أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هشام محمد - فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.















المزيد.....



فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.


يوسف هشام محمد
طالب متخصص بالرياضيات ومهتم بالمعارف والإنتاجات البشرية بوجه عام.

(Youssef Hisham)


الحوار المتمدن-العدد: 7668 - 2023 / 7 / 10 - 09:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُعد الدين من أكثر الأمور تعقيدًا - من حيث الدراسة - في كافة الحقول؛ النفسية الفلسفية التاريخية الإجتماعية والسياسية. كما عاهدنا في تصنيفات ما بعد حداثية، اللاحقة على الإستقلال الأمريكي والثورة الفرنسية؛ على وجه التحديد المرتبطة بشيوع التوسعات الأمريكية ولائكية الجمهورية الثالثة الفرنسية اللصيقة بقوانين فيري في التعليم، فإن العالم الجديد ينقسم لشقيّن محوريين، دول العالم الأول الغربية ودول العالم الثالث الشرق أوسطية. أرتبطت بدول العالم الأول مفاهيم سياسية هامة يعنينا منها حاليًا العلمانية، والتي تعني بشكل واسع : فصل الدين عن الدولة، وهو التعريف الذي نقطة إنطلاقه هي عدم إستغلال الدين وتوظيفه في الشئون السياسية وخلافه. أو بمعنى أكثر ضيقًا وتخصيصًا، فالعلمانية -من جهة تاريخية- ظهرت بمعنى : فصل شئون الكنيسة عن شئون السياسة.
بينما أرتبطت -أو ربطت دول العالم الأول- بدول العالم الثالث الوصمة الثيوقراطية، والتي تعني الحُكم الديني أو الحُكم بشرعية ومرجعية دينية.

منذ إندلاع هذه التقسيمات الثقافية وتم تصدير دول على شاكلة أمريكا وفرنسا على أنهم أصحاب المركزية الثقافية في العالم، ومما لا شك فيه هو وجود احتضان في البيئة الأمريكية للتعددية الثقافية بجانب توفير أرض خصبة للبحث العلمي والفكر الحر، مما وفر سياق متماسك لنشوء العلمانية بشكلها الواسع.

ولكن حين إمعان النظر في هذا الشأن، شأن احتضان أمريكا وفرنسا للعلمانية، على ضوء ذكر حادثتين على وجه التحديد، فسنجد المستجدات تغيرت بشكل وجب اخذه بعين الإعتبار.
أول حادثة هي مقتل مدرس التاريخ والجغرافيا الفرنسي صامويل باتي في 16 أكتوبر 2020 على أيدي طالب لاجئ شيشاني بعد عرض صامويل لكاريكتورات عن النبي محمد بغرض المرور على تاريخ هذا الحقل الثقافي بطبيعة المنهج التعليمي الفرنسي، وعلى الرغم من تخيّر باتي لطلابه المسلمين بالحضور أو الانصراف لتجنب الحساسية الدينية لديهم؛ فلم يغنيه هذا عن سكين الطالب صاحب الـ 18 عام.
كرد فعل طبيعي فلقد أثار الفعل نفور الأغلبية وأدانوا الفعل؛ وإن كان بعض المسلمين صدروا آراء تبرر الفعل بحجة الغيرة الإسلامية وقدسية الرموز الدينية، ولكن تلك قضية أخرى لمواقيتها آذان أخر. أما المنبر الذي أود الإشارة إليه هنا هو أن إيمانويل ماكرون كان شديد الحرص في خضم هذه الوعكة السياسية/الدينية على الصدام بشكل مباشر مع العالم الإسلامي حرصًا على قدسية العلمانية الفرنسية واحترامًا لأهمية النقد الديني في هوية الفرنسيين. على حد تعبيره. أبسط شواهد هذا الصدام هي حرصه على الظهور في لقاء مع قناة الجزيرة بتاريخ 31 أكتوبر من نفس السنة بغرض توضيح الغموض وإزالة الشوائع في تصريحاته.
إختيار ماكرون لقناة الجزيرة إختيار موفق؛ نظرًا لكونها قناة ذات صيت عربي لا يمكن إنكاره، وفي نفس الآن فهي قناة مهنية ومرموقة المستوى محتضنة العديد من الكوادر الإعلامية البارعة.
أما عن تصريحات ماكرون في هذا اللقاء فهي دبلوماسية من الطراز الأول. ففيها أعتمد ماكرون على الإحتفاء بالهوية العلمانية لدى الفرنسيين ومدى حساسية التعدي عليها؛ ومن جانب أخر أعتمد ماكرون على ترويض عنصريته وتوجيهها نحو التطرف والإنفصالية الإسلامي/ة دون الإسلام والمسلمين.

