أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل الخزعل - التفكير العلمي في فلسفة كارل بوبر















المزيد.....


التفكير العلمي في فلسفة كارل بوبر


عادل الخزعل

الحوار المتمدن-العدد: 7556 - 2023 / 3 / 20 - 12:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شكلت الفوضى الفكرية للفيزياء الجديدة في الربع الأول من القرن العشرين وطروحات الفلسفية الوضعية البيئة الثقافية التي نشأت فيها فلسفة كارل بوبر , ويمكن القول ان فلسفة العلوم المعاصرة متصلة اتصالاً مباشراً بالمتغيرات الافهومية الجذرية التي أدخلتها نظرية انشتاين في النسبية الخاصة والعامة وميكانيكا الجسيمات الكوانتية , وكان لهذه الثورات المتعلقة بالتصور الفيزيائي للكون , ذا أثر واضح على العلماء أنفسهم فتحولوا من دون التخلي عن الحقل العلمي الى فلاسفة ومنظري معرفة ، لعلهم يمسكون بالأمواج الفكرية العاتية والتي بدأت تحيط بعلمهم منذ أواخر القرن التاسع عشر , ومن هنا مثلت فلسفة كارل بوبر نقطة تحول حاسمة في فلسفة العلم بنقله من منطق التبرير إلى منطق الكشف العلمي والمعالجة المنهجية له على أساس قابليته المستمرة للاختبار التجريبي والتكذيبي لتعيين الخطأ لكي يحل محله يوما ما كشف أفضل وأكفأ واقرب إلى الصدق .
اذ استندت فلسفة بوبر بأسرها على الخاصية المنطقية المُميزة للعلم التجريبي في امكان تكذيب عباراته ومدى قابليته المستمرة للمواجهة مع الواقع والوقائع , لاسيما بالنقد والمراجعة واكتشاف الأخطاء لأجل التصويب والاقتراب أكثر من الصدق ، فتعد هذه العلمية تقدم منهجي مستمر نحو الصدق , ويعتقد بوبر ان الكذب واضحا ومتيسرا اكثر من الصدق المتمثل بالحقيقة ، بناء على الفكرة المنطقية القاضية بالقول ان حالة واحدة خاطئة في مجال الخبرة التجريبية كافية ان تكذب فرض او نظرية , وهذا سائد في مجال البحث العلمي ، في حين ملايين الحالات التي تثبت صدق فرض معين غير كاف لإثبات الصدق المطلق لهذا الفرض , فإذا اكتشفنا صدق كذب حالة من الوقائع إلى فرض ما , اي نفي منها للفرض وأردفنا هذا الفرض بنفي يستبعد ، وخلال هذه العملية نكون سائرون على المنهج السليم ، وبناء على القاعدة المنطقية - نفي النفي اثبات – .
جاء هذا المنهج البوبري من خلال ملاحظته لجميع فلاسفة العلم منذ جون ستورات مل ، بل لكل فلاسفة المعرفة التجريبية منذ دفيد هيوم حتى ماخ والوضعيين والاداتيين على السواء ينظرون الى المعرفة العلمية بوصفها حقائق مثبته مؤسسة ، سوف ينشغلون بتبريرها , وتتفق الاطراف المذكورة على ان بوبر فيلسوف المنهج الاول فنظرية بوبر في المنهج العلمي امتداداً لنظريته في المعرفة وكلتاهما تنطلق من اصول بيولوجية أولية منذ ان وجدت الحياة على سطح الارض ، ثم تنمو المعرفة العلمية وتطور بتطور الحياة والحضارة ، والمحصلة ان فلسفة بوبر في المنهج العلمي فلسفة داروينية ، اذ انعكست صياغة بوبر للمنهج العلمي في مجموعة من الاليات والقيم ترتد نهائيا في صورة مجتمع مفتوح للرأي والرأي الاخر للكل ، كحاولات لحل المشاكل ليفوز الحل الاقدر والرأي الارجح ، فيكون الانتقال بهندسة اجتماعية جزئية من المشكلات الى حلولها في اطار ديموقراطي يستلزم التسامح ويقوض كل دعاوى الدكتاتورية والانفراد بالرأي والتعصب والتطرف .
