أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عدي مروان ورده - حوار الحضارات ونهاية الحقبة الإبراهيمية















المزيد.....

حوار الحضارات ونهاية الحقبة الإبراهيمية


عدي مروان ورده

الحوار المتمدن-العدد: 7747 - 2023 / 9 / 27 - 00:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


أجرى عالم النفس والمفكر الكندي جوردان بيترسون مناظرة أقرب إلى حوار على منصة يوتيوب مع الداعية البريطاني مصري الأصل محمد حجاب، تبعه حوار آخر ضمن أحد المساجد برفقة النحات الفرنسي جوناثان باجو، وقال جوردان بيترسون إن الغرض من هذه الحوارات هو الوصول إلى أرضية مشتركة للتواصل بين الغرب والإسلام أو العالم الإسلامي.
وطبعًا ليس الغرض من هذا المقال التطرق إلى تفاصيل تلك الحوارات، إنما التطرق إلى افتراض وجود بني فكرية تربط ما يسمى المجتمعات الإسلامية لدرجة أنه إذا ما تم إيجاد أرضية مشتركة مع هذه البنى، فإن ذلك يعني إيجاد أرضية مشتركة مع جميع المجتمعات ذات الغالبية المسلمة والمقترن مع افتراض وجود بُنى مقابلة تحمل ذات الميزة في المجتمعات الغربية، وهذا إضافةً إلى مناقشة معيار تحديد الفئة التي تمثل تلك البُنى والتي من المفترض أن تكون حاملة لسمات ثقافية جامعة لعدد كبير جدًا من المجتمعات.
إن التقسيم الحضاري التقليدي للمجتمعات المعاصرة إسلامية ومسيحية غربية وهندوسية وكونفشيوسية وأرثوذوكسية..الخ، هو نتيجة استمرار نقل هذه البُنى الفكرية الممثلة لهذه التقسيمات الحضارية من جيل لآخر، منذ نشأتها قبل الميلاد بالنسبة لأديان وسط وشرق آسيا وصولًا إلى القرن السادس والسابع ميلادي مع ظهور وانتشار الإسلام الذي ساهم في تشكيل الملامح الصلبة للحقبة الإبراهيمية والتي لا تزال حاضرة حتى الآن.
مع توسع وتزايد عدد المصادر التي تساهم في تشكيل الوعي الفردي من خارج إطار المجتمعات المحلية في ال100 سنة الأخيرة، والتي تزايدت بشكل مطرد مع ثورة الاتصالات التي جعلت سرعة تدفق البيانات على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات هي السمة الأساسية لهذا العصر، ترافق تشكل البُنى الفكرية التي تمثل التقسيم الحضاري التقليدي مع تشكل بنى فكرية أخرى لدى أفراد هذا المجتمعات تحوي تقييمات وأسس فكرية وحقائق علمية تقوض الأسس الفكرية للتقسيم الحضاري التقليدي ومغايرة له ، وأدى هذا ويؤدي إلى وجود تيارات وطبقات فكرية تعرف نفسها من خارج إطار المجتمع المحلي وتقترن طبيعة تشكل هذه التيارات والطبقات على نحو بنيوي بالظروف الاقتصادية والسياسية لكل دولة، ولابد من الإشارة إلى أنه بمجرد إتاحة تداول بنى فكرية من خارج إطار المجتمع المحلي سواء عن طريق النظام التعليمي أو عن طريق وسائل الإعلام أو ضمن الحيز الاجتماعي ذاته، فإن تقييمات البنى الفكرية الممثلة للتقسيم الحضاري التقليدي تفقد كليتها بشكل آلي، و كلما كان هناك وفرة في المصادر المكونة للوعي الفردي من خارج إطار المجتمع المحلي ويتم إتاحتها للأفراد في سن مبكرة، كلما كان حضور البني الفكرية الممثلة للتقسيم الحضاري التقليدي أقل كليةً وأكثر انحسارًا.
ولذلك منذ بداية القرن العشرين وفي كل مكان في العالم تقريبًا، أصبح كل جيل ينقل إلى الجيل الذي يليه البنى الفكرية الممثلة للتقسيم الحضاري التقليدي بشكل أقل كليةً وأكثر انحسارًا، وساهمت ثورة الاتصالات في تسريع وتيرة الانحسار لهذه البنى لدى ما يسمى بجيل الألفية( 1984 وما بعده )، بما ينبئ بأن القرن الواحد والعشرين ربما يشهد نهاية الحقبة الإبراهيمية والدخول في حقبة البياناتية التي أصبح لها أساس وأرضية صلبة في الاقتصاد والسياسية والتعليم وتعلب دور أساسي في حركة المجتمعات، وتعني البياناتية بأن تجميع البيانات على أي مستوى وضمن أي قطاع وثم تحليلها سواء من قبل بشر أو عن طريق خوارزميات الذكاء الصناعي من أجل اتخاذ قرار أو تحديد قيمة سيكون المرجع بدلًا من النصوص سواء كانت دينية أو تنتمي لأي منظومة فكرية أخرى، ولذلك فإن القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين يمثلان مرحلة انتقالية نتيجة تواجد وتشابك بنى فكرية مختلفة جذريًا عن بعضها من ناحية التقييمات الأخلاقية والسلوكية والنظرة التفسيرية للعالم ضمن البنية الثقافية للمجتمعات وضمن بنية الوعي الفردي نفسها.
ولذلك فإن السمة الإسلامية لما يسمى بالمجتمعات الإسلامية هي سمة منحسرة وغير كلية ويختلف حضورها من مجتمع إلى أخر ومن فرد إلى أخر وتقترن طبيعة هذا الحضور بالظروف الاقتصادية والسياسية التي تحكم كل دولة، إضافة إلى أن هذه المجتمعات كبقية المجتمعات الأخرى تحوي انقسامات عامودية ضمن التوجهات الفكرية لدى أبنائها كالتوجهات المحافظة التي غالبًا ما تكون قائمة على أسس دينية أو قومية والتوجهات القائمة على أسس وبنى فكرية لا دينية كالليبرالية والشيوعية والنسوية الخ..، إذا لا توجد بنى فكرية تربط بين أفراد مجتمع بآسره، وبالتالي لا يوجد بنى فكرية تربط ما يسمى بالمجتمعات الإسلامية التي تتراكم فيها انقسامات فكرية عابرة للحدود الجيو-حضارية التقليدية.

