أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان سعيدان - - إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج و رهانات السياسات العمومية -















المزيد.....


- إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج و رهانات السياسات العمومية -


حنان سعيدان

الحوار المتمدن-العدد: 7614 - 2023 / 5 / 17 - 20:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الحديث عن " إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج و رهانات السياسات العمومية " تشكل مناقشته ضرورة آنية ملحة باعتبار أن الشباب يشكل رحى المجتمع وعماده ، ومصدر قوته ، وتماسك نظمه وأنساقه من جهة ؛ وعلى اعتبار أنه من المفروض اليوم على الحكومة تبني مشروع مجتمعي متكامل يهتم بقضايا الشباب و انتظاراتهم مما يستدعي توفير الشروط المناسبة لنجاحه و الالتزام السياسي الكافي الكفيل بتنزيله وتقييم أثره
ولعل أهمية هذا الموضوع تتجلى في كونه يتناول المسألة الشبابية بالمغرب من خلال دراسة موقعها في نسق الخطة الاستراتيجية الوطنية وسياقاتها الوطنية والدولية، باعتبارها مؤشرا رسميا يحيل على مرحلة جديدة في تدبير إشكالات الشباب لاسيما بعد دستور 2011 والدينامية السياسية والثقافية والفكرية التي أعقبته ، رغم أن مناقشة موضوع يحمل هذه الإشكالية يعتبر صعبا بدليل ندرة الدراسات حول الاستراتيجة الوطنية للشباب ، بسبب حداثة هذه الأخيرة ، لكن يمكن الاعتماد على تحليل مضامين الخطة الاستراتيجية الوطنية للشباب ورهاناتها؛ من خلال الوقوف عند سياقاتها السياسية وتداعياتها على واقع الشباب وحال اندماجهم، مما يستدعي الوقوف على جملة من المتغيرات الأساسية والثانوية من قبيل السياسات العمومية وقضايا الشباب، المشاريع الوطنية في صفوف الشباب، الإرادة السياسية الملكية، أزمة الشباب، التحديات القيمية والسياسية، وغيرها من المواضيع التي تفرض نفسها ، لاسيما في اللحظة السياسية الراهنة التي عرفت دينامية سياسية وثقافية جديرة بالدراسة السوسيوسياسية لمساءلة مساراتها ورهاناتها.
ولعل موضوعا بهذا الحجم وقبل التعمق في مناقشته لابد ان نفهم كلماته المفتاحية و المتمثلة في : الشباب، الاندماج ، السياسات العمومية ، الاستراتيجية الوطنية ، و الإرادة السياسية .
فمفهوم الشباب يحيلنا على فئة عمرية اجتماعية، ويتم حصر هذه المرحلة من قبل الباحثين في الفترة ما بين 15 و 25 سنة، وهو المعيار نفسه الذي تبنته السنة الدولية للشباب سنة 1985، بينما الأمم المتحدة تعرّف "الشباب" على أنهم الأشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وتستند جميع إحصاءاتها بشأن الشباب إلى هذا التعريف .كما نجد هذا التعريف ذاته في بعض المؤسسات الرسمية في المغرب )المندوبية السامية للإحصاء ،2014(، بينما تبنت وزارة الشباب والرياضة في تقريرها الأخير التعريف الموسع لفئة الشباب الممتد ما بين 15 و 29 سنة، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحديد العمري لمفهوم الشباب يكتنفه الغموض واللبس؛ لأن الظاهرة الشبابية لا ترتبط بمحدد عمري، بل تحكمها معطيات أخرى؛ فيزيولوجية، ونفسية، وثقافية اجتماعية، وجغرافية، كما أن المقاربات العلمية تختلف فيما بينها؛ فالسيسيولوجيا تؤكد على كون الشباب كغيره من الفئات الأخرى نتاج المجتمع وثقافته وقيمه وعقله الجمعي وأفكاره وتحولاته والمفاهيم السائدة والمرجعيات التي تحكم تصورات مكوناته، ومن ثمة يتحدد مفهوم الشباب بناء على الخصائص والمعطيات السائدة في مجتمع ما ، مما يعني أن لكل مجتمع شبابه، ولكل شباب إشكالاته وأسئلته واحتياجاته، ومن وجهة نظر فيزيولوجية نفسية يتم التركيز على الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تطرأ على الفرد في حياته وتبصم لحظة انتقاله من الطفولة إلى الشباب ،ومنه إلى الشيخوخة ، من هذا المنطلق هناك من يعتبر أن المقاربة السوسيولوجية في تحديد مفهوم الشباب أكثر وجاهة من المقاربة العمرية السائدة ، لأنها ترهن مسألة الشباب بشروط المجتمع الذي يستمد منه قيمته الاجتماعية وهويته الثقافية، ويتأثر باتجاهاته القيمية والفكرية، بينما هناك من يعتبر أن استبدال الشباب بالمرور إلى سن الرشد أكثر علمية وإجرائية؛ لاسيما في مجال الدراسات السوسيولوجية .
