أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - رُوزنامةُ الأسبوع ـ المَوتُ فِي زَمَنِ الزَّلازل!















المزيد.....


رُوزنامةُ الأسبوع ـ المَوتُ فِي زَمَنِ الزَّلازل!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 04:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاثنين
قبل أسبوعين احتفت الرُّوزنامة بمعرض الفنَّان عصام عبد الحفيظ في قاليري "داون تاون" بالخرطوم، كواحدة من أجمل أمسيات المدينة، وأكثرها لطفاً وأناقة، خاصَّة وأن عصاماً يُعتبر الوريث الشَّرعي للسُّلالة الماجدة من التَّشكيليِّين الكبار.
الشَّاهد أنه لو كان قُدِّر للمرء أن يهبط على تلك المناسبة بغتة، دون مقدِّمات، لتملَّكه انطباع مضلِّل بأن ذلك هو حال التَّشكيل، دائماً، في جميع أمسيات العاصمة ومدن السُودان الأخرى! بل ولكان هذا التَّضليل قد استحال "وهماً إعلاميَّاً" فحواه رعاية نظام الانقلابيِّين الحالي للفنون، خصوصاً البصريَّة، كالسـينما، والمسـرح، والفوتوغرافيا، والنَّحت، والفولكلور، والرَّقص، والأزياء، وسائر الطُّقوس والممارسات الشَّعبيَّة!
وللتَّأكيد على "الواقع المأساوي" المخالف لهذا "الوهم" يكفي أن نوثِّق لبضعة أمثلة من أوضاع "الحرِّيَّات الابداعيَّة" المزرية، ضمن البؤس الشَّامل لجميع الحريَّات والحقوق خلال عشرة أشهر فقط من انقلاب 25 أكتوبر 2021م.
ففي الخامس من أبريل الماضي اعتقلت الاستخبارات العسكريَّة، في سياق القمع العام للمتظاهرين، والصَّحفيِّين، والناشطين، وضربهم، ونهبهم، خمسة فنَّاني جداريَّات، على رأسهم أحمد الصَّادق "ميدو"، واقتادتهم إلى مكان مجهول، لكنها ظلت تنكر معرفتها بهم، مكبِّدة ذويهم وأصدقاءهم مشقَّة البحث، بلا طائل، في جميع أقسام الشُّرطة، ومشارح المستشفيات، ليتأكَّدوا، لاحقاً، أنهم احتُجزوا بسجن سوبا، ثمَّ نُقلوا إلى سجن "دبك"، لكنَّهم مُنعوا من مقابلتهم، فاضطُّرُّوا لتنفَّيذ وقفة احتجاجيَّة أمام مكاتب الأمم المتَّحدة، مطالبين بإطلاق سراحهم فوراً، أو تقديمهم لمحاكمة عادلة، خاصَّة وقد تجاوز حبسهم 42 يومًا دون تُهم محدَّدة، أو السَّماح بمقابلة أسرهم أو محاميِّيهم. وفي الأثناء علم ذوو "ميدو"، النَّاشط في تعليم الرَّسم، ومحاربة العادات الضَّارَّة، بتعرَّضه للضَّرب، حدَّ سلخ الجلد، فضلاً عن تعرض بقيَّة الفنَّانين المعتقلين للإيذاء وعنف المعاملة، كمعتز النعيم "عزو" ـــ 19 عامًا ــ الذي ضُرب، مراراً، بكرسي على رَّأسه، حدَّ الاصابة بارتجاج المخ، وفقدان الوعي!
