أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيلا إلياس - المعنى القومي العربي للتنمية المستقلة















المزيد.....

المعنى القومي العربي للتنمية المستقلة


سيلا إلياس

الحوار المتمدن-العدد: 7689 - 2023 / 7 / 31 - 02:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتبادر إلى الأذهان دولٌ مثل مصر في عهد جمال عبد الناصر أو فنزويلا في عهد هوغو تشافيز كلّما طُرحت التنمية المستقلة كمشروع اقتصادي بديل لنهج التبعية الاقتصادية الذي تتّسم به معظم دول العالم الثالث بشكل عام، والدول العربية بشكل خاص. فمن جهة، تقوم دينامية التبعية على عملية التصنيع المحيطي، أي إعادة هيكلة التقسيم الدولي للعمل الذي تحكمه قوانين التراكم والنمو في المركز، ويتجلى ذلك من خلال توزيع الصناعات والأنشطة من بلدان المركز إلى بلدان المحيط التي تديرها البوجوازية التابعة (والمعروفة في القاموس السياسي باسم "الكمبرادور")، أما من جهة أخرى، تندرج التنمية المستقلة في جوهرها ضمن مشروع قائم على الانفلات من شبكة التبعية التي تكرّس قانون النمو اللامتكافئ. وما يهمنا هنا هو فهم الركائز التي تحكم نهج التنمية المستقلة بشكلها العام بعيداً عن التفاصيل التطبيقية التي تختلف من دولة إلى أخرى.

تتّسم التنمية المستقلة حسب المفكر الاقتصادي المصري د. إبراهيم العيسوي أولاً وقبل كل شيء بالاعتماد على الذات. فالعجلة الاقتصادية الوطنية لا يمكنها التحرك إلى الأمام إلّا بالمدّخرات الوطنية وتراكم رأس المال الوطني. وتلعب الدولة في هذا الصدد دوراً رئيسياً في ضبط الاستهلاك والاستيراد بهدف رفع معدّل الادخار المحلي لاطّراد التنمية. كما ينبغي على الدولة رفع فعالية القطاع العام، بالأخص في مجال الإنتاج والاستثمار الإنتاجي، لتنفيذ البرنامج التنموي الشامل، معتمدة على صيانة وتطوير المستوى الفني والإداري والتسويقي لهذا القطاع. واتصالًا بهذه المهمة، يجب أن تستثمر الدولة في النهوض بالمقدرات العلمية والتكنولوجية الوطنية عبر التعليم بحسب متطلبات المخطط الوطني للتصنيع والتنمية الشاملة ويعزز هذا الموقف "تقرير التنمية الصناعية لعام 2005" الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، الذي يعتبر الإنتاج المحلي للمعرفة شرطاً أساسياً للالتحاق بالدول المتقدمة اقتصادياً. فإن أي دولة ترغب بتحقيق التنمية من ألفها إلى يائها ينبغي عليها تطوير قدراتها التكنولوجية لإنتاج الآلات والتجهيزات التي تتكون منها المصانع المنتجة (السلع الإنتاجية)، بالإضافة إلى إنتاج السلع الجاهزة للاستهلاك. وهنا تأتي أهمية الطرح الاندماجي الإقليمي والوحدوي العربي والتعاون بين دول الجنوب من منطلق اقتصادي، لتوسيع السوق، واستيعاب الإنتاج المحلي بغاية تحقيق اقتصاديات الحجم.

أما فيما يتعلق بعلاقة الدولة التنموية مع السوق الحرة، فيجب التركيز على عدم وجود تناقض من حيث المبدأ بين دور القطاع العام ودور القطاع الخاص طالما كان رأس المال المحلي يعمل داخل الخطة الوطنية للتنمية الشاملة لا داخل مخططات الشركات الدولية. ومن المهم التذكير أن للسوق قدرات محدودة في سياق التنمية المستقلة كونه لا يعترف بالحاجات الأساسية لغالبية الشعب، وإنما يأخذ –من حيث طبيعته– فقط الشريحة التي تملك القدرة الشرائية بعين الاعتبار. لذا فعلى الدولة أن تأخذ على عاتقها مهمة إشباع الحاجات الأساسية للسكان، كالتعليم والصحة والغذاء والتشغيل خدمةً للدور الذي تلعبه الطاقة البشرية في التنمية.

كما ينبغي على الدولة، ولاعتبارات اجتماعية، فرْض بعض الإشراف على القطاع الخاص، وبالأخص مؤسسات مثل البنوك للحد من المحسوبية في القروض، ومنع التجاوزات التي يتم بموجبها توفير قروض لمن هم غير قادرين على سدادها. من جهة أخرى ينبغي على الدولة التي تسعى إلى تحويل اقتصادها من النمط التبعيّ إلى النمط المستقل، أن تصحّح علاقتها مع رأس المال الدولي المتواجد على أراضيها والمتجسد في الشركات متعدية الجنسية، من خلال رفع المعدلات الضريبية وتشديد المراقبة عليها، وفرض حصة للدولة في مشروعات تلك الشركات (كخطوة نحو التأميم) وإصدار قوانين اجتماعية مواتية لضمان حقوق اليد العاملة، وهو النموذج الذي اتّبعه تشافيز في فنزويلا قبل الدخول في مرحلة التأميم.

