اوراق من دفتر الوقوعات العراقية: الدجيل - 1982

زيد عبد الصمد نعمان

الحوار المتمدن-العدد: 1708 - 2006 / 10 / 19 - 08:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

في منتصف السبعينات من القرن الماضي اعترض شاب يحمل شهادة الدكتوراه من الاتحاد السوفييتي الراحل على مقترح كريم الملا باستخدام مصطلح المعسكر العلمي للشباب و اقترح كلمة مخيم كبديل. لم يدر بخلد احد أنذاك ان البعث كان يهدف لعسكرة الحياة و المجتمع. لكن العسكرة فرضت نفسها على العراقيين و حياتهم طيلة 8 سنوات الحرب مع ايران. فدخلت مفردات مثل كنية, دفتر الوقوعات اليومية, نازل مجاز, عدم تعرض, عاد نادماَ... و غير ذلك كثير في القاموس اليومي للعراقيين.

هذه احدى اوراق دفتر وقوعاتي اليومية لما عشته او سمعته او رأيته.

كنت جندياَ مكلفاَ في موقع المشروع لبناء قاعدة البكر الجوية قبالة الدجيل و مازلت اذكر جيداً ذلك اليوم من تموز 1982 عندما فرغ الموقع من المهندسين لعودتهم الى دورهم في اجازتهم الدورية. كنت قد عدت لتوي من الاستدعاء الى مديرية الاستخبارات العسكرية فاثرت البقاء في الوحدة العسكرية لاسبوع اخر. اقترحت على المهندس ع.ر.عبد الحميد "النزول" الى سامراء فرحب بالفكرة و نقلها الى شريكه بالسكن. قبيل الغروب اخذنا الجندي نضال. ا. ك بسيارته لزيارة سامراء او بلد. عند وصولنا الى مفرق الدجيل على طريق الموصل شاهدنا سيارات الحماية الخاصة تخرج من الدجيل باتجاه بغداد. كانت السيارات مسرعة و لكن بشكل يوحي بالاطمئنان حتى تعالت اصوات اطلاقات نارية و انفجارات من جهة مدينة الدجيل فتوقفت السيارات و انحرفت بحدة عائدة الى الدجيل. احدى السيارات قللت سرعتها قليلا و ترجل مسلح منها ليقطع الطريق الى الدجيل. ازدادت حدة اصوات الاطلاقات و الانفجارات و تيَـقنا ان الاصوات لاشتباكات و صدام مسلحين.

اضطر نضال لايقاف السيارة عند حافة الطريق بايعاز من المسلح. في هذه الاثناء توقفت سيارة كوستر و ترجل منها نائب ضابط من الدفاع الجوي تدل هيئته انه كان مجازا من وحدته العسكرية. عندما اقترب المجاز من المسلح عاجله الاخير بصفعة قوية صارخاً "روح اوكف هناك". ازدادت حدة الاشتباكات و ازداد توتر الجو و بعد حوالي 20 دقيقة صرخ بنا المسلح "وين رايحين؟" اجاب نضال "لقاعدة البكر الجوية" صرخ المسلح "اطلع ولا توكف"

و كان هذا ما فعلنا. لم نجرؤ حتى على النظر الى الخلف. عند المساء اجتمعنا في غرفة التلفزيون بانتظار الاخبار. فلم يظهر سوى خبر صغير لاداء احد المحافظين قسم اليمين. كانت التسجيل الصوري قصيراً جداً بدا فيه صدام حسين متوتراً و صامتاً بينما كان خالد عبد المنعم رشيد مرعوباً.

عند العشاء يوم الجمعة التالية عاد المجازون و عند دخول نائب ضابط الاستخبارات ابو فراس صار يتبجح ببطولة الحماية و قضائهم على اعضاء حزب الدعوة "العميل". الجندي أ . حزقيا حدَثنا عن مشاركة ابناء عمومته ضمن الحرس الخاص في الانقضاض على المهاجمين في انزال من طائرات الهليكوبتر. في نشرة الاخبار المسائية ظهر طه ياسين رمضان في خبر عن زيارته لمنطقة الدجيل و اشرافه على مشاريع تطوير المدينة التي تشمل تحوير الساحات و شق طرق جديدة. في اللقطة التلفزيونية ظهر طه رمضان في قمة تل ترابي و بلدوزر يجرف الارض خلفه.

في الصباح بان حجم الضرر بالمدينة اذ امتدت جذوع النخيل المقلوعة على جانبي طريق الموصل لعدة كيلومترات ربما في اشارة ردع لمن يفكر بتكرار الامر.

بعد بضعة اسابيع ذهبت مع الجندي رزكار نادر قادر الى بدالة الدجيل لمكالمة هاتفية و عندما كنا ننتظر دورنا في المكالمة دخل رجل بملابس مسؤل حزبي فسأله أحد المنتظرين عن توزيع هواتف العوائل العشرة من حزب الدعوة على بقية سكان الدجيل فأجاب المسؤل الحزبي "عددهم 24 و سيتم توزيع خطوطهم على المواطنين المسجلين على خطوط هاتفية"

كرَادة لندن - 13 تشرين الاول 2006

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات