أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد فاضل - العلبة















المزيد.....

العلبة


حامد فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 04:45
المحور: الادب والفن
    



حدث ذلك ذات صباح يوم قائظ ، لستة أشهر وسبعة عشر يوما خلت من جمادى الثاني من العام الأول من أعوام الغفلة ، وخط في قرطاس البلدة ، فصار الحكاؤون يؤرخون حكاياتهم بما قبله أو بعده ..فما أن شق سيف الفجر قربة الأفق ، واندلق الضوء على جسد البلدة ، حتى فزت على نباح الكلاب بدلا من صياح الديكة . فاستيقظ الراقدون على مطارح السطوح تلمسا لطراوة الهواء ، والمختبئون في الكلل هربا من لسعات الناموس مدهوشين يتفرسون في وجوه بعضهم بعيون فضت لتوها ختم النعاس ، وينصتون إلى النباح البعيد الراكب متن هواء ذلك الصباح الصيفي .. العجائز المعصوبات الرؤوس ، أخرجن رؤوسهن دون حرج من أسوار السطوح ، حيث لم تعد ثمة جذوة نار تحت رماد العمر إلا للفضول الذي أطلقنه لاصطياد الخبر .. العذراوات الناهدات ، حشرن وجوههن في كوى الشرفات وتركن العنان لأعينهن لتجول باحثة في مساحة الإبصار المسفوحة أمامهن عن أيما دليل غير عادي .. الأولاد الصغار فروا كالعصافير نحو الأزقة ، رفعوا دشاديشهم، سحبوا سراويلهم ، قعوا ، وأقاموا مآدب للذباب ، الرجال المجنبون المبتلين بعرق نسائهم ، انحدروا نحو الحمامات لمسح آثار / اللهاث / الحرث / تشابك الأذرع والسيقان / .. الشباب أسرعوا لاخفاء أورام الأحلام المنتفخة بين سيقانهم .. الشيوخ المرشحون لمغادرة الدنيا / تمطوا / سعلوا / بصقوا /. ثم ألقوا بما تبقى من ثقل أجسادهم على كاهل عكازاتهم ، ونزلوا السلالم مبسملين ومحوقلين .. ربات البيوت المبتليات بمتطلبات المنازل أسرعن إلى المراحيض لافراغ حمولة مثاناتهن ، والتفرغ لاعداد طعام الفطور ..وما أن ألقى المشرق محفة الشمس على أذرع النخيل ، حتى أخرجت البيوت أثقالها . فدبت الكائنات الحية دبيبها الأزلي الموروث عن أسلافها المتدثرين بتراب الأبد . وجرى الناس في شرايين البلدة غير مكترثين لصدى النباح المائج في الجدران .. الدكاكين فتحت أبوابها على باب الله المشرعة لعباده، واستقبلت أرائك المقاهي الأعجاز الهزيلة الخاوية ، والسمينة المكتنزة ، بينما تكوم العمال على الأرصفة بانتظار الرزق المبسوط لمن يشاء ويقدر . وتعالت أصوات الباعة المتجولين . وربما نهقت بضعة حمير ، أو حمحمت بضعة خيول شاكية أثقال العربات ، أو ألم سياط الحوذيين على أردافها الناضحة بالعرق . ليكتمل أمام عين السماء منظر البلدة في ذلك الصباح ، وتنتشر رائحة يوم جديد ، يركن أحداثه على سيماء وجه تأريخها ، ويتكدس فوق أيامها التي لا مائز يميز بين أمسها الرائح وغدها الغادي .. غير أن ذلك الصباح سرعان ما مزق ثوب الهدوء الذي تعودت البلدة على ارتدائه طيلة صباحات عمرها الفائتات ، ليضربها بغرابة حدثه المباغت ، ويقتحمها ، مقتلعا أشجار قناعتها من الجذور ، مطوحا بثمار مفاهيمها بظهور رجل غريب ، دخلها على حين غفلة من الدهر ، متخطيا أسوارها ، ليسحر أعين أهلها بأفعاله الغريبة ، مثلما استرهبهم بكلابه الضخمة المتوحشة ، ودرقته الفولاذية المتينة ، وسيفه القاصل ، وبصاق كنانته بوجه السماء . وهو يتمخطر في الدروب محاطا بقطعان من الكلاب الرمادية الشبيهة بالذئاب ، والكلاب السود المبتورة الأذناب ، والكلاب البوليسية المبقعة باللونين الحني والبيجي ، وكلاب الأعراب الزائغة النظرات ، والكلاب السلوقية التي لا يتعبها الجري وراء الطرائد .. واطئا تراب البلدة بنعاله المخصوف من جلود الكلاب الصفر الفاقعة كوجوه الجوعى ، مقتحما أزقتها بخطوات المنتصر الواثق من قوته ، شاعرا بالأمان الذي تبثه في قلبه عيون الكلاب ومناخيرها التي تتغلغل بين الناس باحثة عن أيما نأمة قد تهدد كيان سيدها ، شامة الروائح لفرز أية رائحة قد تنغص عليه سعادته التي صنعها بدم كلابه . وتتدافع للحس أذيال عباءته المغزولة من شعر الكلاب السود كليالي الفقراء ، والتي تستريح على كتفيه وتنسدل على ظهره ، خافية ما يتنكب الرجل أو يتأبط . وهو يسير بين كلابه مختالا بضياء درة كبيرة تشرق من جبهة غطاء رأسه المصنوع من فراء الكلاب البلق كوجوه الشركس ، مزهوا بجلد الجرو المنفوخ بالليرات الذهبية ، والمتدلي من ذيل الكلب المنفوش الشعر الذي يتزنر به .. وحدث الذي حدث لأناس البلدة لكلابها السائبة ، فسحرت أعينها بحفنة العظام التي نثرها الرجل وراءه ، فأتت لاهثة تتسابق من كل درب ساعية إثره تشم بصمات نعاله فوق التراب ، وتهر هازة ذيولها ، ولعابها ينز سائلا من ألسنتها الوردية المتدلية كلما لوح لها الرجل بعظمة في يده ، وتبدد رهابها من كلابه بعد لحظات تعارف ، تخللها تقابل وجوه ، وتلامس أنوف ، وتبادل أنفاس ولحس شعور ، وشم مؤخرات . انتهت بانظمام كلاب البلدة إلى كلاب الرجل ، لتنخرط بمظاهرة كلبية مشيعة الرجل بهتاف من النباح / الرفيع / الأجش / المبحوح / المشروخ / والرجل يمشي مرحا . تارة يسمع المفلسين صوت تصادم الليرات المدحوسة في جلد الجرو ، وطورا يغري عيون الكلاب بعظمة تمتد بها يده ، وأحيانا يستعرض قوته برشق السماء بالسهام . أو يجرد سيفه ذا القبضة الذهبية من قرابه الفضي ، ويروح يجسه ويروزه بعين خبير بالذبح وسفك الدماء .. أو يهزه ويطوح به ضاربا عنق الهواء وهو يحدق بالأعناق المشرئبة نحوه تحديق جلاد محترف .. ثم يقهقه قهقهة الواثق من تنفيذ أفعاله ويعيد السيف إلى غمده بحركة موروثة من تراث الأسلاف الذين أكد في خطبته الأولى أنه إنما بعث ليضخ دماء جديدة في بقايا سلالتهم المهددة بالانقراض . بعدما اعتلى ظهر أعلى صخرة في البلدة ليتخذها منبرا ، يرشق منه بمفردات مختارة أسماع الناس المصدومين بظهوره المفاجئ الذي تسبب باكفهرار وجه صباحهم ، وبمرأى كلابه المستفز ، معرفا عن نفسه بكلام ساحر صادر عن يقين الرجل برسالته ، ومنتقى قبل حين من هبوطه البلدة .. بهدوء وترغيب ، وصخب وترهيب . . عرض الرجل أفكاره ، وأوضح أهدافه ، مؤكدا على ابتداء حقبة الكلاب المضطهدة التي عانت ما عانته من ظلم واستبداد وجور البشر ووحشية بقية الحيوانات .. وبوجه مقنع بالأسى ، وعينين توشكان أن تطفحا بالدموع . استعرض تأريخ الكلاب ، والخدمات التي قدمتها للإنسانية منذ مرحلة جمع القوت يوم لم يكن يفصل بين الإنسان والحيوان غير سمك شعرة . إلى مرحلة غزو الفضاء الذي تتشرف الكلاب بكونها أول من غزته متمثلة ( بلايكا) تلك الكلبة المغامرة التي فتحت أقفال أبواب الفضاء ليتجرأ بعدها الإنسان الشكاك المتردد ويلقي بنفسه في دوامة أسرار الفضاء التي تتكشف كل يوم عن سر جديد ..