اذ يستحيل تكوين بنية اجتماعية متراصة داخل الاطار الشمولي الكلي والنسق الموحد سواء اكان النسق هو الماركسية ام سواها ، ولهذا اهتم بوبر بتطبيق منهجه على المجتمع والسياسة كبداية للمجتمع المفتوح وخصومه ، فضلا عن نقده كل حجج الاتجاه الفلسفي المعتقد في مسار محتوم للتأريخ ، ويؤكد بوبر ان ماركس هو المسؤول عن الاثر المدمر للمنهج التأريخي او للنزعة التأريخية .
وفي غضون الطريق السائر من فلسفة العلم ومنهجه الى فلسفة المجتمع والسياسة يظل اهم مافي فلسفة بوبر انها دفعت فلسفة العلم نحو منطق الكشف والتقدم
المشكلة اللغوية بين بوبر والوضعية المنطقية :
يؤكد بوبر ان المشكلة اللغوية لم تكن ابداً مشكلة فلسفية ، وان المشكلة الفلسفية الوحيدة هي عينها المشكلة العلمية ( المشكلة الكوزمولوجية ) ، اي مشكلة فهم العالم بما في ذلك نحن انفسنا كجزء من العالم ، فالعلم والفلسفة في رأي بوبر كلاهما يساهمان في حل هذه المشكلة وانهما ليفقدان كل روعتهما وجاذبيتهما اذا ما تخليا عنها .
قد تساعدنا وظيفة اللغة على الحل جزء من المشكلة اما ان نحيل المشكلة بأسرها الى متاهات لغوية هذا مرفوض ، ولا يمكن ابداً احلال الدراسات اللغوية وانساقها الاصطلاحية والرمزية محل الدراسات الابستمولوجيا كعامل في نمو المعرفة العلمية وتطور محتواها ، وهذا ما يعيب اصحاب ( الوضعية المنطقية ) عندما اختزلوا الفلسفة بالمشكلة اللغوية ، كما اخطأوا قبلا حين حددو منهج الفلسفة بالتحليل المنطقي ، في حين ان كل المناهج الفلسفية مشروعة مادامت ستفضي الى نتائج يمكن مناقشتها ونقدها .
ويفرق بوبر بين منطق التقدم وبين التحليل المنطقي التي تتبناه الوضعية المنطقية ، اذ ان منطق التقدم يتعاطى ديناميكياً مع النظرية العلمية ، اي البحث في صيرورتها وكيفية تقدمها وعوامل هذا التقدم ودرجة تكريسها لمنطق التقدم . اما التحليل المنطقي فيتعامل مع النظرية بصفة استاتيكية يحلل منطوقاً معيناً لنظرية او تعريفاً لمصطلح او تحليلاً لعبارة معينه من نسق محدد مسبقاً ضمن معطيات منطق التبرير والتسويغ وبالتالي يتخذ بوبر موقف بالضد من منهج التحليل المنطقي لانه يحلل ماهو كائن ولا يبحث عن الجديد ومن ثم لن يجدي في نمو المعرفة العلمية ولا يصل بنا ابداً الى اعتاب منطق الكشف والتقدم .


مكانة الميتافيزيقا بين بوبر والوضعية المنطقية :
ان موقف بوبر بالضد من اصحاب الوضعية المنطقية عموماً وفتجنشتاين خصوصاً حول وجهة نظرهم من الميتافيزيقا ، اذ يجد في الميتافيزيقا ضرورة لتقدم العلم ذاته ولتوسيع الخيال العلمي فهي تلهم العلماء والفلاسفة بفروض خصيبة وقد تساعد بعض الافكار الميتافيزيقية في تقدم علمي وابرزها فكرة افلاطون في تحقير المادة وما يتصل بالحواس كأداة للمعرفة ، وغيرها من الافكارالميتافيزيقية الكثيرة كانت عامل مهم في مسيرة التقدم العلمي ولا سيما ان بعضها قد اوطر بصورة مباشرة بنظريات علمية تطورت ابرزها فرضية مركزية الشمس ، وفرض الذرة ذاته الذي طرحه ديموقريطس في القرن الخامس ق. م . والخلاصة التي تستنبطها بوبر في بحثة الميتافيزيقي وعلاقته بالعلم وهو ان اغلب مشكلات العلم لها جذور في الفلسفة .
