أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خليل عبد السلام جبر - تمكين المرأة والتقاليد الفلسطينية نظرات في نقد القوانين الاجتماعية والتحيزات الكامنة داخل الأنساق المجتمعية















المزيد.....


تمكين المرأة والتقاليد الفلسطينية نظرات في نقد القوانين الاجتماعية والتحيزات الكامنة داخل الأنساق المجتمعية


خليل عبد السلام جبر

الحوار المتمدن-العدد: 7620 - 2023 / 5 / 23 - 00:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


لقد ظلت قضية تمكين المرأة من حقوقها الأساسية محكومة بجدلية العلاقة مع تقاليد المجتمع وجودا وعدما، والناظم المؤثر في هذه العلاقة هو درجة الوعي العام بهذه الحقوق، ومدى وضوح المفاهيم المرتبطة بهذه الحقوق في ذهن الإنسان العادي، وإذا تناولنا المجتمع الفلسطيني سنجد أنه لا يوجد ما يمنع من تمتع المرأة بحقوقها الإنسانية، فقد كفلت الشريعة الإسلامية هذه الحقوق، كما جاء المشرع الفلسطيني ليؤكد بما لا يدع مجالا لسوء التأويل، بأن المرأة تتساوى مع الرجل في جميع الحقوق، وورد هذا التأكيد منذ اللحظة الأولى في وثيقة إعلان الدولة التي أصدرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988م، كما تم التأكيد على مبدأ المساواة في القانون الأساسي الفلسطيني، ومجمل القوانين الفلسطينية، ولكن بملاحظة وضعية المرأة في الواقع الاجتماعي نجد أن هناك فجوة عميقة تفصل ما بين تلك القوانين في إطارها النظري، وبين ما هو كائن في الواقع، إذ ما زالت المرأة تعاني من تهميش دورها الاجتماعي، وحرمانها من عدد من حقوقها الأساسية، مما أدى إلى سلبيات عديدة على صعيد المجتمع بأسره، أو على مستوى الإصابات العميقة على الجانب النفسي للمرأة، الأمر الذي حد من فعالية دورها الاجتماعي.
وسنحاول في هذه السياق تحليل أسباب هذه الفجوة ما بين النص القانوني وبين وضعية حقوق المرأة في الواقع الاجتماعي، وذلك من خلال دراسة أنساق المنظومة المجتمعية الفلسطينية ومحاولة تلمس التحيزات الكامنة في اللاوعي الجمعي، والتي تصاغ على منوالها طبيعة الموقف تجاه قضية المرأة.
التقاليد الفلسطينية:
يمكن تعريف التقاليد بأنها تلك المفاهيم الكامنة المتوارثة عن الأجيال الماضية، والتي تتمظهر في شكل قيم حاكمة وأنماط من سلوكيات غير واعية، و طقوس جماعية تتسم بالعفوية وتمارس بصورة آلية غير مفكر فيها، ولم يتم تناولها ومحاكمتها عقلانيا ومنطقيا وبشكل علمي من البداية، وتتسم التقاليد بأنها غير مدونة كتابة ويتم تداولها وتناقلها عبر الزمان شفاهة، كما أنه لا يعرف لها واضع ولا بداية يمكن التأريخ لها، ناهيك عن تتبع مسارها البنائي التطوري، وكأنها تحولت إلى قوانين حاكمة تتعالى على الزمان ولا تحفل بتحديات الواقع ومتغيرات المكان.
والتقاليد وفق ما تقدم تشكل نظاما اجتماعيا خفيا يتغلغل في مفاصل المجتمع على اختلاف مكوناته، ولكن رغم ذلك فهي تتلون بخصوصية البيئة التي أفرزتها، فالتقاليد هي نتيجة لتفاعل الإنسان - بآماله وأحلامه وتخوفاته وأنماط تفكيره - مع المكان – بتجلياته واكراهاته وتحدياته- لهذا يمكن القول بأن لكل مجتمع تقاليده الخاصة به التي تكسبه هوية معرفة له ومميزة، ولا يمكن لمجتمع آخر استنساخها أو نقلها أو تقليدها.. من هنا جاء وصفنا اللاحق للفظة (التقاليد) في عنوان الدراسة ب(الفلسطينية).
