|
دسائس المثقفين ومكائدهم : المثقف الحرباء نموذجا.
بن عمارة محمد
الحوار المتمدن-العدد: 7621 - 2023 / 5 / 24 - 09:05
المحور:
الادب والفن
عندما نَذْكُرُ المثقفين يتبادر إلى الأذهان صور شخصيات وازنة وراقية ، ذات هِمَّةٍ عالية ، قادت حركات إجتماعية وَوَجَّهَت اتجاهات فكرية تنويرية، وأثرت في عقول الناس، وساهمت في تغيير سلوكاتهم ومُدْرَكاتهم ومعارفهم على مدى مسار التاريخ برمته ماضياً وحاضراً، ولذلك نال المثقفون تقديراً واحتراماً كبيرين لم يحظ بهما سواهم، ومعلوم أن المثقفين يختلفون في مستويات تأثيرهم وفي درجات نَيْلِهِمْ للاحترام والتقدير ، منهم شخصيات لامعة ظلت أسماؤها تتردد مُدَوِّيَّةً على مدى زمني طويل، في حياتهم وحتى بعد مماتهم ، ومنهم شخصيات مغمورة أو ذات صيت محدود عاشت في الظل، وربما كان لها تأثير أكثر فعالية من تأثير بعض الشخصيات الثقافية اللامعة لأنه شتان ما بين ممارسة التأثير الفعلي ، وبين الشهرة أو ذيوع الصيت الذي قد يكون شكلياً أو مجَّانِيّاً. وإذا كان فعل الثقافة يُحَاطُ بنوع من التبجيل، وكان المثقفون يَسْمُون إلى مستوى رفيع من التقديس ، فإن ما كان وما يزال يجري في كواليس الثقافة وفي كهوفها ومغاراتها من سلوكات المثقفين المعيبة واللاَأٓخلاقية يتناقض مع روح الثقافة ومقتضياتها وأهدافها ، ويبعثُ على التقزز والاشمئزاز ، ويوحي بأن للمثقف وجهين : وجهه الثقافي ، الأخلاقي ، الإنساني ، الظاهر ، ووجهه الهمجي ، العدواني ، الخفي ، المتستر ، الذي قد يبرز في بعض الأحيان ، فيزكم الأنوف برائحته الكريهة بحيث تسكنه آدمية ضعيفة وخَطَّاءَة. والمخيال الثقافي والايديولوجي في الجزائر _كما هو معلوم_ هو نتاج مجموعة من المنظرين والمفكرين الذين يعملون باستمرار على إعادة أنتاج الأفراد والمجتمع عن طريق (التلفزيون ،المدرسة ،المسرح ،السنما .....) ، وهؤلاء المثقفون يسميهم ڨرامشي بالمثقفين التقليديين أي أنهم المسؤولين على إنتاج إيديولوجيا تتمكن من خلالها المنظومة السياسية من البقاء والاستمرا، و هذا المثقف التقليدي ليس شرط انه يكون يساند السلطة السياسية، بل قد يحط نفسه في الكثير من الأحيان في صف المعارضة ،و قد يعتبر نفسه يساري ماركسي ويقول بالعدالة الاجتماعية و بلا بلا بلا ،و لكنه يعمل بكد داخل أجهزة البراديغم المادي التابع للسلطة و أذرعه، فتجده يتحدث على إنتاج ثقافي وفني من داخل جمعيات ومسارح ومجلات تتلقى تمويلها مباشرة من السلطة (وزارة الثقافة ) أو رجال أعمال أموالهم مرتبطة بالنظام الاقتصادي الريعي ( مقاولين، أصحاب مصانع السلع المدعمة ،......) ، وبالتالي هم تابعين للسطة ولا يمكن لهم بأي حال من الأحوال إنتاج خطاب أو فن أو سينما أو إعلام أو وعي يعارض السلط ، ثم يأتي آخر ليبيرالي أو (فو) ليبيرالي لأنه يقوم بتوفير الغطاء الشرعي للسلطة والاقتصاد الريعي، لذلك تجدهم يساندوا رجال أعمال مرتبطين بالمنظومة الاقتصادية الريعية أو انطلاقا من انتمائهم القبلي ( tribal )، فيوفرون الشرعية الاخلاقية والمصوّغ الايديولوجي لإعادة إنتاج منظومة بخلفيتها