أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميسون خليل - جنيات إنيشرين















المزيد.....

جنيات إنيشرين


ميسون خليل

الحوار المتمدن-العدد: 7543 - 2023 / 3 / 7 - 20:22
المحور: الادب والفن
    


الحرب... الثأر... اليأس... السأم... وأشياء أُخرى... كوميديا بعباءة تراجيدية.
سيناريو واخراج مارتن ماكدون تمثيل كولين فاريل, بريندان جليسون, كيري كوندون, باري كيوغان.
أُختير موقع أحداث فيلم (جنيات إينشيرين) في واحدة من قرى إيرلندا المعزولة لتكون مسرحاً لأحداثه... قرية يحتلها السأم... بعد أن ذهب من فيها الى الحرب ولم يبقَ غير المسنين وعجائز ينتظرن الأبناء... بيوت خاوية تحيط بها سهول واسعة وممتدة ومطعم وحيد يتجمع فيه بعض المحبطين... وحول ممرات العابرين صخور جرداء حادة, يتوقف عندها البعض أحيانا, ليسمعوا أصوات المدافع الآتية من الطرف الآخر للبحيرة... فيتأكدوا أن الحرب مازالت مشتعلة وتستمد وقودها من أرواح الناس, بإشارة الى الحرب الأهلية التي يتناول الفيلم فترتها الأخيرة عام 1923, واضعاً المُشاهد أمام حكاية ليست ككل الحكايات... فالحرب التي تسببت بكل هذا الخراب النفسي يشير لها الفيلم من خلال ما يرد من أخبار عنها والتي تتجسد في صراع الشخصيات ليكونوا نموذجاً لتلك الحرب, لتشكل هاجس الفناء في القرية التي اختارها الفيلم ساحة لأحداثه, إنطلاقاً من عنوانه الذي يحمل اسم أغنيةٍ تشير الى خرافة معروفة في فلكلور شعوب (الستلك) وتحديدا في مناطق إيرلندا وأسكتلندا. وحسب الترجمة الحرفية تعني ( الجنيات النائحات) ذلك النواح أو نعي الموتى ليلا يعتبر مصدر نحس وشر والذي يُوحي بموت شخص ما من عائلة من يسمعه فقط, مثل كثير من خرافات النحس وسوء الطالع المتعارف عليها, كإشعال ثلاثة سجائر بعود ثقاب واحد والتي أُشيعت بعد الحرب العالمية الثانية, أو ما يرد حول طائر الغراب في حكايات الشرق وغيرها من رموز التشاؤم التي ارتبطت بذاكرة وأحزان الشعوب, كما ترد ايضا في سومريات وادي الرافدين.
وكما ذكرنا في البداية فلا وجود لحكاية معتادة... بل يضعنا كاتب ومخرج الفيلم (مارتن ماكدونا) وهو مؤلف مسرحي أمام أحداث غريبة قاعدتها الأساس هو الشعور بالسأم, ورتابة الأيام, واللاجدوى ثم الإنتقام من خلال تناول حياة صديقين إعتادا على اللقاء كل يوم ليتبادلا حكايات أُعيدت مرات... حتى يقرر أحدهما وهو(كولم) التوقف عن هذه الرتابة والابتعاد عن صديقه (بادريك) فجأة... كما لو أنه تذكر أنّ هنالك أشياء يجب عملها, أولها اتمام لحن جديد يخلده لكنْ بعد فوات الآوان... فذلك الرفض يدفع بالآخر تدريجيا الى مطاردته, محاولا استعادة العلاقة الى ما كانت عليه, مختلقاً الأسباب والقصص للتقرب منه... يتبعه الى بيته,الى الحانة, الى البحيرة أو الى أي مكان يلوذ به, إلا أنّ صديقه (كولن) يصر على ذلك الإبتعاد والتحدي للرفض دون سبب سوى أنّ بادريك كان مملا, وإنْ كان طيب القلب, غير أنّ تلك الشخصية الطيبة ولأنها ساذجة سرعان ما تغير قناعاتها وتتخلى عن صفاتها لتتحوّل مع استمرار الرفض الى شخصية عدائية, فيضطر لإرتكاب حماقات تدفع به الى ماهو أشد قسوة, خاصة أنّ محيطه لم يكن قادرا على مساعدته, فمحاولات أُخته التي كانت تقيم معه لتهدئة قلقه, لم تجدي نفعا لتفاقم شعوره بالوحدة التي تعصف به, بل أنّ ذلك الإضطراب النفسي يتكشف أكثر بعد رحيل الأخت التي هاجرت الى المدينة وقد شارفت الحرب على نهايتها عسى