أما السياسات العمومية فهي مجموعة من الخطط والبرامج التي تنهجها الدولة أو إحدى إداراتها من أجل حل مشاكلها والاستجابة للمطالب المتنوعة ، وما يميزها هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع إن لم نقل المجتمع كله، ويعرفها الباحث في العلوم السياسية فانسان لوميو باعتبارها مجموعة من القرارات المترابطة التي يقرها فاعل سياسي أو مجموعة فاعلين سياسيين. وتتطلب السياسة العمومية مسبقا وضع مجموعة من الأهداف الواضحة، ثم الوسائل والآليات الكفيلة بأجرأتها وتطبيقها، وتحديد مؤشرات الإنجاز والجهات المسؤولة عن التنفيذ، لتسهل عملية التقييم والتتبع والتقويم، وتجويد الأداء، ومن ثمة دراسة أثرها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي ، من جهة أخرى يعرف توماس داي السياسة العمومية باعتبارها " تقديرا أو اختيارا حكوميا رسميا للفعل أو عدم الفعل، كما هي توضيح لماهية أفكار الحكومة وفلسفة عملها ورؤيتها التدبيرية" ، بينما ير ى كار ل فردريك بأن السياسة العامة هي " برنامج عمل مقترح لشخص أو جماعة أو حكومة في نطاق بيئة محددة لتوضيح الفرص المستهدفة والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول ل إلى هدف أو لتحقيق غرض مقصود" .
إن السياسة العمومية إذن هي برنامج حكومي هادف وقاصد يروم تقديم إجابات رسمية عن جملة من الأسئلة التي يعج بها المجتمع، والتي تشمل مختلف مجالاته المتعددة، وكل مكوناته وأنساقه. وبتعبير الفهداوي هي منظومة فاعلة مستقلة متفاعلة مع محيطها والمتغيرات ذات العلاقة بمجال اهتمامها ، من خلال صك جملة من البرامج والقرارات الكفيلة بمعالجة مشكلات معينة، أو القضاء على أزمات تقض مضجع المجتمع، وتهدد بنيانه القيمي.
و تجدر الإشارة إلى أن هناك فرق بين "السياسة العامة" والسياسات العمومية"؛ فالأولى تعبر عن التوجه السياسي العام للدولة والتي تهم تدبير الشأن العام الوطني والمجالي والترابي، بينما السياسات العمومية هي مجالات لتنزيل البرنامج الحكومي ومحاور السياسة العامة بهدف حل الإشكالات التنموية في المجا لات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالسياسة العامة إذن تعبر عن المواقف السياسية والتوجهات الاستراتيجية العامة التي تتبناها الدولة أو الحكومة، والسياسات العمومية تشكل مستوى من مستويات التخطيط التنموي، التي يتوجب أن تكون منسجمة مع فلسفة السياسة العامة.
