أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - ميرا وحكاية مصائر طحنتها آلة الحرب















المزيد.....

ميرا وحكاية مصائر طحنتها آلة الحرب


رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)


الحوار المتمدن-العدد: 7515 - 2023 / 2 / 7 - 18:26
المحور: الادب والفن
    


"ميرا"؛ اسم علم مؤنث تعددت معانيه بتعدد اللغات التي تستخدمه، وله في بعض اللغات أكثر من معنى، من "المحيط " و "البحر" في السنسكريتية إلى " الرائعة " في العربية، أما في البلاد السلافية الجنوبية حيث نشأت ميرا موضوع هذه الرواية ومحورها، فإن ميرا يعني “السلام"، و"اللطف “، و"الخير"، فهل يعبر الاسم عن صاحبه/ صاحبته دوما؟ أم هو محض صدفة؟ أو أنه كما غنت السيدة فيروز "الأسامي كلام، شو خص الكلام عينينا هني أسامينا"؟
"ميرا" الاسم الذي ظهر على غلاف الرواية بلون الدم القاني، فوق كف أنثوية لسيدة رقيقة كما تكرر وصفها عبر فصول الرواية، وقد تخضبت بالدماء، وربما لمح القارئ المتأمل رعشة الخوف في هذه الكف وهو يقرأ السطور الأخيرة للرواية، كانت تلك أبلغ عتبات النص. ترى ما علاقتها بأي من هذه المعاني، في حياتها، في بحثها عن ذاتها، في صفاتها الغجرية أو حتى في مماتها المأساوي؟
النهاية إذن باتت معروفة، وأنا لن أكشف سرا، فالمؤلف حدد اليوم، والتاريخ، والساعة والزمن حتى تصل إلى هذه المصير، هو ذا يقول عندما نزلت من الطائرة في عمان: "كان قد تبقى لها من العمر سبع سنوات، وثلاثة أشهر، وعشرين يوما، وساعة واحدة " هذا ما قاله الروائي قاسم توفيق في روايته الصادرة عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في نحو 287 صفحة من القطع المتوسط في إصدارها الثاني، فأي شيء بقي ليقوله عبر ما تبقى من صفحات الرواية؟ وكيف أمكنه ان يحتفظ بالقارئ مشدود الانتباه؟"
الحقيقة أنه بقي الكثير، فالرواية لا تقتصر على مصير ميرا وإن كانت ميرا في بؤرة المشهد، وكانت محور الحدث وعنوان المواضيع في معظم فصول الرواية، تضم الرواية مصير أسرة، بل مصائر أسر كثير طحنتها آلة الحرب التي تحركت وفقا لبوصلة الغرب، بعد تفكك الإتحاد السوفياتي، كأنه يروي زمن التفكك، بدءا بالإمبراطوريات والدول، وانتهاء بالأُسَر بتناقضاتها وخلافاتها التي تعاظمت بفعل أبواق الإعلام، وقد اشتد التباين بين أفراد هذه الأسرة، كأنها صورة مكثفة لما يجري من حولها بتركيبتها وتباين، أعراقها واختلاف الديانات، وتأثرها بمجمل الظروف المحيطة، هو أردني مسلم وإن كان لا يطبق من الإسلام شيئا، ولم يعن له احتفاظ زوجته بديانتها الكثير أو القليل ، حتى بعد أن قرأ خيبة الأمل بين أهله متبوعا بعزلة بقيادة أخته "رجاء" التي كانت تتحكم بمصائر إخوانها وعائلاتهم بحكم ما تقدمة من دعم، مالي وقادت سياسة العزل ضده وهو الخانع الأرعن كما وصفته شقيقته، وضد زوجته “الكافرة"، فيما تضم ابنته تحت جناحها ترعاها وتكرس تناقضاتها مع والدتها ، وتحاول مع ابنه التائه الفاقد للبوصلة والمفتقر إلى فهم اللغة، المستسلم للضياع وما بعده من جنون، أخفقت عمته في أن تضمه تحت جناحها .