ولكن عند التدقيق في أصول العلمانية الفرنسية، سنجد أنه كما أشار المؤرخ ايان بارشال في مقالته على صحيفة چاكوبيان¹ بعنوان "النوع الخاطئ من العلمانية"، فلقد جائت العلمانية الفرنسية كردة فعل -أو بالأحرى كسحب ثقة - على تخلي الكنيسة عن فرنسا إبان الحرب الفرنسية-البروسية لأسباب سياسية صُبغت في نهاية المطاف بصبغات دينية بحجة أن -على سبيل المثال لا الحصر، وكما قال كاهن مسيحي إبان الحرب - سكان النمسا كاثوليك وعليه فيجب أن تدعمهم الكنيسة في الحرب عوضًا عن الفرنسيين. فلقد رأي فيري حينها أن التعليم -السبب الذي أحال الباحثين فوز بروسيا له- هو سلاح الدولة الأقوى بجانب غرس القيّم الوطنية والعسكرية بكيان المواطنين، فإن الكنيسة لا يُعتمد عليها فضلًا عن الإعتماد على التعليم والمدارس الدينية. ولكن هل كان الفرنسيين قوميين وأصحاب هوية علمانية حقًا؟ بمعنى هل كان هناك إندفاع داخلي نابع عن الفرنسيين تجاه المُثل القومية والروح العلمانية؟ حقيقةً لا، فلقد كان الفلاحين حينها ينتمون لمعالم طبقتهم عوضًا عن معالم الطبقات الأعلى؛ أي أنهم كانوا ينتمون للقبيلة والقرية عوضًا عن الدولة والمجتمع والجيش. فضلًا عن أن ربع سكان فرنسا حينها لم يكونوا يجيدوا الفرنسية؛ ناهيك عن كون بعض السكان لم يعرفوا بوجود لغة تُدعى الفرنسية من الأساس!.
مما يشير بوضوح لتمزق الملامح التي تُشكل ما يُدعى بالهوية الفرنسية، فكما بُنيت الهوية الفرنسية على الوطنية والمعسكرات واللغة، كان ربع المواطنين ملتصقين بالقرية ودوائرهم الصغيرة بجانب تحدثهم بلغات أخرى غير الفرنسية.
وهذا لا ينفي أو يقلل من الصراع الديني والإقطاعي الموشوم على جبين الفرنسيين، ولكن وجب التنوية كما ذُكر أعلاه أن هذه الوشوم وليدة الصراعات والزمن والضرورات الحربية والمآزق التي شبكت بفرنسا، لا أنها وليدة هوية الفرنسيين الأصيلة أو أن الفرنسيين "شعب علماني بطبعه".

من ناحية أخرى فعند التدقيق في خطابات ماكرون إبان هذه الفترة سنجد استخداماته لألفاظ "لطيفة" على شاكلة : محاربة الإنفصالية الإسلامية، الإرهاب الإسلامي، التطرف الديني.
وبتتبع الموقف عن مسافات أقصر في ضوء سياقه؛ سنعرف مدى حساسية هذه الفترة في حياة ماكرون، فترة التصاعدات السياسية على مجالات حساسة على شاكلة أزمة السترات الصفراء الناتجة عن زيادة أسعار الوقود والطاقة المستمرة حتى اليوم، بجانب أزمة قانون المعاشات الذي تحايل فيها ماكرون وسلك مسلك رئيس تونس قيس السعيد في التلاعب بالقانون والتعدي على سيادته. كل هذه أزمات تهدد إستمرارية ماكرون في السلطة وتخلق مساحة لا بأس بها لمنافسيه من اليمين المتطرف بغرض الوصول للسلطة.

وعليه فلقد استهلك ماكرون "كارته الأخير" لإسترداد قاعدته الجماهيرية ورصيده الشعبي لدى المواطن الفرنسي عن طريق مداعبة الهوية الفرنسية وتمسكه بالعلمانية وسط نيران الإسلام والإنفصالية الإسلامية المُضرمة. وبغض النظر عن هل الإسلام فعلًا يهدد حدود فرنسا الإقليمية ويشوه معالمها التاريخية كالطاعون أم لا (تلك قضية سنفصل فيها فيما يلي) ولكن كما هو واضح، فالمعركة هنا معركة سياسية تتعلق بزمام السلطة الفرنسية لا بالعلمانية أو الثيوقراطية، الأزمة هي أزمة قواعد شعبية سيقدم الرئيس ما يتكلفه الأمر للحفاظ عليها؛ سواءًا كلفه ذلك تصدره كرسول مُنقذ لعلمانية الدولة أو كمحتضن للأطياف المختلفة وعلى رأسها الإسلام.
وفي هذه الرواية تشابهات هامة تخدم الجملة الفطنة للأستاذ جلبير الأشقر² التي تنبهنا لأهمية فصل الدولة عن الدين، لا العكس فقط. وتنقلنا كذلك تلك الرواية الفرنسية لنظيرتها الأمريكية والتجربة الأضل بالعودة 22 عامًا من التاريخ للوراء.

تبدأ الراوية في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، إبان الضربات الإرهابية لبرجين التجارة العالميّن والبنتاجون الأمريكي فيما بعد. كانت هذه الفترة فترة ذعر لدى الشعب الأمريكي، العديد من الأسئلة والعديد والعديد من الهلع. حسب الأستاذ نعوم تشومسكي، السياسي البارز ودكتور اللسانيات في معهد ماسشوسيتس التكنولوجي، فإن هذه هي أول مرة منذ عام 1812 التي تُضرب أمريكا فيها في قلب مدينتها، أي أنها المرة الأولى التي لا يكون القصف على القوات الأمريكية بل على المدن الأمريكية.
كما أعتمدت حكومة بوش وقتها، فإن تنظيم القاعدة، الذي يترأس أيقونته أسامة بن لادن، هو المتسبب في هذه الحادثة البشعة.
كانت هذه الحادثة بداية مهمة لرواية التطرف الديني والإرهاب الإسلامي في أوروبا وأمريكا.
ولكن قبل الشروع في تحليل تلك الحادثة الهامة والفارقة، يجب أن أوضح بشكل جلي ما أنويه بالكلمات اللاحقة.
حادثة 11 سبتمبر هي جريمة إرهابية مما لا يدع مجالًا للشك؛ بشاعة راح ضحيتها حوالي 3000 مواطن، بينما تُرك البقية وسط مشاعر مدججة بالرعب والذعر وإنعدام الأمان. ولكني هنا لا أطمح لتدشين تحليل ميتافيزيقي جاف الطابع، لا أريد تصنيف الأطراف بشكل سطحي راميًا طرف في جهة اليمين والأخر في جهة اليسار، بل أطمح لتقرير تحليل أكثر عمقًا لتلك الحادثة، تحليل يضعنا بمقدمة المشهد الجدلي في هذه الفترة ويؤهلنا على فهم الحادثة بشكل جاد عن طريق تقصي حقائقها التي هي - في الأغلب - محذوفة من التاريخ، ولذلك، وكما قال الأستاذ تشومسكي³، فيجب علينا أن نصرخ بها بالمعنى العملي للكلمة.

