سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 7520 - 2023 / 2 / 12 - 20:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لماذا نحن متخلفون (99) .
- تقدم الشعوب وتخلفها يُبنى ويَتأسس علي حجر زاوية وحيد ومتفرد من ثقافة تلك الشعوب وإراثها القكري والقيمي , لذا نستطيع فهم لماذا هناك شعوب متقدمة وأخرى متخلفة .
-هناك ركام هائل من التجهيل والتشويه والتشويش يسود عقلية الإنسان العربي والديني متصوراً ان الأخلاق والفضيلة جاءت مواكبة للأديان الإبراهيمية وكل ما سبقها هي عبادات وثنية يغلب عليها الوحشية والهمجية وثقافة القوة والبطش وهذا غير صحيح على الإطلاق بل على العكس فقد قدمت البشرية نواميس أخلاقية رفيعة ساعدتها على الرقي والتقدم بل تفوقت على ما يقال عنه أديان إبراهيمية ,
-نعرض هنا وبشكل مختصر موجز نواميس وتشريعات أخلاقية من مجتمعات قديمة كالمصريين القدماء من خلال ماورد في كتاب الموتى كذا الثقافة البوذية الكونفوشيوسية التى تبلورت في فلسفة إنسانية ورغم ذلك قدمت مفاهيم وسلوكيات تتفوق على تشريعات وسلوكيات الأديان الإبراهيمية الداعية للقتل والذبح والكراهية والعنصرية بأوامر إلهية مزعومة .
كتاب الموتى .
- كتاب الموتى هو مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية التي كانت تستخدم في مصر القديمة لتكون دليلاً للميت في رحلته للعالم الآخر, وقد اُُستخدمت من بداية العصر الحديث للدولة المصرية القديمة حوالي 1550 قبل الميلاد .
مصطلح «الكتاب» هو المصطلح الأقرب لوصف هذه المجموعة الواسعة من النصوص التي تتكون من عدد من التعاويذ السحرية تهدف إلى مساعدة رحلة الشخص الميت إلى الآخرة وقد تم تأليف هذه التعاويذ من قبل العديد من الكهنة .
ما يهمنا في تناول كتاب الموتى هو حزمة التشريعات الاخلاقية التى أسست لها , فمن الأجزاء الأساسية في كتاب الموتى دعاء يدافع به الميت عن نفسه ويسمى الاعتراف بالنفي جاء فيه :
- "السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق .. لقد جئتك يا إلهي خاضعاً لأشهد جلالك .. جئتك يا إلهي متحلياً بالحق .. متخليا عن الباطل .. فلم أظلم أحداً ولم أسلك سبيل الضالين.. لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي .. ولم تمتد يدي لمال غيري .. لم أكن كاذباً ولم أكن لك عصياً .. ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده .. إني يا إلهي لم أجع ولم أبك أحدا.. وما قتلت وماغدرت.. بل وماكنت محرضاً على قتل.. إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا .. ولم أغتصب مالاً حراماً ولم أنتهك حرمة الأموات .. إني لم أبع قمحاً بثمن فاحش ولم أغش الكيل .. لم احرم الماشية من عشبها .. لم اصنع الفخاخ لعصافير الاله .. لم اصطاد السمك من بحيراتهم.. لم امنع المياه في موسمها.. لم اقم سدا أو عائقا امام الماء الجاري.. لم اطفي نار متأججه .. لم أتسبب في أذية أنسان .. ولم ارغم أحدا من أقاربي على فعل السيئ .. لم أناصر العمل السيئ على العمل الطيب ولم أمشي مع المعتدي .. أنا طاهر أنا طاهر أنا طاهر.. وما دمت بريئا من الأثم , فاجعلني ياإلهي من الفائزين .
- توجد تماثلات بين معتقدات المصريين المعاصرين ومعتقدات المصريين القدماء,فبداية كان هناك فكرة التوحيد والإله الواحد لدى القدماء , كما كان قدماء المصريين يعتقدون في البعث والمثول أمام هيئة قضائية مشكلة من 42 قاضيا يعترف الميت أمامهم بأنه لم يسرق , ولم يغتال أحد , ولم يكذب , ولم ولم , وكل ما لم يكن يفعله من سيئات في حياته في الدنيا .
ما يهمنا قي هذا البحث تفسير سرتقدم وتفوق حضارة المصريين القدماء من مثل هكذا ثقافة تعتني بالخير والسلم والأخلاق لتتبدد للأسف أخلاقهم وثقافتهم وحضارتهم مع حلول ثقافة البدو وهيمنتها.
