أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أود ريفوال - باستمرار الرأسمالية تستمر البطريركية- مقابلة مع أود ريفوال















المزيد.....



باستمرار الرأسمالية تستمر البطريركية- مقابلة مع أود ريفوال


أود ريفوال

الحوار المتمدن-العدد: 7688 - 2023 / 7 / 30 - 12:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


باستمرار الرأسمالية تستمر البطريركية- مقابلة مع أود ريفوال


أجرت المقابلة أوجيني بـ. ونشرت بتاريخ 6 آب/أغسطس عام 2022 في الموقع الالكتروني frustration magazine

نشرت أود ريفوال تحقيقاً اجتماعياً عام 2021 في دار نشر La Dispute، بعنوان صناعة الذكورة في مكان العمل. من خلال عمل ميداني استمر لعدة سنوات في شركة توزيع منتجات طازجة تضم 15 ألف عامل/ة، سعت عالمة الاجتماع إلى فهم كيفية تشكل الهويات الذكورية في مكان العمل، في بيئة مهنية تتهشش (بسرعة) وتتأنث (ببطء). يخضع العمال، أغلبيتهم من العمال اليدويين، كما كل القطاعات إلى التكثيف والترشيد والمرونة في العمل. كان ردهم تجاه هجمات الرأسمالية وهشاشة وضعهم، من بين عدة أمور، تعزيز الممارسات الذكورية، تزايد التضامن بين الرجال، والإقصاء الخفي (أو العكس) للنساء، وإنكار معاناتهن… للاستجابة إلى متطلبات الرأسمالية والبطريركية، يجب ألا يكونوا فقط عمالاً صالحين، ومنتجين، وملتزمين ومنضبطين، ولكن أيضاً “ذكوراً ولكن ليس ذكوريين”. ومن أجل تجنب التهميش، إن تبني قواعد جديدة للذكورة هو إذاً ضروري- ولكنه متعب. في هذه الدراسة الرائعة، تسلط أود ريفوال الضوء على آليات بناء الذكورية في العمل، عند تقاطع الجندر والطبقة والعرق.

نقطة انطلاقة فرضيتك لافتة، فهي تسير على العكس من فرضيات النسويات المعتادة: فبدلاً من دراسة ما الذي يعيق النساء في العمل، فضلتِ تحليل كيف يحافظ الرجال على هيمتنهم في العمل “على الرغم من خلخلة الهويات الذكورية في وبواسطة أماكن العمل”. لماذا اخترت نقطة البداية هذه؟

الإعلان

إعدادات الخصوصية
كنت متعاقدة بموجب نظام الـ Cifre [عقد عمل لإنجاز أطروحة الدكتوراه مع شركة تستفيد من هذه الأبحاث- الملاحظة من المحررة] مع المؤسسة حيث أجريت هذه الدراسة. كنت قد بدأت بدراسة النساء، وأردت رؤية كيفية اندماجهن، والبحث عن استراتيجيات للتكيف مع عالم ذكوري بنسبة 80 بالمئة. ما اكتشفته على الأرض كان شبيهاً بكل الأبحاث التي استطعت قراءتها: كانت نفس الاستراتيجيات للتكيف والرقابة الذاتية. لقد توظفت للعمل حول المساواة المهنية، ولكن لم أتمكن من إتمام مهمتي بشكل صحيح، لأنني صادفت العديد من المقاومات من قبل المؤسسة ومن الرجال. وبما أنني لم أفهم لماذا وظفوني، قلت سيكون مثيراً للاهتمام طرح السؤال حول مقاومات الرجال، مدركة أن هذا المجال غير مدروس كثيراً في أدبيات علم الاجتماع. وقد غيرت قليلاً موضوع البحث بعد بداية عملي على الأطروحة، في وقت صدرت الترجمة الفرنسية لأعمال راوين كونيل [Masculinités. Enjeux sociaux de l’hégémonie, Paris, Éditions Amsterdam, 2014] وقد فتح هذا الكتاب مجالاً فكرياً هائلاً! إذ أثار بالغ اهتمامي فانغمست في المسألة الذكورية.