المنهج العلمي عند بوبر :
يطرح بوبر تساؤل مهم عن فلسفة العلم وهو ما الذي يأتي اولاً الملاحظة ام الفرض ؟
اذ يجيب بأن هنالك نوع اولي من الفروض هي التوقعات الفطرية التي تولد في الذهن مزوداً بها لتمثل اولى تعاملات العقل مع العالم التجريبي ، ويمتد انكار دور الملاحظة الحسية في التوصل الى الفرض او القانون حتى اعمق الجذور ، وعلى الرغم ان بوبر فيلسوف تجريبي لكنه لا يرى ان العقل يولد صفحة بيضاء وتخطها التجربة كما يدعي التجريبيون المتطرفون امثال لوك وهيوم ، ولا يرى الذهن مزود بمجموعة من الاستعدادات السيكولوجية والنزعات والتوقعات الفطرية التي قد تتغير وتتعدل مع تطور الكائن الحي .
المعرفة عند بوبر :
بين مغزيين لكلمة معرفة : اولا : المعرفة بالمغزى الذاتي : وهي تتكون من اعتقادات الذات ونزوعاتها ومشاعرها وما تراه او تقره او تنكره ويعتقد ان المعرفة بهذا المغزى من اختصاص علم النفس . ثانياً : المعرفة بالمغزى الموضوعي : وهي تتكون من كل مخزونات الكتب واجهزة الكومبيوتر اي كل الافكار المطروحة سواء كانت فلسفية او علمية مادامت مصوغة لغويا انها موضوع الابستمولوجيا التي تبحث في محتواها المعرفي وعلاقاتها المنطقية واسسها المنهجية ، ويلاحظ بوبر خطأ كبيرا تردت فيه الابستمولوجيا التقليدية منذ ارسطو وديكارت وهوبر ثم بركلي وهيوم حتى كانط وصولا الى رسل وفريجه حين اعتبروا الابستمولوجيا بحوثاً في المعرفة التي تؤول الى علاقة تربط عقولنا الذاتية بموضوع المعرفة اسماها رسل بالاعتقاد ، ويؤكد بوبر ان الابستمولوجيا لا شأن لها البته بالذات العارفة بل فقط بموضوع المعرفة ، وهذه الموضوعية المنفصلة تماماً عن الذوات تنسحب على العلم ولكي تكون المعرفة العلمية موضوعية تماماً لابد من محك موضوعي للحكم عليها بالصدق او الكذب ، خصوصا ان بوبر يسلم تسليماً بالواقعية بمعنى الوجود الواقعي المستقل للعالم الخارجي ، ويرى ان العلم هدفه الوصول الى تفسير مرضي لهذا العالم ، وكذلك النظرية العلمية ذات مضمون معرفي ودلالة اخبارية ، فيفترق بوبر عن الاداتية افتراقاً حاداً ويؤكد ان وظيفة العلم هي البحث الدؤوب عن حقيقة العالم وعن الصدق ويلعب الصدق مبدأ الدور التنظيمي الذي يحكم شتى الجهود المعرفية بوصفه الغاية المبتغاه بعيدة التحقق ، ان البحث عن الصدق ومزيد من الصدق هو الهدف الدائم للعلم التجريبي ، الصدق وليس اليقين ، فليس هنالك علم تجريبي يقيني ولن يكون .
بين بوبر ان المعرفة الحقة هي التي تكمن في العالم الثالث ، فما هو العالم الثالث ؟ يعتقد بوبر ان هنالك ثلاث عوالم : العالم الاول : هو العالم الفيزيقي المادي .العالم الثاني : هو الذاتي ، هو عالم الوعي والشعور والمعتقدات والادراكات والحالات العقلية والميول السيكولوجية . العالم الثالث : هو عالم المحتوى الموضوعي للفكر كالعلم والفلسفة والاعمال الادبية والفنية والنظم السياسية والتقاليد والاعراف ، محتوى هذا العالم هو محتوى الكتب والصحف واجهزة الكمبيوتر والمتاحف والمعارض .
العلاقة بين العوالم الثلاث متداخلة ، والعالم الثاني هو الوسيط الذي يربط بين العالم الاول والعالم الثالث بفضل علاقاته مع كل منهما ، وبالتالي بوبر يرفض الواحدية والثنائية والتعددية او النظريات التي تقول بوجود عالم غير عالمي العقل والمادة ، ولا يجعل العالم الثالث سرمدياً مطلق الثبات كعالم المثل الافلاطونية ، فالعالم الثالث من صنع الانسان ومكوناته واقعية ، انها المشاكل وحلولها ويحتوي دائماً الخطأ بجانب الصواب وهو دائم التغير والتقدم والنمو ، فالعالم الثالث يجسد موضوعة المعرفة بفضل استقلالة فهو منتج بشري لنشاطات الانسان المختلفة لكن مكوناته تستقل عن الانسان بعد ان يخلقها .
