أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة - فينسان غاي - من إضرابات الكرامة إلى النضال ضد الطرد: العمال المهاجرون في سيتروين وتالبوت، 1982-1984















المزيد.....



من إضرابات الكرامة إلى النضال ضد الطرد: العمال المهاجرون في سيتروين وتالبوت، 1982-1984


فينسان غاي

الحوار المتمدن-العدد: 7600 - 2023 / 5 / 3 - 09:00
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة
    


يعود الكاتب فينسان غاي في هذه الورقة بالتفصيل إلى النضالات التي خاضها العمال المتخصصون المهاجرون في بداية الـ 1980ات في مصانع سيتروين وتالبوت، على التوالي في أولناي-سو-بوا وبواسي.

نشرت الورقة في موقع Contretemps بتاريخ 3 آذار/مارس عام 2013



كانت بداية الـ 1980ات فترة تغيير جذري، على الصعيدين الدولي والفرنسي. أعلن انتخاب رونالد ريغان ومارغريت تاتشر عن لحظة تحول سياسية كانت تحصل في ذلك الوقت، والتي ستتحول إلى عقد الكابوس الكبير بحسبما وصفه فرانسوا كوسي (1) للحالة الفرنسية. تميز هذا الكابوس الكبير من بين عدة أمور، بالتراجع عن أحلام الـ68، وإعادة تموضع جزء من النخب الآتية من أقصى اليسار، وعلى نطاق أوسع انتشار توافق بالآراء بين سياسات القوى الأساسية حول الحاجة إلى برنامج اقتصادي نيوليبرالي.

إذا كانت هذه النظرة قد جرى تبريرها لاحقاً بالكامل، إلا أنه لا يمكنها إخفاء عدد معين من الأسئلة التي أبرزتها النضالات الاجتماعية التي ظهرت في بداية ذلك العقد. من بينها، الهجرة، وخاصة مستقبل السكان المهاجرين أو أبناء المهاجرين، وهي قضية العديد من النزاعات والتحركات. ولكن، إذا بقيت مسيرة المساواة ومناهضة العنصرية التي حصلت في كانون الأول/ديسمبر 1983 في الذاكرة، ما حوّل الجيل الثاني من المهاجرين إلى شخصية إعلامية، طرحت الإضرابات التي خاضها العمال المهاجرون في قطاع صناعة السيارات في المنطقة الباريسية أسئلة حول مستقبل العمال وخاصة المهيمن عليهم والمستغلين، في صناعة تخضع لإعادة هيكلة بشكل مستمر.

من خلال دراسة النزاعات في المصنعين، سيتروين في أولناي-سو-بوا، وتالبوت في بواسي، بين عامي 1982 و1984، سندرس كيف تشكلت خلال هذه الفترة القضايا المتعلقة بمكانة هؤلاء في المجتمع الفرنسي، وكيف يمكننا قراءة، عبر النزاعات العمالية، التوترات التي ظهرت من خلال خيارات الحكومة بما خص مستقبل الهجرة.

العمال المتخصصون وإعادة هيكلة قطاع صناعة السيارات

شهدت نهاية الـ 1970ات بداية عملية إعادة هيكلة ضخمة لقطاع صناعة السيارات على المستوى الدولي، التي مالت إلى تخصص المصانع وتقليل حجمها. فكان من الضروري بعدها وضع حد للتجمعات العمالية الكبيرة حيث تصنع السيارة من الألف إلى الياء. أقفلت بعض المصانع، وحصلت عمليات استحواذ واندماج تجارية، خاصة داخل شركة بيجو التي اشترت سيتروين ثم كرايزلر فرنسا (سيمكا سابقاً).

من جانب العمال، إضافة إلى تضاعف أيام البطالة الفنية، شهدنا وقفاً للتوظيف، ثم الطرد الجماعي الأول، وتراجع ظروف العمل، ومكافحة التغيّب، باختصار، التشدد في العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسات. التغييرات التي واجهت العمال كانت سريعة للغاية، والتي يمكن تفسيرها بالاختيارات التي أجراها أصحاب العمل في نهاية الـ 1960ات. في حين شهدت صناعة السيارات توسعاً، لم يحدّث المصنعون منشآتهم، إنما اختاروا توظيف عمالة مهاجرة ضخمة، ما سيجعل من التحديث مسألة مؤجلة إلى وقت لاحق.

بحسب مشاريع أصحاب العمل، تدريب وترقية العمال المتخصصين ليس ممكناً وليس ضرورياً. عام 1971، نشر المجلس الوطني لأصحاب العمل الفرنسيين دراسة مكرسة للعمال المتخصصين يشرح فيها أنه:

“إذا كان الأمر يتعلق بالعمالة الأجنبية التي لا تفهم جيداً الفرنسية، فإن التخصص يجب أن يبقى هو القاعدة، فهي عمالة فجة جداً ولا تستطيع التأقلم مع [التحديث]. (…) سيبقى عدد كبير ضمن العمالة المتخصصة. الترقية والتدريب ينطبقان فقط على عدد محدود من العمالة المتخصصة. لن يكون الكثيرون قادرين أو راغبين بتوظيفها، أو ستكون المجريات معاكسة لهم، أو أن المصنع لن يكون قادراً على منحهم مثل هذه الإمكانيات للتدريب والترقية.” (2)

لذلك، رفض أرباب العمل مسبقاً أي إمكانية للترقية في المصانع، وحكموا على العمال المهاجرين المتخصصين أن يعملوا في وظائف مؤقتة التي باتت الآن بأجور منخفضة وظروف عمل صعبة، وذلك لإجراء تغييرات في تنظيم العمل بعد إضرابات عام 1968، يمكن أن تشكّل خطراً على بعض أصحاب العمل. ساهمت هذه الخيارات الصناعية بتغيير شديد لعلم اجتماع المصانع، خاصة تلك التي درست وصول العمال المهاجرين حديثاً من المغرب بأغلبهم، والأتراك واليوغسلاف خاصة.