وفي العشرين من أكتوبر 2022م داهم مجهولون ملثَّمون، برفقة قوَّة شرطيَّة، على متن أكثر من 10 سيَّارات دفع رباعي، معرض "مجموعة المعمل المدني"، الشَّامل للوحات تَّشكيليَّة، وورش سينمائيَّة، وعروضٍ دراميَّة، وحوارات ثقافيَّة، وصادر المداهمون اللوحات، واختطفوا موسيقيِّين، ومصممي جُّلود، وبعض العاملين والرُّوَّاد! وقد أدانت "المجموعة" تلك المداهمة، كما أدان تجمُّع الاجسام المطلبيَّة "تام" ذلك المسلك الاجرامي، وطالبوا بإطلاق سراح المحتجزين، وفكِّ أسر الفن، ووقف الاعتداء على الفعاليَّات الثَّقافيَّة، معتبرين تلك الخطوة حلقة في سلسلة انتهاكات السُّلطة الإنقلابيَّة للحرِّيَّات، شاملة حريَّة الفن، بمخالبها العسكريَّة، وتشكيلاتها المسلَّحة التي تستخدم الأسلحة المضادَّة للطيران، وبنادق الكلاشنكوف، وبنادق الخرطوش التي تطلق المقذوفات المتناثرة، والمسدَّسات التي تعمل بالليزر، وتسبِّب كسوراً في الأذرع، علاوة على الأسلحة البيضاء، والقنابل الصَّوتيَّة، وعبوَّات الغاز المسيل للدُّموع تطلق على الوجوه والأجساد مباشرة، وذلك قمعاً للاحتجاجات المطالبة بإسقاط انقلاب 25 أكتوبر2021م الذي قطع الطريق أمام الحكم الانتقالي والسُّلطة المدنيَّة.
وكان البرهان قد أعاد، بموجب أمر طوارئ في منتصف يناير 2022م، السُّلطة التي كانت لعناصر المخابرات في العهد البائد، كما منح القوَّات العسكريَّة حصانة من المساءلة عن أيِّ جرائم قد ترتكبها ضدَّ المتظاهرين! وفي 15 يناير المنصرم (2023م) وقع هجوم مسلَّح على معرض "مؤسَّسة مساحة جالوص الفنيَّة"، حيث أصيب ثلاثة أشخاص، ونُهبت أربعة أعمال فنيَّة. وفي بيان للمؤسَّسة، أوضحت قائلة: "عقب يوم من افتتاح معرض (ما بعد الأسطورة) للفنَّان محمَّد صدِّيق؛ اقتحم مقرَّنا بشارع كترينا، في حي الخرطوم/3، مجموعة مسلَّحين بأسلحة بيضاء يفوق عددهم ثلاثين شخصاً .. تعدُّوا على المتواجدين .. من الفنَّانين والعاملين، حيث أصيب محمد صدِّيق بكسر في ساعده الأيمن، ومصطفى عثمان في رأسه، ويوسف سواحلي في يده، والحسن يحيى بجروح ورضوض .. ونهبوا أعمالاً فنيَّة لخالد كاجولي وأشرف عبد المنعم، وكسَّروا إطار لوحة لوليد محمَّد، وأخرى لمظفَّر رمضان، وحطَّموا أعمال تلوين على الفخار للمغيرة عبدالباقي .. كما نهبوا بعض الآلات الموسيقيَّة"! وأضاف البيان قائلاً: "ظل السُّؤال عن دور الفنَّان الاجتماعي، ضمن قضيَّة الهويَّة الثَّقافيَّة، ملازماً للحركة الفنيَّة منذ أول جيل من متعلمي وخريجي مؤسَّسات الدَّولة الحديثة الأكاديميَّة، وحتى يومنا هذا. كما شهدنا ونشهد دور الفنِّ وقدرته على إحداث التَّنوير والتَّغيير، لأجل إرساء قيم السَّلام، والتَّعايش، والاحتفاء بالاختلاف، في وطن يسع الجَّميع. هذه هي القيمة التي تجتمع حولها كلُّ أطياف المشتغلين بهموم الفعل الجَّمالي، والتي تدفعنا لخلق مساحة ثقافيَّة متعددة ومتنوعة النشاط يجد شباب وشابَّات السُّودان فيها فضاء للاسهام في رفد المعارف الإنسانيَّة". وفي خاتمة البيان عبَّرت المؤسَّسة عن إصرارها على استمرار معرضها، في نفس مقرِّها، بجميع أنشطته الثَّقافيَّة التي تشدِّد على إفشاء القيم المدنيَّة، والتَّمسُّك بالحقوق، وبوجوب كفالةً حريَّة التَّعبير، والبحث الجَّمالي، كهدفٍ جوهريٍّ.