تعريف الإرهاب حسب الوثائق الأمريكية هو: نشاط (أ) ينطوي على فعل عنيف أو فعل يشكل خطرًا على الحياة الإنسانية، أي أنه انتهاك للقوانين الجنائية في الولايات المتحدة أو أي ولاية. أو ذلك الذي يمكن ان يكون جنائيًا إذا ارتكب داخل الاختصاص القضائي للولايات المتحدة أو اي ولاية.
(ب) حيث يبدو المقصود منه : ١) تخويف أو إجبار السكان المدنيين. ٢) التأثير على سياسة حكومة بالترهيب أو الإجبار. التأثير في مسلك حكومة عن طريق الإغتيال أو الإختطاف.⁴

في رأيي الشخصي، وفي رأي القلة من محظوظي الإتساق المعرفي والنزاهة، وفقًا لهذه التعريف فإن الولايات المتحدة الأمريكية دولة إرهابية.
للإجابة على السؤال بـ "لماذا" هنا سأورد عدة نقاط هي بمنزلة غيض من فيض تاريخ العم سام.⁵

في 1984، وتحت شراع حكومة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب عدم رضاها عن حكومة دولة نيكاراغوا، بتسليح المتمردين والعصابات في البلاد بالإضافة إلى تفخيخ الموانئ البحرية والإقليمية للجمهورية التعيسة، مما أودي بحياة 29 ألف مواطن وأصاب حوالي 45 ألفًا أخرون، ناهيك عن تكليف البلاد خسائر مالية كثيرة تُقدر بالملايين، كل هذه العوامل في مواجهة دولة من أفقر الدول في أمريكا الوسطى جعلت النهوض من جديد عملية مُستعصية.⁶
بعد شن هذه الحملات الإرهابية العنيفة من إدارة ريغان تجاة نيكاراغوا، لم تتقدم حكومة نيكارغوا وتضرب المدن الأمريكية بالصواريخ أو تلغم ضواحي نيويورك بالقنابل إنتقامًا، بل اختارت المسار القانوني وتقدمت برفع قضية امام محكمة العدل الدولية تتهم فيها أمريكا بالتدخل في شؤونها الداخلية واستخدامها لأساليب إرهابية. وعليه، وفي سنة 1986 حكمت المحكمة لصالح نيكارغوا وأدانت الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة الإستخدام الغير مشروع للقوة وفرضت عليها دفع تعويضات مالية لصالح جمهورية نيكارغوا. وكان رد الفعل الأمريكي حينذاك هو نقض الحكم وتجاهله فيما بعد. وحتى يومنا هذا لم تعتذر أمريكا عن جريمتها البشعة تجاه نيكارغوا.

وفي الثامن من مارس سنة 1985، قامت وكالة الإستخبارات الأمريكية بتنظيم عملية تفجير إرهابية في بيروت على بعد عشر ياردات من منزل قائد حزب الله محمد حسين فضل الله الذي كان هو مقصد التفجير، ولكن المقصد لم يمسه؛ بل مس 80 فردًا أردتهم القنبلة مقتولين وأصابت غيرهم 200. ⁷

وفي سنة 1998، ألقت الولايات المتحدة الأمريكية صواريخ كروز على السودان أدت لتدمير مصنع الأدوية بالخرطوم، العملية التي قتلت - بشكل مباشر أي جراء إلقاء الصواريخ، أو بشكل غير مباشر أي جراء تعطيل عملية صناعة الأدوية لعلاج الطاعون والمالاريا وخلافه - عشرات الآلاف من السودانيين، ردًا على تفجيرات حدثت بالقرب من السفارات الأمريكية في تانزانيا وكينيا، العملية المعروفة بإسم "صواريخ كروز".
وهذه الحادثة على وجه التحديد توضح جليًا ضحالة الإستخبارات الأمريكية في التعامل مع الأزمة، هذا بفرض أن الولايات المتحدة كانت تنوي التصدي "للإرهاب" كما جاءت حكومة ريغان سنة 1981 مرددة لهذه العبارات الرنانة. حيث أنه بعد الهجوم على السفارات الأمريكية في تانزانيا وكينيا؛ تحفظت الحكومة السودانية على اثنين مشتبه بإشتباكهم في تلك العملية، وصرحت بإمتلكها لملفات ثرية عن شبكة بن لادن، وعليه فلقد تواصلت السودان مع الإستخبارات الأمريكية للتعاون معها في هذا الشأن، مما يوضح أن السودان كانت تنوي التعامل بشكل جاد وفي إطار قانوني لمعاقبة المسؤولين عن هذه التفجيرات. ولكن في المقابل، فلقد تجاهلت أمريكا هذه البوادر التعاونية وجعلت الكره رمالها التي وضعت رأسها بها وقامت بالهجوم على السودان في قلب عاصمتها مدمرة مصنع الأدوية الرئيسي بها ⁸. مع العلم أن إنعدام المهنية والفطنة لدى الـ CIA في التعامل في الحادثة السابقة توضح وبشدة مسؤولية الجهاز عن ما حدث لاحقًا في 9/11.
وإنه لمن البديهي والواجب في الحادثة السابقة ملاحظة أن أمريكا ردت الهجوم على سفاراتها بضرب دولة أخرى داخل المدينة؛ بل بعقر ديارها، أي بعاصمتها، فقط لوجود مسؤولين عن التفجيرات بداخلها؛ لاحظ أن الموقف عبارة عن دولة ضُربت من قِبل عصابات، فردت الهجوم على دولة أخرى لمجرد وجود أطراف من هذه العصابات بها، لاحظ جيدًا أن الحكومة السودانية ليست طرفًا في هذا النزاع، وإن كانت، فهي طرف تعاوني أختار السبل القانونية لحل الأزمة، حتى وإن كان هذا التصرف بغرض كسب الصفوف الأمريكية لصالح حكومة السودان لتكون حليفًا لها؛ فيظل التصرف هو التصرف القانوني، ورغم كل ذلك، فلقد تضررت تلك الحكومة ضررًا جسيمًا، ناهيك عن الأضرار اللاحقة بشعبها والمواطنين أنفسهم.