مسألة المهاجرين في الـ 1970ات


إلى جانب التوظيف المكثف وتوظيف المهاجرين في مواقع دنيا للغاية، كانت الهجرة موضوع تسييس قوي في الـ 1970ات، سواء لناحية المكانة التي احتلها المهاجرون في النضالات الاجتماعية وحقيقة التدابير المتخذة ضدهم من قبل الحكومات المتعاقبة.

تضيء أنواع متعددة من النضالات على المشاكل التي واجهها المهاجرون. بداية، إنها مسألة النضالات العمالية، أي أنها تشكك في مسألة ظروف العمل نفسها، وإيقاعات العمل الجهنمية، والأجور المتدنية للعمالة المتخصصة ومزاجية التصنيفات. وبالتالي، في مصنع بينارويا في ليون، تمكّن إضراب العمال المهاجرين طيلة 3 أسابيع من الحصول على زيادات في الأجور، والاعتراف بالأقدمية، ومراقبة المواد الخطرة وبناء منازل جديدة. (3)

بعد عدة أشهر، في آذار/مارس 1973، حصل عمال الطباعة في رينو-بيانكور بعد إضراب دام ثلاثة أسابيع على ضمانة معاملة مماثلة لكل العمال، ما سمح بالتقدم الوظيفي المتكافئ. أوضح هذا الإضراب كذلك قدرة هؤلاء العمال على التنظيم الذاتي، مع بعض الاختلافات مع النضالات النقابية التقليدية. (4)

لكن نضالات المهاجرين لم تقتصر على أماكن العمل، فقد حركت مسألة السكن الهمم بين عامي 1973 و1979 خلال إضراب طويل عن دفع الإيجار في منازل سوناكوترا حيث كان المهاجرون مكدسين. (5) إذاً كانت مسألة السكن والعمل في صلب الظروف الاجتماعية للمهاجرين، ولكن النضالات كشفت كذلك عن مجالات أخرى، خاصة العنصرية اليومية ورهاب الدولة من الأجانب.

من الإضراب عن الطعام ضد عمليات الطرد عام 1972 إلى التعبئة في نهاية الـ 1970ات ضد قانون بوني-ستوليرو الرامي إلى الحد من الوجود الأجنبي في فرنسا، مروراً بالإضراب ضد الأعمال العنصرية التي أطلقتها الحركة العمالية العربية، في أيلول/سبتمبر عام 1973، (6) شهدت هذه السنوات ظهور العديد من الحركات والمنظمات والمنشورات التي حولت صورة العامل المهاجر، الذي انتقل من فئة اجتماعية إلى فاعل سياسي في المجتمع الفرنسي. هذه الصورة لم تكن دائمة صورة الضحية، الخاملة وغير المرئية، إنما صورة مجموعة باتت مرئية وتؤثر على التصورات حول مكانة الأجنبي في الأمة.

ظهر الجانب الآخر من تسييس مسألة المهاجرين داخل الدولة والحكومات المتعاقبة في سنوات الـ 1970ات. حيث أقرت حزمة من التشريعات طوال العقد، وفي الوقت عينه الذي أنتج كبار موظفي الدولة خطاباً جديداً حول الهجرة. (7) هدف الخطاب الدولتي والتشريعي إلى اتخاذ إجراءات معينة بهدف الرد على انتشار شعور مناهض للعنصرية في تحركات المهاجرين وتلك الداعمة لهم، حيث أقر قانون ضد العنصرية عام 1972.

ولكن قبل كل شيء، هدفت الإجراءات المتتابعة إلى الحد من الهجرة وإظهار سيطرة الدولة عليها. منذ عام 1972 حين اشترطت تعاميم مارسيلين-فونتاني منح الإقامة بالحصول على عقد عمل لمدة سنة ومسكن لائق، ما أطلق إضراباً عن الطعام للمهاجرين المهددين بالطرد. عام 1974، جرى تعليق هجرة العمالة مؤقتاً، ومن ثم بشكل دائم، كما علقت هجرة العائلات، خلال فترة قصيرة.


كما شهد ذلك العقد زيادة في التمييز بين المهاجرين، بحيث سمح بناء الاتحاد الأوروبي بحرية التحرك في دولِهِ، جرى أغلب التضييق على الهجرة الآتية من المستعمرات القديمة. تزايد هذا التضييق مع نهاية العقد، عندما، ولمواجهة البطالة التي تجاوز عددها مليون شخص عام 1976، بحثت الحكومة عن استبدال العمال المهاجرين بالعمال الفرنسيين في بعض القطاعات الصناعية، مروّجة للعمل اليدوي الذي لن يكون مخصصاً للاجانب.

وقد باتت مساعدات العودة بقيمة 10 آلاف فرنك المقرة عام 1977 من قبل وزير الدولة المسؤول عن العمال المهاجرين والعمال اليدويين، ليونيل ستوليرو، ومن ثم قوانين بوني-ستوليرو المقرة عامي 1979-80 الرامية إلى الحد من تجديد الإقامات وتسهيل الطرد موضوع انتقادات شديدة من اليسار والنقابات وجمعيات المهاجرين.

في حين بقي هذا التشدد في سياسات الهجرة سمة مميزة للعقد، وخاصة في نصفه الثاني، إلا أننا شهدنا في الوقت عينه فتح المجال لحقوق جديدة أمام العمال المهاجرين في الشركات: الحق بالترشح إلى لجان المؤسسة عام 1972، ولكن كان مشروطاً بإتقان الفرنسية محادثة وكتابة؛ وإلغاء إلزامية إتقان كتابة اللغة الفرنسية عام 1975 والحق بتولي مسؤوليات نقابية؛ في حين بقي التمييز قائماً بين العمال المهاجرين الأوروبيين وغير الأوروبيين.

سيتروين وتالبوت، مصانع الخوف (8)

على الرغم من أهميته، فقد كان للإطار التشريعي تأثيرات مختلفة بحسب الشركة. يمكن للأخيرة أن تحدد أنظمتها الاجتماعية المحددة، والتي تدل على خصائصها الاجتماعية وتاريخها على حد سواء. تمثل مصانع سيتروين وتالبوت (9) خصائص غير نموذجية، ولكن بشكل ما، تقترب من النموذج المثالي لتشغيل العمالة المهاجرة في مصنع فورديّ. ما يميز هذه المصانع عن بقية مصانع السيارات، هي المكانة التي تشغلها النقابات المستقلة في نظام العلاقات الاجتماعية.