والتقاليد الفلسطينية على مستوى طابعها الظاهري العام تشكل نسيجا علائقيا يسري في أوصال المجتمع بأسره، ويفرض قانونه وقيمه على الجميع، إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نقرر حقيقة مفادها أن التقاليد الفلسطينية ليست نمطا واحدا، بل أن اتساقها العام يخفي داخله أنساقا من الأعراف المتمايزة التي أفرزها تنوع مكونات المجتمع الفلسطيني ذات الأصول المختلفة، لعل أبرزها أربعة مكونات هي: البدوية، والحضرية (المدنية)، والقروية والمكون الرابع هو مزيج من البدوي والحضري والقروي، وقد ظهر في فترة لاحقة بعد تجربة اللجوء والعيش في مخيمات اللاجئين، حيث عاش الثلاثة جنبا إلى جنب فحدث ذلك التأثر المتبادل الذي أفرز "النسق التقاليدي الرابع".
المرأة داخل الأنساق الأربعة
على الرغم من التباين الداخلي بين تلك الأنساق الأربعة في طبيعة نظرتها للمرأة ودورها الاجتماعي المنوط بها، ومدى ضيق أو اتساع هامش الحرية الممنوح لها، إلا أنها تتصف بالطابع (الذكوري الأبوي) حيث يتمتع فيها الرجل بسلطة مطلقة وتصاغ العلاقات المجتمعية صياغة تحافظ على تلك المكانة، حيث تفرض الوصاية على المرأة حتى من طرف من هو دونها ثقافة وتعليما، وتكريس الدور التبعي للمرأة، بمعنى عدم النظر إلى المرأة باعتبارها شريك مؤثر وإنما بوصفها تابع متأثر.
كما أن الأنساق الأربعة تشترك جميعها في وضع المرأة في قوالب جامدة تحد من سلوكياتها، وتقصر دورها الاجتماعي ضمن دوائر مغلقة لا يجوز لها تجاوزها..ومن تلك المحددات ما تم التعارف عليه في الخطاب الديني والعرفي على حد سواء ب (طبيعة المرأة وتكوينها النفسي والجسماني ) بمعنى القول بأن هذه الأعمال تتناسب مع طبيعة المرأة فيجوز لها الانخراط فيها والعمل ضمن سياقاتها. وهنالك أعمال لا يحق للمرأة الاقتراب منها لأنها تتنافي مع طبيعة المرأة وبنائها النفسي والجسماني.. وهذا كله يمارس دون مبررات منطقية أوعلمية ولا حتى إلى مستند شرعي قطعي.. ووفق هذا الفهم يمكن تفسير التوجه المتزايد من قبل الإناث باتجاه العمل في مهن محددة لعل أبرزها مهنة التعليم.. وعزوفها عن مهن أخري تتطلب جهدا عضليا أو مهن تستدعي مخالطة أكبر مع الذكور.
إن النتيجة السابقة تدفعنا إلى ضرورة البحث عن تلك القوانين الاجتماعية الكامنة، التي تحدد الفعل الجمعي باتجاه التضييق على المرأة في كثير من المجالات، ومصادرة حقوقها، وتهميش دورها الطبيعي المنوط بها، ومحاولة مناقشة الأسس التي بنيت عليها، أو بمعنى أدق إعادة تقييمها وفق منظور نقدي واعي.
نقد القوانين الاجتماعية
إن أولى خطوات إعادة تقييم القوانين الاجتماعية هي فك الاشتباك الحاصل ما بين التقاليد وبين مرجعيتها الدينية، ودحض الاعتقاد بأن هناك تماثلا بين تلك الأعراف وأحكام الدين الثابتة، الأمر الذي أسبغ في اللاوعي الجمعي قدسية على كثير من التقاليد والأعراف، بحيث بات ينظر إليها وكأنها مسلمات دينية لا يجوز المساس بها.
إذن هذه خطوة منهجية ضرورية في عملية إحداث التبديل الثقافي وخلق وعي جمعي يؤسس لفعل عقلاني مؤثر.
