|
التكامل المؤسسي .. مفتاح نجاح الحكومة
همام طه
الحوار المتمدن-العدد: 7747 - 2023 / 9 / 27 - 18:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تُهدر الكثير من الموارد وتضيع الكثير من الفرص وتتلكأ الكثير من المشاريع بسبب القطيعة وغياب التنسيق والتعاون بين مؤسسات الدولة حيث تتصرف كل وزارة أو مؤسسة وكأنها جزيرة معزولة عن بقية عناصر الدولة ومؤسساتها. هذه العقلية الأنانية الانغلاقية الاستحواذية في التعامل مع العمل الحكومي ومحاولة احتكار النجاح والخشية من تجيير الإنجاز لصالح وزارة أخرى واعتبار المؤسسة وكأنها مُلكية خاصة لموظفيها كلها عوامل من شأنها إفشال الحكومة وعرقلة عملها. هل الوزارة هي دولة مستقلة تريد أن تحمي نفسها من تدخلات الدول (الوزارات الأخرى)؟! والأخطر هو عندما تدخل الوزارات في صراعات ونزاعات بيروقراطية تتسبب في تعطيل إنجاز المشاريع لأشهر وسنوات لأن أحد أو كل أطراف المشكلة لا يريد تحمّل المسؤولية ويلقي باللائمة على الطرف الآخر ويخشى من الاعتراف بالتقصير أو الإقرار بدور الوزارة "الخصم" في تنفيذ المشروع. احترام القوانين والتعليمات والتخصصات واجب، ولكن المسؤولية بين الوزارات تبقى تضامنية، والتكامل المؤسسي والتشبيك شرط من شروط الإدارة الناجحة، وعملية التنمية تتطلب التنسيق والتكامل والتركيز على تحقيق المصلحة العامة باعتبارها الهدف المشترك للجميع. فكل وزارة هي عنصر في منظومة التنمية والهدف هو إنجاح المنظومة ككل. إن أبسط تعريف للتنمية هي أنها "الارتقاء الشامل بحياة البشر"، وهذا الارتقاء لا يمكن تحقيقه إلا من خلال شراكة واسعة بين الوزارات على اختلاف تخصصاتها وفق منظور شامل سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي معرفي مع فكر تنموي سائد وثقافة تكامل مؤسسي راسخة ورؤية استراتيجية تقود الجميع وتضمن التناغم وحضور الاستيعاب المشترك للرؤية الحكومية. وقد أشار بنكين ريكاني، وزير الإعمار والإسكان، في لقاء تلفزيوني إلى مشكلة تعطّل إنجاز المشاريع التي يتداخل فيها عمل الوزارات مؤكداً أن الدولة منظومة واحدة وعملها ينبغي أن يكون متكاملاً لأن غياب التكامل يؤدي إلى متاهة بيروقراطية وصعوبة في اتخاذ القرار حيث تدخل المشاريع في دوامة "كتابنا وكتابكم". واستخدم الوزير مصطلح "النقابية" في الإشارة إلى العداء بين الوزارات وما يسببه من عرقلة لتنفيذ السياسات والقرارات والمشاريع (1). و"النقابية "(Syndicalism) هي في الأصل "عقيدة ثورية يسيطر العمال من خلالها على الاقتصاد والحكومة بالوسائل المباشرة (مثل الإضراب العام)، أو نظام للتنظيم الاقتصادي يمتلك فيه العمال الصناعات ويديرونها" (2). ويُستخدم المصطلح للإشارة إلى حالة التخندق والتكتّل والعصبوية التي يعيشها أصحاب مهنة أو تخصص معين أو موظفو مؤسسة معينة، وشخصنة العمل العام، وتتمثل اليوم في ثقافة مُلكية موظفي الوزارة لوزارتهم حيث يعتقد موظفو وزارة معينة أنهم يمتلكون وزارتهم وأنهم "فئة" أو "مكوّن" منفصل عن بقية "فئات ومكونات" الدولة والمجتمع وأنهم ملزمون بالدفاع عن مصالح وزارتهم وحماية مقدراتها ضد "مؤامرات" الوزارات الأخرى! وأضاف الوزير ريكاني أن العداء بين الوزارات انتقل إلى عداء بين دوائر الوزارة الواحدة وعداء بين أقسام الدائرة الواحدة داخل الوزارة، مؤكداً أن هذا العداء والتنافس غير الإيجابي بين مؤسسات الدولة يجعل حركة الدولة ثقيلة وعاجزة عن الإنجاز (3). من المهم أن يدرك الوزراء أنهم فريق عمل واحد، ومن المهم أن تدرك مؤسسات الدولة أن الإنجاز والإصلاح وتقديم الخدمة الحقيقية للمجتمع إنما تتحقق بالتعاون الاستراتيجي والتكامل المؤسسي بين وزارات الدولة. فالموظفون والموظفات في أي وزارة ينبغي أن يكون لديهم إلمام كامل بمدى تداخل وترابط عملهم مع عمل الوزارات الأخرى ومدى ما يمكن تحقيقه من مكاسب وخدمات وإنجازات ومنافع للمجتمع من خلال التنسيق والتعاون والتكامل بين الوزارات وإفادة كل وزارة من خبرات وموارد وخطط ورؤى الوزارات الأخرى لتحقيق الغايات التنموية المشتركة. إن عقلية التكامل المؤسسي والتشبيك وبناء الجسور والروابط بين مؤسسات الدولة هي التي ينبغي أن تسود في المشهد البيروقراطي العراقي