أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد العالي الجابري - فرنسا مجمدة لسنوات القادمة















المزيد.....

فرنسا مجمدة لسنوات القادمة


عبد العالي الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 7563 - 2023 / 3 / 27 - 18:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


إن الأزمة التي تمر بها فرنسا اليوم ليست حلقة أخرى في بلد مضطرب إلى الأبد. هذه أزمة عميقة للنظام لن تحل إلا مع بداية مجتمع جديد. ستمر البلاد بعدة سنوات من الجمود، قبل الشروع في تحول كامل، ثورة ستستمر جيلا على الأقل.

لعدة أسابيع، تابعت مظاهرات فرنسا الحاشدة والتي ما فتأت اعدادها تتزايد وتزداد اعداد المشاركين فيها، لم يعد هناك وقود في محطات الوقود في العديد من الجهات ومئات الأطنان من القمامة تتراكم في وسط المدن الكبرى.

نجح الرئيس إيمانويل ماكرون في فرض إصلاح نظام التقاعد. نصه لا يحل أي مشاكل ويخلق الكثير من المظالم. على سبيل المثال، لن يتمكن الأشخاص الذين بدأوا العمل في سن 16 عاما من التقاعد إلا بعدد أكبر من سنوات العمل من تلك الممنوحة للأشخاص الذين بدأوا في سن 18 عاما. هذه النقطة كافية في بلد يحب المساواة في القانون كانت كافية كي لا يمر هذا النص.

لقد خلق الرئيس ماكرون عمدا حالة من الجمود لا يملك أحد مخرجا منها. استقبلت حكومته جميع النقابات، عام ونصف من النقاشات، لترفض الحكومة جميع المقترحات. مما ادى الى نشوب مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المدن المتوسطة الحجم، والغريب ان ذلك كله قابله الرئيس دون ان يكلف عناء التوضيح او التفسير او الرد.
بعد ذلك، عرف المشهد السياسي الفرنسي حالة من التنافس بين الرئيس وتكتل NUPES (يسار) على الجدول الزمني حتى لا يتمكن النواب من التصويت على هذا النص في القراءة الأولى، لكن تمكن تكتل الرئيس من استخدام مادة استثنائية من الدستور لفرضه في القراءة الثانية.

للقيام بذلك، طلب من رئيسة وزرائه، إليزابيث بورن، ان تفرضه على الجمعية الوطنية بموجب المادة 49-3 من الدستور. ذلك الفصل الذي يشير الخبراء ان مشرعيه وضعوه لحالات طوارئ معينة، والحالة الان لا علاقة لها بها. لا شك أن شارل ديغول وميشيل دوبري لم يكونا لتفعيلها في مثل هذه الظروف.

مما دفع تكتل اليسار الى التقدم بملتمس سحب الثقة من الحكومة، لكن نهاية التصويت، والتي عرفت فارقا ضئيلا تحدد في 9 أصوات فقط من أصل 577 لتنجو الحكومة. وتلقائيا، اعتبر النص الذي لم يطرح قط للتصويت في الجمعية "معتمدا".

هذا الانقلاب هو جزء من سلسلة طويلة من الإملاءات التي تتراوح من تدابير قمع حركة "السترات الصفراء" الى الاستخدام التعسفي ل 49-3 (11 مرة في عام ونصف). بات معها حتى الفرنسيون الذين أقنعوا أنفسهم بمبررات للتقييد المؤقت لحرياتهم يجدون الآن أن الكيل قد طفح.

الآن يتم تقسيم البلاد إلى قسمين. من جهة، ثلث صغير من السكان الذين ليس لديهم مشكلة ويريدون من إيمانويل ماكرون السماح للنظام بالتحول لفترة أطول لصالحهم. من جهة أخرى، أكثر من الثلثين الآخرين الذين لم يصلوا بعد درجة العصيان، لكنهم يجدون أنفسهم في وضعية الاشمأزاز. هذا التطور في المشاعر الجماعية والوحدة هي حالة جديدة على المجتمع الفرنسي.

يبدو ان الرئيس مقتنع بالفوز في التمرين الديمقراطي، لأن قانونه يعتبر "مرر". ومع ذلك، من الناحية العملية، خسر لأنه جمع كل النقابات العمالية و بعض الأحزاب السياسية الشعبية ضده. فقط البرلمانيون أعضاء حزبه، الملقب بعصر النهضة Renaissance (سابقا الجمهورية إلى الأمام) ، دعموه ، بالإضافة إلى عدد قليل من الذين يدعون أنهم ينتمون إلى الحزب الديغولي السابق Les Républicains ، المؤشرات العامة حسب وسائل الاعلام الفرنسية تشير الى ان من 8 إلى 9 من أصل 10 من فرنسيين يعارضون هذا النص وهم مقتنعون الآن بأن السلطة التنفيذية لا تهتم بهم.