أما الأب فلم يحتفظ من “الرعد" بغير اسمه فلا الراء المشددة بدلالات الصوت الهادر للرعد، ولا العين الساكنة المفخمة بلفظها وعنفوانها كانت تمثله، الدال فقط بسكونها البارد هي الأكثر شبها برعد رب الأسرة الذي أفاق بعد حياة عابثة في يوغوسلافيا على مدى ربع قرن من الزمان، متكئا على مجهود زوجته وعملها، إلى أن دقت طبول الحرب، وخشي من تبعاتها، ففر بالعائلة إلى الأردن المكان الذي نسيه كوطن على مدى ربع قرن حين كان ينعم بالسلام والدعة ، فأي مصير كان ينتظره والعائلة في الأردن، كان أنانيا ذاتيا إلى أبعد حد، خانعا مستسلما غير قادر على المواجهة، لا مع شقيقته التي قادت تحالف العزل ضده من قبل العائلة، ولا في مواجهة إدارة الشركة التي ابتزته للعمل بمقابل زهيد بالرغم من خبراته بدعوى تخرجه من بلد شيوعي، وتاه في ساقية العمل التي لا ترحم فلا يصل للبيت إلا لينام، ويواصل الشقاء في اليوم التالي ويترك لميرا تدبير البيت بقليل من المال يوفره لها من الراتب، ويتركها تقاسي عزلتها وغربتها بالرغم من عيشه معها تحت سقف واحد، وما لبث ان فقد كل اهتمام حتى بزوجته حتى حين حاولت الاقتراب منه معترفة، أبدى أقصى درجات عدم الاهتمام.
وميرا بعد كل ذلك معزولة، يصف المؤلف وضعها فيقول في واحدة من عتبات النص: “تبدأ عزلتك عندما ينعزل من حولك عن إنسانيتهم"، ومن كان حول ميرا غير ثلة من السيدات يسكنَّ على مسافات متفاوتة في الجوار؟ يكرمنها بفنجان القهوة، وتكرمهن بقراءة الفناجين بطيبة استحقت معها لقب "المسيحية الطيبة"، هذا في الصف الأول ثم هذا البقال الجشع الطامع في جسدها كما هو طامع في مالها القليل، العابث في سمعتها انتقاما من صدها إياه بتلفيق الأكاذيب لمجتمع من المتعطلين المجتمعين في دكانه للثرثرة، مجموعة تعشق الإشاعات سيما في هذه المواضيع التي تثير الفضول وتحرك الغرائز، ثم ذلك المراهق المهووس بالتلصص الغريزي من فوق السطوح، ثم التباهي بوصفها ووصف ملابسها الداخلية وما شاء له من المبالغة في الأكاذيب. ساهم هذا مع أكاذيب البقال في تغير اللقب من "المسيحية الطيبة" إلى "المومس"
أما علاقتها بالعازف الشاب يحيى الذي يصغرها، وزياراتها له في أيام الآحاد فلم يعلم بأمرها أحد حتى صديقتها أمل التي عرفته عن طريقها، ورغم الإشارة إلى طبيعة هذه اللقاءات بوضوح، إلا أن التفاصيل ذهبت إلى آفاق أخرى بعيدة عن وصف العلاقات الحميمة، وغاص السرد بدلا من ذلك في أسئلة فلسفية وجودية حول الكينونة والانا، والبحث عن الذات، حوار طال الخوض فيه إلا أنه كشف عن الكثير من أبعاد شخصية ميرا بطبيعتها الفضولية والمستكشفة بل والمغامرة أحيانا تلك الشخصية الأقرب للطبيعة الغجرية التي طالما تعلقت بالغجر وبتفاصيل حياتهم وهي التي طالما عايشتهم في صباها .