الثُّلاثاء
حقَّ لمنظَّمة "آفاز" الخيريَّة العالميَّة، وهي تستنفر التَّبرُّعات والمساعدات، تشبيه زلزال سوريا وتركيا، بيوم القيامة (!) حيث قتل، خلال اليومين الأوَّلين، ١٢ ألف شخص، ولا يزال آلاف غيرهم تحت الأنقاض! لكن لم يفُت على المنظَّمة أن تلاحظ اختلاف الوضع في سوريا، للأسف، عنه في تركيا، من حيث توفُّر التَّجهيزات التِّكنولوجيَّة في اﻷخيرة، مقارنة مع الأولى التي حرمت الحرب ملايين ضحاياها من آليَّات ومواد العـون الدَّولي، فضــلاً عمَّـا لحـق بمـرافقها الصِّــحِّيَّة مـن دمـار شامل!
رغم هذه الأوضاع المادِّيَّة الحرجة، فإن الإنسان الباسل في سوريا ما يزال هو الانسان الباسل، حيث ما انفكَّ الأبطال الشِّجعان، "متطوعو الخوذات البيضاء"، يحفرون ليزيلوا الأنقاض بأيديهم العارية، من أجل إنقاذ العالقين تحتها. ومع أن هؤلاء أفضل أمل للضَّحايا، إلا أنهم في مسيس الحاجة، بأقصى سرعة، للآليَّات، وللوقود اللازم لتشغيلها، ولمواد إنشاء مراكز الإيواء للناجين. وهذا ما تجهد "آفاز" في استقطابه؛
وفَّقها الله، ورعى بذلها النَّبيل، وبذل كلِّ الأخيار في دعم مدنيِّين أبرياء، فرضت عليهم حكومة الأسد هذا "الموت في زمن الزَّلازل"!

الأربعاء
على حين كان الأهل والرِّفاق عاكفين، ظهر الأربعاء الماضية، على مواراة حبيبنا عبد الرحمن الزَّاكي ثرى احمد شرفي، كنت عاكفاً على اجترار الذِّكريات، وحدي، خارج السُّور الغربي للمقابر، جرياً على عادة ما انفكَّت تلازمني مذ أجبرتني عليها نصيحة أطباء كُثر، كان هو أوَّلهم، بألا أجوس، بقدم السُّكري، كما يسمُّونها، بين شواهد الحديد الصَّدئ، لا ليلاً ولا نهاراً.
نعم وحدي، وسخين الدَّمع مـلء المآقي، فليس ثمَّة ما يوجع القلب، يهصره، بل يفتِّته، ويكاد يكتم النَّبض فيه، أقسى من رحيل إنسان عزيز. ولقد صدق، حقَّاً، مَن قال إن التَّرحُّم أوجب، من باب أولى، على من عاش دون أعزَّائه، فالحياة، آنئذٍ، وجعٌ كفى به موتاً! وإنك، لتبحث، في مثل هذه اللحظات، عن حفنة كلمات تسكِّن بهنَّ البلبال، ومَّا يعتمل بين الجَّوانح، وما يكاد ينشقُّ له الصَّدر، فلا تجد غير الدَّمع الهتون، والأنين الكتيم، والذِّكريات الصَّامتة!
لقد راح يهمي عليَّ، من وراء نصف قرن، وأنا بانتظار الفراغ من مراسم الدَّفن، نثيث ناعم لذكريات الشَّباب العذبة مع الحبيب الرَّاحل، أوان كان يتقاسم السُّكنى، مطالع السَّبعينات، مع صفيِّه محمَّد محي الدِّين، عليهما الرحمة والرّضوان، وصفيِّهما الثَّالث الذي أشفق عليه من وقع الفاجعة، وهو وحيد في غربته الشَّاهقة، على عبد الله! هكذا عادت بي الذَّاكرة إلى موسكو، إلى داخليَّة الطب بجامعة الصَّداقة، في منطقة صُورَكْفْتَرُوي، حيث كان مسكنهم العابق كرماً قبلة جميع الأصدقاء القادمين، ليس، فقط، من كييف، وليننغراد، وخاركوف، وسمفروبل، ومنسك، وطشقند وباكو البعيدتين، وسائر بلاد السُّوفييت، آنذاك، بل حتَّى من خارج حدودها.
