أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدي مروان ورده - الطقوس مقابل الدولة















المزيد.....

الطقوس مقابل الدولة


عدي مروان ورده

الحوار المتمدن-العدد: 6334 - 2019 / 8 / 28 - 01:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منهجية إدارة أجهزة الدولة هي المنتج المباشر لشكل و مضمون الواقع المحيط بالفرد و المحددة لمدى إمكانية إشباع الفرد لشبكة حاجاته و المحددة لكمية و نوعية الأفعال التي على الفرد القيام بها لتلبية تلك الحاجات, و هي التي تحدد أيضاً نوعية الطرق و المسارات التي يمكن للفرد من خلالها أن يؤثر على واقعه و مدى فعالية هذا التأثير, فمنهجية إدارة أجهزة الدولة لها الدور الأساسي في تشكيل واقع الفرد و مساراته المستقبلية و هنا يمتثل قول هيغل " الدولة هي اكتمال مسيرة الإله على الأرض".
و بالتالي الأزمات و تعقيداتها الحاضرة في المنطقة العربية هي نتاج مباشر لمنهجيات إدارة أجهزة الدولة في دول الأزمات و تبعاً لهذه المنهجيات فإن واقع إشباع حاجات الفرد هو واقع متأزم, و الأفراد الذين هم خارج نظم الامتيازات المكون ضمن الدولة والذي نشأ كنتيجة و غاية للاستبداد يستقطبون أنفسهم له فيدفعون بفاعلية و دينامكية لاستمرارها على الرغم من صياغتها لواقع إشباع حاجاتهم صياغة شديدة التأزم, و هذا ما سأصطلح عليه "بعقد التنازل" عن المطالبة بوجود منهجيات تكون إستراتجيتها و غايتها بناء واقع يساعد على تلبية حاجات الأفراد و متطلباتهم.
و إذا نظرنا إلى منهجية إدارة الدولة في الحالة السورية منذ استلام حافظ الأسد سدة الحكم في سوريا و إلى الآن نرى أن الملمح الجوهري في إستراتجية هذه المنهجية هو استخدام فعالية موارد الدولة كوقود لضمان استمرار نظام الامتيازات الذي أنشأه الأسد الأب ضمن الدولة, بالإضافة إلى بناء علاقات إقليمية و دولية لتأمين توازن يضمن استمرار النظام, وذلك مع إقصاء كلي لاعتبار تبعات هذه السياسات الداخلية و الخارجية في حال تأزيمها لواقع إشباع الفرد لحاجاته و التي قد تصل إلى تصفية الفرد نفسه مقابل بقاء النظام, فواقع إشباع حاجات الفرد في سوريا مهدد و غير محمي و عار أمام مفرزات و نتائج الأزمات الاقتصادية و السياسية.
و لقد كان من الجلي أن معظم أفراد الشعب السوري عانوا من هبوط حاد في القدرة على تلبية حاجاتهم بالإضافة إلى الحرمان من بعضها و التضييق على بعضها الأخر بعد الانتفاضات المحلية في سوريا ضد نظام الأسد في آذار عام 2011 و كان ذلك نتيجة حتمية لتكريس إمكانيات الدولة السورية في السياسات القمعية و في المواجهة الإعلامية و العسكرية مع القوى المنتفضة مما أدى إلى تبيئة الوضع لتركب صراعات محلية و تدخلات إقليمية و دولية فوق انتفاضة الشعب السوري مما أدى تدمير البنية التحتية و انهيار كبير في الحركة الاقتصادية و في الحالة الأمنية بالإضافة إلى الخسائر البشرية المفجعة التي قدرت بمئات الآلاف من القتلى و الجرحى إلى جانب أعداد مماثلة من المغيبين و المعتقلين ضمن السجون و ذلك ماعدا الملايين المهجرين في الداخل و الخارج, و بالتالي كيف يمكن لمنهجية أدت إلى كوارث اقتصادية و إنسانية و جعلت من وجود الفرد بحد ذاته مضحى به إما بكونه ضمن النطاق المستهدف من السياسات القمعية و الصراعات الدائرة أو من خلال إلقائه في آتون المواجهات العسكرية (عبر سياسة التجنيد الإلزامي والاستدعاء للاحتياط التي شملت معظم الذكور القادرين على حمل السلاح من عمر 18 إلى 42), أن تستقطب أفرداً و قطاعات محلية إلا من خلال عقد تنازل عن بديهية دور السلطة في بناء واقع يلبي حاجات الأفراد المختلفة.