إذاً، هل كانت الصعوبة في عملك هي التي بدلت وجهة نظرك؟

نعم صعوبة القيام بالوظيفة التي عملت فيها، والتي تمثلت بتنفيذ سياسات المساواة المهنية: أدركت أنه ليس لدي فقط الوسائل لتنفيذها، إنما أكثر من ذلك، لم يكترث أي شخص. وأدركت كذلك أن الرجال الذين وظفوني لهذا العمل كانوا بأنفسهم متحيزين جنسياً للغاية، ولم يعتبروا أن انعدام المساواة بين الرجال والنساء مسألة موجودة، بالتالي لم أفهم لماذا جرى توظيفي. لقد أدركت لاحقاً أن أسباب توظيفي كان للدفاع عن مصالحهم المهنية الخاصة، وسأعود إلى ذلك. لم يكن الأمر أنهم كانوا غافلين عن وجود عدم المساواة- فهم يعملون في مجال النقل البري منذ 40 سنة، وبالطبع لقد تغيرت الأمور- إنما ما أوضحته لهم هو أن التمييز كان أكثر ضرراً، لأنهم كانوا مقتنعين بأنه لم يكن هناك الكثير لفعله بما خص تحقيق المساواة بين الرجال والنساء.

كيف تتمظهر “خلخلة استقرار الهويات الذكورية في وبواسطة العمل”، و”أزمة الرجولة” المفترضة، التي أشرتِ إليها في مقدمة كتابك؟

لقد أدركت من خلال مقابلاتي مع العمال القدامى والجدد، أنه بفارق جيل واحد، تناقص كثيراً التعلق بالمؤسسة. أدركت الأجيال الجديدة الشابة بسرعة كبيرة أنه ومن أجل الترقي في الهرمية الوظيفية، أو الحصول على أجر أفضل أو الحصول على المزيد من المسؤوليات، لا يكفي فقط أن تكون مخلصاً للمؤسسة: إنما عليك تركها وتغيير العمل، بكل بساطة. هذه ليست عقلية العمال الأقدم، والكثير منهم كانوا من الذين علّموا أنفسهم وترقوا في الوظائف. حصلت عدة انعطافات، ما ولّد شعوراً بعدم الاستقرار الدائم. لم يعد هناك من روح تضامنية؛ لم يتوقفوا عن القول “نحن عائلة كبيرة” ولكن في النهاية، الخطاب العائلي هذا لم يعنِ للشباب الكثير. كذلك، وخلال الـ 2010ات، أدخل نشاط جديد: الخدمات اللوجستية. وأجريت عدة أبحاث حول الموضوع! تحدثت عدة وسائل إعلامية عن النشاط اللوجستي من محضري الطلبات على سبيل المثال، هم مجموعة من العمال المؤقتين، وفي ظل ظروف عمل هشة، ويعملون بظروف غير مستقرة… وفجأة، وجد العمال الذين أملوا بالصعود على السلم الوظيفي أنفسهم منزعجين. لم يكن الأمر مجرد تخفيض مرتبة، إنما شعر العديد منهم بأنهم عالقون في حالة من انعدام الاستقرار، والأهم من ذلك، أنا كعالمة اجتماع، كان الأمر عنيفاً بعض الشيء بمواجهتي في بعض الحالات. لذا فقد حصل الكثير من الانعطافات، وواقع أنه لم يعد هناك الشعور بالانتماء إلى عائلة والحماية التي يمكن أن تؤمنها المؤسسة، هذا يعني انعدام استقرار هؤلاء الرجال. وكما نعلم أن هوية الرجال تبنى بجزء كبير بواسطة العمل، وهذه الهوية الذكورية جرى فهمها على نحو خاطئ: فإذا لم تبن بواسطة العمل، فبماذا تُبنى؟

يثير هذا الكثير من الأسئلة حول العلاقة التي أشرتِ إليها بين الرأسمالية والنظام البطريركي: هل يؤدي التهشيش ومرونة العمل إلى تعزيز مقاومات الرجال؟

نعم بالضبط. هناك العديد من الرجال، خاصة في المهن اليدوية، الذين يفتخرون بالقيام بـ”عمل الرجال”. وبالتالي، في مواجهة عدم الاستقرار الوظيفي، هذا كل ما بقي لهم. وإذا أدخلنا النساء إلى هذه المهن، فمن يمكنها العمل فيها ستكون فخورة على وجه التحديد لأنها “مهنة الرجال”، ما يخلق مقاومات شديدة. عندما تتخلخل هوية الرجال (سواء بسبب عدم الاستقرار الوظيفي، أو بسبب دخول النساء)، فإن هذا الأمر يولد مقاومات شديدة جداً.