أما عن مفهوم الاندماج فيشير اللفظ في معناه العام إلى الترابط والتماسك والانسجام والتبعية البينية بين عناصر أو وحدات مجموع ما أو التلاؤم بين مكونات النسق الاجتماعي ، ويطرح عادة كنقيض لعدم الانسجام والتفكك والإقصاء والاستلاب والتمييز وانعدام الترابط وتلاشي أواصر التعاون والتضامن وهشاشة قيم التقدير والتضامن ، وهنا لا بد من التمييز بين أربعة أشكال من الاندماج: الاندماج الثقافي ،والاندماج المعياري، والاندماج التواصلي، والاندماج الوظيفي ، ونضيف في هذا السياق "اندماج الشباب" بمفهومه الواسع الذي يشمل تطوير قدرات الشباب الفكرية والثقافية، وإشراكهم في مسار الدمقرطة والتنمية، فضلا عن إدماجهم في سوق الشغل، والنهوض بمختلف قضاياهم ومطالبهم.
أما الاستراتيجية الوطنية فهي مجمل الخطط البعيدة المدى لتطور الدول في مختلف المجالات وحمايتها من كافة الأخطار واستعدادها لمواجهة المستقبل . وهي تشمل خطط اقتصادية وصناعية وزراعية وعلمية وإنسانية وصحية ........ و تستند هذه الخطط على حساب ثروات البلاد، واحتياجاتها وطرق الحفاظ عليها وتغطية هذه الحاجات وخلق طاقات بشرية من مواطنيها قادرة على قيادة دفة الأمور في المستقبل. بهدف الارتقاء بمستوى الحياة في البلاد وتخفيف حدة الطوارئ التي قد تحدث بعمل حساب لها والتخطيط لمواجهتها.
لننهي شرح الكلمات المفتاحية بمفهوم الإرادة السياسية الذي تعبر عن القدرة على الفعل السياسي من منطلق التحليل السياسي الذي يمكن من فهم الواقع و استشراف المستقبل و استكشاف التوقعات وهو ما يكفل لها مشروعية هذا الفعل ، وهي تستند الى مجموعة من الأفكار والتصورات التي صنعتها تجارب التاريخ والهوية والثقافة وتصب الارادة السياسية في مصالح الدولة العليا اذا تمكنت من التمثيل العام للإرادة، وفي أيديولوجيتها التي تحكم المسيرة السياسية للقوى السياسية والفاعلة في الحركة السياسية، كإرادة فعل سياسي يوظف باتجاه مصالح البلد العليا .
ولعل هذه المفاهيم مجتمعة تربطها علاقات وطيدة تتمثل في كون الشباب يحتاج لسياسات عمومية وبرامج حكومية وقرارات جريئة وتدابير واقعية و إرادة سياسية حقيقية ، تضمن لهم حياة اجتماعية وثقافية مستقرة، واندماجا سياسيا مؤثرا وفعالا، يحقق لهم مواطنة حقوقية خلاقة، أو بتعبير آلان تورين "اندماجا ديمقراطيا" يحفظ كرامتهم، ويصون حريتهم، ويعكس مطالبهم وحقوقهم، ويترجم إرادتهم داخل نسق المجتمع وفي مختلف اتجاهاته وحقوله. غير أن المطابقة بين القيم السياسية الرسمية والواقع الاجتماعي للشباب يشكل تحديا سوسيولوجيا؛ لاسيما في السياق السياسي المغربي حيث يعتبر الخطاب السياسي الرسمي في شكله الحالي خطابا فاقدا للمصداقية والمشروعية الاجتماعية طالما لا يجد سبيله لواقع الشباب ومطالبهم وتطلعاتهم ؛ وهذا يعني أن سياسات الاندماج الرسمية يمكن أن تكون عائقا أمام التفاعل الايجابي بين الشباب والنسق السياسي الرسمي، وحاجزا يحول دون بلوغ الغايات المنشودة.