أن تحصل على فرصة عمل وقد خسرت سنوات من العمر, قضتها في الإنتظار دون جدوى. ومما يزيد من مرارة الشعور بالوحدة, حين يحاول الشاب(دومنيك) المضطرب عقليا مساعدته, وهو نموذج لطبيعة من تبقى من الشباب ولم يذهب للحرب كأقرانه, في حين أنه هو الآخر كما يطرحه الفيلم كان يعاني من إعتداء وتعنيف أبيه وعدم تقبل سكان القرية له, لينتهي به المطاف منتحرا بطريقة غامضة كما أُوحيّ في الفيلم, محققا بذلك نبؤة العجوز (ماكورماك) التي اختارها المخرج لتكون ذلك النذير الذي يعدهم بالشؤم كما لو أننا في جو شكسبيري كما أشار الكثير من النقاد, فأضافت سحرا مسرحيا لأجواء الفيلم وكانت رمزا مهما وُظّف لاكتمال الفكرة.
في هذا الجو الكابوسي المعبأ بسخرية المخرج عبر رموز مشفرة مثيرة للجدل, يواصل (بادريك) حماقاته المتتالية على أمل أنْ يجد سبيلا لإستعادة صديقه الذي أصر على الرفض حتى النهاية, فأحاله محطما ووحيدا.. يصطحب حماره الى داخل البيت ويشاركه أيامه مدفوعا بذلك التوق لإيجاد كائن يواسيه ويخفف وحدته, بعد أَنْ نصحه الجميع بقبول قرار صديقه (كولم) الذي هدد بقطع إصبع من أصابعه كلما حاول (بادريك) إقتحام عالمه, دافعاً بذلك الإحتدام الى نهايات غريبة كابوسية... ويفعل, فيقطع أصابعه تباعاً. هكذا يتحول الإصرار الى صراع عنيف بعد أن عجز الجميع بما فيهم رجل الدين عن إعادة العلاقة بين الصديقين الى مسارها الطبيعي, لهذا تأتي الأفعال التي يتخذها (بادرك), مدفوعا بذلك الاضطراب... محيلة النتائج الى مآسٍ, إِذ يندفع بادريك الى حرق بيت كولم بعد أنْ تسبب الآخر بموت حماره.
إنها دراما ساخرة... يتحول فيها الشخص الودود الى عنيف وعدواني. أما الآخر فيشوه ذاته متعمدا, ويدمر حياته بتقطيع أصابعه تباعا مكتفيا بالركون الى أسباب عجزه, بعدم اكتمال لحنه الذي حمل اسم الفيلم (جنيات إنيشيرين)
يعتبر هذا الفيلم أفضل أعمال المخرج (مارتن ماكدونا) حسب رأي الكثير من النقاد بما يحمل من مضامين إنسانية وطرح جديد. غير أنني أرى أن هنالك بعض المشاهد البسيطة التي بدت لي أقل إقناعا, كان بالإمكان أختزال مشهد قطع الأصابع للمرة الثانية ليبدو الفعل استنتاجيا وليس فعلا مكررا لمشهد قطع الإصبع الأول.كما أن بعض اللقطات من زوايا مختلفة لمشهد دفن الحمار بدت قليلة التأثير.
في نهاية القول... هو فيلم قدّم فيه كادر التصوير أجمل ما يمكن وتحرك المخرج داخل عوالم الحدث الرتيب بهدوء تام, تدعمه الموسيقى المعبرة وعناصر الفيلم الآخرى ليظهر لنا بشاعة الحرب الأهلية وتدميرها للعلاقات الإنسانية من خلال حكاية كوميدية بسيطة بدلالات شاملة ليقود الأحداث الى نهايات غير متوقعة وغير محسومة وذلك يعطي الفيلم تفردا.
قدم الممثلون عزفاً أدائياً رائعا... يكاد ينسيك أداءُ كل واحد منهم الآخر... ليكونوا جميعا في نهاية الأمر قد عزفوا وبطريقة مدهشة لحناً اسمه السأم.
فيلم(جنيات إنشيرين) اِستطاع أن يجد له مكانة بين افلام عام 2022 المتميزة, بل وحصل على جائزة (غولدن غلوب لأفضل فيلم كوميدي) كما شارك في مهرجان فينيسيا السينمائي ليحصل على جائزة أفضل سيناريو وأفضل ممثل فاز بها (كولن فاريل) وربما ستكون له فرصا اكثر للحصول على جوائز مهمة أُخرى.



#ميسون_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطرات دم على رغيف ساخن
- الكعب العالي
- نقد وتحليل فيلم دوكفيل


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميسون خليل - جنيات إنيشرين