أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - عبد الرحمن النجاب ... مئة عام















المزيد.....

عبد الرحمن النجاب ... مئة عام


رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)


الحوار المتمدن-العدد: 7567 - 2023 / 3 / 31 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


أن يولد طفل في قرية من قرى رام الله ذات يوم من عشرينيات القرن العشرين لم يكن حدثا غير عادي، فلم يولد في المشفى، بل ربما كان من حسن حظه وحظ أمه أن ولد في السقيفة، وليس في الحقل، ولا في الطريق إلى العين أو العودة منها، وقائمة الأماكن المحتملة تطول، ومن باب الاختصار أؤكد أنه ولد في السقيفة في التاسع والعشرين من آذار لعام 1923 في قرية جيبيا، لم يرافق ميلاده بلالين ولا إعلانات من أي نوع، ولا شوكولاتة فاخرة بغلافها الأزرق، ولا عبارات مكررة باللغة الإنجليزية تعلن أن القادم مولود ذكر - كأن اللغة العربية لا تصلح لذلك - جاء عبد الرحمن بهدوء، وكانت قمة النشاط الإعلاني زغرودة مجلجلة من جدته أم رشيد تعبر عن فرحة طال انتظارها بأن عائلة ابنها رشيد بدأت بالنمو، وكان عبد الرحمن محور حياتها؛ رعايته، طعامه، صحته، كل التفاصيل المتعلقة به كانت في المقدمة، ومثل كل أبناء القرية نما والدي عبد الرحمن النجاب، إلى أن بلغ سنا تمكنه من "أن يقطع واد كوبر يوميا" بهدف الدراسة في الكتَاب تحت شجرة الزيتون، برعاية الشيخ محمد أبو ارحّيِّم.
تميز الوالد عن أقرانه بأنه نال من التعليم قسطا لم ينالوه لسبب أو لآخر، من بين هذه الأسباب أن ثمة رؤية بعيدة النظر، لجدي رشيد النجاب، الذي اهتم بتعليم الأبناء والبنات في ذلك الوقت المبكر من القرن العشرين، وبدأ الوالد رحلته اليومية إلى كوبر، وبدأت معها جولة يومية حول شجرة الزيتون تكيفا مع حركة الشمس وبحثا عن امتداد الظل، وكان الحضور من الأولاد في أعمار متفاوتة، تتلى على كل مجموعة منهم مواد الدراسة من الصف الأول إلى الرابع، والجميع يصغي!، لم يكتف الوالد بالإصغاء، وهذا ما سيظهر أثره لاحقا بين هذه السطور. كانت جدتي خديجة ترافقه في رحلته اليومية إلى الواد، وتطمئن أنه قطع الواد بسلام، ثم تذهب لبعض شأنها، وعندما يعود من الكتاب يجدها في انتظاره. إنها الأم التي شجعت صراحة أن ينال عبد الرحمن قسطا من التعليم، وما كانت هذه الجولات اليومية المتكررة إلى الواد إلا طريقة فطرية للتعبير عن ذلك إضافة إلى رغبتها في الاطمئنان على سلامته.
إلا أن كوبر كانت مشغولة بمشاكلها، ولم تسمح الأحوال "الأمنية" بمفاهيم ذلك الزمان بمواصلة التعليم، غير أن الأشهر الستة التي قضاها الوالد في الكتاب لم تكن بغير فائدة، فما أن لاحت فرصة لمواصلة التعليم في المدرسة، حتى تبينت مقدرته على التقاط المعلومات حتى لو لم تكن موجهة له، و أفضى ما يشبه امتحان القبول الذي أجراه الخوري يوسف نصار - مدير المدرسة في ذلك الوقت - إلى قبوله في الصف الثالث الابتدائي، ومن هنا يبدأ حياته الدراسية بجدارة، وبدأت رحلة الكفاح بمشاوير يومية في طريق يبلغ خمس كيلومترات ذهابا وأخرى إيابا بين جيبيا وبيرزيت، بغض النظر عن الظروف المناخية، وبلا أدنى فرصة لبيان محتمل يعلن عن تعليق الدوام، شتاء، وبرد، وأوحال، وبلل، ومشاوير يومية بلا ملل ولا كلل، وتستمر مسيرة كفاح ومثابرة، وتأهل من مرحلة إلى أخرى من مراحل التعليم، من بيرزيت إلى البيرِة، وهنا لم تعد الجولات اليومية بين موقع المدرسة إلى البيت في جيبيا ممكنة، فكان لابد من السكنى في البيرة، وكان للجد صديق في البيرة هو الحاج معروف الصالح القرعان، وكان له أبناء في مثل سن والدي فعاش بينهم كواحد منهم، إلى أن انتقل الجد للسكنى في البيرة، وكان من شأن هذه المعايشة ترسيخ العلاقات القوية أصلا بين العائلتين، والمحافظة على ديمومة التواصل بينهما حتى الآن من جيل إلى جيل.
كانت القدس هي المرحلة التالية حيث تخرج في المدرسة الرشيدية، ثم معهد خضوري في طولكرم، لينتقل من هناك إلى الحياة العملية، ولكنها لم تكن نهاية التعليم، فقد حصل على البكالوريوس ثم الماجيستير في إدارة المعاهد الزراعية، وتنقل في سبيل إنجاز ذلك بين الجامعة الأمريكية في بيروت. والجامعات الأمريكية واتم المهمة وله ابنتان وابنان، وقد بلغ من العمر ثلاثة وأربعين عاما.
لم تتوقف حياته العملية على التعليم، والتوجيه، وتأليف الكتب المدرسية، ولكنها تشعبت لممارسة أعمال أخرى كانت دوما مصدر فخره واعتزازه، يأتي في مقدمتها تأسيس مدرسة أساسية ما لبثت أن تحولت إلى ثانوية في بيرزيت، لخدمة أبناء تسعة قرى في الجوار ولم تكن تلك مهمة سهلة فالناس تتمنع عن بيع الأرض تحت ضغوط تخرج تفاصيلها عن غاية هذه السطور ، ولكن المدرسة تأسست بالجهود الدؤوبة وأدت رسالتها التنموية المنشودة، ثم المساهمة في تأسيس جمعية عين سينيا التعاونية لعصر الزيتون، وما شكله ذلك من فوائد تنموية لصالح المنطقة. ولا زالت الجمعية تؤدي دورها بالرغم من الازدياد في أعداد المعاصر.
يضاف إلى ذلك حضوره في المشهد الوطني وإن لم يمارس نشاطا حزبيا مباشرا، ولكنه كان حاضرا صديقا ومساندا دوما، كما كان له دور بارز من خلال النشاط النقابي سيما في نقابة المهندسين الزراعيين في أوج نشاط النقابات المهنية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
لم يحده التقاعد القسري المبكر، المقرون بالمنع من السفر والعمل في أي مجال آخر، ولم تتوقف حياة شخص مثل، والدي بما عرف عنه من الإصرار والمثابرة عن هذا، ولكنه تابع تحديات دأب عليها، وبرغم مبادرات الوفاء التي عبرت عن مواقف داعمة ومتضامنة من قبل الكثير من الأصدقاء والمعارف، فقد قابلها بالشكر والامتنان، إلا إنه تابع رحلة الكفاح التي دامت حتى بلغ الخامسة والتسعين، فعمل مديرا لمجمع النقابات المهنية في عمان، ثم انتقل إلى العمل خبيرا في الزراعة والتعليم الزراعي مع المنظمات الدولية "اليونيسكو، والفاو" في عدد من الدول في آسيا وإفريقيا. وعاد بعد كل ذلك إلى عمان لمرافقة جدي في شيخوخته.
ودع شقيقته وشقيقيه الأصغر منه إلى درب الأبدية، كما ودَّعنا وأياه والدتنا، ترافق ذلك مع رحيل العديد من الأقارب والمعارف والأصدقاء، لروحهم جميعا السلام ولكنه لم يسلم نفسه للكآبة برغم شدة الحزن، وقضى السنوات الأخيرة من عمره بعد رحيل رفيقة الدرب، بأن شغل نفسه بالعديد من النشاطات، فقد شارك في العديد من المجموعات التي كانت تنظم لقاءات دورية مع الزملاء والأصدقاء، وأسس ناد لخريجي معهد خضوري، الذي بات الآن يسمى جامعة خضوري التقنية، وأعد كتابا تذكاريا في طبعتين ضما أسماء خريجي هذا المعهد منذ تأسيسه ونبذة عن حياة كل منهم
كما أعد كتابا ضمنه سيرته الذاتية في قالب يوثق للعديد من التغيرات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني سيما في أمور الصحة، والتعليم، والمواصلات، كما أطل على عديد من الأمور العامة التي تتعلق بالحياة في فلسطين أسماه " جيبيا أول المشوار... 1923- ". وقد جمع العديد من الأمثال الشعبية واستخداماتها وبعض القصص المرتبطة بها، ويجري العمل على متابعة هذه الفكرة لإصدارها في كتاب آمل أن يرى النور قريبا.
لخمس أسابيع سبقت رحيله كان يعيش حياة ناشطة، حافلة بلقاءاته مع مجوعة الأصدقاء، وأخرى مع زملاء العمل في المنظمات الدولية، وثالثة من المهنيين والنقابيين، كما كان قارئا نشطا إلى مرحلة متأخرة من حياته.
هذا نموذج من الرجال أفخر بأنه والدي، وأشعر بالامتنان لكل جهد بذله لنصل وأخواتي وأخي إلى ما وصلنا إليه، وأخص بالذكر ذلك الجزء المتعلق بالرعاية الصحية الحثيثة لحالتي التي أقعدتني عن المشي شهورا حتى استدل الطبيب الراحل جورج عفيف عطا الله إلى السبب وعالجه. لأرواحهم السلام ولذكراه الخلود



#رشيد_عبد_الرحمن_النجاب (هاشتاغ)       Rasheed_Alnajjab#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل النكسة بيوم
- ليلة واحدة تكفي
- قـــلـــعــة الـــــدروز ،،،، الشخصيات والمآلات
- ميرا وحكاية مصائر طحنتها آلة الحرب
- وحدث أن نجوت...سيرة على إيقاع هموم الوطن


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - عبد الرحمن النجاب ... مئة عام