أنت تستكشفين بدقة الأشكال المتعددة للمقاومة، التي تفضي إلى هويات ذكورية متنوعة. الأمر الأساسي صعب: يجب أن تكون “ذكراً وليس ذكورياً”. فمن هم ذكوريون، على الطريقة القديمة، يتعرضون للاستبعاد، أما من هم ليسوا كذلك، العكس. إنه توازن دقيق للحفاظ عليه! ما هي النتائج الملموسة لحالات عدم الأهلية في العمل، كيف يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في المجتمع؟

في الواقع، هناك عدة طرق حتى تكون رجلاً ولا يكفي أن تكون رجلاً حتى تكون مسيطراً، فلا يزال عليك أن تفعل ذلك “بشكل صحيح”. والحالة الأخيرة مستحيلة التحقيق، إنه حقاً نموذج صعب إلى هذا الحد أو ذاك. على سبيل المثال، تُقال عبارات ذكورية، ولكن عندما تكون مبتذلة للغاية، وتذهب بعيداً، هنا ستتعرض للإقصاء، وسيطلق عليك صفة “التخلف”، والأسوأ من ذلك، أنها ستوصِم الشخص بأنه غير جاد للغاية، وشخص لا يمكن الوثوق به. تأثير هذا الاستبعاد هو أنه لن يهمش الشخص فقط، إنما كذلك، من المحتمل أنه لن يحظى بأي مسؤولية. ولأن المدير يجب أن يكون قائداً للرجال، فيجب أن تكون شخصية نموذجية، ويجب أن تدخل إلى العمل ولكن كذلك أن تتمتع بصفات قيادة وفكرية. إذاً الرجل المبتذل جداً، سيكون في موقع وظيفي ثابت لا يتقدم، ولا يحصل على ترقيات.

أما بالنسبة لأولئك الذين “ليسوا ذكوريين بما فيه الكفاية”، فأنا لم أقابل الكثير منهم، وهذه إجابة بحد ذاتها!

هل يمكن القول إن هناك إقصاء للعمال الأقل تأهيلاً، والذين لم يندمجوا بقواعد الذكورة الجديدة، لصالح الكوادر؟

لا، إنها ظاهرة وجدتها كذلك عند المدراء التنفيذيين. لكن الصراع بين الأخيرين، هو نوع من الصراع بين الأجيال: هناك القدماء والذئاب الشابة، ويحصل سباق لمعرفة من يتكيف بشكل أفضل مع تحولات عالم العمل والتي تجري بسرعة شديدة، وخاصة في مجال التوزيع الواسع. هذه إحدى الأسباب التي دفعت مدير الموارد البشرية إلى توظيفي: كان يخشى بأنه لا يجاري المتسابقين من زملائه! كانت المساواة المهنية موضوعاً، ليس فقط بسبب وجود التزامات قانونية ولكن كذلك لأن الأمور في المجتمع تحركت بعض الشيء وقتها. لذلك، قال لنفسه إنه موضوع مبشر ومن المتوقع أن يكون جيداً في مسيرتي المهنية. وهذا ما يفسر سبب التزام المدراء التنفيذيين بمشاريع لا يوافقون عليها بالضرورة، إنما يحصل فقط لوجود مصلحة أنانية إلى حد ما بما خص التطور الوظيفي.

يقال دوماً أن الأجيال الشابة هي أكثر انفتاحاً على المساواة من الأكبر منهم، ولكنني أعتقد أن هذا الأمر غير صحيح؛ الأكبر سناً حريصون على التأقلم، وهم خائفون جداً من أن تتجاوزهم الأمور وفي بعض الأمور يقومون بأعمال أكثر من الشباب. إضافة إلى ذلك، إن الشباب منفتحون، مثلا، حول التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، ولكن هناك العديد من القواعد (والتي هي مرتبطة بالعمل) بالرغم من المرض، والعرض الذاتي، والروح الرجولية… والتي تعني أنهم في مواقع ليس لديهم فيها خيار سوى تبني تصرفات رجولية محددة. لذلك، بالطبع، هم أكثر مع المساواة بين الرجال والنساء، ولكنهم لا يمكنهم تجسيدها بشكل كامل.

