أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد السعدي - من محطات حياتي .














المزيد.....

من محطات حياتي .


محمد السعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 22:12
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بغية عدم الإخلال بالتسلسل الزمني للأحداث التي أستلّها من ذاكرتي، أودّ بداية أن أقول إني أثبّتُ هنا ما ستأتي تفاصيله لاحقاً، وهو من ضمن الأمور التي ذكرتها في مقدمتي لهذا الكتاب، اعتذاراً عن التكرار.
وصلتُ إلى الشام يوم 15 آب عام 1988 قادماً من العاصمة الإيرانية (طهران) بعد معاناة قاسية وخوف مرتقب من مستقبل مجهول مردّه الأوضاع غير الطبيعية داخلية وخارجية، وواحدة من أسبابه ذروة لهيب الحرب بين الجارتين الإسلاميتين العدوتين إيران والعراق، حيث الطيران العراقي يحلق يومياً في سماء طهران ليرمي حمم قذائفه من نوافذ طائرات (سوبر أيتندار) الفرنسية المميزة، والتي منحتها حكومة (شاراك) إلى العراق لتنهي بها الحرب من خلال الاستهداف الدقيق لحركة السفن النفطية في ميناء بندر عباس ومصفى عبدان والذي يعدّ أهم مرفق حيوي اقتصادي لإيران، مما شلت الحركة به تماماً ليتجرع الإمام الخميني جرعة السم الشهيرة.
وصلتُ إلى العاصمة طهران في ربيع 1988 بعد أن نجوتُ بأعجوبة من جائحة «الأنفال» التي اجتاحت كل مقراتنا ووجودنا ووديان تواجدنا والأشجار والقرى التي كنا نحتمي بها كمقاتلين «بيشمرگة» شيوعيين وجلاليين وبرزانيين وحسكيين وباسوكيين. سكنتُ في زقاق ضيق في شارع ناصر خسرو الشهير في بيت كبير ذي طراز فارسي قديم مع الشهيد سامي حركات، وعملت بمطعم ليل نهار في شارع (كوجه مروي) لسدّ رمق الجوع وضروريات الحياة المتواضعة. الشارع الذي يكتظ بحشود من العراقيين بكل ألوانهم وانتماءاتهم ونشاطاتهم السياسية وقصصهم الاجتماعية الغريبة وطرق تزوير الوثائق والمستمسكات العراقية وبدون استثناء، بثّ الإشاعات تسبق واقعهم اليومي عن بلدهم البعيد العراق إلى حدّ التجسس على بعضهم وبين صفوفهم، وفي وسط طبيعة علاقتهم تنتشر أساليب التجسس على بعضهم. كنت في ظرف صعب ما عليك إلّا أن تنجو من تلك الأجواء وتداعياتها الخطيرة، وبعد أن نجوت بأعجوبة من عملية «الأنفال» -التي ما زلت أحمل أضرارها النفسية والجسدية- وخوفاً من يُكشف أمري للسلطات الإيرانية بعد أن ادّعيت في أول نقطة حدودية أني جندي هارب من الحرب ومن مدينة الكاظمية واسمي علي. إذن إذا كشف أمري في أنني شيوعي كنت مقاتلاً في الجبل، فهذه وحدها تهمة تؤدي بك إلى التهلكة الحتمية.
بذلت جهداً مضنياً من أجل أن أخرج من طهران سالماً بمعونة أصدقاء ورفاق وأحبة رغم البحبوحة المادية في ترتيب يوميات حياتي. في دمشق الوضع يختلف سياسياً حيث الرفاق والحزب والعمل العلني والبوح باسمك الصريح وانتمائك السياسي حيث لا خوف ولا تردّد في الإعلان عن مواقفك. في يومها كان الجو السياسي للشيوعيين مشحوناً بالخلافات والانتقامات والمقاطعات لحدّ العظم، مما لفت انتباه القوى والأحزاب الأخرى اتهامات بالعمالة للنظام العراقي والمخابرات الإسرائيلية بالجملة بدون وازع أخلاقي ولا إنساني ولا أسانيد ولا احترام للتاريخ الطويل المعمّد بالتضحيات، حيث من يختلف أو يبدي وجهة نظر عليه أن يضع أمامه أن هنالك حملة شرسة وقاسية لتسقيطه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في تميز واضح لنا نحن الشيوعيين، وبين صفوفنا ببغاوات يقلدون الأصوات رغم نشازها في التعبير، يعني أية إشاعة تطلق على رفيق حتى وأن كانت للانتقام فأنها
تُتبنى رغم المعرفة المسبقة أنها إشاعة لتحطيم رفيق جزاء موقف أو اعتراض. الحقيقة هي العمود الفقري للتاريخ وأن طمست مؤقتاً لكنها ستظهر من جديد أكثر صرامة ووضوحاً.
في اليوم الأول الذي وطئت به قدماي الحافيتان أرض دمشق الحبيبة شعرت بالأمان رغم وضعي الصعب حيث لا رؤيا لأفق قريب. سكنت مع ابن قريتي وصديق الطفولة والرفقة الدكتور عزيز الشيباني في ملحق متواضع لبيت في حارة ركن الدين. نتقاسم حنين الشوق إلى قريتنا وبيوتها وذكرياتها بيتاً فبيتاً لعلها تشحذ ما تبقى من ذكرى صدئة وأمل للقاء وصدىً صوت مخنوق عبر أسلاك التلفونات المخترقة. رغم كل المحاولات في الحصول على عمل يسد ولو نزراً يسيراً من رمق العيش الصعب، لكنها كل المحاولات كانت تتلاشى بقدوم الأيام، ولم يبق أمامك إلّا القراءة واللقاء بالرفاق والأصدقاء ومقهى الروضة بمثابة وكالة أنباء عن أخبار العراق والعراقيين والذي يتصدر نشراتها الرئيسية لبيد (أبو حالوب) المقيم العتيق في مقهى الروضة.
في تلك الرحلة والإقامة لا يعكر مزاجك ويحزنك إلّا صراع الرفاق وقساوة الأساليب ونذالة الاتهامات والمقاطعة الاجتماعية ضدّ من بات خارج الصندوق المقدس، ولم يجرؤ أحد إلى الآن بفتح ذلك الصندوق الأسود وما كان يخزنه من إجحاف وتشويهات وتعديات ليعاد إلى ما كان على عهده. لأجل لمّ الشمل والذي بات متشظياً وسط أكوام من ميليشيات وأحزاب إسلام سياسي ودين متخلف. وفي يوم ما من عام 1989 وفي ظهيرة دمشقية كنت نازلاً مشياً على القدمين من ركن الدين إلى مقهى الروضة في الصالحية صادفني في الطريق غضبان السعد الشيوعي والعسكري المرموق أيام ثورة تموز، وبعد السلام والكلام والسؤال عن يوميات الشهيد خالي خزعل السعدي في معرض تجميع معلومات عنه لكتاب قادم. حدثني بألم عن تفاصيل يوميات حياته والأساليب التي عومل بها لا لشيء إلّا لإبدائِه بعض الملاحظات عن طبيعة التنظيم والأداء الحزبي والتعامل الفظ مع حشود من الرفاق.
كنت فقيراً بأدواتي الأولى في تتبع مسيرة حياتي، حيث ضيّعت فرصاً كثيرة بسبب خجلي الدائم، كانت مسيرتي قاحلة ومليئة بالألغام، وكنت في بداياتي أكتب لنفسي في فضاءات قرية الهويدر على شريعة النهر وفوق السطح وكهوف الجبال، وأنا -وليس هذا تفرداً أو تميزاً- أكتب عن الاشياء التي عشتها وخضت تجاربها. يقول جوستاف فلوبير في روايته مدام بوفاري: «أنا هي بوفاري». وهذا هنري ميللر ورواياته كما أراه فيّ. أكتب بدون تردد ولا خوف رغم السد العالي للتيار المنافي للحقائق والوقائع وهناك نفر ورغم تجاربه الطويلة في الحياة والسياسة لكنه لا يمتلك تلك المبادرة باتجاه روح التغير وبناء الإنسان.