ولكن ما فائدة هذه الكلمات أو ما ثمار الإشارة لِمثل هذه الحوادث في موضوعنا الحالي؟. الفائدة هي النظر بشكل أعمق لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، فبادئ ذي بدء؛ وقبل الشروع في تفاصيل الحادثة نفسها، فأمريكا لم تنال أقل مما قدمت للعالم من حولها، وعن السيد الدكتور إدريس الطيب، رئيس مجلس إدارة الشفاء في السودان، أنقل كلماته بعد حادثة 9/11: "ما حدث بالسودان عمل إرهابي تمامًا مثلها مثل ما حدث للبرجين، الفارق الوحيد هو أننا نعرف جيدًا من ارتكبها. أشد ما يحزنني وقوع هذه الضحايا في نيويورك وواشنطون، ولكن إذا ما تحدثنا عن الأعداد والتكلفة النسبية في بلد فقير، فإن قصف السودان كان أشد سوءًا ".
وهنا يشير دكتور إدريس لنقطة مهمة، ألا وهي إيقاع كلًا من الحادثتين، أي أنه وبكل تأكيد صدى حادثة صواريخ كروز على السودان أشد صخبًا من 9/11 على أمريكا، نظرًا للجريمة في حد ذاتها ونظرًا للقدرات الإقتصادية المتفاوتة بين البلدين.
ناهيك عما حدث في نيكارغوا كما سبق وأشارت، فأمريكا هي الدولة الوحيدة التي أتهمتها محكمة العدل الدولية بالإرهاب، وعلى الرغم من ذلك تجاهلت أمريكا حكم المحكمة، وبما أن الشئ بالشئ يذكر، فدعنا نتأمل قليلًا الدروس المستفادة من الروايات السابقة.

أول درس من الأمثلة السابقة هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تضرب للعالم مثالًا يفي بأن الإرهاب دومًا ينتصر، وأن سيادة القانون والإمتثال له ـ كما كان موقف نيكارغوا حين لجأت لمحكمة العدل الدولية تقاضي أمامها أمريكا إحترامًا للقانون ـ هي عبارات رنانة نرددها حين تنصف هذه الشعارات مواقفنا الإمبريالية، أما ما دون ذلك فهي موجات صوتية لا قيمة لها ولا حيزًا لوجودها. هذه بالطبع ليست أرائي الشخصي، بل هي أراء أمريكا نفسها التي تؤمن بها كما هو واضح من مواقفها السابق ذِكرها.
مع العلم أني لا أنتوي وضع الضحايا في ميزان جاف وغير إنساني، ولا حتى أنتوي تقرير حكم الغابة: "العين بالعين"، أو تقرير أن أمريكا تستحق ما حدث جراء أفعالها، ولكني أنتوي بهذه الكلمات تقرير الفارق بين كوارث أحدثتها أمريكا وبين حادثة 9/11، بالإضافة إلى توضيح ـ فيما يلي ذكره ـ كيف تلوي الإدارة الأمريكية عنق الزجاجة وتمزق الحقائق.
والأهم من كل ذلك، تقرير حقيقة أن ما حدث لأمريكا في 9/11 لم يكن حُكم القدر جراء أفعالها كما سبق ونددت بأني لا أنتوي كتابة مثل هذه التفسيرات الماورائية، بل ما أنتوي تقريره لاحقًا هو أن ما حدث في 9/11 كان نتيجة مباشرة لجرائم أمريكا؛ لا نتيجة قدرية، بل نتيجة سياسية بحتة.




«برجين التجارة العالمين و العولمة»

تفاصيل الأحداث المريرة التي مرت على المواطنين في هذا اليوم كثيرة ولا تخفى عن الباحثين، يمكن لمن يرغب أن يجدها بسهولة في عدة مصادر موثوقة ⁹.
ولكن ما يخفى عن الباحثين فعلًا ـ وعن جريدة نيويورك تايمز أيضًا ـ هو لماذا وقعت هذه الجرائم؟. نددت الصحائف الأمريكية، ومنها صحيفة نيويورك تايمز، بأن ما حدث كان حربًا ضد الحرية والإستقلال الفردي في أمريكا، بل وإن ضرب البرجين على وجه التحديد به رمزية إعلان الحرب على العولمة¹⁰.
ولكن حين نسمع كلمات الصحفي روبرت فيسك، صحافي جريدة الإندبيندنت ومرآتها الأولى لتوثيق الغزو الأمريكي للعراق، فلقد قال روبرت واصفًا بن لادن حين سأله عن العولمة أنه "لا يعلم أي شئ عن العالم". ¹⁰ ردد السيد فيسك كثيرًا أن بن لادن كان واضحًا على وجهه أنه يسمع هذه الألفاظ للمرة الأولى في حياته. لذلك فمن الواضح أن أسامة لم يعرف شيئًا عن الحريات والفلسفات الأمريكية، لم يفقه شيئًا عن العولمة والإقتصاد الكلاسيكي والحديث. ولكن لماذا إذًا أقبل على فعلته٭ إن كان الأمر على هذا النحو، ولماذا تبنت الإدارة الأمريكية والصحف حينها رواية الحرب على التطرف الإسلامي والعرب؟.

بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان سنة 1979، بدأت أمريكا تتحسس أسلحتها خوفًا من الشبح الشيوعي الذي على وشك إجتياح العالم¹²، فالمشكلة الممتدة من بعد الحرب العالمية الثانية وصولًا للحرب الباردة بين البلدين لم تكن مشكلة سياسات وتقسيم ثروات وحسب، بل كانت مشكلة صراع بين الهيكل الرأسمالي ونظيره الشيوعي. وعليه فلقد تحالفت أمريكا حينها مع المخابرات الباكستانية والسعودية ومصر بهدف دعم وتسليح وتدريب الشباب الأفغاني للجهاد ضد السوفيت في أفغانستان بغية تحرير بلدهم من الإستعمار السوفيتي، الحقيقة التي يرويها لنا كاتب وصحفي الشرق الأوسط جون كولي في كتابه: "حروب غير مقدسة : أفغانستان، أمريكا و الإرهاب الدولي". الكتاب الذي لم تتداوله المكتبات الأمريكية ولم تهتم بشأنه الأوساط والصحف لسنوات عديدة. ¹³
ومن الفطنة هنا ملاحظة جيدًا أن الأطراف الثلاثة ـ أي باكستان السعودية ومصر ـ التي تعاونت معهم الإدارة الأمريكية حينها هي أطراف مسلمة، بل ومنهما طرفان ـ أي مصر والسعودية ـ كانتا يتبنيان في هذا الحين التفسيرات الوهابية والمتطرفة للدين اللإسلامي بشكل صريح.
هل في ظل كل هذه القرائن تستقيم رواية الصراع بين الحضارات أو الصراع بين الإسلام والحريات الأمريكية؟. في حقيقةً الأمر، إن دعابة التعارض بين الإسلام والحضارة الأمريكية هذه لدعابة ثقيلة الإيقاع في ظل ما كانت تقوله إدارة كلينتون عن سوهارتو الرئيس المتولي للسلطة في اندونسيا سنة 1965، التي هي صاحبة أكبر تعداد للمسلمين في العالم، الرئيس الذي أقام مجازر تعذيب ضد شعبه، كانت تنعته الحكومة الأمريكية بـ: "نوعها المفضل من الرجال".¹⁴
أظن بات واضحًا أيضًا ما هي الإجابة على سؤال من هم المسؤولين عن نشأة تنظيم القاعدة، فلقد تلقى الثلاثي المرح، أمريكا السعودية ومصر، مرارة ما دفعوه وضريبة ما قدموه من مساعدات للشباب الأفغان حين غزو السوفيت، كلًا بضريبة مختلفة ولكن جميعها يجمعها التطرف. فلقد قُتل أنور السادات سنة 1981 على أيدي الجماعات الإسلامية، كنتيجة غير مباشرة لدعم التطرف. وذاقت السعودية مرارة هذا التطرف ـ وكانت لا تزال تذوقه حتى سنوات قريبة ـ على أيدي جهيمان العتيبي في حادثة اقتحام الحرم الشريف وقتل الحجاج. وأخيرًا أمريكا في حادثة 9/11، ولعل الأخيرة هذه هي الحادثة الأكثر مباشرة في نظائرها، لماذا؟.


حين سئل روبرت فيسك وكذلك صحافي السي إن إن بيتر أرنت بن لادن¹⁵ عن سبب حربه على أمريكا أو لماذا أعلن الجهاد على أمريكا، أجاب الأخير: "لقد تصرفت أمريكا تصرفات في غاية الظلم والشناعة ضد الفلسطينين عن طريق دعمها للإحتلال الإسرائيلي، ذلك بالإضافة إلى بناء قواعد عسكرية لأمريكا داخل المملكة العربية السعودية، فلقد فعلت أمريكا تمامًا نفس ما دعمتنا سابقًا كي ننهيه. [يقصد أنه كما دعمتهم أمريكا لإنهاء استعمار السوفيت لأفغانستان، قامت هي بدورها بإستعمار السعودية]".
هذه هي الأسباب الواضحة التي قال بن لادن أنه أعلن الحرب على أمريكا بسببها؛ وهنا لم يقل العولمة ولم يأتي بذكر الحريات في كلماته من قريب أو من بعيد كما أدعت النيويورك تايمز.
وأضاف بعد ذلك أيضًا: "إن ديننا الإسلامي يمنع دخول غير المسلمين بدخول مكة المكرمة، ودخول القواعد العسكرية لمكة هو بخلاف ديننا الإسلامي".
أتمنى أن تتذكر جيدًا هاتين الجملتين بنفس الترتيب الذي قالهم به بن لادن لأنني سأشير لهم لاحقًا.

ولكن وبعد أن فهمنا سبب حرب القاعدة على أمريكا، يتبقى لنا سبب حرب أمريكا على القاعدة. أي لماذا شنت أمريكا الحرب حينها على الإسلام والعرب؟.