كانت شتاءاتنا دافئة بالمحبَّة، وأصيافنا رطبة بالمرح، والسُّـودان مـلء الخواطر في كلِّ ثانية، وفي حدقات العيون مع كلِّ نبضة، وملتقى الآمال، ومحطَّ الاحلام، ودافِع البذل الأكاديمي، ومعقد إزار التَّشهِّيات الحلوة بالعودة لخدمته بالمهج والأرواح.
وربَّما لا يعلم الكثيرون، أن حبيبنا الرَّاحل، بقدر ما كان قدوتنا في التَّفوُّق العلمي، وقتها، حتَّى لقد صار، لاحقاً، أحد أشهر جرَّاحي العظام في المنطقة كلها، كان، كذلك، أحد أبرز المغنِّين الطلاب، بصوته العذب، وقدرته الرفيعة على التَّطريب، دَعْ التواضع الجَّم، والظلَّ الخفيف، والأنس الرَّاقي، والحسَّ العالي بالفكاهة، وكان كثيراً ما يردِّد: "لو ما الحزب الشِّيوعي أنا كنت بقيت راعي"! وقد ظلَّ عبد الرَّحمن، بالفعل، مقدَّم المكانة في الاخلاص للوطن، والوفاء للحزب الشِّيوعي، ولأهله وعشيرته في الفاشر، مرتع الصِّبا، وبواكير الشَّباب، حيث درس المرحلة الثَّانويَّة، وزامل، في المدرسة والحزب، صديقه الحميم شهيد ثورة أكتوبر الأوَّل احمد القرشي طه.
أنهينا دراستنا الجَّامعيَّة، وتقاطرت أفواجنا عائدة للوطن، كي ننضمَّ إلى زملائنا الخرِّيجين من داخله وخارجه، حاملين الشِّهادات في شتَّى التَّخصُّصات. ومتتشوِّقين لردِّ جميله عليهم بمختتلف الوجوه. لكنَّ أحداً منهم ما كان ليتصوَّر أن الديكتاتوريَّات تضمر لأغلبهم، مثلما لأغلب بنات وأبناء جيلهم، وأجيال سابقة ولاحقة، أياماً في حُلكة سجم الدَّواك، لتحدِّد مصائرهم بين الملاحقة والسُّجون، من جهة، وبين مغتربات الخليج، ومهاجر واق الواق، من جهة أخرى!
هكذا كان نصيب حبيبنا الرَّاحل قضاء سنوات طوال من عمره بليبيا، فتباعدنا، ولم يُكتب لنا أن نلتقي مجدَّداً حتَّى عودته، وانضمامه، مؤخَّراً، إلى كوكبة زملائه وزميلاته بمستشفى "تُُقى" بأم درمان، حيث يشهد له الكثيرون بأنه لم يكن يكتفي ببذل العلاج لمن يعرف ومن لا يعرف من ذوي الدَّخل المحدود مجَّاناً، وإنَّما كان يصرف لهم الدَّواء، أيضاً، من جيبه الخاص!
ربَّنا إنا لا نزكِّي عبد الرحمن عليك، لكن الموت ينهي حياة، ولا ينهي علاقة. لذا سنعيش، ما حيينا، مع كلِّ معنى طيِّب وهبته إياه، وتركه لنا وراءه، وسنبقى نذكره بأجمل ما يُذكر به إنسان، حتَّى نلتحق به، وسنفتقده، ونحِنُّ لوجوده، ونبكيه بدمع الحسرة، لكنَّا لا نقول إلا ما يرضيك [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]، فنسألك بحقِّ جاهك، وجاه نبيِّك الكريم، أن تجعله من السَّاكنين جنتك، المقرَّبين إليك، المرضي عليهم منك، وأن ترحمه، وتغفر له، وتجبر كسر قلوب أهله، وأحبابه، ومرضاه، وقلوبنا، أجمعين، وأن تلهمنا، من بعده، جميل الصَّبر والسُّلوان.