إذ أن الشاب يكون مندمجا في المجتمع، حينما يكون عنصرا فاعلا في نسقه الثقافي، متفاعلا مع همومه ومشكلاته ودينامية التنمية و بنائها الاجتماعي والقيمي ، حرا في اختياراته، كريما في حياته، مواطنا صالحا يخدم وطنه، ويذود عن حاضره ومستقبله، كما له كامل حقوقه ومستحقاته. فالاندماج الاجتماعي إذن ليس ترفا فكريا، أو نظرية سوسيولوجية حالمة بل هو مطلب واقعي لا محيد عنه ، ليكون الشباب قيمة مضافة وقوة اجتماعية واقتصادية وثقافية في مجالات المجتمع؛ لاسيما وأن الاهتمام بهم يشكل لحظة فارقة في الرقي والتنمية، وتحقيق التقدم والتغيير الحقيقي. فإذا كانت السياسات العمومية تعكس توجهات السياسة العامة للدولة، وتعبر عن منطلقاتها وفلسفتها في التدبير، فهل بإمكانها أن تبدد تحديات الاندماج الاجتماعي للشباب، وتجيب عن أسئلة واقعهم الملحة
إن موضوع الشباب يحتل مكانة مهمة في مختلف البرامج والاستراتيجيات التي تصدرها القطاعات ، إذ لا يمكن أن نتصفح وثيقة من وثائقها دون أن تجد هذا المفهوم حاضرا في فصولها ومضامينها، ويبدو من الناحية النظرية على الأقل بأن فئة الشباب تحضر كأولوية وكهاجس حقيقي لدى الفاعلين السياسيين، وأن قضاياها تشغل اهتمامات مختلف المتدخلين: المؤسسة الملكية، الحكومة، المجتمع المدني، المؤسسات المركزية والمحلية
لكن هل هذا الاهتمام الرسمي أخرج الشباب من هشاشته وحقق مطالبه وانتظاراته وأجاب عن أسئلته ؟ إن ربط الشباب برهانات التنمية وتوظيفه كقوة إيجابية وطاقة خلاقة، يستوجب بلورة رؤية شاملة في مجالاتها ،ومتكاملة في أهدافها وغاياتها، واستراتيجية في أفقها، ومندمجة في أبعادها والقيم التي تحملها. وهو ما غاب عن السياسات القطاعية التي اهتمت بقطاع الشباب منذ الاستقلال إذ بات محكوما برؤية قطاعية تفتقد للشمولية والاندماج والتنسيق بين مختلف القطاعات المهتمة بشؤونهم، والمتدخلين في إدارة ملفاتهم، مما ساهم في تعميق الأزمة الشبابية، وتناسل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهنا تطرح الإشكالية الحقيقية هل أزمة الشباب في المغرب: أزمة سياسات أم أزمة مشروع قيمي ام هما معا ، يقول دومنيك رينيي : "إن المجتمعات تؤدي غاليا عندما تهمل شبيبتها " ، فالشباب هو الرأسمال الذي لا يعوض، بل هو الأمل والمستقبل والحامل الحقيقي لهموم المجتمع، الناهض بشؤونه وقضاياه، لذلك نعتبر أن تدبير المسألة الشبابية يستوجب مشروعا مجتمعيا متكاملا، وليس فقط خيارا سياسيا أو استراتيجية محكومة بإطار زمني وفلسفة حكومية محددة؛ لاسيما وأن الإشكالات السوسيولوجية للشباب ليست وليدة اليوم، بل هي ذات طبيعة بنيوية وجذور تاريخية، ولا أخال التغيير الفعلي سيتحقق، دون تشخيص موضوعي شامل لأصل الداء؛ بحيث يتخلص من الاجتزاء والهواجس السياسية والرهانات الموسمية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تحديات الشباب في العصر الراهن لا ترتبط بضعف الإمكانيات المادية، والبنيات التحتية، والأنساق المؤسساتية المحتضنة له فحسب، بل كذلك وأساسا بتحدي قيمي كبير وملح، لأن التحولات القيمية والاجتماعية والثقافية التي تمر منها المجتمعات المعاصرة بفعل العولمة وثقافة الويب، اكتسحت عقول الشباب، وأثرت في القيم المجتمعية الأثيلة والبانية، وأفرزت واقعا اجتماعيا مختلا في قيمه وثقافته ووظائف مؤسساته وأنساقه التربوية. إن الشباب المغربي يعرف "تغريبا لاشعوريا " ، وهو ما يتطلب نسقا جديدا في مقاربة مشكلاته، وتناولا اجتماعيا ناضجا ينطلق من أرضية أولية تتفاعل مع قضايا الشباب ورهاناتها الكبرى في واقع متحول .