هذه النقابات غير المعروفة، والتي باتت اليوم شبه منقرضة، ولدت بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة شبكات يمينية ويمينية متطرفة متعاونة [عميلة للاحتلال الألماني]. وتحت مسمى الاتحاد الفرنسي للعمل ومن ثم اتحاد النقابات الحرة، الذي سيقيم له موطئ قدم في مصنع بواسي (سيمكا) منذ الـ 1950ات، (10)، ولاحقاً في مصانع سيتروين بعد عام 1968.

كان الاتحاد الفرنسي للعمل أداة فعالة للتخلص من الكونفدرالية العامة للشغل في نهاية الـ 1950ات في سيمكا، ولكن بعدها، شارك بشكل متقدم جداً في التسلط القسري المستند إلى ركيزتين، إدارة الشركة والنقابة المستقلة. (11) عبر المراقبة المستمرة للشركة أدار الاتحاد الفرنسي للعمل واتحاد النقابات الحرة كل الموارد البشرية، موزعاً المنح والمكافآت والهدايا، ولكن أيضاً العقوبات، بحسب درجة الولاء التي يظهرها العمال. كذلك، دُفعت رواتب لمئات الموظفين من مستشاري المشاغل، ووكلاء القطاعات، والمترجمين وذلك لفرض النظام ومراقبة الموظفين داخل المصنع وخارجه. إذاً شكلت النقابات المستقلة هرمية موازية حقيقية.


عندما يصل العمال المهاجرون، الذين غالباً ما يوظفون جماعياً وهم في بلادهم الأساسية، توزع عليهم بطاقة النقابة المستقلة، المسماة “بطاقة الهدوء الصغيرة” خلال التوظيف مع بقية الأوراق وتحسم أموال المساهمة [في النقابة] من أول راتب تدفعه الشركة. غالباً ما يجبر جباة النقابة العمال على الانضمام للنقابة. ومن يرفض غالباً ما ينبذ وتعرقل مسيرته المهنية. أما بما خص الانضمام إلى نقابة أخرى، فقد كان تقريباً غير ممكن، ما عدا الانتخاب كممثل عن العمال، ما يوفر للنقابي الحماية القانونية، ولكن لم يكن ذلك ممكناً قبل عام 1972 بالنسبة للعمال المهاجرين.

لذلك بنت الكونفدرالية العامة للشغل خلاياها سراً داخل هذه المصانع، حيث لا يعرف أعضاؤها سوى القليل أو لا يعرفون شيئاً عن بعضهم البعض، وغالباً ما تضاءلت هممهم بفعل العنف والعقوبات التي كانوا ضحايا لها. خلال العديد من السنوات، لم يُواجَه هذا النظام، من دون شك بسبب العنف النقابي، ولكن أيضاً بسبب المزايا المقدمة للعمال، وخاصة الفرنسيين الذين عملوا لفترة طويلة داخل هذه المصانع. العمال المتخصصون المهاجرون من جهة، والنقابيون الفرنسيون [في الكونفدرالية العامة للشغل] من جهة أخرى يستفيدون أقل من هذه المزايا، والتي ستسهل، لبعض الوقت على الأقل، لقاءهم والفهم المشترك للأنظمة الاجتماعية لهذه المصانع.

هذه الأنظمة الاجتماعية، وخاصة في وقت تطلّب زيادة الانتاج توظيفاً جماعياً، لم تعمل بشكل جيد من دون استخدام العمالة المهاجرة. وقد شكل المهاجرون ما نسبته 50 إلى 75 بالمئة في مصانع سيتروين وتالبوت في المنطقة الباريسية (12)، وحتى أكثر في بعض المصانع، وقد وضع المهاجرون في وضع ثانوي للغاية منذ توظيفهم، بحيث كتب عليهم أن يكونوا “عمالاً متخصصين إلى الأبد”.

إن التمييز المهني داخل هذا السجن في حالة العمالة المتخصصة قد تضاعف من خلال التمييز العرقي. إذا كانت غالبية العمالة المهاجرة قد كلفت منذ لحظة التوظيف بأصعب المهام وأقلها أجراً، فإن هذا التمييز الذي عانت منه ازداد خلال حياتها المهنية، وخاصة بسبب التوزيع غير المتكافئ للتدريب الداخلي، والذي كانت ثلاثة أرباعه مخصصة للعمال المهرة، وبغالبيتهم من الفرنسيين. واقتصر تدريب العمال المتخصصين على بعض المهام التي لا تهدف إلى اكتساب المهارات التي تسمح بالتطور الوظيفي.

هناك تأثيرات تراكمية عززت التخصيص المعرقن لمواقع معينة، خاصة وأن أطر التوظيف قد زادت من الثنائيات العرقية. (13)

ربيع العمال المتخصصين

تميزت الـ 1970ات في مصانع سيمكا-تالبوت بهدوء واضح. لم يحصل نزاع واضح من شأنه إعاقة الدينامية الصناعية في مصانع الشركتين، وقد قضي على الميول الثورية في مهدها. مع ذلك، فإن بدايات الأزمة التي مر بها قطاع السيارات في نهاية العقد وصعوبة ضمان الشركات لمستوى كافٍ من إعادة التوزيع لإعطاء الشرعية لنظامها قد غيّر من الوضع السائد.


إضافة إلى ذلك، أدى وصول اليسار إلى السلطة عام 1981 وخطط الحقوق الجديدة للموظفين (قانون أورو) إلى تعديل روحية العمال والنقابيين، والتي تمظهرت في بداية العام 1982 مع ترشح حوالي 30 شخصاً على لائحة الكونفدرالية العامة للشغل في أولناي، ووصلت نسبة تمثيل هذه الكونفدرالية للعمال في بواسي إلى 30،5 بالمئة، وهو أمر لا سابق له في المصانع التي لا تتمتع فيها الكونفدرالية العامة للشغل بموطئ قدم.