يمهد ما سبق إلى الخلل الأول في دعوة جوردان بيترسون إلى حوار بين الإسلام والغرب هو بأنه لا يوجد بنى فكرية جامعة متجسدة في السمة الإسلامية التي تطلق على تلك المجتمعات وأيضًا هذا يقابله بالمثل غياب أسس نظرية جامعة لما يُسمى بالمجتمعات الغربية، والخلل الثاني هو أن المجتمعات تتحرك وتُبنى فيها المواقف على أساس الوقائع السياسية والاقتصادية وليس وفقًا للنصوص أو أسس نظرية، على سبيل المثال ترافق الصراع السني الشيعي الذي تفجر في المشرق العربي بعد تدخل حزب الله في سوريا لصالح النظام السوري (وإن بدأت جذوره بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق)، مع طرح السرديات والأدبيات التي تغذي الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة بكثافة في الإعلام وإضافة إلى تداولها بشكل واسع ضمن الحيز الاجتماعي وحضورها بقوة في الوعي الجمعي، بينما كانت مغيبة وإن طرحت لم تكن لتحظى بذات الحضور نتيجة التعاطف الشعبي الواسع مع حزب الله حين دخوله في مواجهات عسكرية مع إسرائيل في عام 2006، وعلى الرغم من أن السرديات والأدبيات بشأن هذه الخلافات المذهبية عمرها مئات السنين، ومثال آخر يتمثل في عدم الالتزام بالتقيدات الفقهية بشأن الهجرة إلى البلاد غير المسلمة نتيجة انهيار بعض دول المشرق العربي، وواقعها الاقتصادي المزري، وبالتالي فإن الوقائع السياسية والاقتصادية هي التي تعطي فعالية للأحكام والتقييمات الموجودة في النصوص التي تمثل الموروث الثقافي لمجتمع ما وتدفعها إلى الحيز العام.
والخلل الثالث يكمن في اختيار الداعية محمد حجاب المختص في الفقه الإسلامي كممثل للمجتمعات الإسلامية، لأن التخصص في الفقه الإسلامي الذي غالبًا ما ينتمي المختصون به إلى التيار السلفي أو الأصولي لا يتشكل كنتيجة تلقائية للنشوء في بيئة إسلامية وإنما يتطلب جهًدا فرديًا مثله مثل أي تخصص ويتطلب إقصاء أي تقييم صادر من خارج المورث الفقهي وأحيانًا حتى من خارج القراء السلفية لهذا الموروث، وبالتالي من الصعب أن يمثل الوعي السلفي كتلة اجتماعية لأنه من الصعب توفير آليات تفرض على كتلة اجتماعية وازنة بكل ما فيها من أفراد أن يمارسوا جهدًا ليتكون لديهم هكذا نوع من الوعي، وبالتالي فإن إيجاد أرضية مشتركة مع تلك الفئة ينحسر بها فقط.
وفي الختام لابد من الإشارة أن دعوة جوردان بيترسون إلى حوار بين الإسلام والغرب قائمة على التنميط والاختزالية في آن معاً لواقع ما يسمى بالمجتمعات الإسلامية والغربية ولآلية سير الحركة الاجتماعية فيهما ويغيب عنها أيضًا رصد التغيرات المتسارعة في المناخ الثقافي العالمي إلى جانب التعقيدات والتشابكات التي يمكن أن ينتج عنها صراعات واضطرابات دولية محتملة.



#عدي_مروان_ورده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقة الفارغة
- الثورة السورية والعولمة (السلم المنهار)
- المستقبل في مخبز الغيب سوريا و العقد القادم
- الطقوس مقابل الدولة
- عنف بلا شكل - بحث في مسألة العقوبات من الحوار الإسلامي العلم ...
- هرم الإرهاب
- الاصطفاف الضائع


المزيد.....




- الأرض أم المريخ؟ شاهد سماء هذه المدينة الأمريكية وهي تتحول ل ...
- وصف طلوع محمد بن سلمان -بشيء إلهي-.. تداول نبأ وفاة الأمير ا ...
- استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتيا ...
- وصول إسرائيل في الوقت الحالي إلى أماكن اختباء الضيف والسنوار ...
- شاهد: شوارع إندونيسيا تتحوّل إلى أنهار.. فيضانات وانهيارات أ ...
- محتجون يفترشون الأرض لمنع حافلة تقل مهاجرين من العبور في لند ...
- وفاة أحد أهم شعراء السعودية (صورة)
- -من الأزمة إلى الازدهار-.. الكشف عن رؤية نتنياهو لغزة 2035
- نواب ديمقراطيون يحضون بايدن على تشديد الضغط على إسرائيل بشأن ...
- فولودين: يجب استدعاء بايدن وزيلينسكي للخدمة في الجيش الأوكرا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عدي مروان ورده - حوار الحضارات ونهاية الحقبة الإبراهيمية