|
قصة....القرد
حامد فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 08:28
المحور:
الادب والفن
راقت لي الفكرة ربما لغرابتها فصرت اقلبها في رأسي وأنا أغادر القصر الباذخ : ترى ما الذي يبغيه ذلك الميسور الأبله من فكرته الغريبة تلك .؟ مؤكد أن الرجل مختل العقل، رغم قناع التعقل، وبردة الوقار التي نسجتها اكف المال، وسحر الترف ذلك الذي يدهش المحرومين من أمثالي.. إن باستطاعته أن يشتري حديقة حيوان كاملة لو اراد . وان يملأ البستان الرائع المحيط بالقصر بكل القرود الاسيوية والافريقية ، بل بكل انواع القرود المنتشرة في غابات الكرة الارضية .. واتاني الجواب في اليوم التالي حين ساقني الفضول الى القصر: (ان تربي قردا" ،أمر في غاية البساطة .. أما أن تحول أنسانا" الى قرد ،فذلك امر في منتهى الروعة ) قال ذلك الرجل الميسور ، وأنتزع غليونه النابت في زاوية فمه ، وابتسم مستعرضا اسنانه البيض امام عيني اللتين لا تطرفان من الحيرة والترقب والفضول.. كنت قد اتيت الى هذة البلدة الغريبة باحثا عن عمل وتناقص كيس نقودي ما بين اجرة المبيت وثمن الطعام حتى شارف على الانتهاء ، ولما اجد العمل الذي يرضيني ويلبي طموحي ، فرضخت لتهديد الافلا س .. الغيت وجبة العشاء ، وامتنعت عن دخول المطعم واكتفيت بشراء الطعام السفري من العربات الجوالة .. وحد ث ان ابتعت وجبة افطار فقيرة اجهزت عليها ومسحت فمي بورقة الصحيفة التي كانت تغلفها . ثم رميتها في كف الريح وقبل ان اغادر الرصيف اعادتها الريح با تجاهي فتد حرجت واصد مت ببو ز حذائي العتيق ، وانفتحت مفترشة الرصيف ( مطلوب للعمل ) بزغت امامي تلك الجملة السحرية التي ضلت عيناي تطاردها على صفحات الجرائد منذ اول يوم تعرفت فية قدماي على دروب هذة البلدة .. اعلان مطبوع بخط كبير ، وبلون زهري .. ورحت اقرأ الكلمات المسفوحة على قارعة الصحيفة المبللة بالزيت والمبقعة بفتات الطعام : ( مطلوب للعمل ، شاب رشيق القوام مفتول العضل ، خفيف الظل ، سريع الحركة ، وله القابلية على الجري السريع والقفز في الهواء ويفضل من له خبرة في رياضة الجمناستك والعاب الكروباتيك ، شرط ان يكون غريبا عن البلدة .) التقطت عيناى العنوان بقوة الرغبة التى تولدت عندى في تلك اللحظة للحصول على العمل .. اسرعت . سرت طائرا" . ربما ارتفعت قدماى عن الارض بفعل اللهفة والعوز والتمني ، لاجد نفسي اقف مرتبكا" في أحدى صالات القصر تمسح جسدي عينا الرجل الميسور الذى صدمني بنوع العمل.. فبعد أن امرني بخلع حذائي المتخاصم مع الصبغ وجوربي المثقو بين . دار حولى عدة مرات وتنقلت عيناه مابين قمة راسي واخمص قدمي ..اقترب مني ومد كفا بيضاء ناعمة ، حطت على ام راسي ، وابتدات تمسد شعرى. ثم انزلقت على جبهتي نازلة الى انفي لتجس الاصابع اللينة منخري ، وتقرص وجنتي وتنتقل لمداعبة أذ ني وشاركت يده الاخرى في فتح فمي لتطرق باناملها الرقيقة على اسناني .