الخميس
عندما أعلن الحزب الشِّيوعي أنه لن يتعامل مع "الكُُتل السِّياسيَّة"، وإنَّما، فقط، مع "مكوِّناتها" فرادى، "استهجن" قادة ورموز "المجلس المركزي للحريَّة والتَّغيير" ذلك الإعلان! لكن، بصرف النَّظر عمَّا إن كان موقف الحزب صحيحاً أم خاطئاً، فثمَّة خبران مترابطان يرجَّان مشروعيَّة ذلك "الاستهجان" رجَّاً:
فقد ورد الأسبوع الماضي أن "الرُّباعيَّة" الدَّاعمة لـ "الاتِّفاق الاطاري"، والمكوَّنة من الولايات المتَّحدة، والمملكة المتَّحدة، والمملكة السُّعوديَّة، ودولة الامارات، طرحت مبادرة لعقد لقاء يضمُّ قائد الانقلاب البرهان، ونائبه حميدتي، وممثِّلين للموقِّعين على "الاتِّفاق الاطاري"، مع مني مناوي، وجبريل ابراهيم، وجعفر الميرغني، لمناقشة انضمام غير الموقِّعين للعمليَّة السِّياسيَّة!
من جهة أخرى فإن ياسر عرمان، رئيس الحركة الشَّعبيَّة ـــ التَّيَّار الدِّيموقراطي، وأحد قادة القوى الموقِّعة على "الاتِّفاق الاطاري"، شاملة "المجلس المركزي للحريَّة والتَّغيير"، أكَّد، حرفيَّاً، أن اللقاء بين "الحريَّة والتَّغيير"، وبين مني مناوي، وجبريل إبراهيم، وجعفر الميرغني، سيعني اللقاء مع "تنظيماتهم"، أي "فرادى"، وليس مع "الكُُتلة الدِّيموقراطيَّة"!
فإذا أخذنا في الاعتبار أن تصريح عرمان هذا يطابق، من جهة، تصريح الحزب الشِّيوعي، معنى ومبنى، ويشمل، من جهة أخرى، التَّعبير، بالضَّرورة، عن موقف "الحريَّة والتَّغيير"، أفيعود ثمَّة معنى لذلك "الاستهجان"؟!

الجُّمعة
في وقت متأخِّر من ليل الجُّمعة 10 فبراير 2023م، تابعت، بمزيد من المتعة، إعادة "سودان بكرة" بثِّها للنَّدوة الفكريَّة التي عقدتها نقابة الصَّحفيِّين حول "دور الاعلام في محاربة خطاب الكراهيَّة"، بمقرِّها بالخرطوم، في 29 يناير 2023م. وفي ما يلي ثلاث ملاحظات بشأنها:
(1) تميَّزت النَّدوة بمستوى راقٍ جدَّاً من التَّداول، سواءً من المتحدِّثين الرَّؤساء أو المناقشين، إذ أبدوا جميعاً معرفة بالموضوع، وتقيُّداً بالحديث في صلبه، مقارنة بـ "الهردبيس" و"تشتيت الكُرة" اللذين أضحيا، للأسف، سمة ملازمة للكثير من الفعاليَّات المشابهة، حتَّى أنك ما تلبث أن تأسى لممارسات "تعلُّم الزِّيانة على رؤوس اليتامى"، ثمَّ سرعان ما تفقد شهيَّة المتابعة!
(2) افتقدت، بين المشاركين، كلاً من فيصل الباقر ومديحة عبد الله لسـبب أساسي، وهو أن الباقر كان المنظِّم والمدير لأوَّل مؤتمر من نوعه في السُّودانين، شمالاً وجنوباُ، حول نفس المسألة، وهو "مؤتمر المناصرة لمناهضة خطاب الكراهيَّة وتأكيد دور الميديا في فضِّ النِّزاع، واحترام وتعزيز حقوق الانسان في/ وبين جمهوريَّتي السُّودان وجنوب السُّودان"، والذي انعقد في نيروبي، بمبادرة من منظَّمة "صحفيُّون لحقوق الانسان ــ جهر"، خلال الثَّاني والثَّالث من أكتوبر 2014م، بمشاركة صحفيِّين وكتَّاب صَّحفيِّين من البلدين، أمَّا افتقادي لمديحة في ندوة النَّقابة، فلأنها كانت من المشاركين الأساسيِّين، ضمن وفد السُّودان، في مؤتمر نيروبي الذي كان لنا، أيضاً، شرف المشاركة فيه. كما كان في مقدِّمة وفد جنوب السُّودان المرحوم ديريك ألفريد، رئيس تحرير صحيفة "خرطوم مونيتور" التي صارت "جوبا مونيتور" بعد الانفصال/ الاستقلال. ولقد احترت كون حسين سعد، أحد متحدِّثي ندوة النَّقابة، أغفل الاشارة لمؤتمر نيروبي، مع أنه كان من أبرز المشاركين فيه ضمن وفدنا! وقد اختتم المؤتمر أعماله بإصدار "إعلان نيروبي" الذي وقَّعنا عليه في الحادي والعشرين من نفس الشَّهر (راجع قوقل).