أما بخصوص ضبط علاقات الاقتصاد التنموي بالخارج، فلا بد للدولة النامية أن يكون سلوكها إزاء القوى الاقتصادية العالمية محسوباً ومنسجماً مع الشوط الذي قطعته في المسيرة نحو تطوير المزايا التنافسية التي تؤهل هذه الدول لدخول حلبة الإقتصاد الدولي بدون تبعية (كما فعلت الصين مثلاً). أما العلاقات مع دول الجنوب فيجب أن تسير نحو تنمية قدرتها التفاوضية مع الدول المتقدمة داخل منظمات مثل "منظمة التجارية العالمية" من جهة، وتبادل الخبرات وتشبيك التبادل الاقتصادي بشكل تكاملي من جهة أخرى، بغية تشكيل تكتلات إقليمية أو دولية قادرة على تحييد الهيمنة الاقتصادية الغربية على غرار تحالف "ألبا" في أمريكا اللاتينية أو "منظمة شانغهاي للتعاون" في آسيا أو "مجموعة البريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين. وهذا لا يعني عدم وجود تناقضات بين دول الجنوب على المستوى الاقتصادي، مما يجعل خيار التركيز على الإنتاج المشترك هو الخيار الأنسب بدلاً من تحرير التجارة بدون مراعاة التناقضات بين هذه الدول. ومن المهم ملاحظة أن الدول الرأسمالية تحاول إفشال التقارب الاندماجي والتكتل في دول الجنوب عبر محاولة إلحاق تلك الدول بمنظومة دول المركز، ونذكر هنا على سبيل المثال اتفاقات "الكويز" (المناطق الصناعية المؤهلة) التي تسهل للأردن ولمصر الدخول للسوق الأمريكية عبر البوابة الصهيونية.

من البديهي أن تبنّي التنمية المستقلة يؤدي إلى الدخول في صراعات وصدامات مع دول المركز الرأسمالي كنتيجة للحد تدريجياً من استيراد المنتجات من هذه الدول ودعم الصادرات وتقييد حرية المستثمر الأجنبي ودعم الصناعات الاستراتيجية، ويُضاف إلى ذلك الاصطدام المحتمل مع الشرائح والشركات المحلية التي تشابكت مصالحها مع مصالح رأس المال الأجنبي المعادي. ولذا يلزم توفّر درجة عالية من الوعي عند شرائح واسعة من الشعب العربي حول العواقب المحتملة، لأن هذا التناقض قد يصل إلى الحصار الاقتصادي أو العدوان العسكري، إذا لم يكن التعاون بين دول عربية أو غيرها قد تطور إلى مستوى يتيح بدائل اقتصادية داخل دول الجنوب أو قادر على ردع الخيارات العسكرية للدول الغربية.

باختصار، لا بدّ من إعادة الاعتبار لمشروع الوحدة العربية من بابه الاقتصادي، لاسيّما إذا تمّ ذلك من خلال قراءة نقدية لتجارب التنمية المستقلة التي شهدها الوطن العربي. إن المقاربة الاقتصادية لفكرة الوحدة تجذب فئة مهمة من المجتمع العربي مثل الصناعيين والتجار والعاطلين عن العمل لأنها مرتبطة بمصلحتهم المادية على المدى الطويل بشكل مباشر. وترويج مشروع التنمية المستقلة قومياً بإمكانه تحريك هذه الفئات نحو مشروع الوحدة العربية، بالأخص إذا تمّ إقناعها أنه لم تبقَ دولة في العالم إلا وهي مندمجة في كتلة إقليمية أو قارّيّة كما هو الحال في القارة الآسيوية وأمريكا اللاتينية. إن اندماج هذه الدول اقتصادياً فيما بينها وتبنّيها نهج التنمية المستقلة يجعلها أكثر نجاحاً في بناء القدرات الاقتصادية والعلمية والعسكرية وتوسيع دائرة الطبقة الوسطى، بعكس الدول التي اختارت أن تدور في فلك "وفاق واشنطن" المتمثّل في الإذعان لشروط البنك الدولي وصندوق نقد الدولي.



#سيلا_إلياس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية اليوم
- نظرية الوحدة العربية حديثاً


المزيد.....




- البنتاغون: انتصار روسيا في الصراع الأوكراني سيكلف الولايات ا ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر ملخص عملياته في رفح (فيديو)
- زخارف ذهبية وعرش خشبي.. مقاطع مسربة من -قصر بوتين- تكشف عن ...
- ممثلة إباحية تدلي بشهادتها عن علاقتها الجنسية بترامب في المح ...
- غموض يحيط بمقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر، ما الذي نعرفه عن ...
- محيطات العالم تعاني من -ارتفاع قياسي- في درجات الحرارة هذا ا ...
- بعد أشهر من المماطلة.. اتهامات تطال فون دير لاين بتجاهل وعرق ...
- اتفاق أوروبي على استخدام الأموال الروسية المجمدة لتسليح أوكر ...
- وزير مصري سابق يوضح سبب عدم تحرك جيش بلاده بعد دخول إسرائيل ...
- كيم جونغ أون يودع -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيلا إلياس - المعنى القومي العربي للتنمية المستقلة