نصرالدين نواري
الحوار المتمدن-العدد: 7519 - 2023 / 2 / 11 - 15:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فرضت النسخة المادية للنجاح، هيمنتها على مدركات الأفراد وتمثلاتهم للحياة وأفرغتهم من حمولتهم الإنسانية، إذ جعلتهم في سباق أبديّ لتكديس ومراكمة كل "راساميلات" الزيف.. لقد صنعت لهم عوالم متخيّلة تربط النجاح والسعادة "حصرا" بحيازة أسمى الوظائف والألقاب وأفخم المراكب والفيلات والألبسة.. تلك النسخة الباهتة، التي تسوّق لها الميديا الفائقة، تستهدف إلحاق بالغ الضرر بمجموع الأفراد دون تمييز، وصيرتهم رهائن وزبائن مستدامين للرؤية التي "سَلْعَنَت" العالم وشكّلته كسوق كبير لاستهلاك مختلف الرموز المادية للنجاح..
لديك صديق وفيٌّ..جار طيّب، أسرة متماسكة، علاقات اجتماعية متينة، جسم سليم، وجه باسم، رغيف خبز، قناعة في القلب، خلوة دعاء، كتاب جليس، غيمة مطر، شمس مشرقة، ذكريات مؤنسة، لحظة هدوء وصفاء وتأمل... هذه هي النسخة الأخرى للنجاح المغيّبة عمدا، لأنها متصالحة مع الحياة، مع "الذات"، ومع "النحن"، والتي تشكّل خطرا حقيقيا على براديغم الاستعلاء الاستهلاكي الذي يصنعه كارتل الهيمنة المالية والإعلامية الساعي إلى "غَنْمَنَة" الأفراد باسم الفردانية وحرية السوق، وقد نجح في إحداث تصدّع بنيوي خطير على الذات، التي أصبحت لا ترى إلا ذاتها مشوّهة في مرآة الوضع مابعد الحداثي، إذ سلبها روحها، وجوهرها وثقافتها في العيش وفي الاجتماع الإنساني، وأحدث لها قطيعة مع أحلامها وآمالها وذكرياتها ومع عمقها الأنطولوجي والأنثروبولوجي؛ لقد آلمها إلى الحد الذي يصعب فيه جبر مجموع أبنيتها التي تُحدّد كينونتها.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