تعلمنا من الادبيات السياسية الفرنسية ان الجمهورية، بالمعنى الحقيقي للمصطلح، هي نظام يضع المصلحة العامة أولا. من خلال تقسيم البلاد الى هذا الحد، يمكن تفهم شعور الفرنسيين من خيانة الرئيس.

الديمقراطية هي شكل من أشكال المؤسسات التي تعطي صوتا للشعب. هل تمت خيانتها هي الاخرى من طرف الرئيس.

الوضع الآن في طريق مسدود وأصبح البلد غير قابل للحكم. مما سيصعب مهمة اتخاذ قرارات أكثر أهمية في الأشهر أو حتى السنوات القادمة.

الغريب ان دستور الجمهورية الخامسة ينص على عدة حلول، أهمها اللجوء إلى الشعب للحفاظ على عمل المؤسسات الديمقراطية. حيث يمكن للرئيس حل الجمعية العامة والدعوة إلى انتخابات استثنائية.

لكن، وبما انه متأكد انه سيسحق هو وحزبه فهو يستبعد هذا المنحى على المدى المتوسط. يمكنه أيضا الدعوة إلى استفتاء، لكنه سيخسره بلا شك. لذا لن يفعل شيئا وسيحبس نفسه للاحتفال بالفوز وحيدا مع فريقه في قصر الإليزيه.

شكل إصلاح نظام التقاعد فشل سياسة ماكرون، حيث وعد الرئيس بأن يكون فوق الانقسام بين اليمين واليسار، لكن النتيجة انه لم يرضي لا هذا ولا ذاك.

يتساءل المعلقون لماذا وضع إيمانويل ماكرون نفسه طواعية في هذا الفخ؟ ما الذي كان على المحك؟ لا توجد إجابات سياسية على هذه الأسئلة.

هناك من يشير الى ان الاجابة ربما تكون اقتصادية: حيث يعتزم الرئيس دفع التقاعد أولا بأول، لأنه يرى ان عدد المتقاعدين في تزايد مضطرد، وان ما يشتغلون لا يجمعون تقاعدهم بل يؤدون اجر المتقاعدين الحاليين.

ربما يكون الامر مرتبط بحالة نفسية: اذ يعتبر البعض ان الرئيس لا يبالي بمصير الآخرين ويحب أن يصدمهم (مستدلين بسلوكه الاجتماعي خلال فترة انتخابه الأولى). إذا اتبعنا هذه الفرضية، فلن يجد فترة راحة إلا عندما يشوه مصداقية دستور عام 1958 تماما ويكتسب اليقين بأنه آخر رئيس للجمهورية الخامسة.

كما ان هناك من يرى أن انتحار إيمانويل ماكرون السياسي ورغبته في رؤية البلاد تنهار معه يخفيان أزمة عميقة للغاية. وليس من قبيل المصادفة أن ينتخب الفرنسيون على التوالي عميلا للولايات المتحدة على رأس البلاد، نيكولا ساركوزي، الذي دمر استقلال فرنسا وانتهك نتيجة الاستفتاء على الدستور الأوروبي من خلال اعتماد نفس النص بالوسائل البرلمانية.

ثم جاء البرجوازي الصغير، فرانسوا هولاند، الذي حول رئاسة الجمهورية إلى فودفيل ؛

وأخيرا حل في الرئاسة، مرتين، مصرفي استثماري حول قصر الإليزيه إلى غرفة استقبال لكوكتيلات المليارديرات في الولايات المتحدة.

من خلال أربع انتخابات، تحمل الفرنسيون مسؤولية هذا الانحدار إلى الجحيم. كانوا مقتنعين بأن بلدهم لا يحتاج إلى شخصية كبيرة، ولكن فقط إصلاحات صغيرة لإصلاحها. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.

واليوم، تواجه البلاد تضخما في الغذاء والطاقة يتراوح بين 20 و25 في المائة. لا يوجد أطباء في أكثر من نصف البلاد والمستشفيات تغلق أقسام الطوارئ.... الجميع يتحدث على أن لا شيء يسير على ما يرام.

قال أحد الضيوف في برنامج تلفزيوني، "لقد انهار مستوى المدرسة بشكل خطير للغاية، ولم تعد الشرطة قادرة على الحفاظ على النظام، ولا يملك نظام العدالة الوسائل لفعل أي شيء لمدة عامين، والجيش غير قادر على الرد على حرب شديدة الكثافة. المشاكل كثيرة لدرجة أننا لا نعرف من أين نبدأ."

لقد بدأ الفرنسيون يدركون أنه لا ينبغي اصلاح الخدمات العامة، بل ينبغي اعادة التفكير فيها وفقا للحقائق الجديدة: حوسبة وسائل الإنتاج وعولمة التجارة.