إحدى فرضياتك القوية هي أن النظام البطريركي يبتلع ويتكيف مع مصلحته كل المطالب المتعلقة بالتمييز وذلك حتى يقوي نفسه. هل يمكن التقدم في المساواة المهنية، وبشكل عام حول مسائل الجندر، من دون أن يستغل النظام البطريركي ذلك لمصلحته؟

بشكل واضح، طالما أننا في ظل نظام رأسمالي، سيبقى لدينا النظام البطريركي، بتقديري. لقد كانت فرضية، وهي اليوم مؤكدة! لقد أجريت تشابهاً بين كتاب لوك بولتانسكي وإيف شيابيلو، روح الرأسمالية الجديدة، لأقول إن هيمنة الذكور هي ذاتها هيمنة الرأسمالية، فهي تجد دوماً وسائل لتجديد نفسها. وخاصة، لأنها متشابكة جداً مع النظام الرأسمالي الذي يعمل وفق نفس القيم الذكورية (بحيث نربط الذكورية بالرجال)، ويمضي الرجال بمزايا تنافسية أكثر مقارنة مع النساء. إذاً عندما تصل النساء إلى مناصب قيادية، هل من الجيد أن “يصبحن رجالاً كالآخرين”، أي معتمِدات ممارسات القوة والسيطرة؟ لست أكيدة. إنها “مساواة نخبوية”: تصل النساء إلى مناصب عليا، ولكن لا يتغير أي شيء في القاعدة، وهذا لا يغير النظام القائم، أي نظام الهيمنة والهرمية وألعاب السلطة.

إذاً، بحسب رأيك، التشابك بين النظام البطريركي والرأسمالية لا ينفصل؟

بالتأكيد، وذلك لسبب بسيط ووجيه: تعمل الرأسمالية على جزء من العمل المجاني الذي تؤمنه النساء في المنزل، بدون هذا العمل المجاني، لن يستمر النظام الرأسمالي [حول هذا الموضوع، إقرأ/ي على سبيل المثال سيلفيا فيديريتشي، الرأسمالية البطريركية- الملاحظة من المحررة].

يثير هذا السؤال عن سياسات المساواة المهنية في المؤسسات: ومن دون مساءلة النظام الرأسمالي، هل ستكون هذه السياسات مجرد طلاء تجاري؟ هل بإمكاننا إحراز تقدم حقيقي؟

لا أعتقد ذلك، إضافة إلى ذلك، أخبرني الكثير من الناس أن كتابي كان محبطاً لهذا السبب. أعتقد أن سياسات المساواة المهنية لا تمشي لأنها غير منطقية على أرض الواقع. لا يجد الناس المصلحة فيها، لأنهم يعملون بشكل أساسي من وجهة نظر عقلانية واقتصادية (لذا إن الهدف هو تحقيق الربح وأن تمشي المؤسسة وأن تخلق الوظائف…)، ولا يرون فائدة لبذل الجهود في هذا المجال، خاصة في أوساط الرجال لعدم وجود النساء الكافيات لبذل الجهود حول هذا الموضوع. وحين أخبرتهم أنه إذا لم يكن هناك نساء فهذا يعني شيئاً ما، كان دوماً لديهم الرد “المنطقي” المضاد: على سبيل المثال: القوة الجسدية. لن يسمحوا للنساء العثور على مكانة متساوية في المراكز التي تحتاج إلى قوة بدنية. عندما تدمج النساء ويجدن مكاناً مجزياً، هذا هو الحال في بعض الأماكن، فهذا لأنهن يُقدّرن لصفاتهن “الأنثوية”، والاستماع والتعاطف، لكنهن لن يصلن إلى المساواة لأنهن موضع تقدير بسبب اختلافهن. المشكلة ليست في الاختلاف، إنما انعدام المساواة الناتجة عنه. يمكننا القول إنه من الرائع أن كل الناس مختلفين، ولكن نعيش في عالم حيث يوجد هرمية لهذه الاختلافات. هذه الصفات (الاستماع والتعاطف) هي الأقل تقديراً في عالم العمل مقارنة بالقيادة والتحمل…

