فازت أنس جابر وخسر العرب

سلام نورس

الحوار المتمدن-العدد: 7675 - 2023 / 7 / 17 - 07:59
المحور: عالم الرياضة
    

تابع العرب ومعهم الجمهور البريطاني وملايين الافارقة وغيرهم حول العالم بألم وحسرة هزيمة لاعبة التنس التونسية العربية أنس جابر امام التشيكية ماركيتا فوندروسوفا Marketa Vondrousova في مباراة نهائي تنس ويبملدون في العاصمة البريطانية لندن التي تستضيف كل عام هذه المباراة الشعبية منذ عام 1877. بذلت أنس جابر التي ينطقون اسمها في الاعلام الاوروبي بلهجة فرنسية Ons Jabeur اقصى جهدها للفوز بهذه البطولة المرموقة عالميا لكن غلب التوتر والارهاق والاحباط عليها ولم تستطع الصمود امام قوة واصرار فاندروسوفا التي ضبطت اعصابها وتحلت برباطة جأش قوية ولياقة بدنية عالية. فالعبء الذي كان على عاتقها والتوقعات الكبيرة بفوزها من قبل الجمهور البريطاني، الذي كان منحازا لجانبها في الملعب وفي الاعلام، والعالم العربي، ربما كان اكبر من طاقتها.

لكن برغم ذلك ليس من المبالغة القول انها فازت بشخصيتها ومكانتها الرياضية وقوة عزيمتها في مواصلة مسيرتها الرياضية والفوز باللقب، يوما. من الناحية الفنية الرياضية ايضا ان مجرد وصولها الى النهائي (مرتين) يعد انجازا كبيرا بحد ذاته. وفازت باعتبارها امراة ولاعبة رياضية تخطت كل الحواجز الثقافية والاجتماعية التقليدية في مجتمع محافظ (واعني العالم العربي عموما) لا يشجع الرياضة (باستثناء كرة القدم ربما) وخاصة لعبة التنس منها ولا يعطي الرياضة حق قدرها.

حينما سئل كاسباروف بطل الشطرنج العالمي السابق يوما عن سبب تفوق الروس (في عهد السوفييت) عالميا في لعبة الشطرنج أجاب بابتسامة ساخرة بالقول انه لم يكن هناك في حياتهم شيئ اخر يفعلون. فتراهم يلعبون الشطرنج فيمهرون ويبدعون فيه. بغض النظر عن دقة صحة هذا الرأي فان النظام السوفييتي كان يولي اهتماما كبيرا للعبة الشطرنج ويخصص ميزانية كبيرة لها ربما لاثبات تفوقه في هذه اللعبة على النظام "الامبريالي" الاميركي كما شهد العالم مسابقة الشطرنج المثيرة للجدل والملقبة بلعبة القرن في ذروة الحرب الباردة بين المنافسين العالميين الاميركي بوبي فيشرBobby Fischer والسوفييتي بوريس سباسكي Boris Spassky في وائل سبعينيات القرن الماضي.

رأي كاسباروف في الحقيقة له دلالة وهو ان التدريب والتمرين وتربية المواهب واستكشاف الطاقات في المجال الرياضي وغيره له نتائج ايجابية مثمرة. خذ على السبيل المثال كم هو عدد ساحات كرة التنس في البلدان العربية؟ الجواب صادم اذ تكاد تكون معدومة مقارنة بباقي البلدان. في اسبانيا مثلا هناك ما لايقل عن 4000 ساحة للعبة التنس للتدريب والمباراة (كاتالونيا 1200 ومقاطعة الاندلس 770 لوحدهما). في جمهورية تشيكيا التي مساحتها 15 مرة اقل من مساحة الجزائر وخمسة مرات من مساحة مصر ولا يزيد عدد سكانها عن عشرة ملايين نسمة، والتي فازت مواطنتها فوندروسوفا بلقب بطولة ويبملدون العالمية، فيها عشرات ان لم نقل مئات من ساحات لعبة التنس. كل من مارتينا نافراتيلوفا Martina Navrátilová المواطنة الاميركية من اصل تشيكي بطلة التنس العالمية وكذلك الروسية ماريا شارابوفا Maria Sharapova بطلة العالم للتنس، بدأتا لعبة التنس والتدريب علي لعبة التنس وهما في سن الرابعة!

خلال العاب الالومبياد الاخيرة حصل العرب على اثنين او ثلاثة ميداليات ذهبية فقط وعدد من الفضة والبرونز. بينما حصدت بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها 66 مليون نسمة، اي ان العرب يفوقونهم بخمسة او ستة اضعاف على الاقل، لوحدها اكثر من 70 مدالية ذهبية! في مختلف الفعاليات.

ان تقدم الشعوب وتطور المجتمعات وتفوقها، في الجوانب الرياضية ايضا، لا يأتي منعزلا بل يأتي متسقا متناسقا وبالتوازي. فشل العرب والافارقة (ما عدا رياضة الجري التي لايكلف تدريبها شيئا وهي في متناول الجميع) ومعهم العالم الثالث، في مجال الرياضة في الحقيقة له اسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية ايضا، كمنع الفتاة العربية الرياضية من المشاركة في سباق السباحة مثلا ولبس المايو (وربما البوركيني!) باعتباره "حرام" حسب رؤية الأسرة او شيخ الدين الذي يفتي حتى في الامور الرياضية ويفسر كما يشاء، بل يحرّم حتى لعبة الشطرنج!

تشير الدراسات ان طفرات جينية (في ازدياد طول القامة مثلا) حدثت في المجتمعات الاوروبية خلال القرنين الاخيرين ومنذ الثورة الصناعية. وذلك ربما بسبب سرعة الحركة وتغيير نمط الحياة والتحولات الاقتصادية وتغير الظروف المعيشية.

ان الشعوب الخاملة والتي تعتبر المراة عورة او ان "مكانها المطبخ" لا يمكنها المنافسة في اي رياضة او فعالية بدنية خاصة بالنساء. لهذا فان المجتمعات الغربية متفوقة في مجال الرياضة، الى جانب تفوقها وتقدمها في المجالات الاخرى. ان الرشاقة واللياقة البدنية في مجال الالعاب الرياضية كالجري والسباحة والقفز وما شابه، نساء ورجالا على حد سواء، هو سر التفوق والفوز في المنافسات الرياضية. وهذا ما يتمتع به الرياضيون في المجتمعات الغربية وغيرها المتقدمة مثل اليابان على سبيل المثال، خلافا للعرب الذين يجلسون اكثر مما يمشون وينتجون اقل مما يستهلكون. شعوب تعاني من الفقر والحرمان والامية والجهل لا يمكن ان ترقى الى مصاف الدول المتقدمة ومستوياتها الرياضية. وإن حدث ذلك فهو استثناءات.

انس جابرحالة نادرة وامثالها في العالم العربي قلائل. هناك الاف الفتيات في جمهورية التيشك امثال ماركيتا لكن لاعبات التنس المحترفات في العالم العربي قلائل بعدد الاصابع، ان وجد ذلك اصلا. أنس هي قصة نجاح. اما العرب فقصة فشل. ليس في مجال الرياضة فحسب بل في مجالات عديدة اخرى لا تخفي الا على الحالمون. علمونا منذ الصغر الحكمة (الاغريقية) القائلة "العقل السليم في الجسم السليم". لكن صحيح ايضا القول "الجسم السليم في العقل والتفكير السليم"!

#سلام_نورس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات