أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصديق كبوري - قراءة في تجربة حركة عائلات المعتقلين السياسيين بالمغرب من خلال رواية- هاجس العودة- للكاتبة حليمة زين العابدين















المزيد.....

قراءة في تجربة حركة عائلات المعتقلين السياسيين بالمغرب من خلال رواية- هاجس العودة- للكاتبة حليمة زين العابدين


الصديق كبوري

الحوار المتمدن-العدد: 7611 - 2023 / 5 / 14 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


عرفت بداية السبعينيات من القرن الماضي بالمغرب ظهور حركة عائلات المعتقلين السياسيين، وهي حركة حقوقية تشكلت نواتها الصلبة من النساء اللواتي تعرضن لشتى أنواع المعاملة القاسية خلال حملات القمع والعنف المادي والرمزي أمام مخافر الشرطة والدرك وأبواب السجون التي كان يقبع فيها ذويهن أو في ردهات المحاكم. وقد كان الميلاد الفعلي لهذه الحركة سنة 1972 عقب الاعتقالات الأولى التي طالت المنتسبين والمتعاطفين مع اليسار الجديد: منظمة إلى الإمام و23 مارس ولنخدم الشعب1 وتعد الحركة بمثابة تنسيق يضم عناصر نسوية (زوجات وأخوات وأمهات وبنات وقريبات ومتعاطفات...) تشكلت بمناسبة اللقاءات المتكررة للنساء أمام أبواب السجون ومراكز الاعتقال وفي ردهات المحاكم وقاعات الانتظار، وتقوت بشكل كبير بعد الإضرابات التي نظمها المعتقلون 2.
لعبت الحركة دورا محوريا في التعريف بقضية الاعتقال السياسي، واستطاعت تغطية الفراغ الحاصل في مجال حقوق الإنسان ـ قبل تأسيس المنظمات الحقوقيةـ وأجبرت المسؤولين على تحسين أوضاع المعتقلين السياسيين بشكل ملموس بفضل صمودها وتضامنها. ناهيك على أن الحركة صقلت ممارسة النساء فتحولت الكثير منهن ـ ولاسيما أولئك اللواتي يعشن في المراكز الحضرية ـ إلى مناضلات " محترفات ومتمرسات"، نذرن حياتهن للنضال من أجل إطلاق سراح أقاربهن، والعمل على وضع حد لعنف الدولة.
تعد الروائية المغربية حليمة زين العابدين من المناضلات اللواتي عشن هذه التجربة وخضن غمارها، فهي إحدى المناضلات الرائدات في حركة عائلات المعتقلين السياسيين، وقد أغنت هذه الحركة بالفكر والممارسة، وصورت في أعمالها ـ ومن ضمنها رواية " هاجس العودة" ـ تركيبة الحركة وأشكالها النضالية ومراحل تطورها وأبرزت كل التناقضات التي كانت تعتمل في أوساط المعتقلين وعائلاتهم، والتي لا تنفصل عن التناقضات التي تعتمل داخل المجتمع ككل.
إن حليمة زين العابدين 3 كما أسلفنا هي زوجة معتقل سياسي سابق، فقد اعتقل شريك زوجها وهي حديثة العهد بالزواج، فحرمت ككل العرائس من اختلاس أوقات جميلة في حضن الدفء الأسري، وأصبحت وحيدة تواجه جبروت وبطش السلطة من جهة، والتقاليد البالية للمجتمع من جهة أخرى، ممتلئة بعنفوان وكبرياء حرائر المغرب، ومسلحة بقوة الإرادة ضد إرادة القوة. وقد انخرطت في كل المعارك التي خاضتها عائلات المعتقلين السياسيين، إذ كانت من المؤسسات والرائدات لهذه الحركة، ومن الفاعلات في مسارها تنظيرا وممارسة، ومن اللواتي تركن بصمات ساطعة في التاريخ المشرق للنضال الديموقراطي المغربي. وقد تعرضت جراء ذلك لكل أنواع التعسف، مثل الاعتقال، وسوء المعاملة والمضايقات.
أصدرت حليمة زين العابدين العديد من الأعمال الأدبية، وتعتبر رواية "هاجس العودة" 4 أول عمل روائي للكاتبة، وهو من الأعمال التي تؤرخ بأسلوب أدبي شيق وممتع لحركة عائلات المعتقلين، حيث رصدت من خلال هذا العمل معارك هذه الحركة ومحطاتها الأساسية، وأبرزت معاناة زوجة المعتقل، وخصوصية تجربة هذه الزوجة في مجتمع كمجتمعنا، وهي خصوصية تظهر في تبدل دوري الزوج والزوجة التقليدين. فالزوجة بعد اعتقال الزوج تصبح هي المعيلة لزوجها، والساهرة على توفير حاجياته الضرورية من ملبس ومأكل وكتب داخل السجن، وحتى السجائر إن كان يدخن، وهذا أمر لا يستسيغه حتى أكثر المناضلين تحررا كما تذكر الكاتبة. كما تصور لنا الرواية زوجة المعتقل وقد أصبحت تتمتع بحريتها، وهو ما جعلها تصطدم بالعقلية الذكورية للرجل حتى وإن كان مناضلا يلبس رداء التحرر والحداثة. فتحرر زوجة المعتقل كان مبعثا للتوجس والريبة بالنسبة لأغلب المناضلين، فـ"المناضل وإن كان لا يصرح بهذه الهواجس، فإنها لا تلبث أن تظهر في ردود أفعاله، وهذه أعظم المعاناة التي وقعت لمجموعتنا"، كما صرحت حليمة زين العابدين 5.
ليست رواية "هاجس العودة" عبارة عن سيرة ذاتية كما تؤكد الروائية صاحبتها نفسها، فالكاتبة لـم تجعل من ذاتها موضوعا للكتابة، فهي لا تحكي كما تقول أحداثا معيشة تعد هي بطلتها الرئيسية، وإنما حضور الذات الكاتبة في الرواية هو حضور ضمن الذات الجماعية. فالروائية تحكي عن تجربة عائلات المعتقلين السياسيين التي هي جزء منها، وقد ابتدأت هذه التجربة مع تشكل اللبنات الأولى للحركة الحقوقية في بداية السبعينيات من القرن الماضي. بصيغة أخرى فحضور الذات في هذه الرواية يذوب في الذات الجماعية لعائلات المعتقلين. فالرواية هي بمثابة سيرة جماعية، بطلاتها هن النساء: (زوجات وأمهات وأخوات وقريبات المعتقلين السياسيين)، اللواتي انخرطن في تجربة حركة عائلات المعتقلين. وفي هذا الصدد تقول الكاتبة:
"لـم يكن همي أن أكتب عن نفسي بقدر ما كان همي أن أكتب عن تجربة جماعية، وانصهار الجماعة هي التي شكلت منه أنا واحدة 6.
لقد رصدت الكاتبة في روايتها ملحمة صمود النساء، وتتبعت مسار حركة عائلات المعتقلين في انتصاراتها وانكساراتها، وأبرزت تكتل النساء ووحدتهن رغم العديد من الإكراهات، فالتقاطبات والاصطفافات والتحالفات التي ظهرت في السجن بين المعتقلين السياسيين حول بعض القضايا الخلافية من قبيل: (الموقف المتباين من قضية الصحراء المغربية، والعمل السري، والنضال الجماهيري، والنضال الديموقراطي، والإضراب عن الطعام داخل السجن...)، لـم تؤثر على العائلات، فقد بقيت خارج السجن متحدة ومتضامنة، لأن كل عائلة كانت تعي أتم الوعي أن خروج معتقليها رهين بخروج جميع المعتقلين 7، وهو ما لن يتحقق إلا بالوحدة ونبذ كل عوامل التشرذم والتفرقة.
علاوة على ذلك، بينت الكاتبة أن تجربة السجن هي تجربة مريرة عاشتها المرأة كما عاشها الرجل على حد سواء، وأن ما قدمه الرجل من نضال في مختلف المجالات يمكن أن تقدمه المرأة لو أتيح لها مثل ما أتيح له من الفرص، وتهيأ لها مثل ما تهيا له من الظروف. ولذلك كان خروج الزوجة والأم التقليدية عند اعتقال الزوج أو اعتقال الابن من البيت، من أبرز العوامل التي أظهرت قدرة النساء على النضال، فالرجال ناضلوا ليدخلوا السجن والنساء ناضلن ليخرجنهم منه 8.
كما أماطت الكاتبة اللثام عن سكيزوفرينية أشباه "المناضلين"، أي أولئك الذين يرتدون لباس أشد المدافعين عن حرية المرأة على مستوى التنظير، لكن حين يتعلق الأمر بالزوجة يلبسون ثوب التقليدانية والتحجر. وقد كشفت الأيام في نظرها عن أغلبهم، فمن المعتقلين من لـم يعمر مع زوجته شهرا كاملا، ثم افترق عنها بدون حسيب أو رقيب 9. وتنكر كليا لكل تضحياتها من أجله، ووقوفها إلى جانبه إبان محنته واعتقاله.
واجمالا، يمكن القول بأن رواية "هاجس العودة " للكاتبة حليمة زين العابدين هي إضافة نوعية في مجال أدب السجون المغربي، وقد مكن هذا العمل الإبداعي الكاتبة من دخول مجال أدب السجون من أبوابه الواسعة، خاصة وأن كتابة المرأة حول السجن والسجناء تعد من المغامرات المحفوفة بالمخاطر، لأن هذا المجال بقي ردحا من الزمن حكرا على الرجل. وبعبارة أخرى فإن الكاتبة بهذا العمل المتميز استطاعت تأنيث ذاكرة السجن، ووضعت بذلك حدا لاحتكار وهيمنة الرجال على حقل أدب السجون، وبذلك فهي من الرائدات اللواتي حزن قصب السبق لاقتحام هذا المجال الذي كان محجوزا للرجال، خصوصا وأن الكتابة النسائية حول السجن كانت في حكم الناذر مقارنة مع تجربة الاعتقال السياسي بالمغرب، وطول زمنه، وهول ما عانته النساء داخل السجن وخارجه من قمع 10.
لائحة المراجع:
1ـ هي منظمات يسارية ظهرت بالمغرب في بداية السبعينيات من رحم الحركة الوطنية: فمنظمة الى الامام انشقت عن حزب التحرر والاشتراكية، أما منظمة 23 مارس فقد انشقت عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في حين أن منظمة لنخدم الشعب انشقت عن منظمة 23 مارس. وكانت هذه المنظمات تسمى في الأول بتنظيم أ وتنظيم ب وتنظيم ج قبل أن تأخذ تسمياتها النهائية. وتتبنى هذه المنظمات الأيديولوجية الماركسية اللينينية والماوية كما تنهل من أفكار الثائر البوليفي تشي جيفارا. وقد تعرضت اغلب قيادات هذه المنظمات للاعتقال والمحاكمة وصدرت في حق بعضهم احكام قاسية وصلت الى السجن المؤبد خلال محاكمة 1977.
2ـ خاض المعتقلون اليساريون خلال فترة السبعينيات جملة من الإضرابات ومن أبرزها الإضراب الأول الذي طالب فيها المعتقلون بالمحاكمة أو السراح والإضراب الثاني الذي طالبوا فيه بتحسين شروط الاعتقال بعد محاكمة 1977 وقد استمر مدة 45 يوما وتوفيت على إثره المناضلة سعيدة المنبهي.
3ـ حليمة زين العابدين هي أستاذة سابقة بالتعليم الثانوي وأستاذة مادة التواصل بالتعليم الجامعي، صدرت لها عدة أعمال روائية مثل: على هاجس العودة، وقلاع الصمت، وعلى الجدار والحلم لي ولـم تكن صحراء، بالإضافة إلى لنشرها لبعض المسرحيات والدراسات النقدية والحقوقية.
4 ـ حليمة زين العابدين، هاجس العودة، روافد للنشر والتوزيع، 2019.
5ـ عبد الرحيم حزل، الكتابة والسجن حوارات ونصوص، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2008، ص 126.
6ـ نفس المرجع، ص 120.
7ـ نفس المرجع، ص 120.
8ـ نفس المرجع، ص 128.
9ـ نفس المرجع، ص 123.
10ـ حليمة زين العابدين، المرأة والكتابة عن السجن والاعتقال بالغرب، انظر المقال على الرابط:
archive.aawsat.com/details.asp?article=37966&issueno=8192 تاريخ الاسترجاع: 16/09/2022.



#الصديق_كبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في تجربة حركة عائلات المعتقلين السياسيين بالمغرب من خل ...
- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
- من -أليكانتي- إلى -بوعرفة- حتى لا ننسى معاناة اللاحئين الإسب ...
- حق المعتقل في السلامة البدنية والحماية من التعذيب


المزيد.....




- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصديق كبوري - قراءة في تجربة حركة عائلات المعتقلين السياسيين بالمغرب من خلال رواية- هاجس العودة- للكاتبة حليمة زين العابدين