مع ذلك، إن ما سيحصل مع نهاية شهر نيسان/أبريل كان غير متوقع إلى حد كبير. في مصنع سيتروين-أولناي بداية، في 22 نيسان/أبريل، قرر الفريق المسائي من العمال الإضراب، في حين لم يكن هناك دعوة للإضراب. واتسعت دائرة الإضراب وتوقف الانتاج بالكامل بدءاً من 26 نيسان/أبريل. استمرت الحركة لمدة 5 أسابيع، وشاركت فيه المصانع في ليفالوا، وأسينير، وسان-أوين.

خلال 5 أسابيع احتل العمال مواقف المصنع، وخرجت مظاهرات في سين-سان-دوني أو في باريس، كما حصلت مظاهرات مضادة منظمة من إدارة سيتروين… وقد انتهت بنصر عمالي ساحق وتسمية وسيط، جان-جاك دوبيرو، أستاذ الحقوق ومؤسس مجلة الحق الاجتماعي، وكانت توصياته بوضع حد لنظام سيتروين. وأعقبت العودة إلى العمل في 1 حزيران/يونيو إلى بدء الإضراب في مصنع بواسي في اليوم الثاني، وهي سابقة لم تحصل منذ 28 سنة، وقد احتل العمال المشغَل الأساسي وجرت معارك في المصنع حيث للمرة الأولى ردّ العمال على الهرمية والنقابة المستقلة وتغلبوا عليهما. قدّم الوسيط نفسه في سيتروين مقترحات لوضع حد للنزاع والسماح باستئناف العمل في 5 تموز/يوليو.

وبسبب ضعف الصراع الاجتماعي في تلك الفترة، شكلت هذه الإضرابات ظاهرة استثنائية نسبياً (14) من ناحية مدتها وواقع أنها امتدت لتشمل مصانع مختلفة لمجموعة، ومن ثم توسعت لتنتقل من ماركة تجارية إلى أخرى، من سيتروين إلى تالبوت. (15)

لكن الأسئلة التي طرحها المضربون والخطاب الذي أنتجوه هي التي شكلت طابعهم المميز. وخاصة في مصنع أولناي-سو-بوا حيث احتل العمال المواقف، وخلق العمال المهاجرون من أسابيع الإضراب الخمسة لحظة تحرر صوتهم الذي لطالما جرى خنقه، وعبّروا، إلى الصحافيين أو بواسطة مكبرات الصوت العائدة إلى الكونفدرالية العامة للشغل، عما مروا به وقتها.

إلى جانب المطالب النقابية (الأجور، التطوير الوظيفي، ظروف العمل، الحريات النقابية، المطالب المحددة للعمال المهاجرين)، كانت مسألة الكرامة هي الحاضرة في خطابات العمال المهاجرين، الكرامة تشير إلى صفتهم كعمال في الشركة، وصفتهم مهاجرين في فرنسا. يلخص بيان العمال المتخصصين في مصنع أولناي، والذي كتبه نقابيون من الكونفدرالية العامة للشغل انطلاقاً من هذه الشهادات، هذا الطموح لوضع حد لنظام تمييزي إلى هذا الحد، والاندراج [بمساواة] في النظام العام:

مقتطفات من بيان العمال المتخصصين في مصنع سيتروين أولناي


“نحن من عمال مصنع سيتروين في أولناي-سو-بوا. قد عانينا منذ سنوات من ثقل التعب.

مصنع أولناي هو مصنع الخوف.[…]

اليوم، أقوياء بإضرابنا، نعلن:

نظام القمع في سيتروين: انتهى.

الإرهاب: انتهى.

الحواجز بين العمال: انتهت.

لا وشاية بعد اليوم في شبكة المصانع لقمع العمال بشكل أفضل، وتمرير سياسة الإدارة؛

الانتهاء من الهرمية الموازية، المضاعفة للتحكم، والفنيين (المخصصين في المناصب الانتاجية).

الانتهاء من وكلاء القطاع الذين يرسلون التحذيرات دون وجود ما يبررها؛

الانتهاء من الهدايا لـ”زعيم المترجمين”، لا مزيد من البقشيش للزعيم… نعم للحصول: على ترقية وإجازة عند مرض الأطفال…؛

وقف الشتائم العنصرية؛

الانتهاء من الطب المنزلي، والضغوط من وكلاء القطاع، للعودة إلى العمل قبل التعافي- أو اتخاذ قرار بشأن وضعنا في المصنع بدلاً من عرضنا على طبيب الوزارة بشأن خطورة حادث، أو إبقائنا في المستوصف لعدة أيام؛

لن نتحمل معاملتنا كعبيد على الإطلاق.

نريد بكل بساطة الحصول على نفس الحقوق مثل كل العمال:

– احترام الكرامة؛

– حرية الكلام مع من نريد؛

– حرية العضوية النقابية؛


– التصويت بكل حرية.

نريد:

– اختيار المترجم الذي نريد (…)؛

– الاعتراف بحق اختلاف الفكر والدين (…).

– انتخابات حرة.

– التصويت ككل العمال الآخرين في هذا البلد (…)

في سيتروين، يجب أن تسيطر الحرية وحقوق الإنسان”.

وفي حين يقول بعض المؤرخين أن عقد تمرد العمال قد انتهى عام 1979 (16)، إلا أن العمال المتخصصين المهاجرين قد أطالوا بطريقة ما من دورة النضال العمالي التي تلت أيار/مايو 68، في سياق مختلف تماماً. إضافة إلى ذلك، لم يكن الأمر كناية عن انفجار مفاجئ، أو عنيف، إنما حركة دائمة.

إذا كان لا بد من عدم إهمال دور النقابيين الفرنسيين، الذين هم بأغلبهم من العمال المهرة، في المصانع أو خارجها، فإن الحقيقة الاستثنائية والجديدة، هي أن نظام الإخضاع للعمال المتخصصين المهاجرين لم تنتج عن لامبالاة إنما على العكس من ذلك، نتجت عن ثورة كامنة ظهرت فجأة في ربيع عام 1982 واستمرت في التعبير عن نفسها في الأشهر التالية. في حين انحصر نضالهم في موقع مسيطر عليه في العمل، إن مشاركتهم في الإضراب، ولاحقاً انخراطهم في الفرق النقابية قد عدل من موقعهم، ومكّنهم من الوصول إلى مكانة الفاعلين السياسيين، وبالتالي إمكانية تولي شؤونهم بأيديهم. هناك حقيقتان تدلان على هذه الظاهرة:

أ. الانضمام إلى النقابة وإنشاء مندوب خط الانتاج

خلال أيام قليلة، أصبحت الكونفيدرالية العامة للشغل في مصنع تالبوت-بواسي أكبر نقابة مصنع في إيل-دو-فرانس (حوالي 4000 منتسب)، وفي مصانع سيتروين، كانت نسبة الانتساب إلى النقابات بذات الأهمية؛ انضم 1500 إلى الكونفيدرالية العامة للشغل و350 إلى الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل خلال الإضراب.

لكن ذلك أثار مسألة الفجوة بين الانتساب الكبير والسريع إلى النقابات، والبنى المؤسساتية لتمثيل الموظفين التي لم تعد متوافقة مع توازن القوى الجديدة. الرد البراغماتي الذي اختاره العمال والنقابات كان بإنشاء بنية تنظيمية إلى جانب البنى الكلاسيكية للتمثيل: مندوبو خطوط الإنتاج، الذي وصفته جريدة فرانس سوار بعبارة “سَفْيَتة خطوط الانتاج”. يختار كل خط عمل مندوبين مسؤولين عن تمثيله وتسوية المشاكل التي تحصل للعمال، خاصة في علاقتهم مع المشرفين.


تعتبر رمزية التغيرات في الموقع والموقف من الهرمية، ومندوبو خطوط الانتاج كذلك شكلاً من أشكال الوساطة بين العمال المتخصصين والمشرفين، ما حد من ردود الفعل العنيفة والأفعال الانتقامية من المشرفين. شكل هذا الوضع الجديد بالنسبة للإدارات تقويضاً للنظام الداخلي، ليس فقط لأنه قزّم من تأثير اتحاد النقابات الحرة، إنما أيضاً لأنه أنشأ سلطة ذاتية خارج القنوات المؤسساتية التي تحكمت بالنظم.

ربما يكون هذا هو أكبر قدر من العنف من وجهة نظر أصحاب العمل، بحسب تعبير مستشار المديرين التنفيذيين في تالبوت: “إن محاولة إقامة مندوبين لخطوط الانتاج هي اختراع شيطاني ثوري. إنها عمل عنفي قانوني زائف يهدف إلى إبراز ظاهرة الترهيب بشكلها الأحادي، كما لو أن القانون الاجتماعي غير موجود، وخاصة كما لو أن [شركة] بيجو لم تعد موجودة”.

ب. الانتاج من دون إدارة

في وقت اختفت فيه مُثُل الإدارة الذاتية المتبلورة في LIP [شركة ليب للساعات التي احتلها وأدارها عمالها خلال الـ 1970ات]، في بداية الـ 1980ات، ولدت تجربة غير مسبوقة، ولكن بشكل سري للغاية، في مصنع بواسي، التي سلطت الضوء على القوة المضادة التي أطلقها العمال المتخصصون المهاجرون. وفي مواجهة تخفيضات الانتاج مع بداية عام 1983، قررت إدارة مصنع تالبوت اللجوء إلى طرد العمال.

بالنسبة للفرق النقابية، لا يبدو أن الإضراب كان الطريقة الأكثر فعالية للمقاومة. كانت وجهة نظرهم هي أنه بإمكانهم الاستمرار بالانتاج، وأن العمال لديهم كل القدرة على فعل ذلك، وإن لزم الأمر دون موافقة التسلسل الهرمي، وفي وقت يهدد فيه تحديث المصنع ووصول الروبوتات بالتسبب ببطالة العمال غير المُعَدّين. بالتالي، لعدة أيام، قرر مندوبو السلاسل، والمناضلون والعمال العاديون تشغيل المصنع من دون إدارة. انكبوا على العمل وحققوا كل العمليات المطلوبة لإنتاج السيارات.

لم يكن الهدف ملاءمة الانتاج مع نمط الإدارة الذاتية ولفترة طويلة، بقدر ما كان إثباتاً سياسياً: القدرة على العمل، والقدرة على التولي الجماعي عن مصير الانتاج، والقدرة على إمكانية الانتاج عندما تريد إدارة المنشأة إبطاء العمل. أنتجت عدة مئات من السيارات من قبل العمال، وسمحت بقيام تحالف مؤقت مع القطاعات المهنية الأخرى، وقادة الفرق والمهندسين، وأوضحت ارتباطاً معيناً بالمصنع بصفته مكان عمل ومصدر للتشغيل. واستجابةً براغماتية لحالة معينة، إن إعادة تشغيل الانتاج تحت سيطرة العمال هدفت كذلك إلى دحض سردية أصحاب العمل القائلة إن نضال العمال هو الذي يسبب بتدمير الشركة.

نجد هنا بعض خصائص الإضرابات المثمرة في سنوات الـ 1970ات: تبادل الخبرات، وتملّك مكان العمل وأدواته، الفخر الجماعي. بالتالي، إن علاقة جديدة بالانتاج قد ارتسمت خلال بضعة أيام، وقد بات ذلك ممكناً بفضل المواقف الرمزية الجديدة التي احتلتها نضالات الأشهر الماضية، وبفضل ذلك، تمكن العمال المهاجرون من الخروج جزئياً من موقعهم الخاضع وأعادوا استثمار هذا التغيير في موقعهم من علاقتهم بالعمل.


يسار الحكومة والهجرة

كانت الأحداث التي خيضت في تالبوت وسيتروين، ولكن كذلك بدرجة أقل مصانع سيارات أخرى، مترافقة بإعادة تعريف التوجهات الحكومية بما خص سياسات الهجرة. خلال النزاعات التي حصلت عام 1982، والتي جرت خلال لحظة المفاوضات حول الحقوق الجديدة للعمال (قوانين أورو)، تمكن العمال المتخصصون المهاجرون من الحصول على دعم من أحزاب الحكومة.