(3) رغم أنني حرصت على المتابعة الدَّقيقة لجميع مداخلات ندوة النقابة، وخلصت إلى أنها، كما سبق وأشرت، تميَّزت بمستوى رفيع، إلا أن ثمَّة إشادة خاصَّة تلزمني، عن استحقاق، بمستوى طرح الجَّميل الفاضل.
مع ذلك، ما زال في نفسي شئ من حتَّى إزاء الادراك السَّائد، سواء في ما تمَّ تداوله بالنَّدوة، أو في أدبيَّات الأمم المتَّحدة نفسها، بشأن مفهوم "خطاب الكراهيَّة"! فماذا، على سبيل المثال، بشأن الخطاب "الكاره"، عن حق، لـ "الامبرياليِّين"، و"العنصريِّين"، و"الصَّهاينة"، و"النَّازيِّين الجُّدد"، و"رموز النِّظام الإسرائيلي"، و"الأعداء الطَّبقيِّين" للعمَّال، والمزارعين، وسائر الكادحين؟! لقد سبق أن أثرت نفس هذا التَّحفُّظ خلال مداولات مؤتمر نيروبي، وأذكر أن مديحة أبدت اعتراضها عليه دون أن يتاح لي، آنذاك، فهم منطلقاتها! فلعلَّ الفرصة تكون سانحة الآن كي نتداول فهماً يبلغ بنا ساحل قناعة مشتركة.

السَّبت
كتب عبد الرَّزاق توفيق، رئيس تحرير صحيفة "الجُّمهوريَّة" المصريَّة، قبل أيَّام، مقالاً نشره، فضلاً عن موقع الصَّحيفة على الشَّبكة الأسفيريَّة، موقع "القاهرة 24"، أيضاً. ولم يستخدم الكاتب أسلوب مداراة الخطاب، بل جاء غير مسبوق في فظاظة لغته، وفجور خصومته باسم مصر، حاملاً، بشكل سافر، سبَّاً علنيَّاً، وإساءة بالغة للمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، دولة وحكَّاماً، وذلك في أعقاب قرارها بوضع آليَّة جديدة لمساعداتها الخارجيَّة، بالتَّزامن مع ما تشهده مصر، حاليَّاً، من أزمة اقتصاديَّة حادَّة!
جاء مقال توفيق بعنوان "الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال"! وقال فيه: "هناك أغبياء أعماهم المال يدركون أنه لو حدث مكروه لمصر فلن يبقوا دقيقة واحدة بعدها، وأنهم مجرد تفاصيل وتوافه"!
وقال: "شكرا للمحن، والشَّدائد، والأزمات التي تعرِّفنا بالفرسان من الأندال، وأولاد الأصول من اللقطاء"!
وأردف إلى ذلك: "ليس من حقِّ اللئام والأندال ومحدثي النِّعمة أن يتطاولوا على أسيادهم"!
واستطرد بقوله: "هم مجرَّد هواء وفراغ يتلاشى بمجرد هُبوب عواصف بسيطة .. لكنَّ مصر هي الجِّبال الرَّاسيَّات الشَّامخات"!
وتابع قائلاً: "ليس من حقِّ دويلات عمرها لا يزيد على عمر أصغر أبنائي أن تتحـدَّث عـن مصـر إلا بالأدب، والإجــلال، والاحــترام"!
وأضاف، متجاوزاً المملكة إلى "غيرها"، بغمز لا يحتاج إلى كثير ذكاء لإدراك مرماه: "إذا كان يمكنهم شراء بعض أصوات وأبواق الأقزام، والعملاء، والمرتزقة، فلا يمكنهم شراء التَّاريخ، والحاضر، والمستقبل"!