أنا لست من أصحاب نظريات المؤامرة وخلافه من التفسيرات السخيفة. وأنا لست كذلك من الذين يقولون بأن أمريكا هي المتسببة في تفجيرات 9/11 لأغراض سياسية، فحقيقةً إحتمالية تدبير إدارة بوش لمثل هذه التفجيرات إحتمال ضئيل جدًا، خصوصًا وأن أمريكا ليست دولة ديكتاتورية (وهو ما سآتي بتوضيحه بشكل أكبر في الخاتمة).
ولكننا لا يمكن أن ننكر أن مثل هذه التفجيرات قدمت على طبق دهبي لإدارة بوش لتحقيق ثلاثة أهداف، أولًا التوسع في صلاحيات حكومة بوش في البلاد تحت شِعار قانون "الحرب على اللإرهاب"، القانون الذي حاز على موافقة كل أعضاء مجلس الشيوخ ماعدا عضو ولاية ويسكونسن فَطن الرؤية السيد رُص فاينجولد، الذي ندد مرارًا وتكرارًا بأن الأزمة التي تمر بيها أمريكا أزمة صعبة ومريرة، ولكن يجب أن تحلها الإدارة الأمريكية في إطار القانون والدستور، حيث إنه إذا نجحت أفعال بن لادن في إجبار المواطنين الأمريكيين على توسيع صلاحيات حكومة بوش، حينها فقط يكون قد انتصر أسامة في حربه فعلًا. الكلمات التي تذكرني وبشدة بكلمات الأب المؤسس للولايات المتحدة الأمريكية بنجامين فرانكلين: "الذين يتخلون عن الحرية مقابل الأمان، لا يستحقون أيًا منهما".

أما الهدف الثاني لحكومة بوش فكان انقاذ الدولار كالعملة الإحتياطية في العالم، ذلك بجانب الإستلاء على المخزون الثري للبترول في العراق عن طريق غزوها.
العراق لديها حوالي 60% من مخزون البترول في العالم، بينما أمريكا هي المستهلك الأول له في العالم. وعلى حسب كلمات نائب الرئيس جورج بوش حينها، ديك تشيني، فإن "كل من يتحكم في تدفق نفط الخليج العربي لديه قبضة خانقة ليس فقط على اقتصادنا ولكن أيضًا على دول العالم الأخرى " هكذا يقول تشيني.
ذلك بالإضافة إلى أنه بعد أن وقعت أمريكا إتفاقية في السبعينيات مع السعودية تنص على تحرير البترول بالدولار الأمريكي لكي تحافظ على قيمة عملتها عالميًا، قامت إيران سنة 1999 بالتعامل مع مخزوناتها للبترول باليورو، ثم لحق موقفها صدام حسين في العراق سنة 2000 بالتعامل باليورو عوضًا عن الدولار. ¹⁶
كانت هذه أسباب كافية للسيد بوش تدفعه للتصريح بأن العراق وإيران هم محور الشر.
ولكن هذه أسباب خلف الكواليس لم تستطيع الإدارة الأمريكية التصريح بها للغزو.
وهنا يأتي الهدف الثالث للإدارة الأمريكية. ألا وهو إقامة حرب مقدسة ضد الإرهاب، حرب ضد الإنفصالية الإسلامية، فالحروب المقدسة عادةً ما تلقى الصيت عند الأغلبية من المواطنين. وعليه فلقد تبنت الإدارة الأمريكية روايتين في هذا الصدد.
أولهم هو أن أبو مصعب الزرقاوي، إسلامي يعيش بالعراق، قالت عنه الإدارة الأمريكية أن له علاقة وثيقة مع بن لادن وشبكته المسؤولة عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. على الرغم من أن الزرقاوي ألتقى بن لادن مرة واحدة، ولم تسري الأمور بينهم على ما يرام لأن الزرقاوي كان تعهد الاعتداء على الشيعة، بينما كانت والدة بن لادن شيعية المذهب.

وثاني الروايات هي تبنيهم لرواية رئيس وزراء بريطانيا، توني بلير، الرواية المبنية على وثيقة "إدعاء الـ 45 دقيقة" والتي تفيد بأن العراق بها أسلحة دمار شامل ويمكن أن تصل لتدمير أمريكا وأوروبا بعد 45 دقيقة من إطلاقها. ¹⁷


كانت هذه هي الأرضية الخصبة المتكاملة التي جعلت تفجيرات 9/11 هدية للإدارة الأمريكية، الهدية التي أهلتها على غزو العراق ونهبه عن بِكرة أبيه. وخير مثال في هذا الشأن هو الصور التي تسربت عن تعذيبات الجنود الأمريكان للمساجين في سجن أبو غريب المعروف بإسم سجن بغداد المركزي اليوم، ناهيك عن قتل أولاد صدام حسين بشكل بشع وتصوريهم والتنكيل بجثتهم ودفنهم بعد أسبوع من موتهم.
وفي هذا الصدد يمكنكم اللجوء للمقالات النبيهة والمهنية لصحيفة الإندبيندنت التي عارضت حرب أمريكا على العراق قبل شروعها، ووثقت في العديد من المقالات الجرائم الأمريكية ضد الإنسانية لهذه الفترة. ¹⁸
كل هذا على الرغم من تبيان أن صدام لم يمتلك أية أسلحة للدمار الشامل، وذلك وفقًا لتقرير أصدرته الحكومة البريطانية سنة 2004 بعنوان: "تحقيق باتلر" يفي بأن رواية الـ 45 دقيقة بُنيت على قرائن وتحريات غير دقيقة، وأن التقرير الذي يفيد بوجود أسلحة دمار شامل بالعراق - في أحسن الأحوال - جانبه الصواب. ¹⁹


ومن الطريف هنا ذكر أن أمريكا التي غزت العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل بالبلاد، هي نفسها التي مدت العراق بأسلحة كيماوية حتى يقصف بها صدام حسين شعبه من الأكراد بعد أن أخبره جهاز الإستخبارات الأمريكية إبان حربه مع إيران أن هناك محاولة من الأكراد للإستقلال عن العراق. الحادثة التي أنكرها جهاز الإستخبارات الأمريكية كثيرًا وظلت تردد مرارًا وتكرارًا أن: "الحكومة العراقية لم تخبرنا عن نيتها هذه". حتى سرب العقيد المتقاعد بالقوات الجوية ريك فرانكونا، الذي كان ملحقًا عسكريًا في بغداد خلال ضربات عام 1988، قال لصحيفة فورين بوليسي: "لم يخبرنا العراقيون قط أنهم يعتزمون استخدام غاز الأعصاب. لم يكن عليهم ذلك. لقد كنا نعلم بالفعل". وقام بتسريب المستندات الإستخبارية التي تثبت كلماته لنفس الصحيفة. ²⁰