عام 1983، من جهة، بدأ انعكاس جديد على الهجرة، ومن جهة ثانية، ظهرت مواقف جديدة حيال العمال المهاجرين. أجرت حكومة الوحدة اليسارية تقييماً أولياً لسياستها المتعلقة بالهجرة. والأخيرة كانت ممزقة بمنطق متناقض، خاصة بين منطق وزير الداخلية ووزير الدولة للمهاجرين. إضافة إلى ذلك، دلّت استطلاعات الرأي إلى أن هذه المسألة كانت تعرض الحكومة لأشد الانتقادات من قبل ناخبيها. ختاماً، يبدو أن النجاحات الانتخابية الأولى للجبهة الوطنية [يمين متطرف] خلال الانتخابات البلدية في آذار/مارس 1983 قد أثبتت فرضية أن فرنسا تزداد العنصرية فيها أكثر فأكثر.

دفعت هذه العناصر المتعددة الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة الهجرة، وقد لخصت وزيرة الدولة للأسرة والسكان والعمال المهاجرين، جورجينا دوفوا المعينة في آذار/مارس 1983، هذه التوجهات الجديدة في آب/أغسطس من العام نفسه. تعلق الأمر بمواجهة في آن واحد مخاطر تزايد السكان المهاجرين، وطمأنة الفرنسيين القلقين، من دون إثارة غضب المهاجرين وداعميهم، بكلام آخر، وبحسب عبارات وزيرة الدولة:

“تحقيق التوازن بين المغادرين والآتين وتحقيق فائض من المغادرين على الوافدين، ضمان الاعتراف، مقابل تدابير مقيدة، بالوجود الدائم، والنهائي، للمجتمعات من أصول أجنبية، من أجل تهدئة المجتمعات وتشجيع الرأي العام الفرنسي على قبول اندماجها”.

لكن هذا الموقف المتوازن الرامي إلى الاستجابة للتوقعات المتناقضة التي يفترض أن تعبر عن المجتمع الفرنسي يمكن توضيحه أيضاً مع بروز مسألة الإسلام في المجال العام. ارتبطت هذه القضية بشكل وثيق بإضرابات العمال المهاجرين في مصانع السيارات. إذا بنى الكوميديون ورسامو الكاريكتور من الصحافة اليمينية صورة العامل المسلم المهاجر المضرب، فإن تصريحات الوزراء هي التي أعطت المصداقية لهذا البناء قبل كل شيء.

هكذا فسر رئيس الحكومة، بيار موري، وغاستو ديفير، الإضرابات من خلال القول إن الأصوليين حاضرون بين العمال؛ في حين ضاعف وزير العمل، جان أورو، من منسوب هذه التعليقات:

“إذا ثبت وجود تأثيرات خارجية دينية أو سياسية قد أثرت على سلوك المهاجرين المضربين […] فإن الحكومة ستتولى مسؤولياتها وبالدرجة الأولى وزارة العمل. لن نتسامح مع هذا السلوك بتعريض نجاح المؤسسات من خلال العمل ضد المصلحة الوطنية”. (17)


“من الواضح وجود عنصر ديني وأصولي في النزاعات التي واجهناها، وهو ما أعطاها تطوراً لا يقتصر على النقابات”. (18)

“عندما يقسم العمال على القرآن في حركة نقابية، فذلك يدل على وجود معطيات غير نقابية […] هناك عدد من الناس يهتمون بزعزعة الاستقرار السياسي أو الاجتماعي لبلادنا لأننا نمثل الكثير من الأشياء في مجال الحريات والتعددية”. (19)

بعد دعم أحزاب اتحاد اليسار للإضرابات في عام 1982، تبدلت الروحية داخل الحكومة بشكل واضح، والذي لا يمكن إلا أن يكون له عواقب في الأحداث التالية.

مواجهة طرد العمال

تحججت مجموعة بيجو بوضعها المالي السيء وتراجع مبيعاتها، وأبدت رغبتها بتنفيذ خطة واسعة لخفض الوظائف وكذلك إعادة هيكلة مصانعها. في تموز/يوليو 1983، أعلنت عن هذه الخطة التي تهدد 4140 موظف في تالبوت، و4000 في بيجو و4500 في سيتروين. كان مصنع بواسي الأكثر تأثراً، لأنه إضافة إلى التقاعد المبكر، جرى التخطيط لتسريح 2905 موظف، والتي كانت تطال بشكل أساسي عمال سلاسل الانتاج، وبأغلبهم من المهاجرين.

في البداية، تحرك عمال تالبوت في الصيف ثم بدأوا إضراباً واحتلوا المصنع في 7 كانون الأول/ديسمبر عام 1983. أنتجت المفاوضات بين مجموعة بيجو والحكومة اتفاقاً لتخفيض عدد المسرحين إلى 1905 وتنويع الخطة الاجتماعية ببنود جديدة. إذاً، أظهر بداية التحرك العمالي وحدة قوية بين العمال وحصول صلات بين الأقسام النقابية العائدة للكونفيدرالية العامة للشغل والكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل، إلا أن اقتراحات الشركة قد خلقت الفوضى.

في حين كانت الحكومة راضية عن مثل هذه المقررات. تحدث اتحاد المعدن في الكونفيدرالية العامة للشغل عن “خطوة بناءة أولية”، في حين دعا قسم الكونفيدرالية العامة للشغل إلى استمرار النزاع من أجل بدء المفاوضات. قوض التأرجح في مواقف الكونفيدرالية العامة للشغل من ثقة العمال، وعندما وصلت رسائل الطرد، تأكد الطابع المعرقن لتقليص الوظائف، حيث كانت نسبة 80 بالمئة من المطرودين من العمال المهاجرين وأغلبية الـ 20 بالمئة المتبقين من مستعمرات فرنسا وراء البحار. طاول التسريح كذلك الفرق النقابية، حيث طرد 50 مندوباً لخطوط الانتاج من الكونفيدرالية العامة للشغل و15 من الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل.

