أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد فاضل - قصة المفعاة















المزيد.....

قصة المفعاة


حامد فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 1697 - 2006 / 10 / 8 - 04:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


البراعم البكر, بشرت بقدوم الربيع 0 ومع الفراشات الغضة ظهرت الأفاعي في بلدتنا0 وللأمانة التاريخية فأن ثياب الأفاعي هي التي ظهرت أولا"00 وإذا توخينا الدقة فأنه كان في البدء ثوب واحد غرس في فجوة بين صخرتين 00 ثوب طويل أملس رقيق سحر الأعين ببياض بطنه الناصع وانزلق ناعما" بين الأكف تاركا" رعشة لذيذة بين الأصابع 00ولأنه أول ثوب نضته أفعى أليفة غب اندحار الشتاء00 ولأنه أيضا" ظاهرة جديدة في بلدتنا المستلقية على بساط الخصب بين النهر والصحراء , فقد باركه العراف بطقوس مكتظة بالحرمل والبخور والتعاويذ وأغرقه الحكيم بماء الورد وعطر القرنفل والياسمين 0 وأستقبله الأعيان بحفاوة تليق بهدية الصحراء 00 وعلقوه على باب الديوان 0 لأيام معدودات ظل يتدلى بشكل عمودي مما أجبر الداخلين إلى الديوان والخارجين على أحناء رؤوسهم وقد أكتسب من النسيم حركه خفيفة خدعت أعين الناس فخيل إليهم أنه حية تسعى 00 لكن دهشتنا ومغالاة وجوهنا لم تعمر طويلا" فقد ظهرت ثياب أخرى وأدت انبهار البلدة غب ولادته 00 عاصفة من ثياب الأفاعي منطلقة كالسهام شدتها أقواس الريح من كنانة الصحراء وقذفتها خارقة درقة بلدتنا 00 فمزقت فروة السدر وتدلت من قصائب النخيل ونبتت في شرفات المنازل 0 وتزنرت بها جذوع الأشجار وغدت ملكا" مشاعا" لخاصة الناس وعامتهم 00 فصار لكل واحد منا ثوب معلق في حجرة الضيوف وهو الشيء الوحيد الذي تساوى فيه الناس في بلدتنا وراح الأولاد يربطون ثياب الأفاعي بخيوط رفيعة ويخلونها تسعى في الفضاء الواسع محلقة فوق الرؤوس طيلة نهارات الربيع المشمسة مفزعة الطيور التي ألفنا تحليقها في سماء بلدتنا 00 أيام وظهرت الأفاعي ولنكن دقيقن فنقول أن أفراخ الأفاعي هي التي ظهرت أولا" 00 وجدناها تسعى في الحقول التي خلع الدفء عليها حلة سندسية خضراء00 أفراخ رقيقة ملساء 0تستكين في عتمة الأحضان يقلقها عبث الأكف ويفزعها لون النهار 00 ولأنها لما تتفاعى فقد باركها عرافنا كعادته , وزكاها حكيمنا وأسكنها الأعيان في المضايف والدواوين ولم يبق لنا نحن أهالي البلدة إلا التأييد 00أيام أخرى وظهرت أمهات الأفاعي ففزع الناس وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وجاء الجواب وافيا" شافيا" على لسان العراف , مشفوعا" بتأييد الحكيم وممهورا" بختم الأعيان ( انهاأفاع بيض لا تلدغ ) وما بين عشية وضحاها ألفنا منظر الأفاعي وهي تتدلى من جذوع السقوف وتنساب برشاقة منتزعة أجسادها من ثقوب الحيطان وكم كانت فرحتنا كبيرة وعفوية وصادقة ونحن نلمس الإنجاز الأول للأفاعي حينما شنت حملتها للقضاء على القوارض حيث بدأت بابتلاع الفئران والجرذان فأشار علينا ذوو الأمر منا بان نقدم إليها الماء والملح كاعتراف منا بالمعروف00فأصبح وجود طاسات الماء المالح في البيوت والحقول والدروب ظاهرة مألوفة في بلدتنا وقد نفضت هذه المبادرة النبيلة غبار الركود عن أكتاف اقتصاد بلدتنا المتعب فدبت في أوصاله دماء جديدة واستفاق ممزقا" شرنقة السبات مشرعا" أجنحته للتحليق في عالم الاستثمار لقد شجع الطلب المتزايد على الملح أعيان بلدتنا فاستثمروا رؤوس الأموال في أنشاء مصانع لتنقية الملح وطحنه وتعبئته وتسويقه 0فكانت خطوة اقتصادية رائدة لاستغلال ثروتنا الملحية التي ظلت مهملة حينا من الدهر قبل البدء بتنفيذ فكرة ( الميم 00أف ) التي أطلقت اختصار لعبارة ( ملح الأ فعى ) 00 وقضي بفضل الأفاعي على ظاهرة البطالة بعدما وجدت نسبة كبيرة من العاطلين فرص عمل في مصانع الملح 00 وأترع سوق البلدة بأكياس وعلب الملح المختلفة الأحجام والأسعار واحتفلنا باليوم الذي تشرفت فيه بلدتنا بظهور الأفاعي وأعتبر ذلك اليوم أول يوم في التأريخ الأفعوي حيث دبج شعراء البلدة القصائد الأفعوية وفحت أوتار الربا بات وهي تصاحب حناجر المغنين وقد تفضل العراف فأوضح لنا في ندوة موسعة أبعاد التجربة الإنسانية الأفعوية الفريدة والرائدة التي أقدمت عليها بلدتنا بينما تحدث الحكيم عن قيمة الدواء الناجع الموجود في سموم الأفاعي أما أمام الجامع فقد خطب فينا ( رغم أن ذلك اليوم لم يصادف يوم جمعة ) خطبة عصماء أكد فيها على دور الأفاعي في الموروث الديني مستشهدا بعصا موسى وحبال سحرة فرعون 00وكرم في ذلك اليوم كل الزاحفين الذين يجيدون الزحف بالفطرة 00 إلا أن ما حفر في جذع ذاكرة البلدة هو رقصة الأفاعي تلك التي قدمتها مجموعة من الراقصات والراقصين في ساحة البلدة فمن يستطيع أن ينتزع من مخيلته صورة تلك الأجسام اللينة الرشيقة للنساء وهن يلتوين بأزيائهن بجلود الأفاعي والرجال ينسابون خلا لهن بحركة أفعوان مثار ونحن نصفق مشجعين ومحرضين 00 زبدة ألحكي لقد تغلغلت الأفاعي في جميع نواحي حياة البلدة وبمباركة عرافنا وتأييد حكيمنا وغشمة أو تواطىء أعياننا تحولت بلدتنا إلى مفعاة 00 فاختفى الحمام الأليف ولم نعد نسمع قوقأة طيور الفاختة على قمم أشجار اليوكالبتوس ولا زقزقة العصافير على أغصان السدر ولا تغريد البلابل في دوحة النخيل ولا مر سرب طيور في سماء بلدتنا وما عادت اللقالق إلى أعشاشها في مآذن الجوامع 00 الأعشاش عيون مفقأة والرياض صامتة صمت المقابر لا حركة ألا للأ فاعي ولا صوت ألا الفحيح والناس يلدغ بعضهم بعضا" ويبث الأخ السم في طعام أخيه أنقلب حال بلدتنا فلم تعد أمنة ولا مطمئنة 0 صرنا نعيش في رعب دائم من الأفاعي التي التفت على كل ما هو رائع وجميل وخنقته 0صار واحدنا يخاف من العصا والحبل ومن كل جسم شبيه بالأفعى 00 فاختفت المسا بح من أكف الرجال وصار لحباتها ملمس مقزز وخلعت النساء قلائدهن وأساورهن وحجولهن من الذهب والفضة وأكتست سماء بلدتنا بغيوم الأسى واليأس ونحن نعيش تحت تهديد النهش واللدغ والخنق 0 تحدق فينا الأفاعي التي فتحنا لها أبواب قلوبنا قبل أبواب بيوتنا مرتابة وهي تتلمظ مخرجة ألسنتها ومكشرة عن أنيابها 00 وانتبهنا بعدما زال بريق الأفاعي وسقط قناع الأ لفة 00 خرج من بيننا رهط من ألشجعان أوقدوا شعلة المقاومة للأ فاعي التي فوجئت وهي ترى طاسات الماء والملح وقد ملأت بالبطنج والبصل فأصيبت بالذعر وصارت تلدغ كل من يشتبه به فصرنا نراقب حركتنا ونتكلم بعيوننا ونحسب خطواتنا فأن أي خطأ بسيط سيعرضنا إلى الموت لدغا" ولا نستطيع أن نصف عظم دهشتنا عندما بدأت الأفاعي بلدغ من رحب بها فلدغت العراف والحكيم ونهشت أمام الجامع فأشار علينا عرافنا الجديد بالاستعانة بالقنافذ على الأفاعي فمعلوم قال .. ( ان القتفذ يطبق على رقبة الأفعى بأسنانه ثم يتدحرج على طول جسدها فيمزقها ويدميها بأشواكه الناتئة ) وهكذا توصل وجهاء بلدتنا الى قرار يقضي بالأستعانه بالقنافذ والسؤال الذي ظل يراود أفكار أهالي بلدتنا ( ترى هل ستكون القنافذ أرحم بنا من الافاعي ) ؟ 0
هامش 0
**********0
المفعاة : الأرض الكثيرة الأفاعي



#حامد_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكبش
- العلبة


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد فاضل - قصة المفعاة