ووفقا للبعض، بدأت الأزمة في عام 2007 بتصويت البرلمان على نص رفضه الاستفتاء. أو، وفقا لآخرين، في عام 2005، مع أعمال الشغب في ضواحي باريس؛ في حين يقول آخرون ان الانحدار انطلق عام 1990، بمشاركة فرنسية في الحرب الأمريكية في الخليج.

كثيرة هي تحاليل الفرنسيين، لكن تبقى الحقيقة التي استخلصتها أن فرنسا لا تجد نفسها فيما أصبحت عليه طبقتها السياسية، ولا حتى في السياسة التي تقودها.

إيمانويل ماكرون، الذي انتخب مع وعد بتحديث البلاد، يظهر اليوم على أنه الشخص الذي يمنع تحولها، مما يعيق ظهور مجتمع حديث.

كان يأمل الفرنسيون، الذين أخذوا زمام المبادرة في عام 1789 للإطاحة بالنظام القديم وخلق مجتمع ما بعد الثورة الفرنسية، ان يأتي بعدهم احفاد قادرين على اتخاذ مبادرة أخرى لخلق عالم جديد عالم ما بعد العولمة.

لكن واقع الحال يشير الى الفرنسيين الحاليين يعرفون بشكل عشوائي أن أفريقيا تحرر نفسها من هيمنة الحكومات الفرنسية وأن روسيا والصين تعيدان تنظيم العلاقات الدولية، لكنهم لا يسايرون إلا قليلا على هذه الموضوعات كباقي الشعوب المتخلفة.

من المدهش جدا ملاحظة تعطشهم لنموذج جديد وخوفهم من الانغماس في ثورة عنيفة. يعتقدون انه لحل هذه الأزمة، سيكون كافيا أن تستمع طبقتهم السياسية إليهم، كما فعل الملك لويس السادس عشر في بداية الثورة.

لكننا نشهد حوارا بين الصم. خلال جميع المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد، لم تتنازل الحكومة عن أي شيء على الإطلاق للنقابات. بل عكس المتوقع، ضاعفت من حدة التعديلات في البرلمان، وحولت الحوار مع الشعب إلى نقاش داخلي للطبقة السياسية.... وهذه المواقف المتتالية والممنهجة أغلقت جميع الأبواب أمام الخروج السلمي.

لقد لاحظ الفرنسيون بالفعل فراغ "المناقشات الكبرى" وغيرها من "المرافعات المواطنة"... والمسجل ان الرئيس اعتمد عملية اللقاءات المفتوحة والمباشرة بالفعل. وقد شارك بعض المواطنين في تلك اللقاءات، لكن اقتراحاتهم ضاعت في متاهة البيروقراطية. لذلك لم يتم استغلال ذلك التمرين الديمقراطي الساحر، والمتمثل في الاقناع من خلال الحوار المباشر بين الرئيس والشعب، ولو بشكل متدرج.

لهذا كله، اعتقد، انه في الأشهر والسنوات القادمة لن يتمكن أي شيء من التحرك. لن تتمكن الحكومة بعد الآن من اعتماد نص من قبل البرلمان، وعلى أي حال، لن يطيعه مسؤولوها بعد الآن. سيضعون الملفات المزعجة في أسفل الأكوام ويسحبونها للخارج. لن يتمكن الفرنسيون من الاحتجاج بعد الآن دون أن يسقط عليهم القمع الوحشي، كما كان الحال بالفعل مع السترات الصفراء. وكما هو الحال الآن في شوارع باريس والمدن الفرنسية.

ستكون الانتخابات الأوروبية، في عام 2024، والبلدية، في عام 2026، فرصة لعزل مضيف الإليزيه أكثر قليلا قبل رحيله في عام 2027. ما لم يعترف بالطبع بأن الطريقة الوحيدة لإلغاء حظر البلاد هي أن يستقيل.

عبد العالي جابري
مدير نشر جريدة GIL24.ma



#عبد_العالي_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال الجنرال سليماني ... التبرير الأمريكي
- لبنان... بين شعب ينتفض ضد الضرائب ونظام مالي في خدمة الساسة ...
- هل وصل التغيير الى إسرائيل أخيرا؟
- المخفي والمعلن حول ظهور مرشح آخر غير -كلنتون- أو -ترامب-؟
- الفوضى الخلاقة ...و الحرب على الإرهاب
- اليمن .... ما بين الحزم السعودي والنووي الإيراني
- داعش: من سيكون الهدف بعد العراق؟ 1/5
- منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بين جائزة نوبل للسلام والاتفاقي ...
- 1913 أطاحت ببريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس، هل تطيح 2013 ب ...
- الحكم في مصر وباكستان: ما بين الجيشين من اتفاق، والشعبين من ...
- شبكة الانترنت: ذلك التحدي العالمي


المزيد.....




- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد العالي الجابري - فرنسا مجمدة لسنوات القادمة