تبين العديد من التقارير أنه يوجد في المغرب ما يربو عن 51 بالمائة من الشباب المغاربة يتعاطون للمخدرات بشكل منتظم، وأن 81 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 52 سنة، وفي دراسة علمية أخرى حول ظاهرة "الأمهات العازبات"، توضح أن أكثر من 500 ألف امرأة وضعن خارج إطار الزواج ، توضح هذه المؤشرات الرقمية أن تحدي الشباب المغربي لا ينحصر في ما هو مادي أو اقتصادي فحسب، بل يشمل أساسا "مجال القيم و الأخلاق"، والثقافة السلوكية السائدة في أوساطهم حيث يطبعها الانحراف واللاتوازن ، وهذا يعني أن إصلاح المنظومة الشبابية يتطلب مشروعا تغييريا يرتكز على البعد القيمي والثقافي، من خلال إعادة الاعتبار للوظيفة التربوية للمدرسة، وخلق فضاءات ثقافية وتوعوية تحتضن الشباب، وتلبي احتياجاتهم الروحية والوجدانية ضمن نسق انتقال ديمقراطي يعكس التحولات الحقيقية للمسألة الشبابية بالمغرب، ويسائل الواقع السياسي والعقليات التدبيرية التقليدية .
وبعودتنا للاستراتيجية المندمجة نجد أن الرهان المؤسساتي والتشريعي والتدبيري هو السمة الغالبة في فلسفتها، ولاشك أنه رهان غير كافي لوحده، بالنظر لما يعرفه الواقع الشبابي من اضطرابات قيمية وثقافية يستدعي تدخلا جادا يرصد المشكل في أساسه، ويعري الأزمة الشبابية وتجلياتها السوسيولوجية سواء في اهتمامات الشباب، أو أنظمة تفكيرهم، أو سلوكاتهم وأفعالهم، لأنها تعكس وعيهم والعقل الجمعي الذي يحدد وجودهم. إن المفارقات الثقافية التي ينطوي عليها واقع الشباب تسائل هوية المسألة الشبابية بالمغرب، وتضع على محك الاختبار مختلف السياسات الموجهة للشبابّ؛ لاسيما الإستراتيجية الوطنية المندمجة، التي تحتاج إلى فلسفة قيمية وسوسيولوجية واقعية تخرجها من أفقها الإداري التدبيري، لتعكس حقيقة المشروع المجتمعي للشباب، الذي لا ينفصل البتة عن مطالب كل الفئات العمرية، ومختلف مكونات المجتمع وأطيافه الثقافية والسياسية.
لتبقى الأسئلة الراهنة هل الإستراتيجية الوطنية المندمجة أسست لواقع شبابي جديد أم كرست فلسفة التدبير التقليدي للمسألة الشبابية ؟ وهل السياق السياسي الذي برزت فيه كفيل بتحقيق أهدافها وبلوغ رهاناتها ؟ وهل الخمسة عشر سنة المبرمجة كافية لتضميد جراح وطن الشباب وترميم واقعهم؟ وكيف يمكن ضمان نجاح الإستراتيجية في ظل واقع سياسي حكومي يفتقد للجرأة السياسية ؟
إنها الأسئلة التي تطرح عند كل حديث عن مآلات التدبير الاستراتيجي المندمج للمسألة الشبابية بالمغرب؛ حاملة في طياتها رؤى نقدية وجيهة حول الحقيقة السياسية للإستراتيجية، وأفقها المحدود في ظل تغييب النموذج التنموي ، الذي لا تلامس مضامينه الشباب فحسب، بل المجتمع بأسره ومختلف مكوناته.