أما الخطوة الأخرى فهي محاولة إعادة النظر في كثير من الأحكام الاجتهادية التي أثرت تاريخيا في صياغة نظرة نمطية لدور المرأة الاجتماعي، وهنا ننبه أننا بصدد أحكام اجتهادية ظنية قابلة للمناقشة والنقد والتجاوز أيضا.. ومن أبرز الأحكام التي تم تداولها تاريخيا على أساس أنها من الأحكام القطعية، ذلك الحكم المتعلق بدية المرأة، وقد نقل كثير من الفقهاء انعقاد الإجماع على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وعند مراجعة هذا الحكم ومستنداته الشرعية يمكن ملاحظة الأمور التالية:
- لا يوجد دليل من القرآن الكريم ولا من السنة النبوية يشير صراحة أو ضمنا إلى أن دية المرأة هي نصف دية الرجل.
- أن الإجماع المنقول ليس إجماعا صريحا وإنما هو إجماع سكوتي، وبالتالي هو دليل ظني قابل للمناقشة ولنظرة جديدة معاصرة.
- الذين قالوا أن دية المرأة نصف دية الرجل استندوا إلى اعتبارات مالية، بمعنى أن الخسارة المادية للأسرة بفقدان الرجل تكون أكبر منها في حالة فقدان المرأة، لأن الأسرة تفقد بموت الرجل معيلها الوحيد.. وهذا تبرير يغفل التغيرات الكبرى التي أصابت بنية المجتمعات الإسلامية عامة، والمجتمع الفلسطيني خاصة، حيث أنه في ظل اتساع عمل المرأة، وانتشار البطالة أصبحت المرأة هي المعيل للأسرة في ظل عدم عمل الزوج، وهذا يمكن عده ظاهرة اجتماعية فلسطينية، إن هذا المتغير يتطلب اجتهادا معاصرا..
- بعض العلماء قاسوا دية المرأة على نصيبها في الميراث – أي أن للذكر حظ أنثيين – وعليه قالوا بأن دية المرأة نصف دية الرجل.. ونرى أن هذه نظره تحكمية لا دليل عليها، كما أنه لا قياس مع وجود الفارق.
- إن الاعتبارات التي وجهت نظرة الفقهاء هي اعتبارات مالية محضة، وغفلوا عن " الآدمية"، فالرجل والمرأة سواء في الإنسانية، وجريمة القتل هي سلب حياة إنسان سواء كان ذكرا أو أنثى لا فرق بينهما، فيتوجب المماثلة في العقوبة..
نسوق هذه المناقشة لننبه إلى الأثر الذي أحدثته كثير من الأحكام الاجتهادية التي تم تداولها تاريخيا دون تجديد وبدون مراعاة لتغير الزمان وتبدل الأنظمة الاجتماعية في تكوين نظرة دونية تجاه المرأة في اللاوعي الجمعي..
من هنا تكمن أهمية عصرنة المنظومة الفقهية من خلال اجتهاد معاصر ورؤية شمولية تستصحب مقاصد الشريعة وتراعي تغير الزمان والمكان، بحيث تعمل على تصفية ما علق في ذهنية العامة من أية تحملات خاطئة، كرستها مفاهيم التقليد والماضوية الفكرية، والعيش عالة على تراث القدماء.
أما الخطوة الثالثة فهي محاولة معاينة الإصابات النفسية على المستوى الجمعي، والتي عمقتها سنوات طويلة من المعاناة الجماعية جراء الاحتلال وممارساته القمعية، وما نجم عنها من صعوبات اقتصادية ومآزق سياسية ومآسي إنسانية، تكاثفت جميعها في أحداث التحولات الاجتماعية الجديدة – مجتمع فلسطيني ما بعد التهجير- والذي كان أبرز تجلياته تحول المجتمع الفلسطيني إلى مجتمع منغلق على ذاته بفعل الحصار الاسرائيلى، والحد من حرية الحركة في الداخل، وقطع التواصل مع الخارج.
ومن الطبيعي في ظل هذا الوضع الصعب أن يتجه المجتمع نحو التشدد والانكفاء على الذات، مما أثر في سلامة العلاقات الاجتماعية، ولعل أبرز المتضررين من هذه الوضعية هو المرأة.