الفلسفة الصينية .
- يصعب إختزال الثقافة والفسفة الصينية في سطور قليلة , لذا نكتفي بإلقاء ضوء سريع ومختصر علي كونفوشيوس كأول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي , ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى , ومن هنا كانت تعاليمه وفلسفته ذات تأثير عميق في الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية. ليلقب بنبي الصين رغم أنه لم يعلن انه صاحب ؤسالة من السماء بل لم يعتني بقصة الإله الخالق .
فلسفته
- كثيراً ما وُصف كونفوشيوس بأنه أحد مؤسسي الديانات , وهذا تعبير غير دقيق إن لم يكن خاطئاً , فمذهبه ليس ديناً فهو لا يتحدث عن إله أو السماوات وإنما مذهبه هو طريقة في الحياة الخاصة والسلوك الاجتماعي والسلوك السياسي ,
- مذهبه يقوم على الحب .. حب الناس وحسن معاملتهم والرقة في الحديث والأدب في الخطاب ونظافة اليد واللسان , كما يقوم مذهبه على إحترام الأكبر سناً والأكبر مقاماً وعلى تقديس الأسرة وعلى طاعة الصغير للكبير وطاعة المرأة لزوجها , ولكنه في نفس الوقت يكره الطغيان والاستبداد ,كما يؤمن بأن الحكومة إنما أنشئت لخدمة الشعب وليس العكس , وأن الحاكم يجب أن يكون عتد قيم أخلاقية ومثل عليا , ومن الحكم التي اتخذها كونفوشيوس قاعدة لسلوكه تلك الحكمة القديمة التي تقول: "أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ."
- يعتبر كنفوشيوس الفضيلتين الهامتين هما (جن) و (لي) والرجل المثالي يسير حياته طبقا لهما. وقد ترجمت (جن) بالحب أو الاهتمام الحميم باخواننا البشر, أما (لي) فهي تصف مجموعة من الأخلاق والطقوس والتقاليد واللباقة والحشمة.
- كان كونفوشيوس محافظاً في نظرته إلى الحياة فهو يرى بأن العصر الذهبي للإنسانية كان في الماضي. وهو لذلك كان يحن إلى الماضي ويدعو الناس إلى الحياة فيه.. ولكن الحكام على زمانه لم يكونوا من رأيه ولذلك لقي بعض المعارضة. وقد اشتدت هذه المعارضة بعد وفاته ببضع مئات من السنين,عندما ولي الصين ملوك أحرقوا كتبه وحرموا تعاليمه.. ورؤوا فيها نكسة مستمرة لأن الشعوب يجب أن تنظر أمامها بينما هو يدعو الناس إلى النظر إلى الوراء.. ولكن ما لبثت تعاليم كونفوشيوس أن عادت أقوى مما كانت عليه وانتشر تلاميذه وكهنته في كل مكان ولتستمر فلسفة كونفوشيوس تتحكم في الحياة الصينية قرابة عشرين قرناً - أي من القرن الأول قبل الميلاد حتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد.
- كونفوشيوس هو الذي حقق سلاماً وأمناً داخلياً أكثر من عشرين قرناً للصين . ولكن تقلصت قيمة كنفوشيوس في الوقت الحاضر وذلك لأن الصين الشيوعية للأسف هاجمت كنفوشيوس وتعاليمه يالرغم أن الرجل لم يروج للخرافات بل لفلسفة إنسانية تميل للمثالية ورغم ذلك لم تنقرض الكفوسية وبقت في أعماق ثقافة الشعب الصيني ,
- يرى كنفوشيوس أن الحكمة تبدأ في البيت , وأن أساس المجتمع هو الفرد المُنظم في الأسرة المنتظمة , ليتفق كنفوشيوس مع جوته في أن الرقيّ الذاتي أساس الرقيّ الاجتماعي , ولما سُأل: "ما الذي يكون الرجل الأعلى؟" أجابه بقوله :"أن يثقف نفسه بعناية ممزوجة بالاحترام". ونحن نراه في مواضع متفرقة من محاوراته يرسم صورة الرجل المثالي كما يراه والرجل المثالي في اعتقاده هو الذي تجتمع فيه الفلسفة والقداسة فيتكون منهما الحكيم. والإنسان الكامل الأسمى في رأي كنفوشيوس يتكون من فضائل ثلاث كان كل من سقراط ونيتشه