أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد منذر الأمبن - الموسيقى كخطاب الأخر















المزيد.....

الموسيقى كخطاب الأخر


محمد منذر الأمبن

الحوار المتمدن-العدد: 7740 - 2023 / 9 / 20 - 15:43
المحور: الادب والفن
    


غالبًا ما تعجز كلماتنا رغم وجود الكثير لقوله، فثمّة فجوة بين ما نرغب بالبوح عنه وما نقوله فعليًّا، فنحن لا نملك اللغة الكافية للتعبير عن ما نشعر به تجاه أنفسنا وتجاه الآخر، فدائماً ما يكون هناك ما يحول بين ما نعنيه و ما نقوله بشكل مباشر.
فتأتي الموسيقى كوسيلة للتعبير تلعب دور الوسيط من خلال النوتة التي تشكّل في بنيتها الدّال وتحمل عنا ثقل الشعور الآني، فتحل النوتة بدل الكلمة في حالة المعزوفات وتحرّرنا من سجن المشاعر المختلطة مترجمة إياها في مخيّلتنا واضحة جليّة، وكأنّ لسان حالنا يقول: " نعم هذا ما أشعر به الآن، القلق، الشوق، الحب، الغضب والندم..."
ما نتشارك به كأفراد هو الموسيقى، وإن اختلفت مدارسها، بإمكانها وحدها تزيين الكلمات وتحريفها عن مسارها.
صفحات قليلة من أوراق النوتة تشابه في دلالاتها صفحات كتاب، تحمل على سطورها رموز في ظاهرها واضحة، لكن في داخلها تناص وسياقات مختلفة بعدد المستمعين للمعزوفة. فرغم موت العازف تبقى معزوفته ملك المستمع يطوّعها كما يريد، ينقل إليها رغباته وأحلام يقظته. كما تعمل عمل المحفّز لذكرياته التي ارتبطت بها أو رافقته في مشاهد حياته موسيقى تصويرية خيالية.
الموسيقى ليست بدعة اليوم ولا البارحة بل تاريخها محفور منذ بداية الحضارة وأدوات صنعها، تعلّمها الإنسان من الطبيعة ذاتها عندما استأنس بخرير المياه وحفيف الأوراق و اصوات الحيوانات حتى أصبحت هذه الأصوات تسمى " صوت الطبيعة " وحاولنا كثيراً الوصول لصنع أدوات تحفظ لنا تلك الأصوات لتكون لغة متعالية عن الكلام، لغة متّفق عليها ترافقنا في أفراحنا وأحزاننا فنجد معزوفة لكل حالة، معزوفة الموت والحزن وأخرى للحياة والفرح وغيرها لغبطة انتصارات المعارك..
كما كانت الموسيقى مرافقة المسرح التراجيدي الإغريقي ل أبولو وديونيسيوس، لأنّها بذاتها تكوّن الفلك الذي تدور فيه الأحداث، بمخاطبتها مشاعر المشاهدين، سابغة مشاعرهم بالحالة المزاجيّة للمؤدين المسرحيين، النشوة أو الرعب، حاملة مفاتيح أقفال سراديب أنفسنا.
وما زلنا لحد اليوم نسمع قدّاس الموت ل موزارت، فمنّا من تعيده للخوف الأول، خوف الفقدان والدخول في حالة الحداد أو تخيل لحظات موت من نّحب، ومنهم من تأخذه في رحلة ومضيّة إلى ماضيه، ومنهم من لا تعنيه البتّة. فمعزوفة الفصول الأربعة لفيفالدي مثلًا، تأخذني معها لساحة عامة يرقص فيها الجميع في جو من السعادة والحبور، بينما قد تزعج الآخرين وتكون مصدر قلقهم لصخبها. فما الذي كانت تحمله في ذاتها اوركيسترا ريتشارد فاغنر ليسقط أدولف هتلر في شباكها و يأبى إلا وأن ينطلق نحو جزيرة كريت على ايقاع الفالكري لفاغنر غير كونها مقطوعة أمدّت هتلر كما غيره بحالة من القوة والشعور بالعظمة.
حتى في الفلك الديني تعتبر الموسيقى رفيقة درب العارجين من الصوفيين النافخين في المزمار أو المرتّلين في المحراب والمنشدين تراتيل السماء، وأنيسه المتأملين في الصوامع والخلوات. وهي ما دفعت نيتشه لقوله " الموسيقى وحدها يمكنها أن تمجّدنا، أو تحرّرنا، أو ترهّبنا، أو تكسر أكثر القلوب قسوة؛ مع أرق نغماتها الحزينة، لكن مهمتها الأساسية هي أن تقود أفكارنا إلى أشياء أسمى، أن نرتقي، بل أن نرتعد. "
فإذا ما أضفنا الكلام إلى اللّحن باتت الصورة أقرب للمعنى الكامن فينا وتتحوّل الأغاني لناطق بلساننا، ومرآة لذاتنا نسمع فيها كلمات كرد الصدى لما يجول في أذهاننا من حيرة فتطرح الأغنية المشكلة والحل في آن معًا.