هذا لا يطمئن بشأن سياسات المساواة المهنية…

لو نجحت سياسات المساواة المهنية حقاً، فلن نتحدث في الموضوع بعد الآن! أعتقد أن المؤسسات لا تهتم بأن ينجح الموضوع، لأن الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لها. يمكن أن يتخذ الأمر أشكالاً ملموسة أكثر، على سبيل المثال إدارات الموارد البشرية تقول بشكل واضح قبل التوظيف: “نحن لا نوظف النساء لأنهن غير مناسبات جسدياً”، “بيئة الرجال خطرة عليهن”، “الليل ليس ملائماً لعمل النساء”… يمكن الإجابة أن النساء يعملن في الليل كذلك، كالممرضات على سبيل المثال… هناك الكثير من الحجج التي تثبت أن البناء الاجتماعي الذي حصل حول مهن محددة، وبعض الصفات المهنية المتوقعة، يجب تفكيكها- حتى لو كان صعباً فعل ذلك. وهذا الأمر يظهر خطاباً رأسمالياً كاملاً، وكذلك متحيزاً جنسياً، وهذا الأمر يفسر إقصاء النساء.

لدينا انطباع أن التقدم الخطي للنساء في عالم العمل، بأنه تقدم لطيف ولكن بطيء، ولكنني أرى أن بعض القطاعات والمهن تتراجع فيها نسبة النساء. ونلاحظ عودة إلى الخلف في بعض الأماكن، ما يعطي بعض الشرعية لإجراء بعض الأبحاث. ليس الأمر مجرد ردة فعل عنيفة من المتدينين القدامى الذين يريدون منع الإجهاض، إنما هناك الكثير من الأشياء المشينة والمقاومة العديدة والمتنوعة.

إضافة إلى ذلك، إن تكثيف العمل هو خطر على المدى البعيد بالنسبة إلى النساء. مثلاً، هناك الكثير من النساء اللواتي يتعرضن للإرهاق خلال العمل. هذا ليس لأنهن أكثر هشاشة من الناحية النفسية، إنما على العكس مما يقال، هذا الأمر يحصل لأنهن يعمل أوقاتاً طويلة، وبالتالي هن أكثر عرضة للإرهاق. وبالتالي، إن التحولات في عالم العمل تشكل خطراً أكيداً على توظيف النساء، وذلك ليس على سبيل المثال بسبب دور وكالات العمل المؤقت التي تفرز المرشحين بحسب الوتيرة. يجب التنبه جداً في هذا الإطار.

أنتِ تحللين أنواع الذكورة التي تشكلها عوامل الطبقة والعرق. نرى أنها ليست نفس الأنواع من الهويات الذكورية، وبعضها غير مقدرة. ما هي الاختلافات الكبيرة؟

لن أجري تعميمات لأنها تعتمد كثيراً على الوسط. ما تسميه راوين كونيل “الذكورية المهيمنة”، بالمعنى الثقافي وليس الكمي (يجسدها عدد قليل من الرجال)، والتي تأخذ ملامح الرجل الأبيض، متوسط العمر، غيري الجنس، ومن طبقة وسطى عليا. بالنسبة إلى هذا النموذج، هناك ذكوريات “غير مهيمنة”، “تابعة”، والتي تشكل هرميات فيما بينها. على الرغم من واقع أن الذكوريات هي متعددة، هناك تضامن وسط مجموعة من الرجال مقارنة مع مجموعة من النساء، وبين مجموعة من الرجال، هناك هرمية فيما بينهم. إن الذكوريات التابعة هي بالأحرى ذكوريات معرقنة أو مثلية. تعبر عن نفسها تحت سيطرة الذكورية المهيمنة. ويتم تقديرها بسبب بعض الصفات التي تمتلكها: لاحظت أن العمال المعرقنين كانوا مقدرين بسبب قدرتهم على التحمل، ولكن يخشى منهم بسبب “عدم انضباطيتهم” المفترضة. في الواقع، يُقدَّر الأشخاص “غير المقدرين” مقارنة بالذكورة المهيمنة تبعاً لاختلافاتهم، ولكن هناك خشية من العيوب فيهم التي تفترضها الأحكام المسبقة. مثلاً، الأشخاص المعرقنون معتبرون غير منضبطين، والأشخاص من الطبقات الشعبية معتبرة طريقة حياتهم تتجه نحو الإفراط، والنساء معتبرات كثيرات المشاكل فيما بينهن… إنه سيف ذو حدين. إن الصفات التي يتم تقدبرهن بسببها هي بالتحديد ما يجعل من المساواة مستحيلة. هذه الصفات التي تُقدر بسببها تعزز الصور النمطية تجاه النساء.