جانب آخر من الحياة، كشف عنه المؤلف عبر علاقتها المزعومة بالشخصية العجائبية التي كانت تطوف وسط عمان في ذلك الزمان والمعروف باسم "نابليون" وجهودها الدؤوبة في التواصل معه وتحويله من الكائن العبوس الصامت والعفن، إلى إنسان نظيف باسم ، و ما عقدته من مقاربات وتشبيه بين هذا الشخص وابن خالتها سائق التكسي "بوسكو" الذي أقلها والعائلة في غفلة من الأحداث مرغما غير راغب إلى المطار يوم غادرت البلاد إلى الأردن، بتصرفاته وتفكيره وفلسفته الخاصة في الحياة، كانت حياة الغجر هي العامل المشترك الذي قرأته ميرا بين هاتين الشخصيتين الغرائبيتين، وكان فيهما من الغرائبية والتشويق ما بدد عليها رتابة الجو في البيت ووحشته، حيث ابنها شادي في عزلته التي قادته من الخيبة إلى الجنون، وابنتها رجاء التي عزلت نفسها بين عبادة ودراسة بعد أن نبذتها عمتها وأعادتها للعيش في بيت "الكفر".
بقي أن يعرف القارئ أن في شادي من التناقض ما لم يجتمع لأحد من شخوص الرواية فهو سليل العائلة المسلمة، ابن السيدة اليوغسلافية المسيحية الذي خاض الحرب مع أهل أمه ضد الآخر رغم تحذير والدته بأن هذا الآخر يمثل ملة والده، ويعود بعد الحرب إلى "بلده" غريبا في مشاعره غرائبيا في تصرفاته، مع أب أخفق في التقرب منه لأن هذا الأب منخرط إلى الأعماق في ذاتيته وعجزه وانقياده لحالة البؤس اليومي التي أسلم نفسه إليها منذ بدأ العمل في هذه الشركة تحت هذه الظروف. كانت الأم تبذل جهودا حثيثة لإنقاذ هذا الشاب، ساعدته في الشفاء من أوهامه وأمراضه أرادت أن تدمجه بالمجتمع فأي جزاء جنت نتيجة لذلك؟ عشرات الطعنات من ابنها شادي إلى أن فارقت الحياة في التاريخ واليوم والساعة التي حددها المؤلف في بداية الرواية.
وقبل أن أصل للنهاية أشير إلى مفردتين أثار استخدامهما على هذا النحو اهتمامي، وهما "خلى" بمختلف اشكالها التصريفية بمعنى "جعل" أو "تّركَ"، و "جواه" بمعنى داخله أو باطنه وقد قادني التدقيق في تلك المواقع إلى أن أخلص إلى نتيجة مفادها أن استخدام هذه المفردات على هذا النحو يعطيها عمقا وأبعادا متعددة يصعب تحقيقها بغير ذلك. ولن أطيل في هذا الموضوع، بل أترك للقارئ متعة اكتشافها وتأملها.
وبعد فقد حفلت الرواية بالكثير من المواقف والمصائر، كان صوت القصف والمعارك بعيدا وغير مسموع، إلا أن تداعيتها ومبرراتها ولا أقول أسبابها من ناحية، وما تكشفت عنه من أهوال نثرت في الأجواء صورا مرعبة للضحايا ، وأخرى أكثر رعبا لمصائر عائلات تناثرت في أرجاء الأرض من ناحية أخرى، ولم تكن عائلة رعد إلا مثالا واحدا لهذه الصور، صورة الاستغلال والابتزاز من قبل الشركات بذرائع متعددة كانت نقطة أشار إليها المؤلف بسلاسة وذكاء، ومجتمعات الفراغ وما ينتج عنها من اوبئة مثل النميمة، والإشاعات وما يلازمها من أكاذيب واغتيال للشخصية، والتلصص على الناس واقتحام خصوصياتهم، وهذه النظرة الضيقة العاجزة عن قبول الآخر، أنترك كل هذا ونخوض في تفاصيل لا طائل من البحث فيها؟!!!



#رشيد_عبد_الرحمن_النجاب (هاشتاغ)       Rasheed_Alnajjab#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدث أن نجوت...سيرة على إيقاع هموم الوطن


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - ميرا وحكاية مصائر طحنتها آلة الحرب