كي تتمكن الحكومة من أن تتحرك برشاقة ومرونة وأن تلعب دوراً تنموياً حقيقياً وفعلياً في حياة المجتمع. ما ينبغي أن يفكر فيه الجميع هو تحقيق الأهداف التنموية للدولة وخدمة المجتمع ولذلك من المهم أن يكون التنسيق المؤسسي حاضراً في كل مفاصل العمل الحكومي وأن يتولى رئيس مجلس الوزراء وضع الرؤية الاستراتيجية التي تجعل الوزارات تتناغم وتتكامل وتتفاعل فيما بينها لتحقيق الأهداف وتنفيذ المشاريع والوصول إلى المخرجات التنموية المرجوة. وعليه، فإن كل أزمة أو مشكلة تواجه الحكومة ينبغي أن يتم التعامل معها بعقلية التكامل المؤسسي وأن يتم التنسيق مباشرة بين الوزارات تحت إشراف الأمانة العامة لمجلس الوزراء لبحث وتشخيص الأزمة من جوانبها كافة للتعامل معها آنياً ومن ثم وضع الخطط والحلول لإيجاد المعالجات الجذرية. هناك مشاكل وأزمات لا يمكن التعامل معها إلا من خلال عمل مشترك وتعاون استراتيجي وتكامل مؤسسي بين الوزارات مثل مكافحة المخدرات مثلاً ومكافحة الأمية، فهذه المشاكل لا تمكن معالجتها إلا من خلال عقلية الحرص على النجاح في الوصول إلى الأهداف الكبرى المشتركة وأن تكون كل وزارة حريصة على تذليل العقبات وتخفيف الأعباء عن الوزارات الأخرى كي يتم إنجاح العمل وخدمة المجتمع. إن مسؤولية رئيس مجلس الوزراء هي قيادة الفريق الحكومي من خلال إدامة زخم التنسيق والتكامل والتواصل فيما بين الوزارات فهناك وزارات لا بدّ أن تعمل مع بعضها بصورة مشتركة لترابط عملها بملف تنموي مشترك مثل وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة والشباب والرياضة حيث يوجد رابط تنموي وخدمي بين أنشطتها وسياساتها فكل هذه الوزارات معنية بالعلم والمعرفة والثقافة والإبداع والشباب وهي مساحات عمل متداخلة والتكامل فيها يحقق أقصى منفعة عامة ممكنة. ففي الأردن مثلاً قامت لجنة تحديث القطاع العام بدمج وزارتي الشباب والثقافة وأوضحت أن الهدف هو من هذا الدمج هو "تعزيز التكامل بين المهام والأدوار والاستخدام الامثل لجميع الموارد" (4). ينبغي أن تسود مفاهيم الشراكة والتكامل بين القوى السياسية من جهة، وبين مؤسسات الدولة من جهة ثانية، وبين الدولة والمجتمع من جهة ثالثة. يقول الكاتب الأردني محمد أبو رمان: "عندما نتحدّث عن الإصلاح السياسي والتعليمي والإداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والشراكة بين الجميع وتكامل الأدوار ودور القوى السياسية والمجتمعية، فذلك ليس ترفاً ولا نافلة من القول، بل عملية إنقاذ لمجتمعاتنا" (5). الرؤية الحكومية الاستراتيجية والرؤى القطاعية المنبثقة عنها في المجالات المختلفة ينبغي أن تكون حاضرة في عمل كل وزارة ومؤسسة من مؤسسات الدولة ويجب أن تتولى الأمانة العامة لمجلس الوزراء إدامة التنسيق بين الوزارات وإبقاء الجميع متفاعلاً مع الرؤية الحكومية كي يتم إيقاف هدر الموارد وتضييع الفرص وتأخير المشاريع والمناكفات والمكايدات بين الوزارات. المصادر: (1) مقابلة السيد بنكين ريكاني مع الإعلامي كريم حمادي على قناة العراقية. (2) ترجمة كلمة Syndicalism من: Syndicalism: Definition & Meaning - Merriam-Webster. (3) مقابلة الوزير ريكاني المذكورة سابقاً. (4) “الثقافة والشباب”.. دمج يستفز سؤال الجدوى ومحاذير “السلبيات”/عزيزة علي/ صحيفة الغد الأردنية. (5) "صالح الذي هزّ الأردن"/ محمد أبو رمان/ صحيفة العربي الجديد اللندنية.
#همام_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة التنوّع الثقافي في المجتمعات العربية: حروب الهويات تطيح
...
-
محو الأمية في العراق .. الخطوة الأولى على طريق التنمية
-
هوية السينما العربية في عصر العولمة الثقافية .. وقائع ندوة ح
...
-
الدراسات الكردية .. قراءة الذات في عيون الآخر
-
توطين الإسلام في الغرب .. من التقابل إلى التداخل
-
رئيسة وزراء نيوزيلندا .. قيادة تغييرية تدافع عن التنوع الثقا
...
-
كيف نواجه الكراهية .. سؤال جوابه في المواطنة الكونية وعولمة
...
-
الدراسات الدينية وسؤال التجديد .. هل من سبيل إلى فقه جديد يو
...
-
ما الذي يحتاجه العراق من رئيس مجلس النواب المنتخب؟ العمل الد
...
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|