أنتِ تظهرين أن العلاقة بالجسد هي مركزية في عمل الرجال: عليك التحدث ولكن أيضاً عليك الانخراط في العمل جسدياً، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة. هناك استراتيجية إنكار المعاناة، وعدم الإعلان عن وجود الإرهاق بين العمال: لتخفيض العذاب الجسدي والنفسي في العمل، يجب تغيير ظروف العمل ولكن كذلك تغيير علاقة الرجال بجسدهم؟

اعتقدت ذلك لكنني تراجعت قليلاً عن هذه الفكرة. في الواقع، هناك الكثير من الدراسات التي تثبت أن الرجال يخاطرون أكثر. على سبيل المثال ما وصفه كريستوف دوجور [محلل نفسي فرنسي مختص في الصحة المهنية] حول “الدفاع الجماعي عن الذكورة”، والتي تقوم على إلقاء الذات في العمل لتخدير الخوف أو العذاب. هذا ليس بالضرورة ما لاحظته في أبحاثي: على كل الأحوال مع العمال (الذين، أجبروا أنفسهم على العمل)، ليس فقط لأنهم يعلمون جيداً أن الحياة في العمل لن تكون قادرة على دعم المخاطرة المتهورة، ولكن أيضاً لأن المعاناة اليوم باتت أكثر انتشاراً في الإعلام. هذه التغطية الإعلامية تظهر كما لو أنها تعطي الإذن للتعبير عن العذاب، وغالباً ما تكون وسيلة لتدخّل النقابات لتحسين ظروف العمل والصحة فيه. لذلك هناك علاقة مانوية أقل بكثير مما يُلصق بالرجال بما خص المخاطرة والعلاقة بالجسد.

بما خص العواطف، هناك الأمور أقل وضوحاً: نتحدث أكثر فأكثر عن الإرهاق، لكن القوة الجسدية استبدلت بالقوة العقلية، وتحملها على عاتقك. وإذا كانت الأمور ليست كذلك، فسنجعل الناس يتأقلمون مع عالم العمل، ولكن لن نجعل عالم العمل يتأقلم مع أجسام الناس وعقولهم. سنوفر مقاعد مريحة، وهياكل تساعد على الحمل، وسنجري تدريبات على الإيماءات والمواقف، ونوظف علماء النفس من أجل استمرار الناس بالعمل، دون التساؤل عن مسبب هذه المعاناة.

إضافة إلى ذلك، إن المفارقة هي أن المؤسسة ستضع كل هذه الأدوات، ولكن ستشجع تقريباً على المخاطرة، لأن هناك علاوات الإنتاجية! كلما عملنا بسرعة (أي زيادة للمخاطر)، كلما جنينا المزيد من المال. كما أن العمال المؤقتين هم الذين سيتعرضون لأكبر عدد من حوادث العمل، لأنهم بالفعل الأقل تدريباً، ولكن كذلك لأنهم يريدون تحقيق الكثير من المال لأنهم يعرفون تماماً أنهم لن يستمروا لوقت طويل.

إذاً، القيم الرأسمالية ونتائجها الاقتصادية (العلاوات مثلاً) هي التي تشكل علاقة الرجل بعمله؟

نعم، ولكن بسبب وجود محاكاة جماعية. الذكورية هي ممارسة جماعية. هناك رغبة بإثبات أننا قادرين مقارنة بزميلنا، وأننا سنتفوق على المعاناة حتى لو كنا متعبين، وأنه يمكننا الاعتماد علينا. لقد استطعت ملاحظة هذا عند المديرين التنفيذيين بما خص “نوادي الصبيان”، وفي الميدان حيث ممارسات التعزيز الذكوري.