واصطدمت عيناه الفاحصتان بعيني القلقتين وهو يواجهني واضعا كفيه على رمانتي كتفي ثم انزلهما تتلمسان على طول ذراعي واصلا الى كفي آخذا اصابعي الخشنة بين اصابعه الناعمة يتفحصها واحدة .. واحدة .. ثم هبط متلمسا فخذى ، ودبت انامله مولدة قشعريرة لذيذة بين ساقي اخذت فكرى بعيدا لكن فضولي أرجأ فكرة ركل الرجل والهروب من القصر.. جثا عند قدمي وظل يحدق بهما وكأنه يتملى لوحة زيتية نادرة أو تحفة فنية رائعة ثم قفز مستقيما" منهيا" فحصه الدقيق بصفع مؤخرتي صارخا" :( هائل .. رائع .. عظيم.. أنت المطلوب ..أنت الذي كنت أنتظر ) ودنا مني الصق فمه بأذني وهمس : ( ما قولك في القرود . ؟) أجبته بتلقائية : ( لطيفة وذكية ) فأضاف بفرح غامر : ( وهي أقرب الحيوانات شبها" بالا نسان ) ودار حولي بحركة راقصة ثم قرب وجهه من وجهي مهيجا" حساسية أنفي برائحة فمه وقال بصوت منخفض : ( سأمسخك قردا" ) رددت عليه بعطاس متواصل . فتراجع أمام رشق الرذاذ ليجلس على كرسي فاره طالبا" مني الجلوس فغطس جسدي في الكرسي الذي يقابله.. مسح وجهه بمنديل ورقي وبعد أن استعرض أسنانه بتر أبتسامته أو تكشيرته ومضى يسرد لى تاريخ القرود منذ اول قردين حملهما نوح في سفينته ا لى القرد الذى اقف الان على حافة التحول اليه .. تبددت غيمة الظن التي شككتني بشذوذ الرجل وأنا أستمع الى محاضرة طويلة عريضة عن القرود جبت فيها غابات العالم متحريا" القرود . معلقا"خرائط مواطنها على جدران مخيلتى متعرفا" عاداتها ونوع غذائها احساسها ومشاعرها تزاوجهاوتكاثرها ، حياتها ومماتها ..كنت مأخوذا" أنصت الى الرجل الذى يتحدث بصوت ساحر ينساب رقراقا" عذبا" راسما بشفافية عالية صورة للقرود الذكية الأليفة التي لا يملك المرء الا أن يضعها في قلبه ..حملني صوت الرجل على أجنحة شفافة فزرت بلدانا لم أرها حتى في امتع احلامي . وجاست خطواتى أرضا" لم يطأها انسا ن قبلي وجزرا" لم تر أعين قرودها مكتشفا" مثلي .. أعادني صوت الرجل الى الصالة ووجدت نفسي أجلس قبالته وهو يكرر سؤاله : ( ها .. ما رأيك بالأجر ) كنت للتو محلقا على أجنحة خيال الرجل وفجأة وجدت أسنانة البيض تشرق في عيني وهو يستعرضها بابتسامة ثانية .. د خت بقيت انظر في وجهة ببلا هة وصار هو يرفع الاجر طالما ظل صمتي ممتدا حتى بلغ رقما جعلني ابلع ريقي .. ابصرت بعيني خيالي حزما من الاوراق الزرق والخضر التي لم ارها في كل احلام اليالي المفلسة . ولا ادري أأ صابني العي من نوع العمل الغريب أ م من الاجر غير المتوقع وقبل ان اطلب مهلة للتفكير ، سمعت الرجل يقول : ( اذهب الان وعد عندما تجد القرد الذي بداخلك ) .. تحولت غرفتي المزرية التي اقبع فيها في احد فنادق الدرجة العاشرة الى ملعب للا فكار . وطوال الليل ظلت كرة رأسي تترنح بين مضربي الرفض والقبول .. وفي الصباح قذفني مضرب القبول امام الرجل الميسور : اقسم ( قال الرجل الميسور وهو يجدني امامه) انك تصرفت كقرد حين عدت الي بمحض ارادتك .. لا تعجب ففي داخل كل منا قرد مختبىء . واشار عليّ با لجلوس الى جانبة وراح يجيب على كل الاسئلة التي كانت تدور في رأسي وهو يطوقني بذراعة بود .. ثم نادى على الخادم ، فدخل رجل مفتول العضل قاسي الوجة ، اشار اليّ ان اتبعه . نظرت الى الرجل الميسور ، فغمزني بعينة مشجعا" .. ادخلني الخادم الى احدى الغرف واوصد الباب ، تحسست من رائحة الهواء المحبوس بداخلها كانت الغرفة خالية من ايما اثاث با ستثناء جلد قرد يتدلى من مسمار نابت في الحائط ومرآة اتكأ ت على الشباك المقفول فهمت المطلوب ، تناولت جلد القرد كان يناسب مقاسي تماما" ارتديته فابصرت قردا" يتحرك على قارعة المرآ ة.. سمعت صوت الخادم : ( هل أنتهيت ؟ ) أحترت هل أجيب بنعم كانسان أم اصرخ وأصفق كقرد ورجحت كفة الجواب الثانى ففتح الخادم الباب وسار امامي وتبعته بخطوات قرد الى البستان حيث كان الرجل الميسور بانتظاري فقلدني بقلآدة موصولة بسير جلدي وسلسلة طويلة ناعمة ..اعترضت لآني قبلت العمل برضائي ولم تراودني فكرة الهروب حتى اقيد بهذه السلسلة الشبيهة بافعى .. أستاء الرجل الميسور وأمرني أن لا أتكلم لا ني صرت قردا" وعليّ أن أتصرف كقرد ( انت القرد وانا سيد ك ) أمسك طرف السلسلة واقتاد ني بلطف : ( مونكي هيا الى نزهة الصباح ) تجولت معه في البستان الكبير الواسع المليء باشجار الحمضيات والكروم والنخيل والتفاح حتى وصلنا الى حوض السباحة فتركني الرجل الميسور عند سياج الحوض وتجرد من الروب وخلع البجامة والقى بغليونه على العشب وغطس في الماء الازرق.. التقطت الغليون ووضعته في زاوية فمي تماما" كما يفعل سيدي واخذ ت اد خن متلذذا" برا ئحة التبغ الثمين حتى اذا انهى سيدي سباحته وخرج من الحوض خطفت المناشف التى احضرها الخادم، واخذت اصرخ واصفق واقفز في الهواء، وظل سيدي يتملقني كي اناوله المناشف ثم ركض باتجاهي واحتضنني مقبلا" راسي : ( مونكي هيا لنتناول طعام الا فطار ) وكان ذلك اشهى طعام تناولته بعد حليب امي وكنت سعيدا"للغاية وسيدي يقشر لي الموز ويلقي الي بلب الجوز ويكسر لي الفستق والبند ق ويطعمني اللوز والسكر وانا اناكده محاولا" عض اصابعه وهو يضحك حتى تدمع عيناه ويصرخ مخاطبا" الخادم المنتصب امامه كتمثال : ( قرد ذكي ها .. ها .. ها .. قرد ذكي ) ملآتني تلك الكلمات غرورا" فصرت اقفز واصفق واصرخ وفي محاولة لابراز مواهبي تسلقت شجرة قريبة . (الله .. الله ) كان سيدي يصرخ : ( يا للقرد الرشيق )ثم ناداني برفق : ( مونكي انزل .. هيا انزل بسرعة يا مونكي ) قفزت بخفة من الشجرة وتعلقت باكتاف سيدي فحملني على ظهره وصار يدور بي في البستان وانا اداعب اذ نه بلساني وهو يضحك جذلا نا" ثم انزلني من على ظهره وامر الخادم ان يقتادني الى القفص .. حاولت ان اعترض لكني خشيت ان افسد على سيدي متعته .. فدخلت القفص كانني ولدت فيه ، والفت البلدة منظر القرد الذكي وسيده الميسور وهما يجوبان عصر كل يوم شوارع البلدة بسيارتهما الفارهة ، السيد يجلس في المقعد الخلفي مطبقا" زاوية فمه على غليونه والقرد يقود السيارة واهل البلدة بين مبهور فاغر فمه ومحوقل يتوقع قيام الساعة ومتفلسف مستنتج يحاول ان يجد تعليلا ومفسر شارح لهذه الظاهرة .. وانا وسيدي نشعر بالزهو لا ننا القينا حجرا" في بركة البلدة وهكذا مضت الايام بالنسبة لي كنت القرد الذكي المد لل وكان الرجل الميسور السيد الذي يفخر بقرده الذي يفتح له باب السيارة ويقودها