هكذا هي الرواية كما يخجل أو يجبن في بعض الأحيان الكثيرين من تقريرها، هذه هي الطريقة التي دعمت بها الولايات المتحدة الشبكة التي فجرتها لاحقًا، بل ولم تكتفي الإدارة الأمريكية حتى هذا الحد، بل أستمرت بإستغلال الأزمة لتدشين حرب على الإرهاب والتطرف الإسلامي.
ولكن يتبقى في هذا التقرير إجابة على سؤال لا يقل أهمية عما سبقه، ألا وهو هل الإسلام هو السبب في هذا الإرهاب حقًا؟.

بهدف للإجابة على هذا السؤال أود التذكير بأقوال السيدة لورا بوش، زوجة جورج بوش، التي نددت كثيرًا بأهمية غزو أفغانستان "حتى يتسنى لنا تحرير المرأة هناك".
وعلى ذكر هذه الكلمات تحضرني كلمات ماركس وأنجلز في كتاب الفلسفة الألمانية حين كتبوا: "إن النّاس هم منتجو تصوّراتهم وأفكارهم وهم أناس حقيقيّون فاعلون ومشروطون بحدّ تطوّر قواهم الإنتاجيّة، ولا يمكن للوعي أن يكون أيّ شيء أبدا، سوى الوجود الواعي، وخلافا للفلسفة الألمانيّة التي تنزل من السّماء إلى الأرض فإنّنا نصعد هنا من الأرض إلى السّماء" .
وهنا في رأيي الشخصي يكمن مربط الفرس، بيت القصيدة هو التحليل من الأرض للسماء، لا الهبوط بالتحليل من السماء للأرض. أي أن القضايا في الأرض (ومنها الدين كذلك) تنشأ لأسباب سياسية وإجتماعية على الأرض، قد يبرز في هذه الأسباب العامل الديني بالطبع، ولكن بروزه لا يتعدى كونه غطاء أو صبغة هدفها الدفع للأمام.
شبكة بن لادن في أفغانستان قامت بضرباتها اللإرهابية الشنيعة لأسباب واضحة، وهي التي ذكرها بن لادن سابقًا، وكما نوهت سابقًا على أهمية التركيز في ترتيب رد بن لادن، فقد نلاحظ أنه فور ما سُئل عن سبب حربه المقدسة أجاب بعبارات على شاكلة: الظلم، الإنتهاكات ضد الفلسطينين، بناء قواعد أمريكية في السعودية (السعودية التي هي بالمناسبة بلد نشأة بن لادن). أي أنه أقر بأن الأسباب هي أسباب سياسية بحتة. بالطبع حين فكر قليلًا وأضاف، أضاف وقال أن الدين الإسلامي يقر بعدم دخول غير المسلمين لمكة.
ولكنه هنا في رأيي لما يتحدث عن السعودية بوصفها مملكة مقدسة، بل بوصفها وطنه الذي ترعرع به.
وهنا تتضح كلمات ماركس وأنجلز جيدًا، فكما هو ملحوظ في كلمات بن لادن، فالأسباب التي دفعته للحرب هي أسباب سياسية تتعلق بالإمبريالية والظلم الأمريكي والإستعمار الوقح. قد يأتي الدين كعامل بالطبع، ولكن ـ وكما رأينا ـ فهو عامل دفع لا أكثر ولا أقل. شأن ذلك الحوار شأن وضع المرأة في أفغانستان الذي أشارت له السيدة لورا بوش، فهذا الوضع له نظائره العديدة في أمريكا، وهو وضع ينشأ لأسباب سياسية (من الأرض) ثم يُصبغ بصبغات دينية (أي يصعد للسماء).



خاتمة

على الصعيد الشخصي، فأنا أعيي جيدًا معنى الذعر والرعب الذي هو على شاكلة أحداث 9/11، لقد شهدت بأعيني وأذني في مِصر أصوات التفجيرات الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية أمام مقر القنصلية الإيطالية منذ ثمان سنوات كما لو كانت البارحة ²¹.
أتذكر حينها حالة الذعر التي عمت على أسرتي والجيران. هذه المشاعر حقًا مريرة. ولقد الأشد مرارةً منها هو السماح للحكومات بالتوسع في صلاحياتها بالتعدي على القانون والدستور بحجة الكفاح ضد الإرهاب. حين الموافقة على مِثل هذه التوسعات نكون فوضنا السلطة بتمزيق كل مبادئنا، حينها نسمح للأنظمة بإستهلاك الدين وإستغلاله لتحقيق مصالحها. حينها نكون سمحنا فعلًا باللإرهاب لا بالكفاح ضده، الإرهاب الذي ستفرضه الدولة ـ عاجلًا أم أجلًا ـ على مواطنيها بتعذيبها لهم وإتهامها لهم بالإرهاب. حين نتخلى عن سيادة القانون والرقابة والمحاسبة ومبادئ القضاء والفصل بين السلطات حينها سينتصر الإرهاب فعلًا. وحينها سنلقى مرارة أحدى النقمتين، إما دولة رأسمالية توسعية مِثل أمريكا، دولة فعليًا ليست ديكتاتورية، بل رأسمالية ومستهلكة للثروات عن طريق الهيمنة الثقافة وأساليب فرض القوة. إما سنلقى نقمة دولة دكتاتورية تقتل وتعذب شعبها وتنهش مواطنيها إقتصاديًا بلا محاسبة ولا مراجعة.
--------------

٭ : وجب التنويه كذلك أن بن لادن أخبر السيد فيسك أنه لم يكن المسؤول عن تفجيرات 9/11 ولكنه على صلة وثيقة بإثنان من مرتكبيها وأن شبكته هي المسؤولة عن التفجيرات.