التنازل عن مطالبة السلطة القيام بواجباتها الأساسية في بناء واقع يكون رافعة لإشباع الأفراد لسلم حاجاتهم و تطلعاتهم نشأ ضمن الأقليات العصبية في سوريا( و قد رجحت كلمة عصبية على كلمة مذهبية أو دينية لأن المذهب قد انزاح عن كونه فقط طريقة في قراءة الدين إلى هوية عصبية) مقابل ترك مساحة لهذه العصبيات بالتعبير عن مورثها و ممارسة طقوسها المذهبية, فتأمين ممارسة الشعائر يقصي و يذوب مفهوم إنشاء بنية تحتية قوية تساعد الفرد على إدارة حياته و تأمين متطلباتها و يصبح هو معيار الاستقطاب, و في سبيل التوضيح سأعرض بعض الإجابات لبعض من أفراد هذه العصبيات يعللون بها أسباب استقطابهم للنظام السوري, سألت أحد وجهاء مدينتي سلمية عن سبب وصفه بأن هذا النظام جيد فأجاب لأنه سمح بدفن البرنس في المدينة (و يقصد بالبرنس الأمير علي شاه والد الآغاخان الحالي إمام الطائفة الإسماعيلية و له مقام بالقرب من مركز المدينة), و أرجع شخصان آخران أسباب استقطابهما للسلطة في سوريا بأنها سمحت بتنظيم ملاقاة للقاء الآغاخان مرة في عام 2002 و مرة في عام 2008, و في إحدى المقابلات التلفزيونية على قناة الآن للإعلامي اللبناني طوني خليفة مع أحد الفنانين المعارضين للنظام, أشار طوني خليفة إلى أن النظام يسمح للمسيحيين في مدينة حمص بإقامة شعائرهم و الذهاب إلى الكنائس و ذلك يأتي كدلالة على سبب وجود أفراد مستقطبين للنظام ضمن المكون المسيحي في سوريا, وبالتالي إقصاء بديهيات دور السلطة في إدارة الدولة و تحسين عمل قطاعاتها الاقتصادية و السياسية و التعليمية و الخدمية...الخ مقابل ترك مساحة للموروث هو أساس و جوهر عقد التنازل المولد للاستقطاب حول النظام ضمن هذه العصبيات و طبعاً هذا يفكك إحدى معادلات الاستقطاب حول منهجية السلطة في سوريا و لا يشملها جميعها.
وعلى مستوى آخر الكفاح المسلح من قبل الحركات المحلية الإسلامية التي نشأت على خلفية الصراع في سوريا من أجل استبدل منهجية السلطة الحالية بمنهجية تقوم على تطويع آلية عمل الواقع الاجتماعي و العقائدي للدولة طبقاً للموروث الفقهي الإسلامي,و الاستقطاب لها يحمل في طياته تنازل مضاعف فبالإضافة إلى نقل أساسية دور السلطة من تحسين عمل قطاعات الدولة المختلفة لتلبية حاجات أفراها إلى تطبيق و تفعيل أحكام الشرع الإسلامي , هناك تنازل مستقبلي من قبل هؤلاء الأفراد المستقطبين لها عن حريتهم في عدم الرغبة بالامتثال الكامل لقوانين و أعراف هذا المورث الفقهي, أو تقديم قراءة مختلفة لمضامينه و آليات تطبيقه أو في الخروج عنه بشكل كامل, و على ضوء هذا يمكن استقراء أن معاداة الذات هي نقطة تقاطع الاستقطاب لهذه المنهجية مع الاستقطاب لنظام الأسد من خلال تنازل ذوات الأفراد في كلا الاستقطابين عن أساسية حقهم في إدارة الدولة بغاية تلبية متطلبات حياتهم المختلفة لصالح منهجيات لها غايات مفارقة عن ذلك,و كل ذلك يأتي ضمن سياق استمرار الاستقطاب العصبوي في سوريا و لبنان و العراق و استمرار حضور رمزية قيادته و الفشل في بناء واقع بديل يأخذ مكانه, فالحضور الدائم لصور صدام حسين أو بشير الجميل أو حسن نصر الله أو الأسد (الأب و الابن) و غيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي دليل على استمرار نفس المشروع العصبوي الإقصائي المعادي للفرادانية و الملغي لحضوري أي رمزية أخرى تحمل مشروع تنموي و ديمقراطي و إنساني بالدرجة الأولى.
و في الخاتمة و دفعاً لكل التباس لابد من الإشارة أن ليس كل من بنيت قناعاته من الموروث الديني سواء كان متبع من أقلية أو أغلبية من المجتمع السوري هو مفروز لأحد هذين الإستقطابين على الأخص إذا لم تغب عن وعيه بديهية دور القائمين على الجهاز السياسي في إدارة الدولة لصالح أفرادها و بقيت فعالية الموروث في إطار التجربة الإيمانية الدينية ولم تنزاح إلى حالة تكون هوية عصبوية تشوه العلاقة مع الذات و مع الأفراد من نفس المكون الديني و مع المكونات الاجتماعية الأخرى و الأمثلة على ذلك وافرة كمشاركة الآلاف من أبناء مدينتي سلمية في الحراك الشعبي المطالب بالتغيير منذ بدايته, بالإضافة إلى خروج مظاهرات في مناطق عدة ضد انتهاكات النصرة و القوى المتطرفة الأخرى و ضد محاولتها تطويع انتفاضة الشعب السوري لفرض أجنداتها الخاصة, ولكن للأسف محاولة تقديم بديل عن هذين الاستقاطبين لم يؤسس لأرضية ثابتة نتيجة دموية الصراع في سوريا و تعقيداته.



#عدي_مروان_ورده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنف بلا شكل - بحث في مسألة العقوبات من الحوار الإسلامي العلم ...
- هرم الإرهاب
- الاصطفاف الضائع


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدي مروان ورده - الطقوس مقابل الدولة