ويقدم المشروبات لضيوفه ويرقص في حفلا ته الصاخبة حتى الصباح يقبل النساء ويغمز لهن ويحتضنهن وهن يضحكن ويتقافزن ويتصايحن : ( يا للقرد العاشق .. يا للقرد الشبق ) كنت اتنسلق المواسير والاغصان واقدم العابي المبهرة الرائعة امام ضيوف سيدي في كل الاماسي المترعة بكل ما لذ وطاب من متاع الحياة الدنيا حتى جاء يوم ميلاد سيدي فأقام حفلة كبيرة فريدة دعا إليها كل أصدقائه الميسورين في البلدان المجاورة وكنت اقدم نمرتي كما في كل حفلاته السابقة جذلا نا فرحا وأنا احصد التصفيق والقبلات وفجأة برز أمامي ذلك القرد الضخم المشعر الذي احضره احد المدعوين تقلص قلبي وغابت ابتسامتي وتسمرت كفي على العقلة التي كنت اتارجح بها ..شعرت بالخطر وأدركت أن شيئا ما سيحد ث . وابتدأ الصراخ ، صار ذلك القرد يقدم ألعابه مستعرضا ذكاءه أمام المدعوين الذين صاروا يتخلون عني ويتحلقون حوله .. رأيت الغضب يربو في عيني سيدي صار ينفث دخان غليونه بدفقات سريعة وهو يزعق بي طا لبا مني أن ابتكر ألعابا جديدة أبز بها ذلك القرد المتهافت وحين لم يحصد مني غير ما زرعه فيّ اتجه إلى سيد القرد وطلب منه ان اصارع قرده فوافق الرجل . واخرج المدعون دفاتر شيكاتهم ولا ادري من الذي د فع سيدي لهذا الرهان .. أهي بلاهته .. أم الكؤوس التي احتساها . أشرت إليه محاولا إفهامه أن يتراجع عما هو مقد م عليه ففاجأني بقوله وهو يقودني إلى الحلبة التي نصبها الخد م بسرعة مذهلة : ( اقتله يا مونكي العزيز .. مزق جسده بأسنانك وأظافرك ..اثأر من من سرق منك الأضواء ) حاولت أن اهمس إليه بصوت إلا نسان أن اذكره من أنا فلم تخرج من فمي غير همهمات لم افهم منها أنا شيئا ..صعدت إلى الحلبة ووقفت في زاويتي افكربمخرج من المأزق الذي وضعني فيه سيدي .. كيف يتسنى لي مصا رعة قرد حقيقي ؟ ! أطلقت صفارة البدء . تحركت خائفا مترددا لأواجه ذلك القرد الضخم المشعر واقتربت منه حذرا ويا للمفاجأة رايته يحرك شفتيه ويدعو ربه كي ينجيه من القرد الذي يواجهه فأدركت أن غريمي من فصيلتي نفسها .. عندها طرحت الخوف عن مفاصلي واستعدت شجاعتي ومرحي . كشرت عن انيابي واشرعت أظافري وهجمت على ذلك القرد .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة المفعاة
-
الكبش
-
العلبة
المزيد.....
-
مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب
...
-
أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
-
إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
-
قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
-
ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2
...
-
-الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج
...
-
الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع
...
-
رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو
...
-
السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
-
72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر
...
المزيد.....
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|