مصادر :
١: المقالة موجودة مُترجمة للعربية على مجلة حكمة بنفس العنوان المذكور: النوع الخاطئ من العلمانية.

٢: أجريت هذه المقابلة في الأصل باللغة الفرنسية وصدرت في مجلة "أكتويل ماركس" (Actuel Marx) في عددها الثاني لعام 2018 (العدد 64، ص 101-111) في ملف خاص عن الدين، حرّره إتيان باليبار وميخائيل لووي.
الجملة المستشهد بها هي من الصفحة الخامسة في الجزء الأول من الحوار:
"العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة – أي رفض تدخل الدين في الدولة، لكن أيضاً رفض تدخل الدولة في الدين، وهو الوجه الآخر للعلمنية الذي غالباً ما يُغفل."

٣: جملة كتبها نعوم تشومسكي لچورچ روچيرو أثناء تحرير كتاب 9/11

٤: [قانون الولايات المتحدة أخبار الكونجرس والإدارة، الكونجرس الثامن والتسعون، دور الإنعقاد الثاني، 19_1984 أكتوبر، مجلد 2 فقرة 3077، stat 98، 2702 ، نشر شركة ويست 1984]

٥: العم سام هو اسم شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأمريكية منذ حرب 1812.

٦:مقالة "الولايات المتحدة بين الافراط في القوة وفي السيطرة
الارهابية، سلاح الاقوياء". لنعوم تشومسكي

٧: مقالة لواشنطن بوست بعنوان :"CIA Denies Part in Bombing" منشورة بتاريخ 23 يونيو 1985.

٨: تحدث أستاذ تشومسكي عن هذه الحادثة وأدلى بهذه التفصيلات في مقابلته مع ديڤيد بارسيمان في 21 سبتمبر 2001، واستشهد بمقالة لچيمس ريزين على نيوورك تايمز في 10 يوليو 1998. ولكني بحثت كثيرًا في أرشيف الجريدة ولم أجد مقالة للسيد چيمس ريزين بهذا التاريخ، ولكني وجدتها بتاريخ التاسع من يناير 1999 بعنوان: "UNHEEDED WARNINGS: A special report Before Bombings, Omens and Fears". فأغلب الظن أن هذه هي المقالة التي قصدها أستاذ تشومسكي في المقابلة ولكن التواريخ أختلطت على محرر المقابلة أو السيد تشومسكي نفسه.

٩: في هذا الصدد سأقوم بترشيح فيديوهين فقط نظرًا لكثرة المصادر المصورة في هذا الشأن. الأول هو فيديو يوثق خمسين رؤية مختلفة لحظة الإنفجار بعنوان: 50 Views of Plane Impact in South Tower | 9/11 World Trade
Center (2001
والأخر وثائقي من برنامج 60 minutes بعنوان: 9/11: The moment the world changed 20 years on | Under Investigation .

١٠: كتاب 9/11 لنعوم تشومسكي، تم تحريره من مكتبة الشروق الدولية.

١١: حوار الجزيرة مع فيسك بعد وفاة بن لادن بعنوان: Robert Fisk on Bin Laden death

١٢: هذه الجملة مقتبسة من مقدمة البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك إنجلز.

١٣: وبجانب هذا الكتاب فلدينا كذلك حوار همت مصطفى مع الرئيس الأسبق أنور السادات بعيد ميلاده المنشور على قناة ماسبيرو بتاريخ 8 أكتوبر 2016 بعنوان حوار السادات مع همت مصطفى بمناسبة عيد ميلاده عام 1980. الحوار الذي قال فيه السادات صراحةً عن دعمه للجهاد الأفغاني في ضد السوفيت.

١٤: حوار لألان ناريان مع بيل كلينتون منشور على صحيفة democracy now بعنوان: The Democrats & Suharto: Bill Clinton & Richard Holbrooke Questioned on Their Support for Brutal Indonesian Dictatorship .


١٥: حوار منشور بتاريخ 2 مايو 2011 بعنوان: Osama Bin Laden declares jihad in 1997 CNN interview .

١٦: مقالة السيد جون تشابمان على صحيفة الجارديان بتاريخ 28 يوليو لسنة 2004 بعنوان: The real reasons Bush went to war .

١٧: المصدر السابق.

١٨: مقالة صحيفة الإندبندنت منشورة بتاريخ 26 مارس 2023 بعنوان: "عشرون عامًا على حرب العراق.. أبر الأحداث كما غطتها اندبندنت".

١٩: التقرير منشور بعنوان: "REVIEW OF INTELLIGENCE ON WEAPONS OF MASS DESTRUCTION: IMPLEMENTATION OF ITS CONCLUSIONS ".

٢٠: المقالة والمستندات منشورين على صحيفة foreign policy في تاريخ 26 اغسطس لعام 2013 بعنوان: "Exclusive: CIA Files Prove America Helped Saddam as He Gassed Iran".

٢١: مقالة رويترز بعنوان: "الدولة الإسلامية تتبنى الهجوم على القنصلية الإيطالية بالقاهرة ".



#يوسف_هشام_محمد (هاشتاغ)       Youssef_Hisham#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.


المزيد.....




- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة 2024 بأعلى ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هشام محمد - فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.