ألم تلاحظي أي تضامن بين النساء؟

ليس الكثير، وهذا صحيح على نحو خاص بين الذكور: التضامن بين النساء من الصعب تحقيقه. لقد لمست هذا الأمر كباحثة ولكن كذلك كإمرأة. قلت لنفسي بإنني سأجد تضامناً جندرياً يساعدني على الدخول إلى الميدان، ولكن لم يحصل أي شيء على الإطلاق. وهذا لأن النساء أنفسهن قد استوعبن كل أنواع الأحكام المسبقة الأنثوية. وهذا ما تسميه دانيال كيرغوا “القياس المنطقي للنساء”، الذي هو: “كل النساء يشعرن بالغيرة. أنا لست غيورة. إذاً أنا لست بإمرأة”. إذاً هناك استحالة لخلق تضامن نسائي، لأنهن لا يرغبن الوقوع في الصور النمطية المهينة التي تصفهن بأنهن: عاهرات، راهبات، سخيفات… عدد النساء قليل جداً ويحكم عليهن بسرعة، خاصة بما خص ملابسهن: الأحكام القيمية قاسية للغاية! على سبيل المثال، إذا وصلت المرأة بقميص محفورة قليلاً، فستكون بقية النساء قاسيات معها، أكثر بكثير من الرجال. لقد بذلن جهوداً مضنية لخلق مصداقية مهنية لدرجة أنه فجأة، إذا وصلت امرأة بقميص محفورة، لن نتحدث سوى عن ذلك.

خلال عملك كإمرأة في المؤسسة، تقولين إنك غالباً ما يشار إليك من خلال جندرك. إذاً هناك نوع من أنواع الضبط.

نعم عندما يكون هناك عدد قليل منا في وسط ذكوري، تنفجر الأنوثة! مهما كانت صفاتك، سواء كانت أنثوية أم لا، ستتعرضين للضغط، وهو أمر ضمني للتحكم في جميع معايير أنوثتك. ليس الرجال هم من يجب أن يتحكموا برغباتهم أو ملاحظاتهم، إنما يفرض الأمر على النساء التحكم بما يسببنه للرجال، والاضطراب الذي سيحدثنه في هذا الكوكب الذكوري، لأنهن فجرن ذلك.

دائماً ما تُذكَّر النساء بضرورة الانضباط، وهذا الأمر هو هاجس اجتماعي. المجادلات حول لباس الفتيات في المدرسة، وحول لباس المسلمات هي أمثلة على ذلك… هل هذه الرغبة في السيطرة على أجساد النساء قوية كالتطورات النسوية الأخيرة؟

من الصعب قياسها، لكنها ليست مستحيلة. إذا كان هناك مثل هذه الحركات الذكورية القوية في كندا، على سبيل المثال، فربما يعود ذلك إلى أن الحركة النسوية قوية للغاية هناك. ليس مستحيلاً القول إنه في كل مرة كانت هناك موجة من التقدم النسوي، بعد بضعة سنوات، ستحصل ردة فعل عنيفة. مع ما حصل لحملة مي تو، يبدو أن ردة الفعل العنيفة بدأت مع محاكمة جوني ديب- أمبر هيرد، ومن ثم هناك كذلك حكم المحكمة العليا ضد الإجهاض في الولايات المتحدة… نحن نشهد قيام حركة عميقة كانت نائمة قليلاً، إنما هي حاضرة للغاية. المقال عن الذكوريين في لو موند مخيف، إنهم من الشباب. كما أنهم منظمين، ولديهم خطاب مقنع عندما لا تكونين معتادة على ذلك.

هل تخضع مراكز العمل المؤنثة بشكل كبير لفقدان التضامن النسائي ووجود تضامن ذكوري بحسب ما ذكرتِ في تحقيقك؟

بشكل عام، الرجال الذين يدخلون إلى هذه البيئات لديهم “مصعد زجاجي” (على العكس من النساء اللواتي لديهن “سقف زجاجي”): إنه وصول سريع جداً وسهل للغاية إلى مواقع المسؤولية، وإلى مراكز الإدارة. هذا هو الحال في مجال النشر، هناك الكثير من العاملات، ولكن الرجال هم من يتولون مراكز المسؤولية. ارتباط الرأسمالية بالذكورية موجود في كل مكان- ينطلق الرجال في عالم العمل الرأسمالي مع ميزة، غالباً لمجرد أنهم رجال ويُنسبون بسهولة إلى صفات قيادية افتراضية.