إذا كان النزاع قد استمر طوال شهر كانون الأول/ديسمبر، فإن الانقسام النقابي قد تزايد، وتراجع عدد المحتلين للمعمل شيئا فشيئاً، وكانت نهاية النزاع عنيفة على نحو خاص. بين 3 و5 كانون الثاني/يناير عام 1984، تعرض المضربون لهجوم من ناشطي اتحاد النقابات الحرة المدعومين من مجموعة من اليمين المتطرف، (20) ولكن أيضاً من العمال غير المنتسبين إلى النقابات. أدى العنف خلال المواجهات، إلى وقوع الكثير من الجرحى، وأجبر النقابيون على طلب قوى الشرطة لإجلاء المضربين الذي أُخرجوا تحت الصراخ والهتافات: “العرب إلى المحرقة”، و”السود إلى البحر”.


بعد عدة أشهر، شهدت سيتروين سيناريواً مشابهاً، ولكن أقل عنفاً. في مواجهة حالات الطرد من العمل، حصلت إضرابات واحتل العمال المصانع في أولناي، ولوفالوا، ونانتير، وأسنير في أيار/مايو 1984، وبدت الحكومة رافضة لعملية الطرد البالغ عددها 2417 التي طلبتها شركة سيتروين. ولكن خلال الصيف، أعطت موافقتها على طرد 1909 موظف، مقابل تعديلات جزئية في الخطة الاجتماعية. بقيت محاولات الاتحاد لاستئناف النضال ضد طرد العمال مع نهاية العطلة من دون جدوى. كما هو الحال في بواسي، كان أغلب المطرودين من المهاجرين، ومن بينم العديد من المنتسبين إلى الكونفيدرالية العامة للشغل.

إذا كانت الإثارة قوية في المصانع، لكن في الحكومة، لم يسيطر التشاؤم بالضرورة، رأى بعض المستشارين في حالة تالبوت “نقطة مرجعية للتحولات الصناعية الآتية”. شكلت هذه الأحداث والإقالات والإضرابات فرصة للحكومة لإعطاء الشرعية على محور جديد من سياستها المتعلقة بالهجرة، أو بالأحرى إحياء إجراء اتخذته حكومة اليمين السابقة، وهي المساعدة على العودة.

إعادة تسميتها المساعدة على إعادة الاندماج، كان “المصطلح المقبول من الجميع” (21)، أدرجت مساعدة العودة في قانون الهجرة الجديد الذي أقر في 17 تموز/يوليو 1984 وصوتت عليه كل الكتل النيابية. من أجل عدم تبني سياسة الحكومة السابقة، أرادت الحكومة إدراج مساعدة إعادة الاندماج في سياسة التعاون مع دول الهجرة، ولكن القليل من الدول استجابت بشكل إيجابي على عودة جماعية لمواطنيها. بعد ذلك، أخذت المساعدة على إعادة الاندماج بعداً رمزياً أكثر لطرفين، إرضاء الفرنسيين الذين يفترض أنهم يريدون إعادة بعض المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وإلى المهاجرين أنفسهم، لـ”تذكيرهم بحقيقتهم الأصلية، وبالعمق، دعوتهم إلى الرحيل”. (22)

خلاصة

إن رسم تاريخ النضالات في مصانع سيتروين وتالبوت بين عامي 1982 و1984 سمح إذاً بطرح مسألة مستقبل العمال المهاجرين في فترة تغييرات عميقة، سواء في السياسات الاقتصادية والصناعية. هذا لا يعني أن هذه الأحداث قد تسببت بحصول تحول مفاجئ في الوضع السياسي والاجتماعي. إنما تركزت فيها ظواهر عديدة اتّحدت في فرنسا مع بداية الـ 1980ات.

هددت التحولات في الجهاز الانتاجي وإدخال طرق جديدة في تنظيم العمل، والبطالة المتزايدة، وتفكيك المجتمع و”إضعاف الظروف للعمالة المأجورة” (23) بالمعنى الذي أعطاه روبير كاسيل، هددت، إذاً، من استقرار الجماعية في العمل. إضافة إلى ظواهر سياسية كذلك، مع تزايد قوة الجبهة الوطنية وتكيف الحزب الاشتراكي مع العالم كما هو، والذي تجسد في تحول عام 1983. بالطبع، وكما ذكرنا سابقاً، أثرت التعديلات على الهجرة، سواء من ناحية السياسات المطبقة والتصورات التي كانت تبنى.

لذلك يمكننا التأكيد على ظاهرتين متلازمتين ومترابطتين بقوة: من جهة، الإخفاء التدريجي لشخصية العامل المهاجر، تحضيراً لمحو شخصية العامل، أو الطبقة العاملة، كمجموعة معبّأة. من جهة ثانية إعادة تفعيل الانقسام الوطني/العرقي. عام 1995، لاحظ جاك رانسيير “منذ 20 عاماً، لم يكن لدينا عدد أقل من المهاجرين. إنما كان اسمهم العمال المهاجرين، أو العمال فقط. المهاجر اليوم، هو، قبل كل شيء، عامل فقد اسمه الثاني، وفقد الشكل السياسي لهويته وغيريته، شكل الخضوع السياسي لحساب غير المحسوبين. فلم يبقَ له سوى هوية اجتماعية فقط، التي أسقطت في الوقاحة الأنثروبولوجية لعرق أو لبشرة مختلفتين”.(24) يعتبر الخطاب العام حول الهجرة وردود الفعل الحكومية بدءاً من العام 1983، جزءاً من تعديل تصورات العالم الاجتماعي.


فقدت القراءات الطبقية للمجتمع قوتها لعدة أسباب خلال الـ 1980ات وأثرت بالدرجة الأولى في العمال المهاجرين. إذا كان لا يمكن تحديد الأخيرين بواسطة مقاربة طبقية، ولا يمكن بالتالي تعريف أنفسهم جماعياً، فيجب أن تظهر أنماط أخرى من التمثيل تتجاهل مسألة العمل ومكانة المهاجرين في علاقات الإنتاج؛ ففرضت أبعاداً أخرى، وأنماطاً أخرى لتحديد الهوية، ما فتح الباب أمام مقاربة ثقافوية، اعتمدت على الإحالة إلى العامل الديني دون أن تقتصر على ذلك.