القَبلية tribal ، في حين يقدم للناس ولطلبته في الجامعة دروسا في المعارضة والجمهورية و العلمانية ،والمواطنة و التعايش ،و الانفتاح ،و التحضر ،و يوصف في المواطنين البسطاء بالمتخلفين ،و المبلعين، والقهويين وبأنهم سبب تخلف البلاد و عدم نجاح التغيير السياسي، بالرغم من أن هؤلاء البسطاء وثقافتهم ووعيهم هو مجرد مُنتج للسلطة وأعلامها ومدرستها وتوزيعها للثروة و و و. المثقف التقليدي يساري كان أو ليبيرالي والذي هو في الأصل لا ليبيرالي ولا يساري بل هو نسخة قَبليّة رديئة يصنع إيديولوجيا وأفكار جديدة هدامة مساندة للسلطة الحاكمة مقابل دعوة لحضور حفل أو لقضاء ليلة في فندق خمس نجوم تابع لأوليغارشية السلطة ثم يخرج علينا ليتكلم عن الديموقراطية والحرية والمعارضة والتغيير والنضال واليسار والتنوير والحداثة. اليوم يمكن القول أن المثقف في للجزائر بلغ نهايته كما تصور بعض المفكرين، وانعدمت مهمته في المجتمع ولم يعد الناس في حاجة إليه، لأن السلطة طوعته واستهلكته وروضته وأعادة تربيته بما يتناسب مع توجهاتها، وتخلى عن المعارك الفكرية النبيلة وانزلق إلى خوض معارك رخيصة ، تافهة ، يصفي فيها حسابات ذاتية ، نرجسية ، ضيقة ؟!؟
#بن_عمارة_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسات اللغوية في الدول المغاربية
-
المثثف الجزائري وهاجس الوصاية الرمزية
المزيد.....
-
-لن تصدق عينيك-.. شبيه الفنان محمد رمضان يثير جدلا وحيرة واس
...
-
بوتين يزور أكاديمية الفنون القتالية في سوتشي
-
بعد فيلم كليوباترا.. -الأفروسنتريك- تثير أزمة مصرية هولندية
...
-
النساء يتولين زمام الأمور في جزيرة كارباثوس اليونانية
-
جورجيا ميلوني.. ترجمة خاطئة لكلامها تضع الرئاسة التونسية في
...
-
رواية -قيامة جميلة- بين سوريا والجزائر.. أسطورة الحب منجاةً
...
-
في غزة.. عرض مخلفات الحرب الأخيرة مع إسرائيل وجداريات رسمها
...
-
استطلاع رأي: بوشكين وبولغاكوف ودوستويفسكي يتصدرون قائمة المف
...
-
رحيل المفكر المصري محمد الجوادي
-
ابتلعت حشرة أسكتتها عن الغناء.. شاهد رد فعل تايلور سويفت أما
...
المزيد.....
-
-تذكرتان إلى صفورية- النكبة، التشتت والهوية
/ رياض كامل
-
لعبة الصبر / قصص قصيرة
/ محمد عبد حسن
-
مسرحية -لسانها-
/ رياض ممدوح جمال
-
الموت لا يزال أرواحًا في أعمال (لورانس دوريل -رباعيات الاسكن
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الخطاب التاريخي المضمر في رواية "حتى يطمئن قلبي" للكاتب ال
...
/ حبيبة عرسلان – أسماء بن التومي
-
رواية للفتيان الفتاة الغزالة طلال
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
كتاب حكايات وذكريات الكاتب السيد حافظ كيف تصبح كاتبًا مشهور
...
/ السيد حافظ
-
نقد الخطاب المفارق، السرد النسوي بين النظرية والتطبيق
/ هويدا صالح
-
رواية للفتيان قمر من سماء عالية
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
التاريخ السياسي للحركة السريالية (1919-1969) بقلم:كارول رينو
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|