إلا أنّه حتّى ولو كانت الكلمات مألوفة على مستوى اللغة لكننا لا نجتافها بذات الطريقة. فالأغاني في مجملها تحمل العديد من المعاني التي تتقاطع و حالة المستمعين النفسيّة، لأنّ الأغنية مصحوبة باللحن الذي يلعب على الشعور تجرجر معها الكلام مالئة فراغات النقص بالمعنى، فنحاول جاهدين التعبير عنه ولا نستطيع لأننا محكومون بالرقابة الذاتية التي تمنعنا من تخطي المسموح في التعبير تحت سقف القانون الإجتماعي.
فتقوم الأغاني بهذا الفعل المجنون متحايلة على الرقابة - كما يفعل الحلم مع الحالم- تفجّر ما فينا من رغبة حزن وجنوح، تخرجنا من الفضاء الضيّق لذواتنا وتحيك لنا القصة التي نطمح لها ويمكن دائماً أن نعزو لها الفعل هذا ولا نتحمل وزره لأننا كمستمعين على مسافة من الفعل بذاته نعمل كمتفرجين مستمتعين بالمشهد.
كصرخة مجموعات تتعرّض للتهميش فتخلق حالة فنيّة ثوريّة للتعبير عن معاناتها بكلمة ولحن، فتتحوّل أداة للمقاومة.
وإذا ما سألنا أنفسنا، عن ماذا نتخيل إذا ما سمعنا اغنيه معينه، او من نخاطب من خلالها و لمن نهديها .
فأغنية " للوطن " لفرق مشروع ليلى، ستعني الكثير لأفراد مجتمع الميم عين، خاصة جملة " بس لأني لابس ريش، باكل كف باكل تلطيش من الوطن.." فهذه ليست مجرد جملة إنها خطاب يحاكي الخطاب الذكوري الممارس على فئة من هذا المجتمع فإذا ما سألته عن الحالة التي يدخل فيها خلال الإستماع لهذه الأغنية سيكون جوابه أنها تعبر عن ما يودّ قوله. كذلك الأمر بالنسبة لأغنية زملوه لـ بو كلثوم حيث تحمل بكلامها وصورها دعما للنساء وكيف أن المجتمع الذكوري لا يهاب الموت ولا الدماء لكنّه يهاب من صوت المرأة. لـ دينا الوديدي أغنية " الخرافة " تعرفت على الأغنية من خلال صديقاتي، تعبّر الأغنية عنهن، عن طفولتهن " حين كنا في الكتاتيب صغارا، درسونا ركبة المرأة عورة ضحكة المرأة عورة، صوتها من خلف ثقب الباب عورة."
ولن يغيب عن بالنا أن أغلب الأغاني هي عن الحب، الخيانة، الغدر، فتقول الأغنيات ما لا تعبر عنه الرسائل.
في أحد المرات سألت زميلتي في العمل وهي تقوم بالتمتمة المرافقة بأغنية تستمتع إليها تدور حول الهجر، " هل تتخيلين شخص محدد وأنت تسمعينها " فتجيب بأنها تتذكّر حبيبها السابق، التي لم تقل له كل الكلمات التي أرادت قولها لكن الأغنية كانت بمثابة وسيط للتعبير عن ما تحمل في داخلها. فهل فعلياً نحن نستمع إلى الأغاني اعتباطياً أو أننا ننجر في اختيارنا الى اصناف من الأغاني التي نستطيع من خلالها أن نتماهى مع المغني للتعبير عن أنفسنا؟ أو مع موسيقى تستطيع ان تلعب دور الموسيقى التصويريّة في روايتنا المتخيّلة.
باتت الموسيقى لأثرها في تهدئة النفس أو تحفيزها والتداعي الحر من خلالها، جزء من العلاج النفسي فانتقلت من حيّز المسرح لحيز العيادة وصار المتخصصين في هذا المجال، أخصائيين في علم الموسيقى والإيقاع يحاولون من خلال الأدوات الموسيقية أو الكلمات المشاركة في تسهيل عملية التعبير عن الرغبات والمشاعر المكبوتة من جهة والعمل على تحفيز موجات الدماغ وتهدئة المشاعر من خلال استخدام أنماط معينة من الإيقاعات، وهذا ما يدفعنا للقول بأن الموسيقى تلعب دور الميسّر في رسالة الذات للآخر.
أختم بقول لصديقة تغني بعدّة لغات للتعبير عن نفسها، " مش دايماً منغني لأن الموسيقى بتعنينا، منغني لأن بدنا نقول شي".
الغناء قول، إنّها أشبه بفعل يُقال.



#محمد_منذر_الأمبن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموسيقى كخطاب الأخر


المزيد.....




- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد منذر الأمبن - الموسيقى كخطاب الأخر