وعلى ضوء ذلك يفرق بوبر في مكونات العالم الثالث بين المنتجات المقصودة التي اجتمع اشخاص معينون وبذلو جهداً موجهاً لخلقها مثل المؤسسات والاعمال الفنية والعلمية والدساتير ... الخ ، وبين المنتجات الجانبية الثانوية التي لم يخلقها الانسان بقصد بل انبثقت من تلقاء ذاتها والغريب قد تكون اكثر اهمية من المنتجات المقصودة .
بوبر والعقلانية النقدية :
يرفض بوبر اي سلطة معرفية على الانسان وضرورة استقلاله بنفسه في البحث عن الحقيقة ، لا سيما انها ليست بينه ، وفي اكتشاف المعرفة في حين انها ليست يقينية مذلك ، اذ ليس هنالك سلطة معرفية وليس هنالك مصدر معين للحقيقة ، المعرفة لا تتمتع بأي اسس غير قابلة للخطأ لا في الحواس ولا في العقل ، كل فرض وكل اقتراح وكل مصدر للمعرفة على الرحب والسعة مادام كل اقتراح وكل مصدر يمكن تعريضه للنقد واكتشاف اخطاءه وتصويبها والانتقال الى وضع افضل في صيرورة نحو التقدم المستمر .
من هنا كانت العقلانية نقدية وكانت يدورها موقفا فلسفسيا شاملا قادرا على تأطير منطق الكشف العلمي والتقدم الدائم .
يعتقد بوبر ان المعرفة ليس الا نشاطا لحل مشاكل معرفية ، لذلك يبدأ اي موقف بمشكلة محدده لتأتي محاولة حلها ، ومن ثم لابد من مناقشة او اختبار الحل واستبعاد الاخطاء والا فلن تستمر الحياة ، بعد حذف الخطأ يبرز موقف جديد وأي موقف يحتوي على مشاكل لينتهي الى مشكلة جديدة .
م1 – ح ح – أ أ م2
وقد نقترح كثيراً من الحلول وقد تتخذ هذه الحلول او تتعرض لعدة اتجاهات نقدية او تفسيرية لاستبعاد الاخطاء منها ، وبالتالي فأن صورة تعدد الاتجاهات السياسية والمذاهب الفلسفية ، لذلك يعتقد بوبر ان المعرفة تسير في حلقات متتالية وليست دائرية فهي لا تنتهي من حيث بدأت بل تنتهي بموقف جديد ومشاكل جديدة هذه الجدة هي التي تكفل التقدم المستمر ، فالخطأ داخل في صميم كل محاولة ويستحيل تجنبه وهو ذاته طريق التقدم المستمر عن طريق استبعاده ، معنى هذا ان الصياغة قادرة على تجسيد منطق التقدم ومنطق الكشف العلمي .
ان نمو المعرفة العلمية من وجهة نظر بوبر تسير من المشاكل القديمة الى المشاكل الجديدة بواسطة الافتراضات الحدسية وتكذيبها من خلال التعديلات والتكييفات المستمرة للموقف الراهن والحلول المطروحة لمشاكله ، مما يجعل تطور العلم زجاجيا متعرجا وليس خطا مستقيما انه منهج التصحيح الذاتي اي الذي يجعل العالم يصحح نفسه بنفسه تصحيحاً مستمراً استمرارية البحث العلمي مادامت النظريات كلها مجرد حدوس افتراضية تتفاوت في درجات اقترابها من الصدق وان العالِم حتى لو توصل جدلا الى نظرية صادقة فلا هذا المنهج ولا اي منهج اخر يتمكن من تبرير صدق النظرية العلمية :
أ‌- المشكلة
ب‌- الحل المقترح
ت‌- استنباط القضايا القابلة للاختبار من النظرية الجديدة
ث‌- الاختبار اي محاولة التفنيد بواسطة الملاحظة والتجريب
ج‌- الاخذ بأفضل الحلول اي النظرية الافضل من بين النظريات المتنافسة
وهنا نرى بوبر يهتم بتاريخ العلم في محاولة لفهم النظريات العلمية الحالية والقوانين العامة وجعلها اكثر تقدما لحل المشكلات المطروحة فيعتبر ان العالم حينما يدرس موقف مشكلة فهو بهذا يحاول مواصلة مسار طويل يستند الى حصيلة كل البشر فالبدء من الصفر استحالة ، وهي محاولة لجعل اطر البحث اكثر احكاما من خلال تطويرها فتستبدل بها محاولات اقرب الى الصدق .