وما أن أتم عبارته تلك حتى ضجت الكلاب بالنباح ، وصفق بعض الأهالي إعجابا بتلك الكلبة الرائدة . بينما استمر الرجل بخطبته طربا بالنباح والتصفيق : وبرغم أن الكلاب كانت وما تزال هي الساعد الأيمن للإنسان في الصيد والقنص والحراسة . هذا الإنسان الجاحد الذي ينسى في لحظة غضب أن الكلاب هي التي تحرس خيمته وقطيعه في براري الله الواسعة . أو تجر زحافته في الأصقاع الثلجية الكائنة في النصف الآخر من كرتنا الأرضية .. لماذا ننسى أن الكلاب هي التي تسلي أولادنا وتضحكهم في العاب السيرك . كما لا يكتمل ديكور بعض العائلات الراقية إلا بكلب مستورد جميل مدثر بالفراء .. ولا أعتقد أنكم في غفلة عن تضحيات الكلاب على مذابح التجارب المختبرية لاكتشاف عقار يفيد الإنسانية . أو للاهتداء إلى أنجع الطرق في استبدال عضو تالف في جسم الإنسان بعضو آخر نافع كما أن هناك أقواما من البشر يأكلون لحوم الكلاب ، ويفترشون فرائها ، ويلتحفون .. صار صوته يتقطع بعبرات مخنوقة ، وأنفاسه تتسارع ، وصدره المثقل بالأوسمة والنياشين ، يرتفع ، وينخفض . وهو يتسأل بألم لم ينسى الإنسان كل محاسن الكلاب وتضحياتها عندما تستفز مشاجرة عابرة الحيوان الكامن في أعماقه فيستدعي التراشق بالشتائم صفة ابن الكلب يطلقها الواحد كسبة في وجه الآخر .. همهم بعض الأهالي صحيح ، فنبر الرجل منتصرا : أعرف أنكم تدرون أن هذا صحيح . وما دمتم تؤمنون به فلا ضغينة بيني وبينكم ، ولا كره بينكم وبين الكلاب . بل / حب / ود / تسامح /. ولتكن بلدتكم هي الرائدة في علاقتها بالكلاب . لتقتدي بها البلدان المجاورة .. وعلا صوت الرجل وتهجد : وأنا من على هذه الصخرة التي هي أعلى صخرة في بلدتكم أعلن عن مسابقة لعمل نصب كلبي تتشرف هذه الصخرة بأن تكون هي القاعدة له ، كما أعلن عن ترحبي بكل العاطلين الذين يرغبون بالعمل عندي ككلاب .. ثم تفرس في وجوه الناس المصعوقين .. ولا غرابة في ذلك ما دام المرء يؤمن أن الكلب حيوان / وفي / وديع / أليف / صديق / للإنسان ، فما الذي يمنع الإنسان الذي يتصف / بالوفاء /الدعة /الألفة /الصداقة / من تحطيم الحاجز الكاذب الفاصل بينه وبين الكلب .. رق صوته مرة أخرى وهو يهم بإنهاء خطبته الأولى التي مسخت تأريخ البلدة : آمل أن لا تجد كلابي في بلدتكم المسالمة من يرغمها على عضه ، أو نهش لحمه .. دعوها تعيش بينكم على مبدأ الود والتسامح . حرروا وفاء الكلاب الكامن في قلوبكم ، أطلقوه ليعانق الوفاء الذي تكنه الكلاب لكم في قلوبها الصغيرة الدافئة . ولسوف ترون - كما رأيت - كيف تتحول ذيولها إلى بنادل تتأرجح يمينا وشمالا للتعبير عن وفائها و محبتها لكم .. سأكون في قلعتي منتظرا المتطوعين منكم .. ابحثوا عن صفات الكلاب فيكم ، ولا تنسوا أن لكل شيء ثمن ، وهز جلد الجرو فأصدرت الليرات الذهبية صوتا دغدغ جيوب المفلسين ، فهتفوا تحيا الكلاب .. يحيى رجل الكلاب .. وركضت ثلة من المتعافين ، مسرعة نحو الرجل الذي أنهى خطبته ، وهم بالنزول من الصخرة فحملوه على الأكتاف وطافوا به البلدة المصدومة ، متبوعا بجيش من كلابه وكلاب البلدة السائبة التي ما تزال تشعر بطعم عظامه في حلوقها النتنة ليوصلوه إلى القلعة الجاثمة على مغرب البلدة . ليتخذها مقرا حصينا محاطا بكلاب الحراسة المشرعة أنوفها باتجاه الهواء القادم من المشرق لتشم مصادر الخطر الذي ربما ينال من سيدها الذي وجدت البلدة بعد امتصاص المفاجأة أن لا خطر منه ، بعد أن تخلصت من العاطلين التائهين في دروبها الذين انخرطوا في فيلق كلاب الرجل الذي عبر عن كرمه بهداياه الثمينة التي دخلت بيوت الوجهاء من أبوابها ومن شبابيكها ومن الكوى والثقوب التي فيها .. كما كان عقابه لمن يعق من كلابه مثار إعجاب أعيان البلدة .. عراف البلدة الذي عرف بنبوآته التي تنزل الثلج في صدور العوام الساخنة .. يقال أنه تلفع بردة ليل أليل ، وزار رجل الكلاب ليهديه حجابا مكتوبا بماء الحياة الذي استخرجه من حوصلة عصفور معمر ليديم شبابه ويحفظ منيه ويمنحه / الفحولة / القوة / طول العمر/ فاستحق وظيفة عراف الرجل الخاص . ومنح وسام التنبوء من الدرجة الأولى الذي تفتق عنه ذهن الرجل ، وصممه أبرز فنان في البلدة .. ويقال أن هذا الوسام الرفيع لم يشفع لخصيتي العراف اللتين عصرتا بين حجري الرحى بوشاية لا تتعدى رأس الدبوس همس بها فم عراف ناشئ ما زال يتعثر في الدرجات السفلية من سلم النبوءات.. حكيم البلدة الذي اعتكف في داره طيلة عصر الكلاب .. قيل أنه سرب حكمة تمترس خلفها أتباعه تحاشيا للرجل وكلابه .. إمام وخطيب جامع البلدة الكبير الذي رأى رؤيا العين العمائم وهي تتدحرج عن الرؤوس الصلعاء التي تقطف كما تقطف الفاكهة الناضجة .. عرج في إحدى خطبه على كلب فتية الكهف الذي ظل باسطا ذراعيه بالوصيد طيلة ما لبثوا .. الثلة من فتية البلدة الأخيار الذين آمنوا بربهم ، وتوكلوا عليه ، وانتفضوا ضد رجل الكلاب .. خذلهم الآخرون فأحاطت بهم كثرة الكلاب واقتادتهم إلى حيث لم يعد منهم من يخبر عنهم .. وجهاء البلدة ، ورؤساء عشائرها الذين كانوا يسيرون على شفا حفرة من الموت لم تنقذ الدبلوماسية أغلبهم من الاختفاء في سراديب وطامورات قلعة الرجل التي نما لها فم كبير صار يبتلع كل من لا يوافق مزاج الرجل الذي ظل يحمل سيفه بيمناه وكيس نقوده بيسراه وهو يتبختر كل يوم في سوق البلدة وطرقاتها موزعا الموت والهدايا ، والأوامر التي تنخلع لها القلوب والخطب المبطنة بالتهديد ، والوعود المترعة بالرياء .. محاطا بأفواج من الكلاب التي تناسلت بشكل مهول لتلد فيالقا من الجراء المكلوبة .. غير أن كل تلك السدود التي بناها الرجل لم تستطع منع جريان النهر ، أو تغير نواميس الحياة التي احتوتها بطون كتب تراث البلدة المترعة بقصص الأولين .. بعدما تمزقت براقع الظلام التي ألقاها الليل على بيوت البلدة بأصابع فجر جديد . فقد تسربت عبارة صغيرة استفزت مسمع الرجل واستنفرت كلابه : ( القافلة تمضي ولا يهما نبح الكلاب ) .. عبارة خطتها أيادي شهداء البلدة على / مرآة النهر/ متن الهواء / ضوء الشمس / وجه