والمسيح يرى الكمال في واحدة منها بمفردها بينما يراها مجتمعة وهي الذكاء والشجاعة وحب الخير, وفي ذلك يقول:: الرجل الأعلى يخشى ألا يصل إلى الحقيقة وهو لا يخشى أن يصيبه الفقر , وهو واسع الفكر غير متشيع إلى فئة. وهو يحرص على ألا يكون فيما يقوله شئ غير صحيح. ولكنه ليس رجلاً ذكياً وحسب , وليس طالب علم ومحباً للمعرفة وكفى , بل هو ذو خلق وذو ذكاء. فإذا غلبت فيه الصفات الجسمية على ثقافته وتهذيبه كان جلفاً, وإذا غلبت فيه الثقافة والتهذيب على الصفات الجسمية تمثلت فيه أخلاق الكتبة , أما إذا تساوت فيه صفات الجسم والثقافة والتهذيب وامتزجت هذه بتلك كان لنا منه الرجل الكامل الفضيلة. فالذكاء هو الذهن الذي يضع قدميه على الأرض
-قوام الأخلاق الصالحة هو الإخلاص وليس الإخلاص الكامل وحده هو الذي يميز الرجل الأعلى. إنه يعمل قبل أن يتكلم ثم يتكلم بعدئذ وفق ما عمل. ولدينا في فن الرماية ما يشبه طريقة الرجل الأعلى. ذلك أن الرامي إذا لم يصب مركز الهدف رجع إلى نفسه ليبحث فيها عن سبب عجزه. إن الذي يبحث عنه الرجل الأعلى هو ما في نفسه , أما الرجل المنحط فيبحث عما في غيره. والرجل الأعلى يحزنه نقص كفايته ولا يحزنه ألا يعرفه الناس , ولكنه مع ذلك يكره أن يفكر في ألاّ يذكر اسمه بعد موته. وهو متواضع في حديثه ولكنه متفوق في أعماله , قل أن يتكلم فإذا تكلم لم يشك قط في أنه سيصيب هدفه والشيء الوحيد الذي لا يدانى فيه الرجل الأعلى هو عمله الذي لا يستطيع غيره من الناس أن يراه. وهو معتدل في قوله وفعله. والرجل الأعلى يلتزم الطريق الوسط في كل شيء , ذلك أن الأشياء التي يتأثر بها الإنسان كثيرة لا حصر لها وإذا لم يكن ما يحب وما يكره خاضعين للسنن والقواعد تبدلت طبيعته إلى طبيعة الأشياء التي تعرض له. والرجل الأعلى يتحرك بحيث تكون حركاته في جميع الأجيال طريقاً عاماً , ويكون سلوكه بحيث تتخذه جميع الأجيال قانوناً عاماً ويتكلم بحيث تكون ألفاظه في جميع الأجيال مقاييس عامة لقيم الألفاظ .
نكتفي بهذه النبذات من فلسفة كنفوشيوس لنخرج ببعض النتائج والمقارنات :
- أن التراث الإنساني ثري وحاقل بكل القيم والنعاني الجميلة وأن وهم القيم الاخلاقية الجميلة الساقطة من السماء تتضاءل امام نواميس وضعية من حيث الرقي .. وفي الحقيقة التى لا يجب ان تتوه عن اذهاننا أن كل النواميس بشرية وضعية قلا توجد تشريعات ونواميس سمائية فالسماء لا نسقط إلا الأمطار .
- هناك بعض الجهله الذين يتصورون أن بعض نصوصهم الشحيحة قمة في الروعة ليتباهون بها كأرقي التعاليم والتشريعات فهي من إلههم الُمُفترض ويرجع هذا لجهلهم بفيض التراث الإنساني , ليكون هناك نقطة جديرة بالبحث عن هل النصوص المقدسة مقتبسة بل نُقلت حرفيا من تراث قديم أم لا ؟!
- هذا المقال كان بحثاً دسما يضم بين ثناياه مقارنة بين ما قدمه كتاب الموتي وفلسفة كنفوشيوس وما قدمته الأديان الإبراهيمية من نصوص وتعاليم مُنفرة ووحشية لأضع تلك النصوص في مواجهة النصوص الإنسانية الوضعية ولأعفي هنا نفسي من ذلك وأترك المقارنة لاصحاب الفكر التنويري.
- أؤكد على نظريتي بأن التقدم والتحضر والرقي الإنساني تصنعه الثقافة ومفرداتها لذا من السهل معرفة لماذا هم متقدمون ولماذا نحن متخلفون .
دمتم بخير .
الحضارة والتخلف نتاج ثقافة , ومن يتوهم أن ثقافته المتخلفة ستنتج تقدم فالنسيان أفضل له .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