إن هذه المراجعة النقدية للتقاليد السائدة تتساوق تماما مع المرجعية الإسلامية التي قامت بعملية هدم للتقاليد الجاهلية من مجرد نزول الآيات الأولى ومن بينها حرمانهم الأنثى من الميراث، ووأد البنات، وعاب عليهم تقليدهم الآباء دون تفكير، وبعد أن استقرت أركان المجتمع وسادت تقاليد جديدة، وقف منها العلماء موقفا نقديا، واشترطوا شروطا عديدة يتوجب توافرها لكي يقبل ما ساد من عرف ويتم الأخذ به، ومن هذه الشروط:
- أن يكون مطرداً أو غالباً
- أن يكون قائماً عند إنشاء التصرف المراد تحكيم العرف فيه.
- أن لا يكون مخالفاً لنص شرعي أو أصل قطعي.
كما أن هذه المراجعة تتساوق تماما مع مفهوم الدولة الحديثة التي تكون فيها السيادة للقوانين، التي تصاغ وفق معرفة علمية لطبيعة المجتمع، والظرفية التاريخية التي وصل إليها، والتي لا تحابي فئة اجتماعية على حساب أخرى، ولا رجل على حساب المرأة وحقوقها. ولا نشك بأن المستوى الحضاري لأي مجتمع يقاس بمدى احترامه للقانون، بحيث لا يترك نفسه أسيرا لأعراف متوارثة غير مختبرة من الناحية العلمية أوالعقلية.
الحقوق الأساسية للمرأة
1. التعريف وجدل العلاقة بين حقوق المرأة والتنمية المجتمعية:
يمكن تعريف حقوق المرأة بأنها تلك المفاهيم الأساسية التي تشكل كيان المرأة، وتحدد دورها الاجتماعي ومدى فاعليته، بحيث يؤدي فقدانها لهذه المفاهيم إلى شل حركتها، وإلغاء وجودها، وما يستتبع ذلك من تأثيرات جسيمة على شخصيتها، بجوانبها النفسية والجسمانية، إذن هي حقوق لا تقبل التفريط أو المقايضة، وتمتد تأثيراتها إلى المجتمع، ففقدان المرأة لهذه الحقوق هو فقدان المجتمع لأحد جناحيه، من هنا يمكن القول إن تمكين المرأة من حقوقها شرط أساسي في أية انطلاقة تنموية أو نهضوية في المجتمع.
2. التشريع الفلسطيني
وبالنظر إلى أهمية تمكين المرأة من حقوقها جاءت جميع التشريعات لتؤكد عليها، على أساس أنها حقوق لا تقبل التنازل أو سوء التأويل، وفي فلسطين أكد المشرع الفلسطيني عليها. من خلال وثيقة الاستقلال الفلسطينية التي أصدرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988م التي تعد أساساً دستورياً مهماً في إحقاق حقوق المرأة الفلسطينية، وجاء فيها نصاً: "أن دولة فلسطين للفلسطينيين، أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية، وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي والرأي الآخر، وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية لحقوق الأقلية...". كما تنص هذه الوثيقة على العدل الاجتماعي والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو اللون أو الدين أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل.
3. حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية
أما الشريعة الإسلامية فقد عمدت منذ البدء إلى تقرير تلك الحقوق حيث قامت بعملية قطع مع القديم الذي صادر حقوق المرأة، فأكدت المساواة بين الرجل والمرأة، في الإنسانية والمسؤولية والكرامة الإنسانية، ويشهد بذلك موقع المرأة في الخطاب القرآني.
4. الخطاب الفقهي التاريخي
وفي هذا السياق ينبغي التمييز بين النص القرآني وما بين الخطاب الفقهي الإسلامي التاريخي من حيث طبيعة كل منهما، فالخطاب الفقهي بطبيعته قابل للمراجعة وبيان أوجه القصور فيه، وإظهار نسبيته التاريخية، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالمرأة ، وأكثر القضايا التي أثارت جدلا واسعا راجعة بالأساس إلى اجتهاد تاريخي محكوم بزمن حدوثه، وليس إلى النص القرآني.
ومن تلك القضايا الإشكالية التي كان لطريقة معالجتها الأثر الكبير في تشكيل المخيلة العامة وصياغة نظرتها النمطية للمرأة، ما يعرف بأحقية المرأة في تولي منصب الإمامة العظمى أو ما يقابلها بالمصطلح المعاصر رئاسة الدولة وكذلك توليها منصب القضاء. وقد وقع التوافق داخل المنظومة الفقهية على عدم جواز تولي المرأة لهذه المناصب. رغم أنه لا يوجد نص صريح يمنع من ذلك.
ليس من مهام الدراسة الخوض في ذلك، ولكن نود الإشارة إلى أن القضية اجتهادية وتحتمل أن يكون فيها آراء متباينة، ويبدو أن آراء الفقهاء قد تأثرت بالواقع التاريخي ومعطياته الموضوعية، وطبيعة الأنظمة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة.
وفي المجمل فإن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة، وأكد على حقوق المرأة، ولكن يبدو أن الآراء التاريخية هي التي صاغت الذهنية العامة في التفريق بين الرجل والمرأة في كثير من الحقوق، الأمر الذي أدي إلى هذه الوضعية المجتمعية من سيادة تقاليد تصادر حقوق المرأة وتحويلها إلى تابع بدلا من ينظر إليها بوصفها شريكا متساوي مع الرجل.

إن المراجعة السابقة تظهر بما لا يدع مجالا للشك، بأن الأزمة هي أزمة وعي، وتحملات فكرية مغلوطة تتعلق بطبيعة المرأة وبدورها الاجتماعي، أو بموقع المرأة داخل المنظومة الاجتماعية، حيث تمت مصادرة دورها لصالح الرجل ضمن ثقافة ذكورية مهيمنة، وفي هذا المبحث سنحاول تسليط الضوء على بعض السلبيات التي أدت إلى تعطيل اكتساب المرأة لحقوقها.
1. النظرة التجزيئية التي عالجتها بمعزل عن سياقها العام .
على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت من أجل تمكين المرأة من حقوقها في المجتمع الفلسطيني، إلا أنها فشلت في تحقيق النقلة النوعية في وضعية المرأة، وذلك يرجع كله لطبيعة الحلول التي قدمت، إذ أنهم أتوا بحلول تجزيئية، وإن كانت مفيدة، وعالجوا بعض الظواهر والأعراض إلا أن معالجتهم لم تبلغ جوهر المرض، إذ أنها لم تتناوله في نسقيته وامتداداته، وإنما قامت بتجزيئه إلى أعراض عالجت بعضه وأغفلت أكثره. بمعنى أنه كان ينبغي دراسة قضية المرأة ضمن سياقها المجتمعي العام، فأزمة المرأة هي إحدى تمظهرات أزمة المجتمع الفلسطيني ككل.
2. الخلل في بنية المنظومة الاجتماعية:
من القضايا التي تشكل عائقا أمام تمكين المرأة هي الثقافة الذكورية ، حيث يتمتع الرجل بمركزية داخل المنظومة الاجتماعية، تقاس بالنسبة إليه وجود الأشياء من عدمها، فهو الفاعل في العملية الاجتماعية، ورضي للمرأة أن تأخذ دور التابع أو الطرف المنفعل أو المتأثر، بحيث أفضت هذه الثقافة إلى مصادرة كثير من حقوق المرأة، لأن فيها مس لسطوة الرجل وتهديد لمكانته كما رسمتها الثقافة السائدة، في هذا الإطار يمكن فهم سبب حرمان المرأة من ميراثها، واستنكار حقها في المشاركة السياسية، والتضييق عليها في تولي بعض المناصب السياسية.
3. النظرة النمطية تجاه المؤسسات التي تعنى بقضايا المرأة:
لا شك في أن المراكز التي تعنى بحقوق الإنسان قد قدمت جهودا كبيرة في سبيل تمكين المرأة داخل المجتمع، ولكن النتائج كانت أقل من مستوى الجهود المبذولة، وفي اعتقادنا فإن هذا يرجع إلى طبيعة النظرة النمطية تجاه تلك المنظمات، حيث الريبة والتشكيك، من قبيل:
- ما يشاع من علاقة النشطاء والمنظمات الحقوقية بالخارج.
- أن حركة حقوق الإنسان تستخدم وسيلة للضغط على الحكومات العربية من أجل التغيير عبر الاستقواء بالخارج.