إلى أي مدى يمكن أن تصل خلاصاتك إلى أماكن عمل أو قطاعات أخرى؟ هل استنتاجاتك هي خاصة بالأوساط الشعبية التي هي بغالبيتها عمالية ومن الذكور، والعمل المكثف، هل أخضعتيه للدراسة في أطروحتك؟

فكرت أن عملي يمكن تعميمه على العديد من المؤسسات. اعتقدت أن هذا التحقيق يظهر الأعراض أو على أي حال يمثل بشكل عادل الكثير من الاتجاهات في عالم العمل: تكثيف العمل، الحوسبة الكثيرة… يمكن العثور على هذه الاتجاهات في العديد من القطاعات. كتبت في المقدمة: “من المستودع نفهم كل شيء”. كما هو الحال في كل مكان، هناك ترشيد وتكثيف وانتاج مرن. ومن هنا، يمكننا التفكير بالروابط بين الذكورية والرأسمالية. إشكاليات العنف والتحرش تظهر من هذه الأوساط، ولا تستثني أية بيئة اجتماعية، خاصة لأن لديهم جذور مشتركة.

هل يمكننا إلغاء الرأسمالية والنظام البطريركي والكولونيالية؟

أرى مخرجاً، وهو كناية عن مقاربة سياسية تقوم على المراهنة لقيام تضامن نسائي، يعمل التضامن النسائي بشكل مختلف عن نوادي الذكور، هو أفقي وأقل هرمية. هناك فكرة المساعدة المتبادلة، إلا أنها أكثر شمولاً. إن المهيمن عليهن من يجتمعن ويرفضن الخضوع للهيمنة لأنهن يرفضن الهيمنة على الآخرين. يجب أخذ مثل الرجال الذين يعرفون تماماً مد يد المساعدة عند اللازم، ولكن دعونا نفعل ذلك بشكل حكيم. إنه حل قوي للغاية.

عدم الهيمنة، ولكن عندما تكون مهيمناً من مستويات أخرى (أن تكون أبيضاً مثلاً)، فالأمر يكون بإيقاف أنظمة هيمنة مختلفة.

بالضبط، إن الثنائي بينسون-شارلو تعرض لكثير من الانتقادات لأنه عمل على المسيطرين، وهذا هو الحال بالنسبة للذكوريين! هناك العديد من أنماط النقد: بداية، هناك ما يدل إلى تلميح للرضا عن موضوع الدراسة، في حين هناك انتقادات للعمل لتجنب هذا التحيز. ومن ثم، غالباً ما نتهم بأننا مهتمون بالنتائج أو بالممارسات القديمة، لأن الجماعات (الرجال أو البرجوازية) في طور التحول؛ في الواقع، ممارسات الهيمنة تتحول، ولكن ليس الهيمنة! أخيراً، يمكن انتقادنا لإضاءتنا على الفئات “الفائضة”، في حين علينا الاهتمام بالمهيمن عليهم… لكننا بحاجة إلى فهم كيفية عمل المهيمنين من أجل تفكيك وسائل السيطرة، وتزويد حالات التضامن بالأسلحة.



#أود_ريفوال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باستمرار الرأسمالية تستمر البطريركية- مقابلة مع أود ريفوال


المزيد.....




- المظاهرات في جورجيا.. لا للتبعية لموسكو وواشنطن لن تكون البد ...
- طلاب محتجون في جامعة جونز هوبكنز الأميركية ينفون إجراء مفاوض ...
- عشرات الالاف من المتظاهرين الاسرائيليين يطالبون بإسقاط قاتل ...
- م.م.ن.ص// استمرار النكبة
- أضواء على حراك التعليم المجيد
- استنتاجات تجربة نقابية مديدة بقطاع التعليم: مقابلة مع الرفيق ...
- حراك شغيلة التعليم 2023: تقييم ودروس للمستقبل
- اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بانجاز اتف ...
- معركة الأجور.. وفرص المقاومة العمالية
- قادة الفصائل الفلسطينية في منتدي -مغرب مشرق- في تونس


المزيد.....

- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أود ريفوال - باستمرار الرأسمالية تستمر البطريركية- مقابلة مع أود ريفوال