أثار المقال ضجَّة عارمة ليس في السُّعودية، فحسب، بل وفي مصر ذاتها، في خضمِّ توتُّر يرى فيه البعض تعبيراً عن أزمة مكتومة بين البلدين! ويجدر، على هذا الصَّعيد، ذكر مسألتين مهمَّتين لأجل القراءة الأفضل لهذا المقال:
أولاهما: أن بوادر الأزمة المشار إليها لاحت بالتَّزامن مع احتضان القاهرة لما سمِّيت "ورشة الحوار السُّوداني - السُّوداني"، خلال الفترة 2 -7 فبراير الجَّاري برعاية الحكومة المصريَّة، وهي فعاليَّة حشدت لها القاهرة قوى سياسيَّة ومسلَّحة سودانيَّة بعيدة عن الرُّؤية الاستراتيجيَّة السُّعوديَّة!
وثانيتهما: أن من أبرز ردود الأفعال على مقال توفيق داخل مصر ما كتبه علاء مبارك، نجل الرَّئيس المصري السَّابق الرَّاحل حسني مبارك، في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر" واصفاً المقال بأنه: "تطاول وإساءة غير مقبولة .. في حق الأشقَّاء، وأسلوب مرفوض يستحقُّ المساءلة"! وذلك قبل أن يتم حذفه، ويعتذر عنه توفيق نفسه، في تهافت لا يخفى، بل ويكاد ينكره .. عديييييل!

الأحد
امتدح البعض، في دولة بني العبَّاس، عالِماًً خراسانيَّاًً جليلاًً وصفًوه بالحفظ، والفقه، والفصاحة، والزُّهد، والكرم، والشَّجاعة، والشِّعر الحسن، والتَّصانيف الحسان، وأنَّهم ما علموا خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله فيه. ورووا إنه قدم مرَّة الرَّقة (شمال سوريا)، وبها هارون الرَّشيد، فلمَّا دخلها احتفى النَّاس به، وازدحموا حوله، فأشرفت أمُّ ولد للرَّشيد من قصر هناك، فقالت: ما للناس؟! فقيل لها: قدِم العالِمُ فلانٌ من خراسان، فانجفل النَّاس إليه، فقالت: بخٍ بخٍ .. هذا هو المُلْك، لا مُلْك هارون الرَّشيد الذي يجمع النَّاس عليه بالسَّوط والعصا، والتَّرغيب، والتَّرهيب!

***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ قُرَّاصةٌ للطَّيِّب سيخة!
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ كَعَبْ البَنْقُو .. الكَعَبْ!
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ بَرَكَةُ الرَّشوَة!‎
- رُوزنامةُ الأسبوع لِمَ مَاتَ الرَّاهِب؟!
- كمال الجزولي: رُوزنامةُ الأسبوع الاوليغارشيَّة: أزمة السُّو ...
- رُوزنامةُ الاأسبوع ـ جواسيسٌ مثليُّون!
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ مَسَاطِيلُ النَّازِي!
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ مِحْنَةُ سَلْفاكِير!‎
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ تَصْرِيحَاتَ دَقَلُو المُسِيئَة!
- ضيفة على الرُوزنامة الشَّاعرة إيمان آدم نِسٍوِيَّة .. سَلا ...
- ضيفة على الرُوزنامة: الشاعرة إيمان آدم ـ نِسْوِيَّة .. سَلام ...
- رُوزنامةُ الأسبوع خُطَّةُ التُّرابِي العَبْقَرِيَّة
- رُوزنامةُ الأسبوع عَبُّودُ .. أُكْذُوبَةُ الشُّمُولِيِّين!
- رُوزنامةُ الأسبوع مَنْ يُعَارِضُ خِتَانَ .. الذُّكُور؟!
- كمال الجزولي: رُوزنامةُ الأسبوع ـ فِي سِيرَةِ المَوْزِ السِّ ...
- ضيف على الرُّوزنامة: محمَّد فائق يوسف حسن لَقَدْ هَرِمْنَاا ...
- رُوزنامة الأسبوع ـ سَتَأكُلونَ الذَّهَب!
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ طَقُّ الحَنَكِ .. الانقِلابِي
- رُوزنامةُ الأُسبوع مِحَنُ المُترجِمِ اليُونَاني
- رُوزنامةُ الأسبوع ـ بلاك آند وايت


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - رُوزنامةُ الأسبوع ـ المَوتُ فِي زَمَنِ الزَّلازل!