلطة تحقق أهدافه سواء في التنمية أو حماية المال العام ومحاربة الفساد وزيادة المشروعات التي تبني وتخلق ظروف العمل .
بصريح العبارة , ليست الديمقراطية أن تكتب في الصحف وتهاجم رئيس الدولة ونجله , طالما أن ذلك لا يؤدي في الحقيقة إلى اقناع السلطة بأهمية التغيير والإصلاح وتطبيق سياسات مختلفة تحمي الشعب من الغلاء وتضبط التعليم لصالح الفقراء وتتصدى للفساد وتمنع تدهور أحوال العباد .
إن النظام يترك الصحافة تتحدث , لكن من دون الاستجابة لمطلب واحد من مطالبها , وهو دائماً يتمسك بالعناد وتطبيق عكس ما تطالب به المعارضة . فالنظام يعتقد أن من حق المعارضة أن تقول في حدود معينة وشروط محددة , ومن حقه الكامل الحكم المُطلق من دون الالتفات للصحافة الحزبية أو المستقلة مع رفض نداءات التغيير التي تطرحها الأحزاب . وإذا كانت معركة التوريث قد تأججت فإن منطق النظام هو نفيها , لكن على الأرض والواقع كل شئ يؤكد على انتقال السلطة إلى الإبن , وإنه يتحرك بصفات رئاسية واضحة ويُعلن مبادرات وسياسات ليست له صلاحية القيام بها في بنود الدستور . ما يجري هو تطبيق منطق السلطة في ترسيخ التوريث على مراحل , حتى لا يجد الشعب المصري أمامه سوى القبول بالأمر الواقع وبإنتقال السلطة من الأب إلى الإبن .
وهذه الأمور ليست ديمقراطية ولا تقترب من أصولها أو من تقاليدها المعروفة , فبريطانيا مثلاً بكل تاريخها الطويل تعرف أن رئيس الوزراء الحالي توني بلير سيرحل في ربيع العام المقبل , وقد يضطر للخروج من الحكم هذا العام إذا اشتد الضغط السياسي عليه . لكن البلاد تعرف اجراءات اختيار البديل المطروحة وهي عبر انتخابات متوقعة داخل الحزب الحاكم نفسه , قد تقرر اختيار وزير المالية جوردن براون أو وزير الداخلية د . جون ريد , مع وجود زعماء في صفوف النعارضة , منهم الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون والليبرالي السير مانزيس كامبل . ودولة بهذا الحجم لابد أن تكون واعية بمسار ومصير القيادة من اجراءات انتقال السلطة , أما دولة مثل مصر لها في العمق الحضاري آلاف السنين لا تعرف ماذا سيحدث وما هي معايير انتقال السلطة ؟ . وتزداد التعقيدات والغموض في ظل الحديث عن تعديلات لمواد دستورية تؤكد على تفصيل الشروط الملائمة لولاية الإبن بعد انتهاء مدة الأب الرئاسية .
ونحن منذ عام 1952 نعيش في هذه الأزمة وكانت في أيام الملكية الاجراءات واضحة ومتعلقة بتنازل الملك عن السلطة والشروط المحددة لهذه الخطوة سواء في حالة الوفاة أو التنحي الطوعي . ويذكر محمد حسنين هيكل في سرده التاريخي خلال حلقات جهود رجال القانون أمثال السنهوري وحافظ عفيفي وعلى ماهر في ضبط مسار المتغيرات التي جرت بسبب ثورة 1952 والهزة التي عاقبتها . وسعى هذا الجهد القانوني لربط الثورة بمواد الدستور وعمل المؤسسات لذلك تم وضع وثيقة التنازل عن العرش من فاروق لولي عهده الأمير أحمد فؤاد وجرى أيضاً تكوين مجلس الوصاية , حتى تم إلغاء الملكية بالكامل والتحول الدستوري الذي إنتهى بمصر إلى الضفة الجمهورية .
ويبدو أنه على الرغم من الدساتير التي جاءت بعد ذلك , فإن قضية انتقال السلطة لم يتم تقنينها بشكل راسخ , لأن المجتمع لم يبحث هذه القضية خلال الحكم الجمهوري , لأن الرئيس عبد الناصر توفى بشكل طبيعي وتولى بعده الرئيس السادات الذي كان نائبه ثم تعرض للاغتيال في السادس من أكتوبر عام 1981 .
ومنذ تولي الرئيس مبارك السلطة وهو يحكم بشكل مُطلق واستمر في حالة تكاد تكون فريدة في التاريخ المصري الحديث . والسبب الأزمة الحالية والغموض الراهن أنه لا توجد آليات واضحة ومعروفة بشأن قضية انتقال السلطة , والسؤال هل سيرشح الرئيس مبارك نفسه لفترة سادسة بعد عام 2011 أم أن نجله جمال سيتولى السلطة في نهاية مدته الحالية ؟ .
لا توجد أجوبة , والنظام غير مشغول بهذه الأطروحات , لأن المهموم بها هم فقط شريحة النخبة السياسية والمثقفة , أما عامة الشعب فهي محاطة ومشغولة بأسئلة الحياة اليومية وتلوث المياه وغلاء الأسعار وصعوبات تعليم الأبناء وتعقيدات الحياة . والطبقة الحاكمة واثقة بأن خطوات انتقال السلطة ستتم من دون عقبات لذلك لا تنفعل بالضجيج الحالي أو تهتم بالرد عليه .
ولم توفر الديمقراطية التي صنعها المصريون لأنفسهم فرصة لترسيخ الضوابط القانونية , لأن النظام المصري بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 اعتمد على تفصيل القوانين وفقاً لمصلحة الحاكم وليس لحاجة الوطن وتأمين مستقبله .
لقد اخفقت ما يسمى بالديمقراطية المصرية في تأمين الشكل القانوني لتداول وانتقال السلطة , لأن المسار الذي استمر بعد ثورة 1919 في ترسيخ الدستور وضوابطه تعرض لهجمة قاسية من خلال التغيير الثوري الذي فكك النظام السابق , ولم يعرف كيفية اقامة البناء الجديد الذي يصلح لاستيعاب حركة المجتمع المصري التي تنطلق في وثبات , لكن الشكل السياسي في حالة تخلف مزري وركود والدوران في دائرة مفرغة , لذلك الناس تسأل هلى التوريث سيحدث ؟ وهي متأكدة لأنها غير قادرة على وقفه إذا أرادت بسبب عدم امتلاكها لأدوات ديمقراطية تفرض من خلالها التعبير عن مصالحها ورأيها .
إن المصريين عليهم أولاً الاهتمام بنظام قانوني دستوري يعمل لصالح مصر وليس لبقاء هذا الحاكم أو غيره في السلطة . وأنصار كتابة الدستور الجديد المعبر عن إرادة الأمة هم من تيار هذا الاتجاه المصري الأصيل . إن على مصر العمل لحماية أمنها باستقرار النظام القادر على افراز ديمقراطية حقيقية للشعب , تصون ماله وتدافع عن رخائه وترصف شارع المستقبل من أجل الأجيال القادمة , التي ليس أمامها من حل سوى العيش في مصر وليس الهجرة للبحث عن مهرب في الخارج على أمل حل الأزمات .
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