و كخلاصة لما سبق ، فإن الشباب كما قال بيير بورديو ليس مجرد كلمة، بل هو نتاج تفاعل المجتمع مع التاريخ والثقافة والقيم والسياسة ، وبالتالي فكل قراءة إصلاحية مجزأة لأزمة الشباب، ستفرز لا محالة واقعا إصلاحيا متفككا طالما لم تستحضر أبعاد المسألة الشبابية السوسيولوجية والثقافية والقيمية والسياسية و الاقتصادية ، مع وضعها في سياقها الصحيح؛ إذ لا يمكن فصل قضايا الشباب عن العناصر البنائية للتنمية، وفلسفتها الاجتماعية والثقافية والبيئة السياسية المناسبة لتحقيقها المنفتحة على مستقبل مجالات ذات أولوية كبيرة أهمها؛ هوية الشباب، مسألة القيم، إدارة التحولات السوسيولوجية ، النموذج التنموي، مشاركة الشباب وتفعيل أدوارهم.....وهو ما يستوجب نسقا قيميا ومنظومة سياسية وثقافية تفعل دور الشباب، وتشركهم في بلورة السياسات وإنجازها وتقييمها وتقويم مخرجاتها ، غير أن حضورهم في أغلب السياسات يقتصر على كونهم " فئة مستهدفة فقط"، عوض جعلهم مشاركين و فاعلين و مستفيدين في سياق انتقال ديمقراطي أساسه حكامة ديمقراطية تشاركية حقيقية وهو الأمر الذي نلمس اليوم تغييبه وقوفا على تعطيل تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وتأثير ذلك على تنزيل البرامج الموجهة إلى الشباب وفق خصوصية كل جهة و التنزيل المنفرد لجواز الشباب، و سياسة التعتيم التي تمارسها الحكومة اليوم حول المزايا والاهداف التي يتضمنها، و الإبعاد التام للفعاليات الشبابية سواء في مرحلة التحضير أو الاعداد ، بالإضافة إلى كون ان البرامج الموجهة اليوم للشباب من قبيل أوراش و فرصة..... تبقى ضعيفة و غير ناجعة و دون أثر مستدام ولا ترقى إلى مستوى التطلعات بحجم الانتظارات الكبرى للشباب من الحكومة التي لا تزال الى حدود اليوم عاجزة عن إيجاد سياسات عمومية شمولية مندمجة و متكاملة
إن اهتمام الخطاب السياسي الرسمي لا يكفي وحده للنهوض بقضايا الشباب، طالما تؤكد مؤشرات رقمية عديدة تنامي نسبة التهميش الذي يتعرض له الشباب، مما يجعل رهان تحقيق الاندماج والمواطنة الكاملة مطمحا رسميا معاقا، يوسع الشرخ بين طموحات الشباب ورهانات السياسات العمومية. وهذا يعني أن فلسفة الاندماج سيرورة تتطلب مقومات سياسية مهمة لنجاحها أهمها؛ دمقرطة المسألة الشبابية، وتبني مقاربة تشاركية في تدبيرها، فضلا عن الالتزام المجتمعي في تتبع مسارها وتقويم عثراتها.
لكل ما سبق نستنتج على أن :
* أزمة الشباب في المغرب لا تنحصر فقط في غياب اندماج اقتصادي واجتماعي مناسب، أو انعدام فضاءات ثقافية وشبابية تحتضن قدراتهم وكفاءاتهم وتلبي احتياجاتهم، لكن كذلك في تأزم المجتمع بأسره، باعتباره نسقا ثقافيا واجتماعيا يعبر عن منظومة قيمية هشة ينخرها الانحراف والأمراض الثقافية المعولمة.
* إداارة القضايا الشبابية تتطلب نفسا استراتيجيا مندمجا ، ووعيا وطنيا و إرادة مجتمعية حقيقية تقودها إرادة سياسية ديمقراطية تكفل للشباب حقهم في التعبير عن وجودهم ، وضمان حقوقهم، وصقل إمكانياتهم، وتأكيد هويتهم.
* الانتقال بالمسألة الشبابية من التدبير القطاعي الاختزالي المتجزئ إلى التفكير الاستراتيجي المتكامل والمندمج، بالموازاة مع انتقال ديمقراطي حقيقي ، يمثل فيه الشباب الفاعل الأول والأخير، ليس بالنظر لقوته الديمغرافية، ولكن لأنه أمل الوطن ومستقبله ضرورة ملحة آنية و رئيسية .



#حنان_سعيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بقر علال الى جاموس عزيز
- ما بين الخطاب الواقعي المبني على التشخيص الموضوعي و الخطاب ا ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان سعيدان - - إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج و رهانات السياسات العمومية -