على الرغم من الانقسام الوطني/الأجنبي، الذي لم يختفِ أبداً، إنما جرى تحديثه إنطلاقاً من الأحداث التي تؤثر على عالم العمل، حيث باتت العنصرية “عاملاً حاسماً في الإجماع الذي يجعل من الانقسامات الطبقية نسبية”. (25)

إن تداول الظواهر في المصانع وفي المجال السياسي يسمح بإثبات كيف أنه في لحظة إعادة الهيكلة الصناعية العميقة، يمكن لإجماع أن يولد داخل المؤسسات ووسط اليسار الحكومي، المتفق هنا مع اليمين، على مسألة العدد الزائد للعمال المهاجرين. في هذا الوقت، أثبتت إضرابات عام 1982 أن مقاربات جماعية أخرى ممكنة للأخيرين، حتى ولو بشكل خفي، خلال لحظة تكشف فيها التعلم ووعي الذاتي الجماعية عن قدرات لا شك غير متوقعة من قبل الفاعلين أنفسهم.

الهوامش:

1. François Cusset, La décennie : Le grand cauchemar des années 1980, Paris, La Découverte Poche, 2008, 371 p.

2. CNPF, Groupe d’Etudes Patronales, Le problème des OS, 1971.

3. Laure Pitti, « « Travailleurs de France, voilà notre nom » : les mobilisations des ouvriers étrangers dans les usines et les foyers durant les années 1970 », in Ahmed Boubeker, Abdellali Hajjat, Histoire politique des immigrations (post)coloniales : France, 1920-2008, Paris, Editions Amsterdam, 2008, p. 95-111.

4. Laure Pitti, « Grèves ouvrières versus luttes de l’immigration : une controverse entre historiens », Ethnologie française, 2001/2, Tome XXXVII, p. 465-476.

5. Choukri Hmed, « « Sonacotra cédera ! » La construction collective d’une identité collective à l’occasion de la grève des loyers dans les foyers de travailleurs migrants (1973-1981) », Agone. Histoire, politique et sociologie, Agone, n°40, 2008, Marseille, p. 81-94.

6. Abdellali Hajjat, « Des comités Palestine au mouvement des travailleurs arabes (1970-1976) », in Ahmed Boubeker, Abdellali Hajjat, Histoire politique des immigrations (post)coloniales : France, 1920-2008, op. Cit. p. 145-156.


7. Sylvain Laurens, Une politisation feutrée : les hauts fonctionnaires et l’immigration en France, Belin, Paris, 2009, 352 p.

8. Daniel Bouvet et Jean-Paul Desgoutte, L’usine de la peur, Paris, Stock, 1975.

9. Jean-Louis Loubet et Nicolas Hatzfeld, Les sept vies de Poissy: une aventure industrielle, Paris, ETAI, 2001, 357 p.

10. Jean-Louis Loubet et Nicolas Hatzfeld, « Poissy : de la CGT à la CFT : Histoire d’une usine atypique », Vingtième Siècle. Revue d’histoire, 2002/1 n° 73, p. 67-81.

11. Didier Favre, Ni rouges ni jaunes : de la CGSI à la CSL, l’expérience du syndicalisme indépendant, Paris, Éditions Midi moins le Quart, 1998, 299 p. Marcel Caille, Les Truands du patronat, Paris, Éditions Sociales, 1977, 305 p. et L’assassin était chez Citroën, Paris, Éditions Sociales, 1978, 255 p.

12. نجد نفس الخصائص الاجتماعية في مصانع السيارات الأخرى في المنطقة الباريسية، وخاصة في رينو-فلين، وفي بيانكور بشكل أقل، في حين أن المصانع في المناطق كانت أقل جذباً للهجرة (بيجو في سوشو- مونبيليار)، أو غير جاذبة على الإطلاق (سيتروين في رين).

13. عام 1982، في وقت شكّل المهاجرون الأغلبية على خطوط الانتاج في مصنع بواسي، لكن من بين 467 مشرفاً، كان هناك 11 أجنبياً، من بينهم 9 من أوروبا.

14. ظاهرة يجب إدراجها ضمن سلسلة الإضرابات التي عرفها قطاع صناعة السيارات بدءاً من أيار/مايو عام 1981.

15. إذا انتمت سيتروين وتالبوت إلى مجموعة بيجو، إلا أنهما تمتعتا باستقلالية التشغيل وبتاريخ اجتماعي خاص بهما.

16. Xavier Vigna, L’insubordination ouvrière dans les années 68: essai d’histoire politique des usines, Rennes, PUR, 2007, 378 p.

17. Paris-Match, 2 février 1983.

18. L’Alsace, 10 février 1983.

19. France-Inter, 10 février 1983. تجدر الإشارة إلى أنه في شباط/فبراير عام 1983 شهد مصنع أولناي نزاعاً عنيفاً جداً، مع تهديدات بفصل المناضلين المغاربة في الكونفدرالية العامة للشغل، وحصل إضراب في مصنع فلين، حيث ترتفع فيه نسبة العمال المهاجرين بشكل كبير.


20. حزب القوى الجديدة، المنافس وقتها للجبهة الوطنية.

21. Abdelmalek Sayad, « Le retour, élément constitutif de la condition de l’immigré », in L’immigration ou les paradoxes de l’altérité, tome 1 : L’illusion du provisoire, Paris, Ed. Raisons d’agir, p. 179.

22. Idem.

23. Robert Castel, Les métamorphoses de la question sociale : une chronique du salariat, Paris, Gallimard, 2002 [1ère ed. 1995], p. 621.

24. Jacques Rancière, La Mésentente, Paris, Galilée, 1995, p. 161.

25. Etienne Balibar, « Racisme et crise », in Race, nation, classe : les identités ambiguës, Paris, La Découverte, 1997 [1ère ed. 1988], p. 293.



#فينسان_غاي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من إضرابات الكرامة إلى النضال ضد الطرد: العمال المهاجرون في ...


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....



الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة - فينسان غاي - من إضرابات الكرامة إلى النضال ضد الطرد: العمال المهاجرون في سيتروين وتالبوت، 1982-1984