- أنها وسيلة للاتجار بمشاكل الشعوب وتبرير تدخل الغرب في شؤون البلاد العربية.
- أن معظمها ولد من رحم دول استعمارية، أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، ويتم استغلالها من قبل هذه الدول لخدمة أجندتها الخاصة.
- اتهامات حول التمويل الأجنبي، الذي تتلقاه ومصادره.
- ولعل أخطر الاتهامات هي أنها وسيلة لاختراق المجتمعات الإسلامية، وتقويض قيمها، بغرض إقصاء الدين عن الحياة العامة.
وهذه الاتهامات تجد لها صدي على نطاق واسع، ولا شك في أن هذه النظرة من الريبة والاتهام شكلت عائقا أمام الدور الذي كان يمكن أن تلعبه منظمات حقوق المرأة، فجاءت النتائج أقل من مستوى الجهود المبذولة.
4. الخطاب التقليدي الإسلامي
يبدو أن كثير من التحيزات الاجتماعية ضد المرأة قد صيغت وفق خطاب إسلامي تقليدي يؤكد على الفروقات بين الرجل والمرأة، ووضع المرأة ضمن قوالب جامدة تحجم دورها الاجتماعي، فهم قاصر لعدد من الأحكام الشرعية الاجتهادية، التي تركت انطباعا عند الإنسان العادي بأفضلية الرجل على المرأة، وعدم صلاحية المرأة لعدد من الوظائف الاجتماعية، بدعوى الاختلاط بالرجال، أو من قبيل أن طبيعة المرأة لا تتناسب معها، وهنا نشير إلى البيان الذي وقعه أزيد من مائة عالم دين يؤكدون فيه على أمرين أساسيين هما:
1) وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة وأن كل دعوة للمساواة المطلقة بينهما فهي دعوة باطلة شرعا وعقلا. .
2) أن الشرع والعقل والحس على فضل جنس الرجل على جنس المرأة.
لا شك أن تداول مثل هذا الخطاب دون استصحاب سياقاته الكلية ضمن الرؤية الإسلامية العامة يعزز النظرة الدونية تجاه المرأة، ويكرس الاتجاه الذي يسعى إلى تهميش دورها، ويرسخ القناعات الكامنة ضد المرأة في الذهنية العامة وبالتالي شرعنة مصادرة حقوقها.
5. القضاء العشائري
من أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمعا ما هو الازدواجية القانونية، وهو ما يعرفه المجتمع الفلسطيني من مزاحمة القانون العشائري للقانون الفلسطيني، بل استفراده في البت في جملة من القضايا خصوصا المتعلقة بالمرأة، وغالبا ما يتجه هذا القضاء نحو الحلول التوفيقية التي غالبا ما تأتي على حساب المرأة وحقوقها ، وغني عن القول أن وجود مثل هذا النوع من القضاء يتصادم مع مفهوم الدولة الحديثة ويتناقض مع مفهوم سيادة القانون.
ومجمل القول إن الأزمة هي أزمة مفاهيم وتحمل خاطئ لها، تكاد تضرب في أعماق الوعي الجمعي الذي يستبطن مقولات مناهضة لتمكين المرأة من حقوقها، ولخطورة هذه الوضعية ينبغي أن توضع في أولويات الفاعلين الجمعويين والمهتمين بقضايا المرأة، ناهيك عن مسؤولية السلطة الفلسطينية في وضع البرامج التفصيلية لزيادة الوعي بقضايا المرأة وحقوقها الإنسانية.

إن العمل على إعادة صياغة الوعي الجمعي يعد خطوة أولية وأساسية لا بد منها إذا أردنا أن نحدث نقلة نوعية باتجاه تمكين المرأة من حقوقها، وهذا المستوى من العمل يتطلب تكاثف الجهود من قبل النخب جميعها، والدفع بها لتأخذ دورها في مهمة تنقية عالم الأفكار, وبث وعي جديد في المجتمع ينظر إلى الرجل والمرأة بوصفهما شريكين متساويين في المسؤولية الإنسانية والاجتماعية، ولتحقيق ذلك ينبغي العمل على محاور أساسية منها:
1- القيام بمراجعات معاصرة للمنظومة الفقهية التاريخية التي عالجت القضايا المرتبطة بالمرأة وفق واقعها التاريخي وظروفه الموضوعية، والعمل على تجديده وفق التطورات المجتمعية الحديثة، والأنظمة السياسية المعاصرة.