القمر / سعف النخيل / جذوع الشجر / فظلت تترآى له أنى مضى ، يهمس بها تأريخ البلدة ، وترددها شفاه الليالي المقمرة ، والصباحات الندية ، والنهارات المشمسة ، فترقص لها البساتين ، وتعيد صداها الجدران ، تضمها دفاتر التلاميذ ، وتخبأها شالات الأمهات .. عبارة أبيض لها ليل الرجل فصار يطل على صباح البلدة بقناع من الجلد متظاهرا باللامبالاة . تفضح خوفه هالتين منتفختين مزرقتين تحت عينيه المحمرتين من الأرق ، والتقلب على فراش القلق والفزع .. أحس بورم الانهزام يكبر في داخله وترأت له حافة النهاية في هر ير كلابه المضطرب التي شمت رائحة الخوف وهي تسمع الصراخ القادم من أفواه ضحاياها وتتخيل شكل النهاية الآتية فصار الرجل يوزع أوامره من فكر مضطرب علي كلابه المترددة المتخاذلة التي أيقنت أن الإعصار القادم لا يبقي ولا يذر فألقت بما تبقى لها من دماء في قلوبها المرتعشة إلى أقدامها وولت الأدبار باحثة عن أوجار تعصمها من هدير الإعصار وتخفيها عن أعين أهالي البلدة الذين هبوا كالسيل الذي يجترح الأخاديد في الصحراء ليهجموا على قلعة الرجل الذي لاذ بالفرار مقتفيا آثار كلابه .. كنت ابصر جموع الناس وهي تهشم سور القلعة واسمع صراخهم ينفذ إلى مكامن أسرارها بعد أن أصبحت بلا أبواب ولا نوافذ .. كان الناس مثل قوافل النمل يدخلون القلعة ويخرجون وهم محملين بالمؤن والنقود والأثاث يهتفون ويهزجون وسمعت صوتا يصرخ بي : تحرك يا رجل ألست من أهل البلدة .؟ وشعرت برجلاي تهرعان إلى أحد الأبواب المحطمة .. سمعت صوتي يردد مثلما يردد المهاجمون وأنا انعطف من دهليز إلى دهليز وأدلف من سرداب إلى سرداب باحثا عن أيما شيء قد تكتشفه عيناي أو تقع عليه يداي حتى نزلت في قبو مظلم جثمت على صدري رطوبته وامتلأت رئتي بعفونته .. طعنت جوف الظلام بعود ثقاب فالتقطت عيناي علبة تتأرجح في ذبالة الضوء الشاحب .. اقتربت منها على ضوء عود أخر ، فأماطت لثام القبو عن وجهها الفولاذي ، وأسفرت عن قفل يكمم فمها أحطتها بذراعي ، فالتصقت بصدري ، ورافقتني إلى خارج القلعة قبل أن يضرم المهاجمون فيها النار .. ركضت دون وعي فرحا بغنيمتي أطوف في طرقات البلدة بحثا عن ملاذ آمن افتح فيه العلبة التي أنهكت خطاي بثقل ما تحتويه حتى إذا تخطيت دون أن اشعر بوابة البلدة المطلة على المشرق سقطت لاهثا قبالة شمس ذلك اليوم المسفرة بوجه البلدة لأسترد أنفاسي ثم حملت حصاة كبيرة وانهلت بها على عنق القفل فانكسر .. أقحمت أطراف أصابعي تحت حافة غطائها الذي لم يفتح منذ سنين كما تشي بذلك طبقات الصدأ المتراكمة عليه ورفعته بكل ما املك من قوة الفضول والطمع فأطلق صوتا كأنه الأنين وظل يحاول التشبث بمكانه لكني طوعته بكل إصرار فاستسلم ليدي وانزاح مفسحا للضوء والهواء فرصة دخول العلبة 00 امتزجت صرخة الدهشة التي انطلقت من فمي بصراخ الفرح الذي تعالى من جوف العلبه واتسعت عيناي وهي تحتضن فتية البلدة .. أولئك الفتية الذين لم أرهم منذ ابتلعهم فم قلعة رجل الكلاب .. رأيتهم ينهضون ويطلعون من داخل العلبة إلى حيث الشمس الفائضة بالضياء



#حامد_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد فاضل - العلبة