- الانسان خالق لقصة العلم عند بوبر :
يرى بوبر ان الكشف العلمي ليس عملية اليه بل عمليه خلق وابداع ، والعبقرية الخلاقة بمنزلة العنصر الفاعل ، فلا يمكن الوصول الى الفرض عن طريق خطوات منهجية محددة بل عن طريق الالمام بالحصيلة العلمية السابقة والحصيلة المعرفية ثم قدح ذهن العالم ليتوصل الى حل للمشكلة المطروحة في البحث وهذا الحل حدس لا تنتبه له الا الموهبة العلمية والعبقرية الخلاقة في انشغالها العميق بالمشكلة ، فقد تظهر النظرية كومضة إلهام في حالات الحلم او ما يشبه الحلم ، قد تومض في الذهن فجأة وقد تهبط رويداً رويداً كضياء الفجر ، تشرق النظرية في الذهن كما يشرق اي ابداع انساني اخر ، فضلا عن الكم الهائل الذي يمتلكه العالم من المعارف التخصصية الدقيقة التي تساعد في تركيب النظرية .
معيار القابلية للتكذيب عند بوبر :
ان معيار القابلية للاختبار التجريبي والتكذيب هو الذي يميز العلم وهو اول اطروحات بوبر الفلسفية وظل دائما محور فلسفته للعلم ومركزها ، فالخضوع المستمر للاختبار وامكان التفنيد بالادلة التجريبية هما الخاصة المنطقية المميزة للقضية العلمية دون اي قضية تركيبية اخرى ، عبارات العلم التجريبي هي فقط التي يمكن اثبات كذبها لانها تتحدث عن الواقع الذي يمكن الرجوع اليه ومقارنتها به ، وبالتالي نرى بوبر في منهج العلم يؤكد على مطلب الجرأة ، فالجرأة هي التي تمكن من اقتحام المجهول واكتشاف الجديد ، الحقيقة ليست ظاهرة بل تكمن خلف ما يبدو لنا من العالم وما يفعله العالم العظيم يخمن بجرأة ويكشف عن كيفية تكون هذه الحقائق الداخلية الخفية ، والجرأة لها معنيين المعنى الاول : هو كشف ماهو غير مرئي او ماهو قابع خلف الظاهرة ، والنوع الثاني : هو التنبؤ ويعتقد بوبر ان الفرض الميتافيزيقي يمكنه ان يحقق الجرأة بالمعنى الاول ولا يمكن بالمعنى الثاني لوجود مخاطرة الاختبار والتفنيد والتصادم مع الخبرة .
بالطبع ثمة فارق بين القابلية للتكذيب وبين التكذيب ، وليس يعني المعيار التثبت بالفعل من كذب كل عبارة علمية وتفنيدها فهذه كارثة محققة ، بل ان القابلية للتكذيب مجرد معيار يحدد الخاصة العلمية للنظرية ، اما التكذيب فهو حكم عليها وتقييم نهائي لها ولما كانت القابيلة للتكذيب هي ذاتها القابلية للاختبار فهذا الاختبار اما يفضي الى التكذيب او التعزيز .
- التكذيب اذا كانت النتائج المستنبطة من النظرية تناقضت مع الوقائع التجريبية لان تكذيب النتائج هو تكذيب النظرية يستبعد من العلم واذا تلافيناها .
- اما التعزيز : وهي اذا وقفت النظرية صامدة امام الاختبارات فكلما اجتازت النظرية الاختبارات اصبحت اكثر تعزيزاً .