2- تفعيل الآليات القانونية في التدخل للحسم في النزاعات والخصومات، لكي يأخذ القانون مجراه في تمكين المرأة من حقوقها، وعدم ترك هذا الأمر للقضاء العشائري، الذي يتنافى وجوده مع مفهوم الدولة الحديثة.
3- العمل على الجانب التوعوي بحقوق المرأة، فالوعي الصحيح هو الكفالة الحقيقية لتمكين المرأة من حقوقها، وهو أمر يحتاج إلى بناء رؤية شاملة وموحدة لطبيعة دور كل من الرجل والمرأة في النظام الاجتماعي العام.
4- إشراك النخب الثقافية والأكاديميين والفاعلين الجمعويين والقانونيين إلى جانب علماء الدين، في وضع إطار قانوني معاصر يؤطر لحقوق المرأة،.

إن التوصيات السابقة تومئ بثقل المسؤولية الملقاة على عاتق النخب الثقافية في المجتمع الفلسطيني، والتي تتمثل بإعادة التوازن إلى الأدوار الاجتماعية التي يؤديها كل من الرجل والمرأة بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، وهذه قضية لا تمس المرأة وحدها، بل هي قضية تمس المجتمع بأسره، حيث أن تهميش دور المرأة أوصلنا إلى هذه الوضعية المجتمعية المتراجعة.
وهذه قضية تحتاج إلى تكاتف الجهود والعمل تحت إطار مؤسسي يظلل الجميع، بحيث يمكن تحقيق التراكم المعرفي، بدلا من التشتت الحاصل اليوم وكأن المراكز المعنية بمثابة جزر منفصلة تعمل داخل المجتمع، الأمر الذي أفقد هذه المؤسسات الفاعلية المطلوبة لتحقيق أهدافها.
إن قضية بهذا الثقل بحاجة ماسة لتراكم الخبرات وتكاثف المجهودات إذا أردنا إحداث نقلة نوعية سواء على مستوى تمكين المرأة من حقوقها، أو أردنا تحقيق انطلاقة تنموية حقيقية في المجتمع الفلسطيني.
وفي النهاية نؤكد على أن العمل باتجاه تمكين المرأة من حقوقها لا يتم إلا من خلال مسلكين متكاملين، أولهما العمل على بناء رؤية معرفية واضحة لقضية حقوق المرأة يتوافق عليها الجميع، أما المسلك الثاني فيكون على مستوى العمل التوعوي العام لتغير الثقافة النمطية السائدة.



#خليل_عبد_السلام_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية إسلامية المعرفة لدى المعهد العالمي للفكر الإسلامي.. أصل ...
- المعهد العالمي للفكر الإسلامي (ورقة تعريفية)
- شروط البناء الحضاري عند مالك بن نبي


المزيد.....




- -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو ...
- -أمر أخلاقي وعادل-.. ترينيداد وتوباغو تقرر الاعتراف رسميا بـ ...
- السيدة الأولى للعراق شاناز إبراهيم أحمد تكتب لـCNN: فرسان ال ...
- السعودية.. تداول فيديو لمواطن يطلق النار من سلاحه بمكان عام. ...
- شاهد: -السحابة الخارقة- تضرب شمال فرنسا وهطول برَد بحجم حبة ...
- رصد طائرة غريبة وغير مألوفة في الولايات المتحدة
- مصر.. من هو إبراهيم العرجاني رئيس اتحاد القبائل العربية في س ...
- مشروبات كحولية لا ينصح بتناولها مع اللحوم المشوية
- أردى أحدها قتيلا.. شرطي أمريكي يخلص رجلا من أنياب كلاب شارد ...
- رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا تلعب بالنار


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خليل عبد السلام جبر - تمكين المرأة والتقاليد الفلسطينية نظرات في نقد القوانين الاجتماعية والتحيزات الكامنة داخل الأنساق المجتمعية