#محمد_السعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هزارستون الى خورنوزان!.الثالثة.
- حدث في هزارستون مرة ثانية!.
- حدث في هزارستون!.
- صورة الزعيم قاسم في ذاكرة الشيوعيين.
- كتاب بيني وبين نفسي
- صورة الشيوعي الهويدراوي محمد الدفاعي
- الآن بدأت ساعة التجربة. - الشيوعيون والحرس القومي .
- في يوم الفلسفة ما الحاجة إلى الفلسفة والتصوف
- مذكراتي- سيرة أحمد باني خيلاني- الحلقة الثالثة والاخيرة .
- مقاهي الهويدر .. ذاكرة أجيال .
- مذكراتي”سيرة أحمد باني خيلاني”٢ .
- فهد والحزب الشيوعي العراقي .
- حسين حجي كنجي ” أبو عمشه.
- الشيوعية ” ورعيلها الأول في قرية الهويدر ”العراق
- علي الوردي وشخصية الفرد العراقي .
- الأرض والسلاح والإنسان .
- وثائق سويدية وعراقية مخفية آن الأوان لإطلاقه..قراءة في‮ ...
- جريمة مروّعة تشهدها أرض السويد.
- المهداوي ومحكمة الشعب.
- من العمل الحزبي في موسكو إلى الفجيعة.. قناديل شيوعية تسلّط ض ...


المزيد.....




- السعودية.. إدانة تركي الدخيل ومستثمرين بـ-مخالفة نظام السوق ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنية تحتية عسكرية لـ-حزب الله- بج ...
- باكستان تسلم النرويج إسلاميا يُشتبه في تورطه بهجوم استهدف مه ...
- ما أسباب الفيضانات في الخليج؟ وهل لها علاقة في التغير المناخ ...
- شاهد: حجاج أرثوذكس يحيون يوم الجمعة العظيمة في القدس المحتلة ...
- الخارجية الروسية تفند الاتهامات المتعلقة بتورط موسكو في تفجي ...
- مكتب الإعلام الحكومي بغزة ينشر تحديثا لحصيلة الحرب: 3070 مجز ...
- كمبيوتر عملاق يتنبأ بـ-ضربة ثلاثية- تؤدي إلى انقراض البشرية ...
- التلفزيون المصري يكشف حقيقة إطلاق أول مذيعة بالذكاء الاصطناع ...
- الخارجية الروسية: رد الفعل الأمريكي على الاحتجاجات المؤيدة ل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد السعدي - من محطات حياتي .