اما الذي يجعل القابلية للاختبار والتكذيب خاصة منطقية مميزة للقضية العلمية ومعيارا قادرا على تمييز العلم التجريبي من خلال العبارات الاساسية ، اذ ان العبارات الاساسية تشير علانية الى موضوع مادي يمكن ملاحظته ، ويمكن مباشرة اقرار العبارة او انكارها على انها صادقة او كاذبه ، اما العبارات الوجودية فهي غير محددة مثل ( س ) فهي تبعا لمعيار قابلية التكذيب ليست علما ، هذا بالنسبة الى العبارات الاساسية المفردة وكيفية التحقق من العلم واللاعلم ، اما بالنسبة الى القوانين والنظريات العمومية يمكن الكشف عن كونها قابلة للتكذيب او غير ذلك من خلال استنباط عبارات مفردة من النظرية يسهل ان نواجهها بالواقع فيكون الاستدلال التكذيبي استدلالا استنباطيا هابط من الكليات الى الجزئيات وبأستنباطنا للمفردات الجزئية لا يعني ان النظرية علمية فلا بد من مواجهتها بعبارات مفردة اخرى هي العبارات المبدئية لما يجب ان تخضع له متغيرات النظرية وفي اختبار التكذيب تكون النظرية احدى مقدمات الاستنباط وبقية المقدمات عبارات مفردة اخرى تخدم كشروط مبدئية لحدوث ماتخبر به النظرية والذي سيكون نتيجة الاستنباط التي تقابلها لوقائع التجريبية ( عبارات وجودية = سبب ) ( عبارات مبدئية = نتيجة ) .
وبالتالي إن بوبر يرى ان القابلية للتكذيب ترتبط بالمحتوى المعرفي ارتباطا مباشرا يجعل العلاقة بينهما تناسبا طرديا ، فمثلا تزيد عمومية العبارة بزيادة المحتوى النظرية الاكثر عمومية ذات محتوى معرفي يفوق محتوى النظرية او النظريات الاقل منها عمومية ، اذ انها تمنع ما تمنعه بالاضافة الى منع ما جعلها اعم لذلك فهي اكثر قابلية للتكذيب وهي ايضا اغزر في محتواها المعرفي لانها تضم محتوى الكثير من العبارات التي تعممها ، ان العبارات العلمية هي العبارات ذات المحتوى المعرفي الاخباري عن العالم التجريبي وهي لذلك العبارة القابلة للتكذيب ، والفيزياء هي الاكثر قابلية للتكذيب لانها الاكثر عمومية ولما كان الصدق هو الهدف المروم والمبدأ التنظيمي في خضم هذا المعمعان التكذيبي فقد تقدم بوبر بمفهوم يكفل السير قدما نحو الاقتراب من الصدق اكثر واكثر وهو رجحان الصدق الذي يعني النظرية اصبحت اكثر مماثلة للصدق ، فالنظريات تتنافس في الاقتراب من الصدق وكل انجاز علمي هو توصل الى نظرية جديدة تلافت مواطن كذب في سابقتها فأصبحت اكثر اقترابا من سابقتها من الصدق ، ومفهوم رجحان الصدق هو الحكم بتفوق فرض على اخر او نظرية على اخرى وله شروط وهي ان تكون (ن1) متضمنه في ( ن2 ) التي تفوقت عليها والا لما تفوقت عليها او المقارنه بينهما وان نقول ( ن2 ) كل ما قالته ( ن1 ) فتتجاوزها فتفسر جميع الوقائع التي تفسرها (ن1 ) ثم تفسر بعض الوقائع التي تفشل ( ن1 ) في تفسيرها وبالتالي ستكون اي معلومة تكذب ( ن2 ) تكذب ايضا ( ن1 ) فيكون الحكم بتفضيل (ن2) لا غبار عليه , وبالتالي ان تكون العبارات الصادقة التي يمكن اشتقاقها من (ن2) اكثر من التي يمكن اشتقاقها من (ن1) والعبارات الكاذبة اقل وكل ذلك يعني ان (ن2) اجرأ واغزر في المحتوى المعرفي اي اكثر قابلية للتكذيب .



#عادل_الخزعل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فورفريوس الفيلسوف المغيب
- قراءة في كتاب عبد الصاحب دخيل سيرة قائد وتاريخ مرحلة للكاتب ...
- محورية المؤلف في التأويل جدل الحضور والغياب في الفكر الإسلام ...
- امأة في الثلاثين رواية نوري دي بلزاك دراسة تحليلية
- قواعد العشق الاربعون قراءة نقدية
- براديغايم الاسطورة
- فكر متشظي


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل الخزعل - التفكير العلمي في فلسفة كارل بوبر